مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المعادلة التركية الجديدة

رغم تقدم حزبه، فإن رجب أردوغان لن يكون رئيسا للحكومة التركية المقبلة، التي يتقدم فيها حزبه عن كل الأحزاب الأخرى Keystone

بدأ الفرز الرسمي للأصوات في الانتخابات العامة التركية التي جرت يوم الأحد. وأعلن مسؤولون في حزب العدالة والتنمية، أن حزبهم، ذي الاتجاه الإسلامي، قد يحصل بمفرده على الأغلبية البرلمانية لتشكيل الحكومة المقبلة.

وقال نائب رئيس الحزب، عبد الله الغول، إن العدالة والتنمية هو المنتصر في هذه الانتخابات.

كانت الانتخابات النيابية و”البلدية” في تركيا دائما ميداناً لتنافسات حادة، ومفاجآت في أكثر من اتجاه، ولعل السبب الأساسي لذلك هو التباينات والصراعات العميقة بين مختلف التيارات السياسية والاجتماعية، وأهمية الدور الذي تلعبه تركيا على الساحتين الإقليمية والدولية·

لكن انتخابات يوم الأحد 3 نوفمبر استمت بأهمية مضاعفة لأكثر من عامل:

. أن الحزب المرجّح للفوز في الانتخابات، وبفارق كبير عن الحزب الذي يليه، بل وربما تحصيل الأكثرية المطلقة، هو حزب العدالة والتنمية “AKP” ذو الميول الإسلامية، والذي يتزعمه رئيس بلدية اسطنبول السابق رجب طيب أردوغان، الممنوع قضائيا من خوض الانتخابات.

. أن احتمال فوز الحزب يثير الخشية من عودة التوتر “الذي لم ينقطع في الأساس” إلى الساحة الداخلية، منذ المواجهة المشهودة عام 1997 بين العسكر والحكومة التي كان يرأسها حينئذاك زعيم حزب الرفاه الإسلامي نجم الدين أربكان، علماً أن أردوغان نفسه كان رئيساً لبلدية اسطنبول وعضواً في حزب الرفاه في “الحقبة الذهبية” لهذا الأخير، والتي امتدت بين عامي 1994 و1997.

. أن المخاوف من حصول مواجهة جديدة بين العسكر واوردغان، يعززها استمرار رفع العسكر لشعار “حرب الألف عام” ضد “الرجعية”، المصطلح الذي يطلقه النظام التركي على الإسلاميين·

. أن انتخابات 3 نوفمبر ذات أهمية كبيرة، كونها تسبق قمة كوبنهاغن لزعماء دول الاتحاد الأوروبي، والتي ستنعقد في 12 ديسمبر المقبل. ويرى البعض أن التقرير الأوروبي حول مدى تقدم تركيا في تطبيق الإصلاحات المطلوبة منها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والذي أعلن يوم 11 اكتوبر 2002، لم يحدّد موعداً لأنقرة لبدء مفاوضات العضوية، لأن الاتحاد الأوروبي يفضّل انتظار ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات النيابية في تركيا ليبني على الشيء مقتضاه.

الظروف الإقليمية والدولية

وتبدو الفئات المعارضة للإسلاميين وراء الترويج لهذا الاعتقاد، لإبعاد الناخبين عن حزب العدالة والتنمية، والإيحاء بأن فوز الإسلاميين سيقضي على فُرَص تحديد موعد لتركيا لبدء مفاوضات العضوية، مع التذكير بأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هو من أولويات حزب العدالة والتنمية كما ورد في برنامجه الانتخابي، وكما يكرر ذلك ويؤكده زعيمه أردوغان·

وجرت الانتخابات النيابية وسط تصاعد الاستعدادات لضربة أمريكية عسكرية ضد العراق، والدور الحيوي لتركيا في مثل هذه الضربة، ذلك أن وصول الإسلاميين إلى السلطة في تركيا قد يعرّض الخطط الأمريكية ضد العراق لبعض الإرباك، كما يعتقد العديد من المعلقين العلمانيين·

لكن هذه النظرة لا تصمد كثيراً أمام الوقائع. أولا، إن الذي يعارض ضربة أمريكية إلى العراق هم الحكومة الحالية بزعامة أجاويد والمؤسسة العسكرية. وثانيا،ً لأن حزب العدالة والتنمية لم يعلن حتى الآن موقفاً محدداً من ضرب العراق. ولكن نائب رئيسه عبدالله غول أجاب رداً على سؤال بهذا الشأن: “سنسأل العسكر”.

إن الفوز الأكثر من محتمل للإسلاميين في الانتخابات، بل ربما استلامهم السلطة بمفردهم، قد يُدخل البلاد في عملية من التعديلات الدستورية والقانونية الجذرية في اتجاه تعزيز الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان، وما قد يعنيه ذلك من حرية أكبر للإسلاميين والمعارضة عموماً للتحرك والعمل السياسي، ما يضع البلاد أمام برنامج أولويات مختلف عما هو عليه الآن·

وتجمع استطلاعات الرأي على أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي سيحتل المرتبة الأولى بنسبة تتراوح بين 25 و30%، يليه بفارق عشر نقاط حزب الشعب الجمهوري “العلماني اليساري”، الذي يتزعمه دينيز بايكال. ومن بعد ذلك، تختلف الاستطلاعات.

فالبعض، لا يعطي أملاً لأي حزب آخر بالحصول على نسبة 10% المطلوبة لدخول البرلمان، والبعض الآخر، يرجح إمكانية نجاح حزبين أو ثلاثة في تخطي حاجز 10%. ونجاح أو عدم نجاح أي حزب ثالث في دخول البرلمان، له أهمية كبيرة جداً لجهة تحديد قوة الإسلاميين في البرلمان المقبل·

فكلما كان عدد الأحزاب التي تدخل البرلمان، قليلاً كان ذلك، لمصلحة حزب العدالة والتنمية الذي سيرث، “كونه الحزب الأول”، العدد الأكبر من المقاعد النيابية التي كان يجب أن تكون للأحزاب التي لم تنل نسبة 10%، وهي النسبة الدنيا لدخول البرلمان. وبذلك، تتعزز حظوظ الإسلاميين في الحصول على الغالبية المطلقة في البرلمان، فيما أن دخول عدد أكبر من الأحزاب إلى البرلمان يقلّل من فرصة استلام الإسلاميين السلطة بمفردهم.

حملة ضد الإسلاميين

وقد تحركت الآلة الانتخابية للدولة في اتجاه إضعاف حزب العدالة والتنمية لصالح منافسه الأقوى حزب الشعب الجمهوري، وذلك عبر منع أردوغان من الترشح للانتخابات أولاً، ومن ثمّ فتح دعوى قضائية لإغلاق حزب العدالة والتنمية في رسالة إلى الناخبين بعدم التصويت لحزب يعرفون أنه سيحظر لاحقاً. ومن جهة ثانية، دفعت السلطة بالرجل الذي استقدمت من البنك العالمي في واشنطن، أي كمال درويش، الذي شغل منصب وزير المالية في حكومة أجاويد واستقال منها، للانضمام إلى حزب الشعب الجمهوري ليمنحه بعض القوة الإضافية·

وإذا قارنا وضع حزب العدالة والتنمية الآن بما كان عليه وضع حزب الفضيلة عام 1999، والذي كان يواجه دعوى لإغلاقه، لربما نجح النظام في تقليل نسبة الأصوات التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية في 3 نوفمبر. لكن إذا نظرنا إلى ردة فعل الناخب على منع أردوغان من الترشح، فإن أصوات حزب العدالة والتنمية ستتضاعف في الانتخابات المقبلة·

وأمام هذه المعطيات، ما الذي ستكون عليه صورة الحكومة المقبلة، وما هو موقف العسكر تحديداً من الاحتمالات السياسية المقبلة؟

1. إذا نجح حزب العدالة والتنمية في احتلال المركز الأول، لكنه فشل في الحصول على الغالبية المطلقة، فذلك يعني أن أولوية النظام هي لحكومة ائتلافية من كل الأحزاب الأخرى، يستبعد عنها حزب العدالة والتنمية. وهو نفس السيناريو الذي حدث بعد انتخابات 1999، حيث شكلت حكومة متناقضة الاتجاهات، واستبعد عنها الإسلاميون وحزب طانسوتشيللر، التي كان مغضوباً عليها لأنها تحالفت عام 1996 و1997 مع أربكان. لكن ظهور حكومة ائتلافية جديدة متناقضة، يعني استمرار الوضع السابق والكارثة الاقتصادية التي نتجت عنه·

2. إذا نجح حزب العدالة والتنمية في الحصول بمفرده على الغالبية المطلقة، فالبلاد أمام أكثر من احتمال: إما سماح العسكر له بتشكيل حكومة جديدة ومراقبته بصرامة لمنع أي تغييرات جذرية في السياسات المتبعة حتى الآن، ولا سيما تجاه المسألة العلمانية، وإما تحريك القضاء بسرعة لإصدار قرار بحظر حزب العدالة والتنمية، وإما التدخل العسكري رغم كل المحاذير الناتجة عن ذلك·

3. الاحتمال الثالث، هو تشكيل حكومة ائتلافية بين الإسلاميين وحزب الشعب الجمهوري تكون “أهون الشرور” في المرحلة الحالية لضمان الاستقرار السياسي والنهوض الاقتصادي، وإبعاد الخطر عن العلمانية وعن تغييرات جذرية في السياسة الخارجية. وهذا الاحتمال ليس مستبعدا،ً بل قد لمح أردوغان وبايكال في المناظرة التلفزيونية مساء الجمعة 25 أكتوبر إلى إمكانية تحقيقه، وكانا في المناظرة مرنين جداً ومنفتحين للغاية على بعضهما البعض·

أما إذا وصل حزب العدالة والتنمية بمفرده إلى السلطة، فسيكون ذلك “حدثاً تاريخياً”. وإذا ما حصل ائتلاف حكومي بينه وبين حزب الشعب الجمهوري، قد يكون ذلك “فرصة تاريخية” للمصالحة بين الإسلاميين والعلمانيين. وإذا لم يحدث هذا أو ذاك، فهذا يعني استمرار الطبقة السابقة في السلطة وتوقع مرحلة أخرى من عدم الاستقرار السياسي، والجمود الاقتصادي.

د. محمد نورالدين – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية