مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المدوّنون العرب يكْسرون حاجز الصمت ويُبطلون احتكار الإعلام

شباب عرب في إحدى مقاهي الإنترنت بالخرطوم، وفي الخلفية خريطة العالم العربي،(ألتقطت هذه الصورة يوم 3 يونيو 2006) Keystone

على الرغم من حداثة تجربة المدوّنين العرب بشكل عام، تحولت المدوّنات الألكترونية في وقت قصير إلى أداة فعالة في الدعوة إلى الإصلاح بشتى أنواعه في هذه المنطقة من العالم، ومقارعة الفساد، وفي هتك ستر المسكوت عنه، وفي تسمية الأشياء بمسمياتها.

في المقابل، اجتهدت الحكومات العربية، وحتى بعض شركات المعلوماتية المتعاونة معها في إسكات أصوات المدوّنين، بحجب مواقعهم، وسجن كتابها، والتضييق عليهم وإلحاق الأذى بهم، مما حوّل مغامرة التدوين في العالم العربي إلى معركة حقيقية من أجل إصلاح الأوضاع العامة، وتوسيع آفاق حرية التعبير.

وهذا اللجوء المتزايد من الإعلاميين العرب إلى التدوين هو تعبير عن ضيق هؤلاء ونفورهم من وسائل الإعلام التقليدية مقروءة كانت أو مسموعة أو مرئية لكونها بقيت أسيرة إرادة الحكومات، وسقطت في الروتين وتمجيد أصحاب القرار.

في المقابل مثلت المدوّنات فضاءات نمت فيها حرية التعبير وترعرعت ، ووجد الكتاب فيها فرصتهم للتعبير عن آرائهم بحرية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ طفح تأثيرها إلى وسائل الاتصال التقليدية، ويؤكد أصحاب مدوّنة المبادرة العربية لإنترنت حرةرابط خارجي على أهمية هذا التأثير: “لقد بدأت أغلب الصحف المستقلة تستكتب مدوّنين لما رأت منهم من قدرة على الكتابة، وتميّز في توظيف تكنولوجيا المستقبل، ومن سرعة في الوصول إلى الأخبار والكشف عن أكثرها حساسية وخطورة”. ويضيف جمال عيد المسؤول بنفس المدونة : “لقد تميّز المدوّنون بانتقاد الحكومات ومؤسساتها، ومناقشة القضايا المهمة بعيدا عن الرقابة الخارجية”.

أما محمد أبو عزيز، أحد الناشطين، في المجال، فيرجع إختياره للتدوين “لكونه لا يحتاج إلى كل التعقيد الذي يعترض وسائل الإعلام التقليدية”، ويضيف صاحبمدونة أبو عزيزرابط خارجي، وهي مدوّنة نشطة تهتم بقضايا السياحة في سويسرا وفي البلدان المجاورة: “لقد وضعت وسائل الإعلام لنفسها حواجز وعقبات، جعلت الوصول لها من أصعب الأمور، ويتطلب الوقت الكثير، وتلعب فيه المحسوبية والواسطة والمركز المالي دورا كبيرا”.

وسيلة متاحة وسهلة الاستخدام

أما بالنسبة للمدوّن أبو شمسرابط خارجي، (لا يُعرف هل هو اسم حقيقي أم اسم مستعار)، طلبت سويس إنفو رأيه: “يتم اللجوء إلى المدونات لكونها مساحة حرة نستطيع أن نضع فيها أقدامنا برغم القيود الحكومية المستحوذة على جميع منابر التعبير عن الرأي من صحافة وتلفاز وحتى أماكن عامة”.

كذلك تسمح هذه الآلية لكل شخص نشر كتاباته بسهولة بالغة، والاستفادة من تقنية التلقيم التي تهدف إلى تسهيل متابعة التحديثات التي تطرأ على المحتوى المنشور دون الحاجة إلى زيارة المواقع بشكل دوري، ودون الحاجة إلى الاشتراك في قوائم بريدية”.

ليس هذا فحسب، فالمدوّنات تتميز كذلك بفسحة الكبيرة في مجال حرية الرأي والتعبير، هذه الحرية التي يقول عنها السيد إبراهيم قويدر، في مدوّنته الشخصيةرابط خارجي“لقد أعادت المدوّنات إلى كتاباتنا الحرية التي حجبها جبروت الحكام والأنظمة عبر الأزمان على الجمهور ، وأصبحت متنفسا جديدا للرأي، قادرة على إطلاع القراء على حقائق الأشياء بعيدا عن الهيمنة والقيود الروتينية”.

ولما كانت المدوّنات أصناف، فإن المدوّنة الناجحة بحسب هذا المدوّن هي تلك التي تمس نبض الجماهير، وتعالج مشكلة الفرد والأسرة، وتقدم رأيا محايدا موضوعيا.

الحرية بدون قيود

قبل عصر التدوين، اعتاد القارئ العربي، واستبطن الكتاب العرب الموقف الداعم لحرية الرأي والتعبير، لكن بشرط ان يراعي هذا الموقف التقاليد والآداب العامة، وما يصوّر على أنه مصلحة الوطن العليا أو مقتضيات الأمن العام، وهو ما يؤدي في نهاية الأمر إلى إفراغ هذه القيمة الهامة من مضمونها، لتصبح عبارة “نعم، ولكن!” سيدة الموقف، وبوابة لفرض الرقابة السياسية وفرض وصاية المؤسسة الدينية الرسمية على كل رأي حر.

وباسم هذه الوصاية اعتقل المدوّنون الذين رفضوا الخضوع للإملاءات ، وحجبت المواقع التي رفضت استخدام اللغة الخشبية، أو المواقف الرمادية، وهناك قائمة بالمواقف المحجوبة في العالم العربي بسبب ما سبق، وكذلك أسماء المعتقلين العرب بسبب الإنترنت والمدوّنات في موقع اتحاد المدوّنين العربرابط خارجي
، وكذلك على موقع الشبكة العربية لحقوق الإنسانرابط خارجي، لكن رد الفعل من المدوّنين على هذا التضييق، كان الإمعان في ممارسة حقهم وحريتهم في التعبير عن آرائهم إلى درجة استخدام بعضهم لتعبيرات هي في بعض الأحيان أقرب إلى السباب والتجريح، أو استخدام اللغة العامية والتعبيرات الشائعة في الشارع كما هو الحال في مدونة بن كريشانرابط خارجي، أو مدونة لنتجاوز المعتادرابط خارجي والسؤال الذي يتكرر طرحه بين المدوّنين أنفسهم هو هل من الضروري أن تتسم الكتابة في المدوّنات بالتجريح والسب والغلظة في اللفظ، وهل يبرر التمسك بالحرية تجاوز أعراف الكتابة والاعتداء على الذوق العام.

وعن هذا يجيب الدكتور إبراهيم قويدر بالنفي: “فطرح المواضيع الإجتماعية والدينية والسياسية بموضوعية بعيد كل البعض عن أي مظهر من مظاهر التطرف، وأما خلاف ذلك، فلن يفيد كثيرا، بل سيسهم في نشر التطرف والعنف، خاصة النبش في عقائد الناس”.

وبدلا عن ذلك، يقترح الدكتور قويدر وهو المنخرط في هذا الفن: “أن تلعب المدوّنات دورا فاعلا في محاربة الكثير من العادات، والموروثات البالية والغير الصحيحة، وأيضا مكافحة الفساد السياسي”.

بعض المدوّنين الشبان، وفي محاولة للالتفاف على هذه الرقابة المستحكمة، استخدموا الفكاهة والأسلوب الساخر، ويقول احد فرسان هذا الفن، وهو أبو شمس، في رده على سؤال لسويس إنفو: “أستخدم السخرية للتأكيد على مأساوية القضايا المطروحة، وأيضا للالتفاف على الرقيب، ولكن بعد أن أصبحت السخرية هي ما يبحث عنه غالبية المجتمع المستضعف، وأصبح البطش الذي طالما تحاشيناه يطالنا دون تمييز، سمح لي هذا بالتركيز على القضايا المأساوية بطريقة ساخرة وصريحة وقوية، يمكن تلخيصها في قول الشاعر: (لا تحسبوا رقصي بينكم طربا // فالطير يرقص مذبوحا من الألم).

لكن بعض المدوّنين العرب الآخرين يفضلون التأكيد على بعد المسؤولية والرصانة، وينأون بالمدونات عن الأغراض والطموحات الشخصية، أو المصالح السياسية الحزبية، ووظيفتها بحسب محمد أبو عزيز “لا تتجاوز نشر فكرة أو معلومة ومشاركة الناس بها وأخذ انطباعهم عنها”.

المدوّنات والتعبئة السياسية

المتصفح للمدوّنات العربية النشطة يلاحظ ان الكثير منها يعنى بالكتابات الأدبية أو الهموم الخاصة والنصائح التقنية، وبعضها يثير قضايا هامشية لا تهم بحسب أبو شمس إلا بعض الشرائح المحدودة، والبعض منها لا يتجاوز حدود هموم وهواجس المدوّن نفسه.

وهناك صنف آخر من المدوّنين الذين وإن تناولوا قضايا مهمة وعامة وجادة، فإنهم عالجوها بشكل شخصي ومن خلال ما أثارته لديهم من انطباعات وانشغالات، كما هو حال بالنسبة لمدوّنة “همومرابط خارجي “، أو مدوّنة “منال علاء المصريةرابط خارجي“، والتي تتناول قضايا سياسية بالحوار والتحليل والنقاش والتعليق.

لكن ما أعطى للمدوّنات إشعاعا فعليا، وجلب إليها الأنظار هو ارتباط الكثير منها بالحركات السياسية الداعمة للديمقراطية وللحريات الأساسية ولحقوق الإنسان، ومن المدوّنات التي لقيت شهرة كبيرة في هذا السياق، المدوّنة لمناهضة للتعذيبرابط خارجي في مخافر الشرطة والأمن السياسي في مصر المحروسة، وعن أهمية هذا الدور تقول السيدة نها، إحدى المشرفات على هذه المدونة: “عرضت مدونة التعذيب في مصر جرائم التعذيب المرتكبة في البلاد، وتابعتها، ونشرت وما تزال محاكمات الضباط المتورّطين في ارتكاب هذه الجرائم، وشهادات الضحايا، مع الإعلان عن مواعيد جلسات المحاكمات والفعاليات الاحتجاجية”.

هذه المدوّنة لا تتوقف عند هذا الحد، إذ تسعى أيضا كما تقول السيدة نها “إلى تعزيز الوعي بحقوق الإنسان من خلال نشر مواعيد عرض الأفلام السينمائية المتناولة لقضايا حقوق الإنسان، وتنشر مقاطع منها، كما تولي عناية خاصة لمواعيد المؤتمرات وورشات العمل التي ينظمها المحامون والأطباء الراغبون في التطوّع لمحاربة الآثار السيئة للتعذيب”.

وتقول السيدة نها، وهي على درجة عالية من الثقة : “لقد نجحت مدوّنتنا إلى حد كبير في تعريف الجمهور العريض بأن التعذيب في مصر ممارسة منهجية وليس حالات فردية، كما يزعم المسؤولون بوزارة الداخلية المصرية”.

مأزق الرقابة

ويكمن مأزق السلطات العربية في مواجهة هذا الجيل من المدوّنين، في ان كل الوسائل التي استخدمت في تكميم تلك الأفواه قد فشلت، بل وأدت إلى تأجيج تلك الكتابات المحتجة، وعن هذا يقول القائمون على حظوظ مدونة “التعذيب في مصر”: “كلما زاد التضييق على الشارع كلما ازداد النشاط على الإنترنت، لأن الناس يجدون في العالم الافتراضي بديلا عن الواقع”.

وهذا الأمر صحيح إلى حد كبير، إذ أصبحت الإنترنت مع الوقت وسيلة فاعلة، يقبل عليها الشباب، وتقدم من خلالها المدوّنات الإخبار بطريقة بسيطة، وشخصية، ومستقلة، مما يؤهلها لكسب مصداقية لدى جمهورها أكثر من الإعلام التقليدي الذي هو مرتبط في العادة بمصالح حكومات أو أحزاب أو رجال أعمال وأصحاب نفوذ.

لقد ساعد المدوّنون العرب إلى حد كبير في توسيع فضاء حرية التعبير وكشف جرائم الفساد والتعذيب والتعدي على كرامة المواطن، وطرحوا عبر مدوناتهم ومواقعهم الإلكترونية موضوعات كانت تعد من المحرمات، سياسية كقضايا توريث السلطة، في الأنظمة الملكية أو الجمهورية على السواء، أو قضايا العادات الاجتماعية أو الدين أو الجنس، وفتحت صفحاتها لفئات مثل المثليين جنسيا أو البهائيين، وغيرهم. بل هناك من الكتاب من بدأ مسيرته مدوّنا، فأصبحوا لاحقا ناشطين اجتماعيين انطلقوا إلى الشارع لمعرفة مشاكله والمطالبة بحقوقه”.

هذه الجرأة في التناول، وهذه اللغة المتميزة بالمباشرة والصراحة، وهذا الربط بين الوعي بالحقوق والمطالبة بها، كلها أمور توحي بان المدونات ستزدهر في العالم العربي وستتوسع على حساب وسائل الإعلام التقليدية من إذاعة وتلفزيون وصحف، لكن هل يصل ذلك إلى حد الاستعاضة عن تلك الوسائل واستبدالها بالمدونات؟، هذا ما سنحاول الإجابة عنه في وقت لاحق.

عبد الحفيظ العبدلي swissinfo.ch

حققت المنطقة العربية نسبة نمو قوية فى مجال استخدام الانترنت خلال الفترة الممتدة بين عامى 2000 و2008 بلغت %1.176.8، الأمر الذى يتوقع له أن يُسهم فى زيادة عدد مستخدمى الانترنت العرب ليصل إلى 25 مليون شخص خلال العام الجارى.

ومن المنتظر أن يزيد هذا في النشاط التجاري الإلكتروني في المنطقة. ويشير موفرو خدمات الدفع الالكترونى إلى نمو دور الشبكة الإلكترونية فى المجال التجاري بنسبة 27 % خلال العامين الماضيين. لكن في المقابل يزداد تضييق الحكومات العربية على مستخدمي الإنترنت، وإن كانت أغلبها ترفض الاعتراف بذلك، وتصر على القول إنها “لا تحجب سوى المواقع الإباحية أو المواقع الإرهابية”.

تعد دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من النماذج الصارخة فى التضارب بين الشعارات والخطوات الجادة التى تسعى لاستقطاب الاستثمارات العالمية فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتشجيع المواطنين على استخدام الانترنت لهذا الغرض، وفى الوقت نفسه ممارسة أنواع مختلفة من الحظر المكثف على آلاف المواقع على الشبكة الدولية، وهى المواقع التى تعتبرها السلطات “غير مرغوبة” لأسباب دينية وثقافية وسياسية أحيانا. وتدعي الحكومة انها لا تحجب سوى المواقع الاباحية.

ويبدو أن فكرة الرقابة المكثفة للانترنت في الإمارات قد انتقلت للشبكة من المناخ الذى يحكم عمل الإعلام التقليدى داخل البلاد، وتقول تقارير المنظمات الدولية فى مجال الإعلام وحقوق الإنسان أن الدولة تفرض قيودا على الصحافة والإعلام التقليدى بدرجة واضحة لدرجة أن أحدث تقرير لمنظمة صحفيون بلا حدود وضع الإمارات فى المركز 101 من بين 167 دولة فيما يتعلق بحرية الصحافة.

وفي اليمن، لا تمارس الحكومة حظرا شاملا على الشبكة، ولكن عملها في ذلك يتميز بالإنتقائية حيث تركز الرقابة على المواقع التى تتناول قضايا سياسية حساسة معارضة للتوجهات الحكومية، أما التعلات لتبرير هذه الرقابة فهي متفاوتة ومتنوعة. ورغم زعم الحكومة الدائم إنها لا تراقب استخدام الانترنت إلا أن سلطات الأمن السياسى حسب الكثير من التقارير تقوم بقراءة الرسائل الالكترونية الخاصة، وتحظر الدخول إلى بعض المواقع لذلك يحمل معظم النشطاء الدولة المسئولية الكاملة عن هذه العقبات .

ففي تونس تحجب السلطات المواقع التونسية المعارضة كموقع “الحزب الديمقراطى التقدمى”، وجريدة “كلمة تونس” الذي تديرها الحقوقية “أم زياد” ومواقع أخرى تقول الحكومة انها تروّج لأفكار إرهابية أو لمحتويات مخلة بالآداب العامة.

اما في المغرب، فإن تقارير المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان وكذلك الخبراء والمتخصصين داخل البلاد تشير إلى أن الإنترنت هناك تتمتع بحرية واستقلالية غير متوافرة فى معظم الدول العربية، فلا تمنع الدولة الوصول إلى مواقع بعينها، ولا تراقب محتوى الشبكة، كما أنه لا يشترط الحصول على أى معلومات عن طالب الخدمة من الشركات المزودة ويمكن للمواطن تصفح الإنترنت داخل المغرب فى خصوصية كاملة، ويقول “كارل ستانزيك” وهو مدير لشركة أخرى من شركات تزويد الإنترنت إنه لا يوجد ما يسمى “تعاقد الاستخدام” بين المزود وطالب الخدمة، كما أن السلطات لا تلقى بالمسئولية على الشركات المزودة فى حالة وجود أي محتوى “غير قانونى” يتم تبادله عبر الشبكة من خلال أجهزة المزود.

(بالإعتماد على تقارير ومعلومات منشورة على موقع “المبادرة العربية لإنترنت حر”).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية