مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

القوات الأجنبية في البحر الأحمر.. أهداف دولية مضمرة ومواقف محلية مرتبكة

صورة وزعتها البحرية الأمريكية يوم 30 سبتمبر 2008 لإحدى قطع الأسطول الأمريكي وهي تراقب سفينة مختطفة من طرف قراصنة قبالة الساحل الصومالي Keystone

منذ أن بدأت القوات الدولية تتوافد إلى البحر الأحمر، بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي في مطلع أكتوبر الماضي، الذي أجاز استخدام القوة ضدّ أعمال القرصنة، والتساؤلات تتزايد حول مآل هذا التّـواجد وحول أهدافه المُـعلنة والمضمرة.

هذا الأمر انعكس بوضوح، ومنذ الوهلة الأولى، على المواقف المُـرتبكة للدُول المطلة على البحر الأحمر، التي ظلّـت طيلة الفترة الماضية بعيدة عن هذه التطورات، رغم اقترابها منها أكثر فأكثر، حتى بدأت تتبلوَر مواقِـف جديدة لبعض الدول المعنية، لكن دون معرفة مستقرّها ولا حدود استمرارها في وضع دولي، أصبحت تتبدل فيه المعطيات والمتغيرات بوتيرة أسرع من قُـدرة بلدان المنطقة على استيعابها أو التفاعل الخلاق معها.

ولعل الترقّـب الحذر، الذي أبدته بعض الأطراف في المنطقة، ومنها اليمن، لم يستمر كثيرا، إذ سُـرعان ما بدأت في الآونة الأخيرة تلوح مخاوف بعض دولها، داعية إلى تشاوُر إقليمي، لاسيما من قِـبل البلدان العربية المطلّـة على البحر الأحمر.

دعوة إلى تحمل المسؤولية

فاليمن، الذي ظل يرقب التطورات الحاصلة بحذر شديد، خرج لأول مرة عن كِـياسته الدبلوماسية مُـعلنا على لسان وزير خارجيته الدكتور أبو بكر القربي، قلق بلاده من “مخاطر الوجود العسكري المكثّـف والمتعدّد الجنسيات في جنوب البحر الأحمر على الأمن القومي العربي، وما يمثله ذلك التّـواجد من مقدّمة لتمرير مشروع تدويل مياه البحر الأحمر، الذي سبق أن اقترحته إسرائيل وقُـوبل برفض عربي”، مشيرا إلى أن اليمن “تبذل جهودا لبلوَرة موقِـف عربي موحّـد تجاه ما يجري من حُـشود عسكرية وأعمال قَـرصنة في مِـياه البحر الأحمر”.

ودعا القربي الدول المُـطلّـة على البحر الأحمر والبحر العربي، إلى تحمل مسؤولياتها وتنسيق جهودها لمكافحة أعمال القرصنة وعدم التعويل على الدّول الأجنبية في ذلك.

ويأتي هذا الموقِـف اليمني مُـتزامنا مع تحرّك مصري مماثل. فقد وجّـهت وزارة الخارجية المصرية في مطلع الأسبوع الجاري دعوة للدول العربية المطلّـة على البحر الأحمر لعقد اجتماع عاجل، لبحث سُـبل مكافحة القرصنة أمام السّـواحل الصومالية، فيما القوات الأجنبية تجُـول وتصُـول تحت غِـطاء الشرعية الدولية، وهو ما يعني أن الحذر الشديد، الذي أبدته دول البحر الأحمر العربية في بادئ الأمر حِـيال تدفّـق القوات الدولية المسنودة بغطاء الشرعية الدولية، تحوّل إلى مخاوف بدأت تعبّـر عن نفسها علنا، بعد أن ظلّـت حبيسة الأنفاس تترقّـب ما ستحمله الأيام.

صراع دولي على النفوذ

فقد وجدت دُول المنطقة، ومن بينها اليمن، نفسها أمام تطوّر جديد يتعدّى حدود خطر القرصَـنة البحرية، إلى ما يُـشبه الإقامة الدائمة للقوات الأممية المدعومة بقرار مجلس الأمن مجلس الأمن الدولي رقم (1838)، الذي صوّتت عليه الدّول الأعضاء بالإجماع، رغم تضارُب مصالحها في هذه المنطقة الحيوية، وهو أمر أربَـك سياسات دُولها، التي غلب عليها الترقّـب والحذر الشّـديدين، على الرّغم من أن كل المؤشرات كانت تدلّ على أن الأمر هو أبعد من مجرّد ملاحقة القراصنة.

فالتسابق بين الدول الكُـبرى الفاعلة، لا تغذيه فقط رغبات قديمة في المنطقة، بل وحاضرة يختلط فيها الحنين الاستعماري إلى الماضي بالتطلّـع إلى الموقع الاستراتيجي ومصادر الطاقة، التي باتت تشكّـل قُـطب الرّحى في الصِّـراع الخفي تارة، والمعلن تارة أخرى بين الفاعلين الرئيسين، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين وروسيا، مما يعني أن كل الأطراف الفاعِـلة والمؤثرة، تريد أن تسجِّـل حضورها وعدم تخلّـفها عن حلَـبة الصِّـراع على أهم الممرات الدولية القريبة من مصادر الطاقة، التي أخذت الحاجة تتزايد إليها أكثر من أي وقت مضى، لاسيما مع ما تشهده الصين من نمو غير مسبوق ومع تزايد نذر العودة إلى سياسة الاستقطاب الدولي مجدّدا.

ويمكن القول إن الشواهد تشير إلى أن المِـنطقة مرشّـحة لأن تكون ضِـمن حسابات القِـوى الدولية المُـتصارعة على مناطق النفوذ، وبالرغم من تراجع حدة الصِّـراع الدولي بين المعسكرات التي كانت قائمة سابقا بعد سقوط حائط برلين، إلا أنها ظلّـت موضع تقاطب واضح.

نحو تواجد أجنبي دائم

فالولايات المتحدة وفرنسا لم تُـكُـفّـا عن مُـحاولاتهما البحث عن موضع قدم لهما في الجُـزر اليمنية، وليس بخافٍ على هذا الأمر. فالتقارير تُـشير إلى أن ضُـغوطا كبيرة مورست على صنعاء طيلة الثمانٍ سنوات المُـنصرمة، خاصة منذ تفجير المدمّـرة الأمريكية “اس اس كول” عام 2000 وتفجيرات 11 سبتمبر والهجوم على ناقلة النفط الفرنسية “لمبرج” عام 2003، بهدف حمل السلطات اليمنية على إتاحة المجال لإنشاء نِـقاط مراقبة رادار بحرية في الجُـزر اليمنية، خاصة في جزيرة سوقطرة، إلا أن هذا المسعى تعثّـر أكثر من مرّة، نتيجةً لتردّد اليمن وحرَجِـها من المعارضة الداخلية.

وهو ما يجعل التواجد الدولي تحت غِـطاء الشرعية الدولية غير بعيد عن تحقيق تلك الأهداف، ولكن بصورة أخرى، حيث بات الجميع ينظر إلى السياقات التي ظهر فيها الإجماع على التحرّك الدولي ضدّ القرصنة، بأنه اجتماع على التقاء مصالِـح للقوى الكبرى في المنطقة، خاصة مع تزايد الحديث عن الخطر الإيراني في المنطقة والصِّـراع الخفِـي على منابِ،ع النفط والاقتراب منها، مما أبقى الأهداف الحقيقية لهذا التواجد، هي المهيمنة على قراءتها من قِـبل مختلف الأطراف.

وحول الحضور الكثيف للقوات الدولية في منطقة البحر الأحمر ودوافعه الحقيقية قال الأستاذ خالد الرماح، الباحث في شؤون الصراعات الإقليمية بمركز سبأ للدراسات الإستراتيجية لسويس انفو: “الأطراف الإقليمية تنظر بكثير من الشكّ والرّيبة إلى الإجراءات الدولية التي اتّخذت مؤخّـرا من أجل الحدّ من عمليات القرصنة، لأنه تحرُّك يرمِـي، على ما يبدو، إلى إكتساب الوجود العسكري الأجنبي في البحر الأحمر شرعية دولية أكثر منه محاولة للقضاء على ظاهرة القرصنة، لاسيما إذا ما أخذنا في الاعتبار أن ظاهرة القرصنة تزايدت ونمَـت في ظِـلّ تواجد عسكري أمريكي كثيف في المنطقة طيلة الفترة الماضية، دون أن يؤدّي ذلك بالولايات المتحدة الأمريكية لاستنفار قواتها ضدّ مثل هذه الأعمال، ويخشى من أن يظَـلّ التواجد الأجنبي في البحر الأحمر تواجُـدا دائما، لأنه مرتبط بمكافحة القرصنة التي، على ما يبدو، أنها ستبقى ما بقِـيت الفوضى في الصومال، خاصة مع غياب حكومة مركزية قوية تكون مسؤولة أمام المجتمع الدولي عن أي تهديدات تنطلق من أراضيها”.

أهداف دولية.. مُضمرة

وما يزيد المخاوف من تواجُـد القوى الدولية، حسب ما يراه الرّماح هو أن البحر الأحمر “تحوّل إلى ساحة للسُّـفن والزّوارق الأجنبية، ما يعرِّض أمن وسيادة جميع الدّول المطلّـة على البحر الأحمر للتّـهديد، حيث ستُـصبح مياهها وأجواؤها عُـرضة للانتهاك، والسّـفن القادمة إليها والمغادرة منها، ستكون عُـرضة للتّـفتيش بذريعة ملاحقة القَـراصنة، والذي قد يتحوّل إلى فرْض حِـصار غير مُـعلن على واردات دُول المنطقة من الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، مثلما حدث للسّفينة الكورية، التي كانت متّـجهة لليمن بحمولة من صواريخ سكود عام 2002”.

من جهته، يرى عبده سالم، الباحث المتخصّص في شؤون القرن الإفريقي في قراءته للتطورات الحاصلة في المنطقة وما ترمي إليه في حديثه لسويس انفو أن “التواجد الدولي له أهداف دولية، هي تسابق نفوذ على المنطقة، خصوصا أننا في مرحلة بدأت تشهد ظهور بوادِر عودة تشكل المِـحور الشرقي بقيادة روسيا والصين والهند”.

واستطرد عبده سالم في تفسيره للإجماع على قرار التّـواجد الدولي، رغم التناقض بين مصالح الدّول الكبرى قائلا: “مواجهة القرصنة، هي محلّ إجماع، لكن الهدف ليس القضاء على القرصنة، وإنما هناك أهداف مضمرة لم تبرز إلى حيّـز الوجود، وإنما يمكن استشرافها من السِـياق التفاعلي في مسار هذا الملف”، موضحا ذلك بقوله “إن القرصنة تجري أمام جمهورية أرض الصومال، وهي محمية بريطانية سابقا وتعيش في عزلة دولية، وعلى ما يبدو، فإن بريطانيا أوعزت لها باللّـعب على القَـرصنة، مقابل حصولها على اعتراف أمريكا، لكنها لا تريد أن تُـبادر إلى ذلك الاعتراف، وإنما قد يأتي من دول المنطقة وربّـما تحت مظلّـة عقد اجتماع لدول البحر الأحمر، الذي دعت له مصر مؤخرا، وهذا الاعتراف سيكون مقدّمة لقيام عدّة دويلات في إفريقيا، التي تعاني من تشظي إثني، والمرشح لذلك جنوب السودان ثم اليمن”.

أما فيما يتعلق بوضع اليمن، التي تجري هذه التطورات على مقربة من حدوده، يرى سالم أن “اليمن يُـعاني من فجوات إستراتيجية، تتمثل في عدم ترسيم حدوده مع الصومال ومع جيبوتي، إضافة إلى ما يُـعانيه من فجوة في المناطق الجنوبية”، معتبِـرا أن القضية الجنوبية “ما زالت تشكِّـل مطمعا لكثير من القوى الدولية، وأن اليمن، إذا لم يُـسارع إلى سدّ كل تلك الفجوات التي تنهش جسده، فإنه لن يكون بمقدوره تدارك الأمر وتخطي الحسابات الدولية، التي تدبّـر حاليا تحت مظلة الشرعية الدولية”.

فريسة سهلة

من الواضح أن كلّ القراءات المختلفة لمسار التطورات في هذه المنطقة، تنظر إلى التحرّك الدّولي تحت مظلّـة الشرعية الدولية بكثير من الرّيبة والحذر، وتلتقي على ترقّـب الأهداف الخفية، التي كثيرا ما تتستّـر بغطاء الشرعية، لاسيما أن التاريخ المُـعاصر، بعيده وقريبه، حلقات من الصِّـراع على المناطق الإستراتيجية الحيوية، كما هو حال هذه المنطقة، التي ظلت على الدّوام بُـؤر تنافس بين الكِـبار، على الرغم مِـما يعانيه صِـغارها من بُـؤس وتشظي وسوء إدارة وتسيير تغري الطامعين بأن تكون لهم فريسة سهلة في مستقبل الأيام.

عبد الكريم سلام – صنعاء

القاهرة (رويترز) – قالت مصر يوم السبت 1 نوفمبر، انها دعت الدول العربية التي تطل على البحر الاحمر لاجتماع تشاوري في القاهرة هذا الشهر حول مكافحة القرصنة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية “رغم انحسار ظاهرة القرصنة حتى الان قبالة السواحل الصومالية وفي منطقة غرب المحيط الهندي وخليج عدن، الا أن تداعياتها الامنية والاقتصادية باتت تفرض على الدول العربية المطلة على البحر الاحمر أن تكثف من اليات التشاور والتنسيق والتعاون من أجل دراسة تلك الظاهرة ومكافحتها”.

ومصر والسعودية واليمن والاردن والسودان والصومال وجيبوتي، هي الدول العربية التي تطل على البحر الاحمر.

وقال المتحدث، ان الدول العربية التي تطل على البحر الاحمر هي “المسؤولة والقادرة على تأمين وحماية البحر الاحمر”.

وفي منتصف الشهر الماضي، مرت من قناة السويس سبع قطع حربية تابعة لحلف شمال الاطلسي في طريقها للسواحل الصومالية لمواجهة القراصنة.

وخطف قراصنة صوماليون أكثر من 30 سفينة منذ مطلع العام الحالي وحصلوا على فدى تتراوح بين 18 و30 مليون دولار، مما جعل المياه قبالة الصومال أخطر الممرات البحرية في العالم.

وأدى حصول القراصنة على فدى الى ارتفاع أسعار التأمين وتهديد النقل البحري.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 نوفمبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية