مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المجتمع المدني التونسي وقمة المعلومات

سجلت جلسات الاجتماع التحضيري حضورا ملفتا لممثلين عن المجتمع المدني (من اليمين إلى اليسار: مريم المرزوقي، رئيسة مجموعة حقوق الإنسان، أنطوان مادلان من الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ومختار الطريفي، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان) swissinfo.ch

تجندت قوى المجتمع المدني التونسي بمختلف انتماءاتها من أجل إسماع أصواتها أثناء انعقاد الاجتماع التحضيري الثاني لقمة مجتمع المعلومات.

واتضح أن ما يبدو فرصة سانحة بالنسبة للبعض من أجل الضغط للحصول على مزيد من الانفتاح والحقوق والحريات، يعتبر من طرف البعض الآخر تشويها للواقع من أجل المساس بسمعة تونس.

شهد الاجتماع التحضيري الثاني لقمة مجتمع المعلومات المنعقد حاليا في مدينة جنيف حضورا مكثفا لممثلي هيئات ومنظمات المجتمع المدني التونسي سواء تلك التي تعتبر معارضة للنظام التونسي أو تلك التي يتم وصفها من قبل خصومها بأنها منظمات خاضعة فعليا لنفوذ السلطة.

وبدا واضحا أن الجميع يرغب في عدم تفويت أية فرصة من أجل المشاركة في نقاشات ممثلي المجتمع المدني وإسماع صوته وتقديم حقائقه لممثلي المجتمع المدني الدولي مع تركيز ملفت على المناقشات المخصصة لأوضاع حقوق الإنسان عموما وحقوق الإنسان في تونس بوجه خاص بوصفها الدولة المحتضنة للمرحلة الثانية من القمة في شهر نوفمبر القادم.

ومن خلال متابعة مختلف المداخلات، كانت حقائق هذا الطرف كثيرا ما تأتي متناقضة تماما مع حقائق الطرف المقابل، وهو ما دفع سهام بن سدرين، الناطقة الرسمية باسم المجلس الوطني للحريات في تونس (غير المعترف به) إلى القول: “إما أن هؤلاء الذين يدافعون عن النظام يكذبون أو أننا نكذب”.

القمة فرصة لممارسة مزيد من الضغوط

من جهتها، ترى رئيسة مجموعة حقوق الإنسان لممثلي المجتمع المدني الدولية مريم المرزوقي الحاملة للجنسية التونسية والفرنسية والمشاركة في رئاسة تحرير النشرية الالكترونية “بدائل مواطنية” (المحجوبة في تونس)، أن الهدف يتمثل في “وضع تونس تحت الضوء ولربط العلاقات مع المنظمات الدولية والعمل من داخل التحضير للقمة نظرا للأهمية التي توليها السلطات التونسية لهذه القمة”.

كما ترى مريم المرزوقي أن هذه “فرصة للاستماع إلى منظمات المجتمع المدني التونسية ومساعدتها على تحقيق تطلعاتها حتى ولو كانت جزئية، شريطة أن تكون إنجازات فعلية ودائمة وقابلة للتقييم في مجال احترام حقوق الإنسان”.

سهام بن سدرين العضو في المجلس الوطني للحريات (غير المعترف به رسميا منذ عام 1998)، قدمت عرضا عن واقع الحريات في مجتمع تونسي وصفته بـ “المجتمع المحروم من حرية التعبير، والذي به كل وسائل الاتصال مراقبة من قبل مؤسسات رسمية أو موازية التي تسهر على مراقبة المراسلات الإلكترونية والمكالمات الهاتفية ورسائل الفاكس والتي لها حق احتجاز ما ترى فيه مساسا بالنظام العام”.

من ناحيته، أشار مختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى واقع العديد من منظمات المجتمع المدني التونسي التي لم تحصل على اعتراف السلطات بوجودها والتي حضرت إلى جنيف تحت جناح منظمات دولية مثل المجلس الوطني للحريات في تونس والجمعية الوطنية لقدماء المقاومين، وجمعية الكتاب المستقلين والجمعية الدولية لدعم المساجين السياسيين والجمعية الوطنية لمناهضة التعذيب في تونس ونقابة الصحفيين التونسيين.

ومن أهم مطالب المجتمع المدني التونسي – مثلما جاء على لسان مختار الطريفي – ضرورة الاعتراف بهذه المنظمات قبل انعقاد القمة، وضمان حرية التعبير لكل المواطنين والحق في نشر وتوزيع الصحف، ورفع كل أشكال الرقابة على الإنترنت وعدم إغلاق المواقع (المتاحة حاليا) بعد انتهاء الاجتماع التحضيري، والافراج عن سجناء الرأي والمورطين في قضايا الانترنت مثل شبان جرجيس وأريانة.

راضية النصراوي، الناشطة الحقوقية ورئيسة الجمعية الوطنية لمناهضة التعذيب، ذهبت إلى أنه “من العار أن تعقد هذه القمة العالمية في تونس، البلد الذي قد يتعرض فيه شباب للتعذيب فقط لأنهم تصفحوا صفحات الانترنت”.

في مداخلته، عبر خميس الشماري، الناشط الحقوقي والبرلماني السابق عن “إندهاشه لرؤية بعض المدافعين المفرطين في دفاعهم عن النظام يقدمون تصورا للديمقراطية”، منتهياإلى الإشارة باستغراب إلى أنهم “لم يترددوا في التعبير عن ولاءهم” (للنظام).

تشويه للواقع

على الطرف المقابل، احتج المحامي الحبيب عاشور رئيس الجمعية الوطنية لضحايا الإرهاب في تونس، على احتكار بعض المنظمات الدولية لمنصة النقاش مثل الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، موضحا بأن هذا الاجتماع هو للتحضير لقمة عالمية وليس اجتماعا خاصا. وأعرب الحبيب عاشور عن اعتقاده بـ “أن القمة أحسنت الاختيار لعقد المرحلة الثانية في تونس، لأن تونس استثمرت في محو الأمية وفي تحسين ظروف المعيشة وفي استفادة المواطن من وسائل الاتصال”.

كما استغرب رئيس الجمعية الوطنية لضحايا الإرهاب من أن “نفس الأشخاص هم الذين يتحدثون في كل الاجتماعات باسم المجتمع المدني التونسي على الرغم من كونهم لا يمثلون أحدا” على حد قوله. كما شدد على أن “هناك من لا يرغبون في سماع صوت آخر غير الذي يعجبهم”، متسائلا: “كيف تريدون للمجتمع المدني التونسي أن يتقدم إذا ما استمررنا في التراشق بالعبارات الجارحة وبرفض الآخر والأخطر من هذا وذاك في تمزيق صفوف مجموعة تؤمن بأن قمة تونس هي فرصة جديدة لخدمة الإنسانية”، على حد تعبيره.

من جانبه يرى الهادي المشري، رئيس جمعية مديري الصحف في تونس، أن “وسائل الإعلام التونسية عرفت تحسنا منذ بداية الاعداد لهذه القمة، بحصول مزيد من التحرر في المجال الاعلامي وظهور محطات إذاعية وتلفزيونية جديدة”.

وعلى مستوى الصحافة المكتوبة التي ينتمي إليها بحكم تسييره لمجلة “الإقتصادي المغاربي”، يذهب الهادي المشري إلى أن “هناك تنوعا وحرية تعبير تتحكم فيها المواثيق التي حددتها كل جريدة لنفسها”، وقال: “إن ما تنتجه هذه الصحافة قد لا يروق لذوق البعض … ولكن هذا لا يمنع من القول بأن هناك صحافة محترمة 90% منها بين أيدي الخواص ولا تخضع للترويج لإيديولوجية سياسية معينة”، وهو يرى أنه يأتي “متماشيا مع المبادئ والتطلعات المعلن عنها في مرحلة جنيف من قمة مجتمع المعلومات”، حسب قوله.

ويعترف الهادي المشري، بأن “هناك بعض النقائص وليس كل ما يتم في هذا المجال هو مثالي”، لكنه يؤكد على “حصول تقدم وعلى وجود رغبة في معالجة كل القضايا العالقة بالتعاون مع السلطات بطريقة حضارية وهادئة”، وانتهى إلى القول بأنه “لا يوجد أي مبرر للتشكيك في جدية السلطات في إجراء هذا الحوار” حسب رأيه.

رئيس الاتحاد الوطني للمكفوفين في تونس عماد شاكر أثار في مداخلته استفادة المكفوفين من تكنولوجيا الاتصالات وأوضح أن “المكفوفين في تونس أصبح بإمكانهم اليوم استعمال الحاسوب والحصول على برامج تساعد على القراءة”. ويرى عماد شاكر أن “تونس شيدت مركزا لتطوير برامج الحاسوب المخصصة للمكفوفين لا يوجد مثيل له بعض البلدان المتقدمة”، ولم يتردد في القول أنه “إذا كان هناك من دفع لهم لقول بعض الحقائق الغالطة فأنا لم يدفع لي كي أدافع عن النظام”.

في تدخله إلى جانب رئيس الجمعية التونسية لمديري الصحف، حث فالنتان مبوغنغ، رئيس الرابطة الدولية لصحفيي أفريقيا، وسائل الإعلام الإفريقية على “اليقظة من أجل تفادي كل المحاولات الهادفة إلى تحويل قمة مجتمع المعلومات عن تحقيق ما ورد في وثيقة العمل التي أقرت في مرحلة جنيف”.

وبعد التذكير بالتطلعات والآمال التي تعقدها وسائل الإعلام الإفريقية على قمة تونس من أجل النهوض بالإعلام الإفريقي، دعا الأمم المتحدة إلى “تحمل مسؤولياتها من أجل تفادي أن تتحول القمة إلى رهينة لمشاكل تونسية تونسية، التي حتى وإن كانت لها أهمية بالغة فإنه لا يجب اتخاذها كذريعة لإسكات المطالب الشرعية من أجل ردم الهوة الرقمية وتكرار ما تم في حق مشروع المطالبة بنظام إعلامي عالمي وعادل” على حد تعبيره.

“قلق ” في انتظار التقارير

على صعيد آخر، وتلبية لرغبة ممثلي المجتمع المدني تم إجراء تحقيقين من طرف خبراء مستقلين بغرض التعرف على مدى توفر شروط انعقاد القمة في تونس وبالأخص فيما يتعلق بشروط مشاركة ممثلي المجتمع المدني عموما والمجتمع المدني التونسي بالخصوص.

وأفاد ألان مادلان، ممثل الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان أن بعثة مكونة من ممثلي المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والمنظمة الكندية للقانون الديموقراطية، اختتمت مهمة تحقيق حاولت فيها الإجابة على تساؤلين: “ما هي الشروط العملية التي تسمح لممثلي المجتمع المدني بالمشاركة بشكل فعال في الاجتماعات التحضيرية وفي قمة مجتمع المعلومات في تونس في شهر نوفمبر القادم؟”.

أما التساؤل الثاني فيتعلق بـ “أوضاع حقوق الإنسان في مجتمع المعلومات بالنظر إلى الواقع التونسي بالتطرق إلى واقع الحريات وحرية التعبير والإعلام وبالأخص الإعلام المستقل او الموجود بين أيدي المعارضة، ومكانة الانتقاد في وسائل الإعلام العمومية والخاصة، وموضوع الرقابة والحظر ومسؤولية الصحفيين وظروف عملهم. كما تطرقت اللجنة في تحليلها لواقع الإنترنت في تونس ولميكانزمات الرقابة القانونية والإدارية وعملية إغلاق المواقع والتهم الموجهة لبعض مستعملي الإنترنت”.

وفي التقرير النهائي الصادر عنها يوم 22 فبراير تحت عنوان “حرية تعبير تحت الحصار”، طالبت لجنة التحقيق بالإفراج عن عدد من الصحفيين المسجونين، والكف عن مضايقة السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومحاكمة مرتكبي التجاوزات. كما طالب التقرير بضرورة الاعتراف بحرية التنظم لعدد من المنظمات ورفع الرقابة المفروضة على الإنترنت واطلاق سراح معتقلي قضاياالإنترنت.

وكانت السلطات التونسية قد أوضحت في ردها على لسان الوكالة التونسية للاتصال الخارجي بأن الخلاصة الأولية المقدمة حول عملية التحقيق “تحتوي على جملة من الادعاءات الكاذبة والأحكام المسبقة” واعتبرت أن الخبراء حاولوا تجاهل عدد من الحقائق مثل “حرية تصفح الإنترنت في تونس، وعدم وجود سجناء رأي واحترام تونس لمنع التعذيب والدخول في مرحلة تحرير وسائل الإعلام الإلكترونية وتنوع وحرية الصحافة والنشر في تونس، وحرية التجمع”.

ومثلما قال مارك بينش، عضو لجنة التحقيق الثانية المنبثقة عن تجمع ممثلي مجتمع المدني للإعداد لقمة مجتمع المعلومات (الذي اشتكى من تعرض لجنته إلى مضايقات بوليسية أثناء عملها)، سوف “يحل بتونس في شهر نوفمبر –أي أثناء انعقاد القمة- حوالي 13000 خبير في الاتصالات، وسيتوقفون بأنفسهم على حقيقة حرية التعبير وحرية الصحافة في هذا البلد”.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية