مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المخابرات السويسرية: قضية السجلات السـرية الجديدة لم تتأجج بعد!

سبق أن أثارت فضيحة السجلات السرية التي كشف عنها في نهاية الثمانينات موجة احتجاجات عارمة في سويسرا Keystone

يبدو أن فضحية السجلات السرية التي شهدتها سويسرا قبل عشرين عاما تتــكرر من جديد بعد أن كشفت مفوّضية لجان التصرّف بغرفتي البرلمان الفدرالي في ندوة صحفية عقدتها الأسبوع الماضي بأن أجهزة المخابرات قد جمعت خلال السنوات الأخيرة بيانات حول زهاء 200000 شخص.

لكن هذا الحدث لم يثر – حتى الآن على الأقل – موجة غضب عارمة في صفوف عامة الناس، رغم أن الإنتقادات وردود الفعل اتسمت بالحدة في وسائل الإعلام وفي صفوف بعض السياسيين والقضاة.

هانس بيتر تور، المفوض الفدرالي لحماية المعطيات الشخصية، علـــّق على هذه القضية بعبارات واضحة ومباشرة بحيث قال لوسائل الإعلام على إثر الندوة الصحفية التي عقدتها مفوضية لجان التصرف يوم الأربعاء 30 يونيو 2010:”إنها مسألة خطيرة وتثبت ضرورة تحسين المراقبة”.

تقرير مفوضية لجان التصرف بغرفتي مجلس الشيوخ ومجلس النواب يتهم الأجهزة السرية بتسجيل الناس بصورة عشوائية وبالفشل في تقييم البيانات.

وأضاف تور، المسؤول عن منح إمكانية الوصول إلى قاعدة البيانات، أن “عدد الطلبات للحصول على المعلومات ارتفع على الفور بعد نشر التقرير”.

أما نيكلاوس أوبرهولزر، المدعي العام في كانتون سانت غالن والذي كان من بين قضاة التحقيق في فضيحة السجلات السرية عام 1989، فــأدان هذه المستجدات أشد الإدانة قائلا في تصريحات لصحيفة كانتونه “سانت غالر تاغبلات”: “هنالك بالتأكيد وضع خاطئ إذا توصل البرلمان إلى نفس الاستنتاجات بعد مرور 20 عاما”، مضيفا بأن “الإنتقادات الموجهة إلى الأجهزة السرية آنذاك والآن متطابقة تقريبا”.

“لم يستخلصوا الدروس من الماضي”

من جانبه، قال فيرنر كاروبيو، وهو أيضا برلماني سابق مــِثل تور: “إن أجهزة الاستخبارات لم تتعلم الدرس، وهذا يعني أيضا أن السياسيين فشلوا لأنهم لم يفعلوا ما يكفي لمراقبة أنشطة العُملاء”.

وفي مقابلة مع swissinfo.ch، وجه هذا العضو في الحزب الإشتراكي (وسط اليسار) بكانتون تيتشينو الجنوبي، أصابع الإتهام إلى وزراء العدل السابقين الذين كانوا مسؤولين عن جهاز المخابرات الداخلية قبل تحويله إلى وزارة الدفاع في بداية عام 2010.

غير أن كريستوف بلوخر، الذي ترأس وزارة العدل والشرطة من 2003 إلى 2007، قلـّل من شأن أوجه القصور المُحتملة. وحسب قناته التلفزيونية على الإنترنت، أكد بلوخر – الذي يــُعتبر الرجل القوي في حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) – أنه دفع دائما باتجاه تقلــيص قاعدة البيانـــات.

وعلى إثر الاجتماع الأسبوعي الذي عقدته الحكومة الفدرالية يوم الأربعاء 30 يونيو، قالت خليفته إيفلين فيدمر-شلومبف إنها تأخذ انتقادات البرلمان على محمل الجد، منوهة إلى أن الحكومة ستقدم ردا رسميا على التقرير بحلول شهر أكتوبر القادم.

كما طلبت وزيرة العدل والشرطة من الرئيس السابق لوحدة الإستخبارات الداخلية، أورس فون دانيكن، التخلي عن منصبه كمدير لمشروع إعادة تنظيم مكتب المدعي العام الفدرالي.

ومن جهتها، أكدت وزارة الدفاع يوم الأحد 4 يوليو الجاري أن الجهاز سوف يعتمد سياسة أكثر صرامة ولن تُسجل بعدُ أسماء المشتبه بهم إلا بعد إجراء تقيــيم دقيق.

الأمـــن بدل الحريــة

وقد انتقدت العديد من الصحف السويسرية تجميع وتخزين البيانات الحساسة الجديدة، مُتسائلة لماذا لم يثر الكشف عن هذه الملفات الواسعة النطاق – لحد الآن – موجة احتجاجات ضخمة على غرار ما حدث في بداية عقد التسعينات في نهاية فترة الحرب الباردة.

وتساءلت يوميتا “تاغس أنتسايغر” و”دير بوند” (تصدران بالألمانية، الأولى في زيورخ والثانية في برن)، ما إذا كان رد الفعل السياسي المعتدل بالأحرى يُفسر بحقيقة أن معظم الأشخاص المسجلين هم على ما يبدو أجانب ومقيمون أجانب.

وذكـّرت الصحيفتان في هذا السياق أن ثلثي الأشخاص والمنظمات الـ 900000 التي سُجلت في عام 1989 كانا من الأجانب أيضا.

وأشارت افتتاحية نشرت في نفس اليوميتين إلى أن روح العصر تغيرت منذ ذلك الحين وورد فيها: “بعد عام 1989، كانت روح العصر (تناضل) من أجل الحرية، ولكن اليوم باتت جميع الأمور تتمحور حول الأمن، ونتيجة لذلك تتناسب الملفات السرية تماما مع المناخ السياسي (الراهن)”.

المصارف وشبكة فيسبوك

وفي عددها الصادر يوم الأحد 4 يوليو، أشارت صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” (تُنشر بالألمانية في زيورخ) إلى أن القطاع الخاص يشكل تهديدا أخطر على خصوصية الفرد من الدولة ومتلصصيها.

وأضافت الصحيفة الرصينة أن “بعض عمال المصارف في سويسرا تمكنوا من نسخ أقراص مدمجة تحتوي على أسماء العملاء وأرصدة البنك ومعاملاته”.

أما يومية “لوتون” التي تصدر بالفرنسية في جنيف، فلخـــّصت برسم كاريكاتوري وبشكل جيد التناقض الواضح في مفهوم الخصوصية في عصر شبكة الإنترنت العالمية.

ويــــُظهر الرسم رجلا يشكو من تسجيله لدى السلطات، لكن ضابط الشرطة بحث في الوقت نفسه عن تعريف نفس الرجل على شبكة فيسبوك الإجتماعية فأجابه: “ليس هنالك سبب لتقديم الشكوى”.

أورس غايزر بالتعاون مع صونيا فيناتزي – swissinfo.ch

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)

خلال ندوة صحفية عقدت الأربعاء 30 يونيو ببرن لعرض نتائج التقرير الذي أنجزته مفوّضية لجان التصرّف بغرفتي مجلس الشيوخ ومجلس النواب، والمتكوّن من 76 صفحة، أوضح رئيس المفوّضية كلود غانياك، الذي كان برفقة مجموعة من السياسيين أن “أي تغيير إيجابي لم يحدث في عقلية أجهزة المخابرات السويسرية، ولا يبدو أنها استفادت شيئا من دروس الماضي”.

فخلال السنوات الأخيرة، احتفظت هذه الأجهزة ببيانات مئات الآلاف من الأشخاص من دون التأكد من جدوى الاحتفاظ بها أو إن كانت تلك الأسماء تهدد فعلا سلامة وأمن الدولة، ولم تخضع تلك العملية إلى المراجعة الدورية كما تنص القوانين الجاري العمل بها.


وينطلق التقرير المذكور من حادثة تصنيف نائبين من أصل كردي عضوين ببرلمان كانتون بازل ضمن قوائم الأشخاص المحتمل بكونهم يهددون أمن البلاد، ويعتبر ذلك مجرد مثال لحالات أخرى كثيرة.

ودائما بحسب تقرير مفوّضية لجان التصرّف، لم يقم جهاز التحليل والوقاية أبدا بأعمال المراجعة والمراقبة الدورية المنصوص عليها في القانون بالنسبة للغالبية العظمى من مجموعة 120.000 شخص، المسجلين في قاعدة البيانات الخاصة بحماية سلامة وأمن الدولة. وبالتالي لم يتم احترام ضمانات الجدوى والجودة في أداء هذا العمل.

ويذكر أن القواعد والأنظمة التي يطالب هذا التقرير بإنفاذها واحترامها تم سنها في بداية التسعينات بعد تفجر فضيحة السجلات السرية، وتنص تلك القوانين بالتحديد على انه “لا يجوز الاحتفاظ إلا بالبيانات التي تقدم فعلا معلومات حول الأخطار التي تهدد الأمن الداخلي والخارجي”.

ويذكر أيضا أنه خلال الحرب الباردة، تم سريا تسجيل بيانات 900.000 شخص أغلبهم من ذوي التوجهات اليسارية أو القريبة منها، وذلك بالتعاون بين الشرطة الفدرالية والنيابة الفدرالية العامة و شرطة الكانتونات.

أثناء فترة الحرب الباردة (1945 – 1991)، قامت أجهزة الدولة الفدرالية والكانتونات بمراقبة العديد من الأشخاص والمنظمات بهدف الحيلولة دون وقوع أنشطة مناوئة، والشيوعية منها بوجه خاص.

في معظم الحالات، كانت أنشطة ذات طابع قانوني لا غُـبار عليها، تتحوّل إلى مادّة لملفات سرية، مثل التحركات النقابية أو مجرّد سفر إلى بلد في أوروبا الشرقية أو معارضة للمحطات النووية إلخ…

في موفى الثمانينات، اكتُـشف أن ما بين 700 ألف (حسب المصادر الرسمية) و900 ألف شخص أو منظمة، كانت موضوعا لملف سرّي.

أثارت فضيحة الملفات السرية، التي كشفت عنها لجنة تحقيق برلمانية، موجة عارمة من الاستياء والاحتجاج في سويسرا، وعلى إثر ذلك، تمّ تحويل جميع الملفات السرية إلى أرشيف الكنفدرالية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية