مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رغم تمرير الدستور.. لا زال الإستقرار فى مصر بعيد المنال

بعد اعتماد الدستور الجديد رسميا، يأمل المصريون في عودة الإستقرار إلى بلادهم بعد عامين من ثورة 25 يناير. في الصورة: بائع زهور يُطالع جريدة أمام محله في القاهرة يوم 27 ديسمبر 2012. Keystone

بعد 22 شهرا من الثورة أصبح لمصر دستور جديد، وافق عليه ما يقرب من 64% من الذين شاركوا فى الإستفتاء الذى أنجز على يومين يفصل بينهما أسبوع كامل، فى حين رفض الدستور ما يقرب من 36 % من جملة 16 مليونا و755 الف مواطن شاركوا فى الإستفتاء.

ومع انتصار نعم للدستور انتهت المرحلة الفرعية الثانية من الفترة الإنتقالية التى تمر بها مصر، ويظل هناك مرحلة فرعية ثالثة يُفترض أن تنتهى فى غضون تسعة اشهر على الأكثر، منها ثلاثة للانتهاء من القوانين المنظمة للانتخابات، وستة اشهر أخرى لإجراء الانتخابات البرلمانية، وعندها يكتمل بناء المؤسسات التى توقف عملها عند سقوط النظام السابق.

قراءة غير إحصائية

قراءة الأرقام المُعلنة على النحو السابق لا تعنى أن الموافقين على الدستور الجديد هم كثرة غالبة، ويرجع ذلك إلى أن نسبة الذين شاركوا فى الإستفتاء يمثلون 33،4% فقط من جملة الذين لهم حق التصويت، وحين يؤيد 64% من هذا الثلث الدستور الجديد، فهذا يعنى أن المؤيدين الحقيقيين للدستور لا تزيد نسبتهم عن 20% من جملة الناخبين الذين لهم حق التصويت. وهى نسبة تعد متدنية قياسا إلى طبيعة الوثيقة الدستورية التى يُنظر إليها كعقد اجتماعى بين الحاكم والمحكوم ويُفضل دائما أن تأتى بنسب عالية إثباتا للتوافق الوطنى العام حولها.

وبعيدا عن هذه القراءة الإحصائية العامة، ونظرا لعدم وجود معايير محددة مُسبقا للنسبة التى يجب أن تحصل عليها مسودة الدستور والنسبة التى يجب ألا يقل عنها عدد المشاركين فى التصويت من جملة من لهم الحق فى ذلك، يصبح إقرار الدستور بأكثرية من شارك فى التصويت أيا كانت نسبتهم أمرا واقعا رغم الجدل حوله. وهو ما حدث بالفعل فى مصر.

نحو اسقاط الدستور

لكن تمرير الدستور بهذا الشكل المتدنى احصائيا، فضلا عن الإقتناع بعدم شرعية الاستفتاء وحصر عدد كبير من المخالفات التى يرقى بعضها ـ من وجهة نظر المعارضة ـ إلى حد بطلانه، يمثل لدى قوى المعارضة نقطة ارتكاز رئيسية لرفض الدستور، ومنطلقا للعمل من أجل إسقاطه شعبيا وعبر الوسائل السلمية المختلفة وكذلك بالوسائل القانونية، والفكرة هنا ببساطة أن الدستور لم تتم صياغته بالتوافق ولم يمر بالتوافق وحدثت فيه مخالفات جسيمة، وبالتالى فهو فاقد للمشروعية الأخلاقية والسياسية حتى ولو كان قد حصل على الشرعية القانونية والشكلية.

الدعوة إلى إسقاط الدستور سليما وقانونيا تعد أيضا نقطة التقاء بين كل الأحزاب والقوى المدنية وائتلافات الشباب الثورية التى دعت إلى تنظيم مظاهرة حاشدة فى الذكرى الثانية للثورة ولمدة اربعة أيام تبدأ يوم 25 يناير المقبل، وحتى يوم 28 يناير 2013، وهو الطرح الذى وافقت عليه جبهة الإنقاذ التى تتشكل من غالبية الأحزاب المدنية التى تتوجس شرا من تيار الإسلام السياسى، مثل حزب الوفد والدستور والتيار الشعبى والتجمع والديمقراطى الإجتماعى والمصريين الأحرار والمؤتمر وأحزاب أخرى عديدة.

وبهذه الدعوة إلى التظاهر من أجل اسقاط الدستور والإستعداد لها قبل شهرين كاملين، جنبا إلى رفض جبهة الانقاذ الاستجابة لدعوة الرئيس محمد مرسى للحوار الوطنى، يتضح أن إقرار الدستور الجديد ليس بالضرورة المدخل الطبيعى لاستعادة الاستقرار السياسى المنشود والبدء فى ورشة عمل وتنمية للوطن بأسره.

أسس دعاية الإسلام السياسى

يجدر التذكير أن تيار الإسلام السياسى الذى وقف بقوة وراء مسودة الدستور لتمريره، ركز فى حملته الدعائية على فكرتين محوريتين؛ الأولى أن الدستور يُقر بتطبيق الشريعة الإسلامية ويحافظ على هوية المصريين الدينية والحضارية. والثانية أن الدستور سوف يؤدى إلى استعادة الإستقرار السياسى ويُسهم فى إكمال بناء المؤسسات ويحقق أهداف الثورة فى العدالة والحرية. وهما الفكرتان اللتان أثارتا كثيرا من الجدل السياسى، وكانتا سببا فى التباس الأمر عند قطاع كبير من المصريين.

فالذين ينتمون إلى أحزاب الاسلام السياسى أو يقتربون منهم بالإضافة إلى عموم الشعب المصرى ليست لديهم مع الشريعة الاسلامية باعتبارها الدين الذى ارتضوه ويؤمنون به كعقيدة راسخة. لكن المشكلة تبدأ فى تفسير بعض مبادىء وأحكام الشريعة وفي طريقة تطبيقها وفى ظل أي بيئة، خاصة وأن بعض مواد الدستور الجديد تحتوى على صياغات حمالة أوجه، ومن شأنها أن تطرح مشكلات عملية وسياسية عديدة.

 وقد بدا الأمر مثيرا حين خرج أحد القيادات البارزة فى الحركة السلفية فى جزء من لقاء مع بعض شيوخ الحركة السلفية، وهو الشيخ ياسر برهامى، ليؤكد أن الدستور يحمل قيودا شرعية عديدة على الإعلام والإبداع والصحافة والفن والفكر، وأنه حال إقرار قانون للحسبة سوف يحقق السلفيون غرضهم فى تطبيق الشريعة كاملة. وهو ما كشف أن هناك نية مُسبقة بتوظيف ما جاء فى الدستور حول مبادئ الشريعة كمصدر للتشريع ( المادة 2)، وتعريفها على أنها “تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة”، كما جاء فى المادة 219، للعمل على تغيير المنظومة القانونية المدنية فى مصر وصبغها بصبغة دينية تتوافق مع قناعات تيار محدد دون أن يكون ذلك محل توافق وطنى عام.

هذا الصنف من التصريحات فتح باب الجدل مرة ثانية حول الطريقة التى كُتب بها الدستور، أولا باعتباره نتاجا لصفقات تمت فى الغرف المغلقة وليس نتاجا لحوار وطني عام، وثانيا لجهة هيمنة تيار الإسلام السياسى وعدم مشاركة ممثلى القوى المدنية الذين انسحبوا قبل ثلاثة أسابيع من الإنتهاء من صياغة المُسودة، وبعد أن تبين لهم أنه لا توجد رغبة لدى الإسلاميين فى تغيير بعض المواد المثيرة للقلق وصولا إلى توافق وطنى عام.

يُثير عدم الإستقرار السياسي تساؤلات بشأن إمكانية تجاوز الأزمة الأقتصادية الحادة التي تواجهها مصر.

في محاولة للحد من خروج النقد الاجنبي الذي يضغط على قيمة الجنيه المصري أصدر الرئيس محمد مرسي قرارا جمهوريا ينص على أن “إدخال النقد الأجنبي إلى البلاد أو إخراجه منها مكفول للجميع في حدود عشرة آلاف دولار فقط لا غير أو ما يعادلها من العملات الأجنبية الأخرى، كما يقضي بحظر إدخال النقد الأجنبي، أو إخراجه من خلال الرسائل والطرود البريدية”.

في الأثناء، انخفض الإحتياطي المصري من العملة الصعبة من 36 مليار دولار قبل عامين الى 15 مليار فقط. كما تعاني مصر منذ نحو عامين من انخفاض كبير في عائدات السياحة ونقص الإستثمارات الاجنبية.

يوم الإثنين 24 ديسمبر 2012، أعلنت وكالة ستاندرد اند بورز خفض التصنيف الائتماني لمصر من “بي” الى “بي-” مع آفاق سلبية ما يعني ارتفاع نسب فوائد قروضها من الخارج، ولم تستبعد الوكالة تخفيض تصنيف مصر أكثر في المستقبل.

إضافة إلى ذلك، يُنذر تأجيل طلب قرض بقيمة 4,8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي بسبب الوضع السياسي، بتمديد أزمة الثقة بين المستثمرين الأجانب والسلطات المصرية.

(المصدر: وكالات)

الإستقرار البعيد

أما ما يتعلق بكون الدستور مقدمة لتحقيق الاستقرار فثمة تحد حقيقي يواجه هذا الإفتراض، يرجع فى جزء منه إلى أن القوى المدنية المعارضة تضع شروطا للتجاوب مع دعوة الرئيس مرسى للمشاركة فى الحوار الوطنى الذى يستهدف فى جزء منه الحوار حول قانون الإنتخابات المقرر صدوره عن مجلس الشورى الذى منحه الدستور سلطات تشريعية مؤقتة لحين تشكيل مجلس النواب الجديد، وفى جزء آخر الحوار حول المواد محل الخلاف في الدستور والوصول بها إلى صياغات مقبولة ومحل توافق عام على أن توضع فى وثيقة يقدمها الرئيس مرسى إلى أول اجتماع لمجلس النواب الجديد لغرض إقرارها والإستفتاء عليها شعبيا لتصبح جزءا من الدستور المعدل.

وإزاء هذين الأمرين تحديدا تتشكك أحزاب جبهة الإنقاذ المعارضة فى طبيعة الدعوة الرئاسية للحوار، والإقتناع الجازم بعدم جديتها لأنها غير محددة الخطوات والمدة الزمنية، وكذلك لغياب الضمانات الرئاسية لتنفيذ ما يمكن الإتفاق عليه لاحقا.

ومما تطرحه جبهة الانقاذ أيضا ضرورة أن يتضمن قانون الإنتخابات الجديد إشرافا دوليا ومفوضية دائمة عليا للإنتخابات تشرف على العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها على أن يتوفر لها شرطة خاصة بها للتعامل مع التجاوزات التى تحدث أثناء العملية الانتخابية. وهى مطالب تبدو بعيدة تماما عن الفكر السائد لدى تيار الاسلام السياسى خاصة حزبى الحرية والعدالة والنور.

تدهور اقتصادى حاد

المؤشرات السابقة تعنى أن الإستقرار السياسى، بمعنى البدء فى مرحلة جديدة للشراكة السياسية بعد الدستور ما زال بعيد المنال، ويزداد الأمر ارتباكا فى ضوء حقائق الوضع الإقتصادى التى تنذر بثورة جياع إذا استمر تدهور الأداء الإقتصادى الكلى على النحو السائد فى ظل حكومة الرئيس مرسى برئاسة هشام قنديل.

فقد انخفضت قيمة العملة المحلية أمام الدولار الذي أصبح فى حكم  المختفى من البنوك وشركات الصرافة، وارتفعت الاسعار بشكل جنونى، وتوقفت مصانع عديدة فى قطاعات حيوية كصناعة الأسمدة والإسمنت نظرا للنقص فى إمدادات الطاقة، وظهر الحديث عن مدى قدرة الحكومة على سداد أجور جهازها البيروقراطى فى مطلع الشهر الجديد وهو أمر لم يحدث من قبل، وثمة شكوك حول مدى ضمان البنك المركزى لودائع الأفراد فى البنوك المحلية. في الأثناء، انخفض الإحتياطى من العملات الاجنبية إلى حد الخطر، بات فى حدود 14 مليار دولار فقط، وهى تغطي احتياجات مصر الأساسية لمدة 3 اشهر وحسب. وزاد الأمر سوءا مع تخفيض المستوى الإئتمانى للإقتصاد المصرى إلى درجة “ب سالب”، وتخفيض مستوى الجدارة لثلاثة من البنوك المحلية الكبرى، وقيام العديد من البنوك بالسحب من أرصدتها فى الخارج لتغطية احتياجات الداخل.

كل هذا مؤشرات سلبية خطيرة، فى الوقت الذى لا تتضح فيه سياسة الحكومة لمواجهة هذا التحدي الكبير، خاصة بعد توقف المباحثات مع صندوق النقد الدولى الذى عبّر عن ضرورة تحقيق الإستقرار السياسى أولا قبل الإتفاق على منح القرض للحكومة المصرية، وكذلك فعلت ألمانيا التى أوقفت معونتها الإقتصادية لمصر نظرا لفقدان الإستقرار السياسى ولكون سياسات الرئيس مرسى “تتجه نحو ديكتاتورية وليست ديمقراطية”.

وتظل المشكلة الكبرى لدى الحكام الجدد فى اعتبار هذه المؤشرات وكأنها مجرد تحدّ عابر يمكن السيطرة عليه فى ظل انقسام سياسى ومجتمعى كبير، ولكنه ـ ولعله هو الأهم بالنسبة لهم ـ يحقق هيمنة جماعة الاخوان على الدولة المصرية، أو هكذا يظن المقربون من الرئيس وأعضاء حزبه. وتلك مصيبة فى الفكر والسياسة معا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية