مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الـيـومُ الــتـّـالــــي..

فتاتان فلسطينيتان تلعبان قرب الجدار الفاصل لمستوطنة نيفي ديكاليم خارج مخيم خان يونس للاجئين في جنوب قطاع غزة يوم 31 أغسطس 2005 Keystone

تتنفس غزة صعيدا طيبا، وتجهد في التحقق من وقع اقدام الغزاة الراحلين، وتحاول استنهاض حالة فرح في القلوب المكلومة..

.. لكن الاجواء المثقلة بركام الاحتلال الاسرائيلي، لا زالت تحوم في المكان وتحول دون جردة حساب صحيحة.

واذ استجاب المستوطنون اليهود لخطة رئيس وزرائهم ارييل شارون الاحادية، فان تفاصيل تطبيق خطة الفصل هذه، لا زالت تتعثر في زوايا وجنبات مخلفات مستوطناتهم الاحدى والعشرين، وأكثر فان بساطير عسكر اسرائيل تواصل الدب على وحدة قطاع غزة.

ولعل تصريحات المسوؤلين الاسرائيليين، لاسيما الوزير شاؤول موفاز، بينة واضحة وهي تواصل التاكيد على مواعيد الخروج الحقيقية لقوة الاحتلال، وانها تعطي اساببع معدودة لذلك.

بيد ان ثمة مجموعة من القضايا والمسائل التي لم تجد لها حلا حتى الان، ربما تعمل على اطالة عمر احتلال غزة الى اشعار اخر، او انها يمكن ان تتحول، كما بقايا نحو اربعين عاما من الاحتلال، الى مسامير وشظايا تعكر بصفو الحرية المنشودة.

الوزير الفلسطيني محمد دحلان، وزير الشؤون المدنية والمكلف ملف الانسحاب من غزة، لا ينفك عن التذكير بستة قضايا رئيسية تشمل المعابر والمطار والميناء والربط مع الضفة الغربية وركام المستوطنات وحركة الافراد والبضائع.

وهي ملفات، تحمل اجماع فلسطينيا ودوليا، على انه لا يمكن تجاوزها وتركها معلقة اذا ما اريد لخطة الفصل الاسرائيلية الاحادية، ان تتحول بالفعل الى انسحاب حقيقي لقوة الاحتلال من قطاع غزة.

ربما يبدو الامر هكذا .. وكانه معلق بمسالة تفاوض ووساطة واتصالات لن تلبث ان تغيب عن اذهان الجميع وعن صدارة الاخبار، لكن طرفا واحد بعينه هو السلطة الفلسطينية، سيتوجب عليه التعامل ليل نهار مع هذه الحالة المضنية.

واذا كان التعب الناجم عن 38 عاما من احتلال ذي عيار ثقيل، قد ترك اثاره البارزة على الفلسطينيين ، فان التخلص من الاعباء التي لا زالت تعترض عملية الاعلان النهائي الرسمي لانتهاء الاحتلال، تبدو وانها ثقيلة ايضا..

خيوط شائكة

اضافة الى العقبات المباشرة التي تحركها اسرائيل، او تخرج من بقايا اعوام احتلالها الطويل، فان في غزة ايضا من تداعيات داخلية، ما يمكن ان يثقل كاهل السلطة الفلسطينية بمزيد من الاعباء.

وفي الوقت الذي يكون فيه الفلسطينيون بحاجة ماسة الى كل مساعدة ممكنة وتهيئة اجواء ملائمة، للانتقال من حالة الاحتلال والدخول في مرحلة التحرر الاولى، سيجدون انفسهم وقد حاصرتهم عقبات داخلية ذات الشمال واليمين.

سيجهد الطرف الفلسطيني اولا في مسالة انهاء العثرات التي تعترض حقهم في معابر ومطار وميناء وربط مع الضفة الغربية، حتى تكون مسالة السيادة في اطارها الصحيح وحتى يتمكنوا من فرض سيادتهم على جمهورهم.

وهي مسالة تثير عدة تناقضات، اولها مع اسرائيل التي لا زالت ترفض الدخول في اتفاق مكتوب حول انفصالها عن غزة، حتى لا توقع على اشارات سيادة “مجانية” ممكنة للفلسطينيين، لانها تريد الاحتفاظ بها كاوراق ضغط لاحقا.

التناقض هذا، يأخذنا الى قضية الانتقال الى تطبيق خطة خارطة الطريق، وهي المسالة الاشكالية الاخرى التي ستواجه الفلسطينيين ، حيث يتحدث شارون عن استحقاقات يتوجب على الجانب الفلسطيني تطبيقها، لاسميا نزع سلاح المقاومة.

شارون، لم يضيع وقتا في الاستفادة من العرض الكبير الذي قدمه باخلاء المستوطينن في عملية سهلة ويسيرة، وهو اختار ان يدفع الرئيس محمود عباس الى استخدام مصطلح “الارهاب” في وصف العمليات المسلحة ضدالمدنيين الاسرائيليين.

رئيس الوزراء الاسرائيلي سارع الى وصف المجزرتين اللتين نفذهما مستوطنان يهوديان في شفا عمرو (اسرائيل) وفي شيلو بالضفة الغربية، على انهما “ارهابا يهوديا”، الامر الذي دفع عباس الى وصف العملية الانتحارية الاخيرة فيي بئر السبع على انها “ارهاب فلسطيني”.

اللعبة الصعبة

وفي اللحظة التي اضطر فيه عباس الى استخدام هذا الوصف، سيجد انه مضطر الى ترجمتها الى واقع عملي في محاولة السسلطة الفلسطينية لفرض سيادتها وهيبتها على قطاع غزة بعد انجلاء الاحتلال عنه.

لكن الرئيس يجد نفسه أمام مازق صعب، فهو اضطر مؤخرا، الى الاذعان الى الجماعة التي اختطفت الصحافي الفرنسي الجزائري عندما اطلق سراح مجموعة من اقارب الخاطفين الذين كانت السلطة تحتجزهم لاتهامهم بمخالفات امنية، منها الاعتداء على مقر الامن المركزي في غزة قبل اشهر.

يجهد عباس في اعطاء صورة القادر على تطبيق الامن وسيادة القانون، وهو يخلي منازل استولى عليها مسؤولون بالقوة، أو هو يصدر مرسوما باجراء الانتخابات التشريعية، لكنه حتى لايخسر صداقة الرئيس الفرنسي جاك شيراك، يضطر مغلوبا على أمره للدوس على هيبة السلطة.

وفي حين يقبل ويضغط على المجلس التشريعي للقبول بقانون الاتخابات النسبي، ارضاء للفصائل والتنظيمات الصغيرة والكبيرة ، فإن الرئيس الفلسطيني يجد حركة حماس وهي نخرج عليه بشبه جيش يتحدى سطلته القادمة في غزة.

وأكثر من ذلك، فان على السلطة الفلسطينية ان تقبل اوامر البنك الدولي الخاصة بشروط تقديم ثلاثة مليارات دولار من اجل النهوض بقطاع غزة اقتصاديا وهي تدرك ان معظم هذه الاموال ستذهب الى بناء طرقات ومساكن.

وفي المقابل، يحار الرئيس عباس ومعاونوه في كيفية تامين وظائف دائمة لجيش العاطلين عن العمل في غزة وفي كيفية تصدير الانتاج الزراعي خارج حدود القطاع ما دامت اسرائيل ستواصل فرض قبضتها على حدوده.

في اليوم التالي، لانسحاب اسرائيل من قطاع غزة، سيكون على الفلسطينيين تعلم الفرح، وسيكون على سلطتهم، ان استطاعت، المحافظة على هذا الفرح.

هشام عبد الله – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية