مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المصحات النفسية .. اكتظاظ يبحث عن حل

مراقبة المرضى من خلال الدوائر التلفزيونية المغلقة أحد الحلول التي لجأت إليها بعض المصحات لتعويض النقص في اطقم التمريض المؤهلة Keystone

يمثل امتلاء عيادات ومصحات العلاج النفسي بالكامل ظاهرة فريدة تشهدها سويسرا في الآونة الأخيرة، الخبراء يدقون ناقوس الخطر ويبحثون عن حل عاجل.

سواء في العاصمة برن أو في وسط سويسرا أو في زيورخ فالوضع متشابه: جميع عيادات ومصحات العلاج النفسي ممتلئة بالمرضى بشكل يجعل علاج الحالات ومتابعتها أمرا بالغ الصعوبة، علاوة على ان هذه الحالة التي تكاد تشبه حالة الطوارئ تعرقل فرص تقديم أي معونة سريعة للحالات الخطرة أو ذوي الاحتياجات الخاصة.

الازمة ليست جديدة وكانت متوقعة وإن كان بصورة أخف وتطرح أكثر من سؤال في آن واحد حول اسباب ارتفاع عدد الباحثين عن علاج نفسي وكيفية مواجهة هذه المشكلة بأسرع وقت ممكن، علاوة على ضرورة البحث عن حل يمنع تكرار هذه المشكلة مستقبلا.

الأسباب معروفة

البروفيسور هانز ديتر برينر مدير مصحة مونسينغن النفسية يرى أن عدد المترددين على مصحات وعيادات العلاج النفسي تزايد بشكل متصاعد خلال الأعوام العشرة الماضية بسبب ما وصفه بالتغييرات الاجتماعية السريعة على المجتمع والتي لم يتمكن العديد من المواطنين التكييف معها ومواكبتها.

وصاحب ذلك تزايد أعداد من يشعرون بالعزلة والانفرادية بسبب غياب الأسرة المتكاملة والسعي وراء الأهواء الشخصية على حساب العادات والتقاليد الاجتماعية المتوارثة والتي بدأت تفقد قيمتها مع مضي الوقت، ثم فشل البعض في تحقيق ما اعتقدوا أنه المستقبل الآمن أو السعادة الكاملة، مما يؤدي إلى نوع من الإحباط واليأس والتباس الأمور وعدم وضوح الرؤية لا في الحاضر ولا في المستقبل.

هذه الأسباب برمتها تنعكس على المجتمع بشكل مباشر مع مرور الوقت وإن كانت نتائجها السلبية تظهر بشكل يختلف من شخص إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، فهناك من الحالات المرضية ما تكفيه الاستشارة الوقتية والتي تمكنه من الخروج من أزمته النفسية، وهناك آخرون يحتاجون إلى علاج طويل ويخشون من مواجهة المشكلة وحدهم فيفضلون البقاء في المصحات لوقت طويل.

الاجهزة الطبية عاجزة

الأطباء ومعاونوهم يقفون مكتوفي الأيدي أمام أعداد المرضى المتزايدة، فمن ناحية لا يجب الاستهانة بأي حالة جديدة، حيث يجب أن يأخذ كل شخص نصيبه من الاستماع والإنصات إليه والعناية والرعاية، ومن ناحية أخرى يجب متابعة الحالات المرضية المتواجدة بالفعل في المصحات بشكل منتظم لا يؤثر على تماثل المرضى للشفاء.

وما يجعل المشكلة معقدة هو قلة عدد الأطباء والمعاونين والممرضين لاستيعاب هذا العدد من المرضى سواء الجدد أو المتواجدين حاليا الذين هم بحاجة إلى العناية والمتابعة، حتى أن اغلب المصحات تعتمد على الدوائر التلفزيونية المغلقة لمراقبة المرضى لعدم وجود من يقوم بهذه المهمة.

أما تأهيل عدد جديد من الممرضين أو المساعدين في هذا المجال فيحتاج إلى وقت طويل ويتطلب شروطا معينة في من يرغب في تعلم هذه المهنة، أضف إلى هذا ضرورة بناء مصحات وعيادات جديدة، وهذه مشكلة أخرى يتكفل الاقتصاديون بدراستها.

بعض المقترحات لحلول مؤقتة

ويرى القائمون على العلاج النفسي في سويسرا أنه من الأفضل أن يكون الحديث مع صاحب المشكلة عميقا بحيث يمكن للطبيب المعالج تحديد ما إذا كان الشخص يستطيع بواسطة النصائح والإرشادات التي يوفرها له الطبيب التعامل مع المشكلة بنفسه في بيته والتردد من حين إلى آخر على المصحة لمتابعة الموقف، أما في الحالات الصعبة مثل الانهيار العصبي أو الاضطراب الذي يمكن أن يؤدي إلى جريمة الانتحار أو القتل الجماعي فان الاطباء متفقون على ضرورة وضعهم تحت الرعاية المباشرة في المصحات.

بعض الأطباء اقترحوا نظام المتابعة المتجول والذي يتمثل في قيام الطبيب رفقة أحد معاونيه بجولة على المرضى في بيوتهم في أوقات محددة فيتمكن بذلك من متابعة الحالات المختلفة بشكل متواصل والوقوف على نتيجة العلاج.

ومن مميزات هذا الأسلوب، كما يقول المؤيدون، هو أنه يعطي للمريض نوعا من الثقة بالنفس وعدم الشعور بالوحدة في مواجهة مشكلته، كما أنه يخفف الضغط على المصحات، اقتراح آخر يدرسه المختصون يتمثل في زيادة عدد خطوط المساعدات النفسية عن طريق الهاتف، إلا أن المعارضين يخشون أن تكون هذا الحل وسيلة لمن يشعرون بالفراغ وفرارا من الوحدة والملل.

أما الحلول التي تعتمد على البحث عن معالجة ظهور هذه المشاكل النفسية التي يعرفها المتخصصون جيدا وكيفية تفاديها مستقبلا فلم يتطرق لها الاطباء، فهي، حسب النمط السويسري في الحياة، “مشكلة فردية يجب أن يبحث صاحبها بنفسه عن كيفية تفاديها”.

تامر أبو العينين

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية