مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الوزير طارق متري: لبنان.. “واحة حرية” في الشرق الأوسط!

الوزير طارق متري رفض في عدة مناسبات منع صدور مجلة "جسد" المثيرة للجدل والمحظورة في البلدان العربية Susanne Schanda

يُعرف السياسي اللبناني طارق متري بالتزامه بـدعم الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وبتدريسه العلوم السياسية في جامعة جنيف. وهو اليوم كوزير للإعلام في بلاد الأرز يتميز بدفاعه عن حرية التعبير في لبنان.

قضى وزير الإعلام اللبناني طارق متري 16 عاما في سويسرا، لما كان يشتغل في مجلس الكنائس العالمي الذي يوجد مقره في جنيف. وما زالت تربطه علاقات وثيقة بسويسرا وبجنيف بالخصوص، التي يملك فيها منزلا والتي يتردد عليها في بعض الأحيان في عطلة نهاية الأسبوع، وتحمل زوجته وأبناؤه الجنسية السويسرية.

swissinfo.ch: يتم عادة وصف لبنان بسويسرا الشرق، أين ترون أوجه التشابه بين البلدين؟

طارق متري: للبنان تاريخ مغاير تماما، ولكن وجه الشبه بيننا وبين سويسرا يكمُـن في كون نظامنا السياسي مبني في معظمه على التوافق. فقد كان لدينا سابقا وما زال، مدوّنا على الورق، نظام برلماني ديمقراطي قائم على أساس أغلبية ومعارضة، ولكننا نسير اليوم خطوة خطوة نحو نظام التوافق المشابه للنظام السويسري.

وكِـلا البلدين يعرفان نظاما تعدّديا. فسويسرا بها عدّة لغات، ونحن لدينا عدة طوائف دينية، كما أن هناك شبها في النظام الاقتصادي، ولكننا تمكّـنا من الحفاظ على سريَّـتِـنا المصرفية بشكل جيد، أحسن مما هو الحال في سويسرا التي توجد اليوم تحت ضغط كبير.

قد يصعب على من ينظر للنظام السياسي اللبناني من الخارج فهم وإدراك تفاصيله؟

طارق متري: … وهذا ما يصعب حتى على من ينظُـر إليه من الداخل!

عادة ما تنشط الطوائف الدينية المتعددة والمجموعات السياسية والعرقية ضد بعضها البعض، وهذا ما يقود غالبا الى أزمات سياسية. ألا يشكل ذلك تهديدا لاستقرار البلاد؟

طارق متري: أي بلد يبقى بدون حكومة، فهو بلد غير مستقر. وهذا ينطبق أكثر على لبنان المتميز بكون موازين القوى فيه هشة، بحيث يمكن لانعدام الثقة السياسية أن يتحوّل بسرعة الى صراع عنيف، مثل الذي عِـشناه قبل سنوات، لذلك، يعترينا القلق كلّـما طالت مدة أزمة سياسية.

والسبب الثاني لعدم الاستقرار يكمن في أن لبنان ليس فقط شأنا لبنانيا، بل تحول إلى ساحة صراع بين قوى خارجية. وحتى تشكيل الحكومة، لم يعد شأنا داخليا صرفا.

يعتبر لبنان أكثر البلدان ليبرالية في الشرق الأوسط. ما الذي تقومون به كوزير للإعلام للحفاظ على هذه الحرية؟

طارق متري: قبل أن أصبح وزيرا للإعلام، شغلت منصب وزير الثقافة، وهو المنصب الذي دافعت فيه على الحرية الفكرية وحرية الرأي والتعبير وحرية الإبداع. وقد اقترحت قانونا جديدا يقضي بحظر الرقابة المُـسبقة.

ماذا يعني ذلك؟

طارق متري: في الوقت الذي يتم فيه نشر الكتب بكل حرية في لبنان، كان لِـزاما على صانعي الأفلام الحصول على ترخيص مُـسبق لتصوير أفلامهم، وعلى المسرحيين تقديم نصوصهم للحصول على الموافقة قبل عرضها. ويقوم رئيس إدارة الأمن بمراجعة هذه الأعمال ويقترح على وزير الإعلام ما الذي يجب إخضاعه للرقابة وما الذي يجب منع نشره.

وقد رفضت دوما إخضاع عمل فني للرقابة، ولكن ذلك لا يحل المشكلة، لأن الحلّ يكمُـن فقط في تغيير القانون، كما أن تغيير الوزير قد يجعل الوزير الجديد يقبَـل التوقيع على أمر الرقابة أو الحظر.

وما الذي ينص عليه مشروع القانون الذي اقترحتموه؟

طارق متري: يقضي مشروع القانون بتأسيس لجنة وطنية للحريات وأخلاقيات المهنة تتمتع بالنزاهة الأخلاقية لتقديم رأي في حال تقديم فيلم يمس بالأمن العام أو يجرح مشاعر طائفة من الطوائف الدينية، وهذا الرأي يمكن أن يجد تنفيذا له من خلال الإجراءات القضائية للمحاكم.

وعلى سبيل المثال، لو يتناول فيلم صورة الرسول محمد بطريقة مُـسيئة، يتم عرض الفيلم على لجنة الحريات وأخلاقيات المهنة للنظر فيه. وإذا استنتجت هذه الأخيرة أن الفيلم لا يمس فقط المشاعر الدينية، بل يهدد الأمن والسِّـلم المدني، عندها يمكنني كوزير للإعلام أو كمواطن عادي، تقديم القضية أمام المحاكم.

عندها يمكن للمحكمة أن تصدر الحكم وليس وزير الإعلام؟

طارق متري: بالفعل، على المحكمة أن تصدر حكمها طِـبقا لحكم اللجنة الوطنية للحريات وأخلاقيات المهنة، المكونة من عقلاء من الرجال والنساء. ومن غير المعقول ترك القرار بين أيدي السياسيين.

يلجأ العديد من الكتّـاب الذين تمارس عليهم رقابة النشر في بلدان عربية إلى نشر كتبهم في لبنان…

طارق متري: هناك الكتب والصحف والمجلات التي يمكن نشرها هنا بكل حرية. ونحن في هذا الإطار نتمتع بحرية نشر أكبر بكثير مما هو معروف في بعض البلدان الأوروبية.

من أين أتى هذا التصرف الليبرالي الذي تتمتعون به في لبنان، ولماذا بقي لبنان حالة استثنائية في منطقة الشرق الأوسط؟

طارق متري: لبنان بلد تعدّدي، وهذه التعدّدية تفرض ممارسة الحريات. ولنا في لبنان نظام سياسي ديمقراطي في منطقة أغلب أنظمتها استبدادية. ونحن بذلك نقدّم واحة حرية، وهو ما يمنح بلدنا دورا رئيسيا في المنطقة، وهذا ما نحرص على المحافظة عليه.

سوزان شاندا – بيروت – swissinfo.ch

(ترجمه من الألمانية وعالجه محمد شريف)

ولد في طرابلس في عام 1950 وتخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت في العلوم والفلسفة. أعد الدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة باريس.

قام بالتدريس منذ عام 1982 في جامعة سان جوزيف ببيروت، ثم في العديد من الجامعات في الخارج، من ضمنها جنيف منذ عام 1991.

شغل ما بين عامي 1991 و2005 منصب منسق للحوار بين الأديان في مجلس الكنائس العالمي في جنيف وسكرتير برنامج الحوار المسيحي الإسلامي.

ولما تولى منصب وزير الثقافة في الحكومة اللبنانية، حصل على رفع الحظر المفروض على فيلم الصور المتحركة “بيرسيبوليس” لمهرجان ساترابيس.

وكوزير للإعلام، تولى مهمة أكبر سلطة متحكمة في الرقابة، ولكنه دافع عن حرية الرأي والتعبير.

وطارق متري من أبناء الطائفة المسيحية، لكنه مستقل سياسيا وينتمي للتيار الموالي للغرب في تحالف الوزير الأول سعد الحريري.

كتابه “باسم الإنجيل، وباسم أمريكا”، نشر في دار نشر لابور وفيدس في جنيف.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية