مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المُبادرة السعودية: ومن الحب ما قتل!

بدأ الوزراء والموظفون السامون العرب يوم السبت في بيروت الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية التي ستفتتح اعمالها يوم الاربعاء القادم Keystone

"عليكم إحتضان المبادرة السعودية بحماسة بالغة.. الى درجة خنقها". هذه كانت التعليمات التي اعطاها رئيس عربي الى مبعوثيه الدبلوماسيين الذين زاروا الرياض وبيروت والقاهرة قبل أيام، بهدف مناقشة مبادرة ولي العهد السعودي الامير عبد الله حول مبادلة "التطبيع" الشامل بـ"الانسحاب" الاسرائيلي الشامل..

والمثير ان هذه التعليمات، تتناقض حرفا بحرف مع التصريحات العلنية التي سبق ان أدلى بها هذا الرئيس العربي ودبلوماسييه، والتي اعلنوا فيها “دعمهم الكامل والتام وغير المتحفظ للمبادرة السعودية”!.

بيد ان هذا التطور المثير يزداد إثارة بما لا يقاس، حين نعلم أن كل القادة العرب، وبلا استثناء تقريبا، يستخدمون المنوال نفسه لحياكة مواقفهم. فهم يتغزلون علنا بمبادرة التطبيع-الانسحاب، ويحفرون لها سرا عددا لا متناهيا من الحفر لتقع فيه، أو انهم، على الاقل، يضخمّون حجمها وأبعادها كثيرا بهدف دفعها الى التلاشي.

ويقول هنا لـ”سويس أنفو” سياسي لبناني بارز يواكب حركة الوزراء والموفدين العرب الذين يتدفقون بكثافة على بيروت هذه الايام، قبل أربعة أيام من افتتاح مؤتمر القمة العربي في دورته السنوية العادية، ان “ما يراه ويسمعه هذه الايام أشبه بلوحة سوريالية لا يعرف احد رأسها من اخمص قدميها”.

ويوضح قائلا:”لا أريد ان أكون فظا فأتهم المسؤولين العرب بالكذب. لكني في الوقت نفسه لا استطيع الا ان اقول أنهم لا يقولون الصدق أبدا فيما يتعلق بالمبادرة”.

متحمسون..

وما رفض السياسي البارز الافصاح عنه، تحدث عنه مصدر دبلوماسي أوروبي الى بعض اصدقائه من الصحافيين اللبنانيين في نقاط موجزة:

* أركان السلطة الفلسطينية يخشون ان تستخدم الولايات المتحدة المبادرة السعودية لفرض هدنة امنية في الضفة الغربية وغزة، من دون ان يحصلوا على أي مكسب سياسي، مثل ارسال قوات او مراقبين أميركيين ودوليين الى الاراضي المحتلة. ولذا فهم لن يحزنوا كثيرا اذا ما “اختنقت مبادرة ولي العهد السعودي بانفاسها”(على حد تعبير المصدر).

* سوريا، ومعها حزب الله وايران، تنشط بكثافة لضم بنود تتعلق بحق الفلسطينيين الكامل بالعودة الى أرضهم، وبالقدس ومرتفعات الجولان. إنهم يضخمون “بالون” المبادرة كي يفرغونها بعد ذلك من “الهواء”، وذلك لانهم يخشون من ان تؤدي الى انهاء الانتفاضة، وبالتالي الى تفّرغ الولايات المتحدة للمعركة مع “محور الشر” الذي تشكل ايران وحزب الله أحد أضلاعه العلنية، وسوريا وليبيا ضلعيه السريين.

*أما مصر، يضيف المصدر، فإنها نظرت منذ البداية شزرا الى المبادرة السعودية، اولا لانها اطلقت من دون استشارتها، وثانيا لانها قفزت فوق زعامتها للمنطقة العربية، وثالثا لانها هددت نفوذها لدى الولايات المتحدة بصفتها المفتاح الرئيسي لمعالجة المغاليق والعقد الفلسطينية التي تحول دون تحقق التسوية.

ولهذا بالتحديد، لم يجد الرئيسان المصري مبارك والسوري الاسد خلال قمتهما الاخيرة في القاهرة، صعوبة في الاتفاق على “مسألة” المبادرة السعودية، برغم البون الشاسع في مقاربة كل منهما لمفهوم التسوية العربية-الاسرائيلية.

وبالطبع، ليس ثمة ضرورة هنا للتذكير بان العراق أكثر المتحمسين ليس فقط لقتل مبادرة ولي العهد السعودي، بل ايضا للتمثيل بجثتها ان امكن، لانها، برأي دبلوماسيين عراقيين يزورون العاصمة اللبنانية حاليا “اخطر حلقة من حلقات الحملة الدبلوماسية الاميركية لتحييد الصراع العربي- الاسرائيلي، تمهيدا لتفجير الصراع العراقي- الاميركي”.

إلى أين؟

هل يعني كل ذلك أن القمة العربية ستخرج عمليا صفر اليدين؟

هذا السؤال يعيدنا مرة أخرى الى لعبة الخفاء والعلن التي تمارس الان، والتي ستحّول قمة بيروت الى واحدة من أغرب القمم في تاريخ الجامعة العربية.

فاذا ما استمرت احاجي الازدواجية العربية الراهنة حتى انعقاد القمة، والارجح ان تستمر، فأن جبل القمة سيتمخض عن قرار- فأر. بمعنى ان القمة قد تحّول المبادرة السعودية الى مبادرة عربية فضفاضة تتضمن كل ما يريده الكل، بدون ان يكون لها أي حظ ولادة فعلية في العالم الحقيقي. اما اذا ما قرر احد من الفرقاء العرب المتصارعين وراء الكواليس الان، حسم هذه الازدواجية لسبب ما، فليس مستبعدا إرجاء مناقشة مبادرة عبد الله الى “قمة اخرى”.

والتبريرات هنا قد تكون متوافرة ومتنوعة، اهمها التحجج بالغياب المحتمل للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عن القمة، او تصاعد القمع الشاروني للفلسطينيين إثر تصعيد الفلسطينيين لعملياتهم الانتحارية. وهذان الاحتمالان الاخيران هما الاكثر ترجيحا الان وبالمناسبة، فإن الرئيس العربي الذي أشرنا في البداية الى انه يريد احتضان المبادرة السعودية بهدف خنقها، له علاقة وثيقة بقرارت التهدئة والتصعيد في فلسطين..

وعلى اي حال، فإن خروج القمة بمبادرة فضفاضة غير قابلة للتنفيذ، تتساوى في نتائجها مع عدم خروجها بأية مبادرة.

سعد محيو – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية