مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المأزق الفلسطيني

يتوقع البعض أن يتلاحم الصف الفلسطيني على اختلاف فصائل، بينما يرى آخرون أن الضغووط الخاريجة ربما تكون أكثر تأثيرا Keystone

يعرف معظم الفلسطينيون، خاصة المسيسون والمثقفون منهم أن الانتفاضة الفلسطينية الحالية قد لا تكون كافية لحسم الصراع مع إسرائيل بالقوة. وان دورها هو المساهمة في تهيئة ظروف محلية وعربية وعالمية تساعد على حسم الصراع بمزيج من المقاومة والتفاوض من اجل إنهاء الاحتلال.

ويذكر الجميع، عند تعداد مكتسبات الانتفاضة، دورها في تأكيد إلحاحية حل القضية الفلسطينية كسبيل للاستقرار في المنطقة، كذلك دورها في إقناع الإسرائيليين باستحالة تحقيق الأمن والسلام دون اخذ المواقف والمطلب الفلسطيني بإنهاء الاحتلال على مأخذ الجد وغيره من المكتسبات التي تتعلق بتفعيل عوامل جوهرية أهمها عوامل عربية وعوامل دولية.

وقد اعتقد كثيرون هنا، ان أحداث التاسع من أيلول سوف تزيد من تفعيل هذه العوامل حيث ان الغرب بزعامة أمريكا يحتاج الى تحييد العامل الفلسطيني من اجل النجاح في مساعي الحلف والحرب ضد أفغانستان أو طالبان أو الإرهاب او غيره من أغراض الحملة الأمريكية الحالية.

لذلك استبشر الكثيرون ومنهم القيادة الفلسطينية بما فيه رئيسها بإمكانية حدوث انفراج في المدى القصير مبعثه تطور في الجهود الدولية سواء بقيادة او بمباركة الولايات المتحدة من النوع الكفيل على الأقل بتحريك عملية السلام بالاتجاه المطلوب فلسطينيا.

ولاشك أن هذا التفاؤل تعزز مع بداية الحرب ضد الأفغان عندما صدر مجموعة تصريحات من قادة غربيين بارزين منهم الرئيس بوش نفسه وكذلك رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير. وقد تناولت هذه التصريحات الحاجة لتحريك عملية السلام وكذلك تأييد مبدأ إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل وتعيش بسلام معها.

وقد دفع هذا التقدير للموقف بالرئيس الفلسطيني إلى ان يراهن على ما يبدوا على هذه المؤشرات الإيجابية، ومن اجل ذلك قام بالضغط داخليا بشده على بعض العناصر النشيطة في المقاومة الفلسطينية والتي خرقت قراراه بوقف إطلاق النار مثل الجهاد والجبهة الشعبية، كذلك طلب من فصيله الخاص والرئيسي على الساحة الفلسطينية، حركة فتح، بالتهدئه.

وقد كلفت هذه المواقف والإجراءات الداخلية الرئيس والسلطة الفلسطينية ثمنا باهظا على مستوى شعبيتها وسيطرتها على الوضع الداخلي. وكان ذلك كله مبنيا على أمل إطلاق مبادرة سياسية تؤدي إلى التقدم باتجاه إنجازات مثل الدولة الفلسطينية او غيرها من المكاسب السياسية المتوقعة.

ردود فعل غير متوقعة

ولكن وعلى عكس التوقعات، فقد شهدت الأيام الأخيرة تراجعا ملحوظا في مضامين التصريحات الأمريكية تجاه الموضوع الفلسطيني، بدا ذلك عندما اتفق بوش وبلير على ان حل الموضوع الشرق أوسطي ليس شرطا لاستمرار ونجاح الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان وغيرها.

ثم جاء تصريح سترفيلد الذي ربط فيه الانتفاضة بالإرهاب ثم تصريحات كوندوليزا رايز التي كرست الانحياز الأمريكي ضد الجانب الفلسطيني واخيرا تتوج ذلك بامتناع الرئيس بوش عن الالتقاء بالرئيس عرفات في او على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

ولقد وضعت هذه النهاية للتوقعات القيادة الفلسطينية امام مأزق يتمثل في أولا غياب الأفق لتدخل دولي بقيادة او مباركة أمريكية، وثانيا بثبات وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة مصره على استمرار الضغط على الجانب الفلسطيني بأقسى أشكال القتل والحصار. وثالثا وضع عربي يتراوح بين التفرج وبين ابداء التصريحات والمواقف اللفظية المتعاطفة لا اكثر، ورابعا واخيرا وضع داخلي ضاغط وساخط على القيادة التي لا تكتفي بعدم إنجاز أيا من وعودها المتكررة بالنصر واقامة الدولة او بتجنيب الشعب الفلسطيني ويلات العدوان، بل اكثر من ذلك تعمل على منعه من الرد على القتل والاغتيال والحصار الإسرائيلي من خلال وضع قيود على استمرار وتصعيد المقاومة.

وقد ولد هذا المأزق نقاشات عديدة في الدوائر السياسية الفلسطينية، وقد شمل تقدير أسباب الأزمة تحميل مسئوليتها للعرب الذين أعطوا الولايات المتحدة التأييد في حربها دون مقابل مما أضاع الفرصة وأدى الى العودة للاستخفاف بالمطالب والحقوق الفلسطينية.

البعض الآخر سعى الى جلد الذات إما للتقصير في تصعيد الانتفاضة، واما بالعكس الاستمرار في عمليات المقاومة بعكس المطالبة الدولية بتهدئة الوضع مما أعاق استثمار الوضع الدولي الجديد.

لذلك، فان رؤية الفلسطينيين للمخارج من هذه الأزمة هي متباينة أحيانا متناقضة وهي تتراوح ما بين الحاجة لتصعيد الانتفاضة، الى الحاجة الى وقف الانتفاضة. على الأقل على المستوى الرسمي، يبدوا ان المخرج يتمثل في محاولة ابداء قدرا اكبر من التجاوب والتفاعل مع المتطلبات الدولية، وهي غالبا ما تتناقض مع المتطلبات الداخلية، مع التقدير بان جهدا عربيا اكبر في هذه المرحلة من شانه أن يعزز الأمل باتجاه دور دولي فاعل اكثر وإيجابي اكثر.

د.غسان الخطيب – القدس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية