مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الفيضانات في المغرب.. أضرار بشرية ومادية وكارثة اقتصادية

swissinfo.ch

لم تحدّد بعدُ الخسائر البشرية والمادية الإجمالية التي لحقت المغرب، نتيجة كارثة الفيضانات التي أصابت عددا من مناطقه، خاصة في الشمال، والتي يتوقّـع أن تستمر مع استمرار هطول أمطار بغزارة، لم تكن مُـتوقّـعة ولم تعرفها البلاد منذ أكثر من ستين عاما.

وإذا كانت الأمطار إشارة خير، خاصة بالنسبة للفلاحين، فإنها للمغرب، الذي تُـعدّ الزراعة والمنتوجات الفلاحية من أهم أعمدة اقتصاده، ضرورة مُـلحّـة بعد عقود من الجفاف، لكنها (هذه الأمطار) عندما أتت هذا العام، حملت معها كوارث طبيعية نتيجة كميّـة التساقطات على مناطق لا زالت بنياتها التحتية هشّـة بعد عقود من الإهمال والنِّـسيان والتجاهل.

وحسب وزير الداخلية المغربية شكيب بن موسى، فإن الفيضانات أسفرت حتى يوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2008 عن 28 قتيلا وآلاف المشرّدين، بعد إصابة منازلهم بأضرار مادية هامة، بالإضافة إلى انهيار 200 منزل وانهيار قنطرتين وتصدّع منشآت فنية في البُـنى التحتية ومنشآت صناعية، وانقطاع حركة السير والتيار الكهربائي واضطراب في السكة الحديدية، بالإضافة إلى غرق المنطقتين الصناعيتين بطنجة.

وتخصيص مدينة طنجة بالاهتمام، ليس لأنها المدينة الوحيدة المنكوبة في الشمال المغربي، فمثلها كانت الناضور والحسيمة ووجدة، لكن الفيضانات لم تدمِّـر منازلا وتهدم منشآت صناعية فقط، بل هدّدت المستقبل الاقتصادي للمدينة، التي كانت تستعِـد للتحوّل إلى منطقة “أوف شور” صناعية، وقدرت مصادر صحفية خسائر المدينة بـ 35 مليار درهما (3 مليار يورو).

وعرفت المدينة خلال يوم واحد، سقوط أمطار فاقت 196 ملمتراً، مما جعل البنيات التحتية لتصريف المياه في بعض الأحياء عاجزة عن استيعاب هذه الحمولة من المياه، التي غمرت مجموعة من البنايات وبدت المنطقة وكأنها في قعر خندق، والكارثة واضحة في المصانع، حيث غرقت عشرات المعامل في الماء والوحل وتوقف أغلبها عن العمل، لأن آلياتها وتجهيزاتها تعطّـلت تماما، ويُـرتقب أن يدوم توقفها لعدّة أسابيع، وهو ما يعني إحالة آلاف العمال على البطالة.

وحسب الأرصاد الجوية بالمغرب، فإن جُـلّ المناطق المغربية ستعرف خلال الأيام القادمة استمرار التساقطات المطرية الاستثنائية، وهو ما يعني المزيد من الخسائر والقتلى وهدم المنازل والبنيات التحتية.

ضعف وهشاشة البنيات التحتية

الدولة التي تحرّكت بمختلف أجهزتها، بعد تعليمات من الملك محمد السادس، تجد نفسها، ليس فقط أمام كارثة الفيضانات، بل وهذا الأهم، أمام ما ستعكسه معالجتها من نتائج سلبية على الاستثمارات الداخلية والخارجية.

وإذا كان هذا سيلزمها، وبأسرع وقت ممكن، تعويض أصحاب المعامل والمصانع والمؤسسات الاستثمارية المتضررة، فإنها بحاجة ماسّـة للتحرك السريع لإعادة مِـصداقيتها ومصداقية المشاريع المُـنجزة في البنيات التحتية والتجهيزات.

ويقول حزب التقدّم والاشتراكية، المشارك بالحكومة في بلاغ لمكتبه السياسي، إن هذه الفيضانات “كشفت عن ضُـعف وهشاشة البنيات التحتية في مختلف المناطق، كما أبانت عن محدودية التخطيط العمراني والمجالي فيها”، فيما يقول الحزب الاشتراكي الموحّـد، إنها “فضحت سياسة تزيين الواجهة، التي تعتمدها المؤسسات الحكومية في التعامل مع المشاريع المختلفة، خاصة الإستراتيجية منها”.

وعزت تقارير متعددة فَـداحة الخسائر البشرية والمادية إلى “فوضى التعمير التي كانت تعرفها المناطق المنكوبة، والتي أدّت بالمضاربين العقاريين إلى المتاجرة، حتى بالأراضي الواقعة في مجرى الأنهار، بعد أن استنفدوا البُـقع الأرضية الواقعة في ضفاف الوديان، وأشارت إلى أن “المنازل المُـنهارة خلال هذه الفيضانات حديثة البناء، وتُـعاني من خصاص مهُـول في البنيات التحتية ولا توجد بها قنوات لصرف مياه الأمطار”.

الفساد والغشّ والتأخر في التحرك

وقد يكون من المُـفارقات أن القناطر، التي بنيت قبل قرون صمدت أمام هَـول الفيضانات، فيما تهاوت تلك المبنية حديثا، وقد يعود ذلك إلى مقاربة الدولة لطبيعة المناخ بالمغرب. فبعد جفاف قاسٍ أصابت مواسمه المطرية منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، توصّـلت الدولة والجهات الرسمية، إلى أن المغرب بلد جاف لا تتساقط به الأمطار، وبالتالي كان مهندسو المنشآت والبنيات التحتية يضعون ذلك في الحسبان.

ونسب إلى شكيب بن موسى، وزير الداخلية قوله أن “كلفة إقامة منشآت تصمد أمام الفيضانات والكوارث الطبيعية، تفوق كلفة الخسائر التي تولِّـدها هذه الكوارث”، وهو ما انتقده مولاي إسماعيل العلوي، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية والوزير السابق للفلاحة والتربية الوطنية في برنامج بثّـه التلفزيون الحكومي.

وإذا كان يسجّـل لمنظمات المجتمع المدني تحركها السريع لإنقاذ المواطنين وممتلكاتهم، فإن ضعف إمكانياتها وهشاشة تنظيمها خارج المدن، جعل دورها محدودا.

الانتقادات وجّـهت للحكومة، ليس فقط لتأخرها في التحرك لتقليص حجم الخسائر ومواساة المواطنين، بل وأساسا أن الدولة لم تقُـم بإنذار المواطنين المعرّضين لهذه الكارثة قبل حلولها، خاصة وأن الأرصاد الجوية تحدّثت عن تساقُـطات مطرية هامة قبل هطولها.

وإلى جانب ذلك، تحمِّـل مختلف الأوساط الحكومة مسؤولية الفساد والغشّ في تشييد البنيات، مما أضعف مقاومتها للسّـيول الجارفة أو في توزيع وبيع العقارات والبناء عليها، دون مراقبة لجودة البناء، وأيضا لسلامة اختيار موقع المباني، إذ لا تسمح الدّول بالبناء في سفوح الجبال مثلا، لأن ذلك يُـعرّض ساكنيه للكارثة أمام أية سيول أو حتى هطول أمطار.

الكارثة.. والدوامة

ويوم 4 نوفمبر أعلنت وكالة الأنباء الرسمية أن العاهل المغربي قرر إنشاء “صندوق خاص لمكافحة مخلفات الكوارث الطبيعية. وسيمول هذا الصندوق من هبة قدمها العاهل السعودي تبلغ قيمتها 100 مليون دولار، ومن مساهمة صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بقيمة 300 مليون درهم مغربي، إضافة إلى اعتمادات من ميزانية الدولة بقيمة 800 مليون درهم”. وقالت الوكالة إن صندوق مكافحة مخلفات الكوارث الطبيعية سيخصص لتمويل عمليات الإنقاذ العاجلة والتكفل بها، ومساعدة السكان المتضررين، وتعزيز الموارد التي تم تخصيصها إبان هذه التساقطات المطرية، إضافة إلى تطوير وسائل التدخل التابعة لمختلف المصالح المتخصصة، ولا سيما مصالح الوقاية المدنية وبناء منشآت للوقاية من الفيضانات وإحداث أنظمة للإنذار واليقظة”.

وكانت الأوساط السياسية والمجتمعية دعت من جهتها إلى الاستعداد الجيد والفعّـال لكوارث مماثلة في المناطق المعرّضة للفيضانات، لأن ذلك من شأنه التقليل من حجم التأثيرات والخسائر البشرية والمادية، وفتح أوراش شعبية لخلق سُـبل الحماية الدائمة من الفيضانات، كبناء السدود التلية وغرس الأشجار في السفوح الجبلية والأودية وعلى ضفاف الأنهار، وتنقية المجاري الطبيعية لتلك الأنهار والجداول، التي تخترق التجمعات السكنية بالمدن والقرى، كما دعت إلى تأسيس صندوق خاص بالكوارث والفيضانات، للتصدّي لها في الوقت المناسب، وتعويض المتضرّرين مع وضع إستراتيجية استشرافية تعتمد الوقاية منها قبل وقوعها.

وحسب الحزب الاشتراكي الموحد، فإن جميع المسؤولين يجب أن يُـساءَلوا عن التقصير بسبب عدم مراعاتهم للشروط القانونية في إعداد البنيات التحتية والمشاريع التي تعرّضت للضرر والإتلاف، نتيجة لحالات الفساد والغش في العمل وغِـياب المحاسبة.

ويبدو أنه قدر شمال المغرب أن يخرج من كارثة إلى الإهمال ومن الإهمال إلى الكارثة، فقد وقعت المنطقة منذ البداية تحت حماية إسبانيا، المعروفة بأكثر أشكال الاستعمار “تخلّـفا”، وكما يُـقال فإن الإسبان يُـبقون المنطقة التي يدخلونها كما هي حتى خروجهم، لا بنيات تحتية ولا اهتمام بتطوير المجتمع ولا حتى حرص على ربط هذا المجتمع بإسبانيا، اقتصاديا أو ثقافيا.

وبعد الاستقلال، خاض سكان الشمال معارضة للنظام السياسي، حاملين تراث عبد الكريم الخطابي، الذي هزم الإسبان في العقد الثالث من القرن الماضي، وغضب عليهم الملك الحسن الثاني ووصفهم في خطاب رسمي بالأوباش، ولم يزر المنطقة طوال فترة وجوده بالحكم (38 عاما ونصف)، وعندما يغضب الملك تغضب الدولة ولا يهمّـها من رعاياها سوى الولاء ولو بالقوة، أما ما عدا ذلك، فليست هناك مع الدولة أية علاقة، لا تنمية ولا بنيات تحتية ولا استثمارات.

العاهل المغربي الملك محمد السادس حمل لشمال المغرب رؤية مختلفة، فخصّ مُـدنها بأول جولة ملكية بعد تسلمه العرش، واختار تطوان وطنجة مكان إقامته الصيفية وعرفت المنطقة نهضة عمرانية ومشاريع استراتيجية وتنموية مهمة، أهمها المنطقتين الصناعيتين في طنجة ومشروع المنطقة الصناعية الحرّة بالقرب من تطوان وشقّـت الطرقات السريعة لتربط الرباط بطنجة وتطوان ثم سبتة، لكن الطبيعة وكوارثها التي لا ترحم عندما تأتي دون سابق إنذار.

محمود معروف – الرباط

الرباط (رويترز) – قالت مصادر رسمية يوم الاثنين 27 أكتوبر 2008 إن ستة أشخاص من أسرة واحدة لاقوا حتفهم بسبب الفيضانات في شرق المغرب.

واضافت المصادر ان الاشخاص الستة، وهم رجل وزوجته وأطفالهما الاربعة لاقوا حتفهم ليل الاحد، عندما انهار سقف منزلهم في قرية بركين قرب كرسيف على بعد نحو 380 كيلومترا شرقي الرباط.

وكان المغرب قد شهد أمطارا وعواصف عاتية في مختلف المناطق في الاسابيع الاخيرة أسفرت عن خسائر بشرية ومادية. وقال خبراء الارصاد الجوية ان المغرب لم يشهد مثلها منذ 30 عاما.

وأفادت احصائيات رسمية بأن الفيضانات اسفرت في الفترة الاخيرة عن مقتل 13 شخصا في الناضور بشمال شرق البلاد وأربعة أشخاص في وجدة في الشرق واربعة أشخاص في طنجة في الشمال، بالاضافة الى مفقودين وخسائر مادية جسيمة كانهيار منازل وطرق وشل حركة 170 معملا في طنجة.

وقدرت الصحف الصادرة يوم الاثنين 27 أكتوبر عدد القتلى بما بين 35 و40 قتيلا في أربعة اسابيع من المطر.

ونقلت وكالة المغرب العربي للانباء عن أحد رجال الاعمال في طنجة قوله، ان المصانع في المنطقة الصناعية التي يعمل فيها وتشغل نحو ثلاثين ألف عامل، أغلقت بسبب الخسائر التي سببتها الفيضانات وتحتاج من اربعة اسابيع الى ثلاثة اشهر لاستئناف العمل.

وشكل الهلال الاحمر المغربي يوم الاثنين 27 أكتوبر خلية أزمة لدراسة تقديم المساعدات لضحايا الفيضانات التي شهدتها منطقة الناظور نهاية الاسبوع الماضي. وتشمل المساعدات خيما وأغطية ومواد غذائية ومنتجات النظافة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 أكتوبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية