مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الوضع الفلسطيني أمام اختبار .. كـبـيــر !

الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفقة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في ندوة صحفية مشتركة في رام الله يوم 4 أكتوبر 2006 Keystone

كثيرا ما قيل أن الدم الفلسطيني خط أحمر لا يمكن لأي طرف أن يتجازه وغير أن الجميع تجاوزه مرارا، بما في ذلك فتح التي كانت في السلطة وصارت الآن خارجها، وحماس التي كانت في المعارضة وصارت فى السلطة منذ سبعة أشهر.

الأمر على هذا النحو يُـثير قضية المصداقية في حماية الوحدة الوطنية والتوافق الداخلي، وهما برأي الأغلبية الزاد الفلسطيني الوحيد في طريق النضال من أجل الاستقلال. فإن فُـقد، فكيف يمكن متابعة الطريق؟

إن الاجتهادات هنا لمواصلة هذا الطريق المحتوم عديدة، وهي اجتهادات لم تعُـد تقتَـصر على الفلسطينيين وحدهم، فهناك من يُـشاركهم بلورتها، إما لمصلحة فلسطينية حقيقية وإما لمصلحة لا علاقة لفلسطين بها، لا من قريب ولا من بعيد.

والمعضلة هنا، أن حسم التصنيف، ماذا يصلح للقضية الوطنية وما الذي لا يصلح، هو نفسه محلّ تضارب فلسطيني عميق، وليس مجرد اجتهاد قابل للنقاش والأخذ والرد.

ومن يطالع الحوارات الفلسطينية المُـعلنة أم ما يتسرّب منها، تجري وراء أبواب مغلقة أم هذه التصريحات التي يطلقها قياديون “فتحاويون” أو حماسيون، يجد بونا شاسعا في الرؤى والمنطلقات، وكذلك في الامتدادات الخارجية لهذه الرؤية أو تلك، سواء إقليمية أو دولية.

والمسألة هنا ليست مجرّد خلاف فكري أو ثقافي أو سياسي يُـمكن تقبله، بل هو خلاف حول المصير الفلسطيني ككل وحول الثمن الذي يُـمكن دفعه، وحول من يدفع هذا الثمن وبأي وسيلة، والسؤال الأخطر هنا: هل إذا دفُع الثمن فعلا سيكون له عائد مضمون على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، تنهي مأساة الاحتلال وتفتح بابا مهمّـا للاستقرار الإقليمي؟

ووفقا للمؤشرات، لا أحد يضمن شيئا، سواء دُفع الثمن أم لا. وفي تجربة أوسلو ومنظمة التحرير والوعود الأمريكية المتبخّـرة دوما، الكثير من الدروس المفيدة للحاضر والمستقبل.

اليقين المفقود

في ظل هذه البيئة من عدم اليقين السياسي والتاريخي، تبدو الاجتهادات وقد تحوّلت إلى صراعات وجُـود، وهذا بدوره أحد أخطر العناصر الضارّة بالوحدة الوطنية الفلسطينية، خاصة وأن قُـدرة أي طرف على اقتلاع الآخر، تبدو مستحيلة تماما.

فلكل منهما حضور ملموس ومُـناصرين في الداخل وفي الخارج، بيد أن الحسابات القصيرة النظر غالبا ما تسُـود ويدفع ثمنها الناس أنفسهم والقضية الفلسطينية أيضا.

وما جرى في الأشهر القليلة الماضية، يكشف عن أزمة عدم ثقة شديدة بين الطرفين وعن تدخّـلات تضغط على هذا الطرف أو ذاك، عطلت الكثير من الحوار والأفكار والمخارج العملية المناسبة، وما الحديث عن بدائل حكومة حماس المحاصرة، أمريكيا ودوليا، إلا أحد مظاهر غياب الثقة، وهو حديث يأخذ أحيانا شكل المنطق الوطني، حين تكون المطالبة بحكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع، وبالتالي، تكون مسؤولية فك الحصار مسؤوليةً جماعية، وليست مسؤولية طرف بذاته، ولكنه أحيانا، يأخذ شكل الضغط غير القابل للتطبيق.

فأفكار مثل حكومة تكنوقراط أو حكومة طوارئ لا أساس لها في القانون ولا يمكن تمريرها إلا بأمر واحد، وهو تغيير البرلمان الفلسطيني الذي تُـسيطر عليه حماس، وهو ما يعني انتخابات جديدة أو بالأحرى الانقلاب على الانتخابات السابقة ونتائجها، وهو في عُرف حماس انقلاب على خيارات الناس وعلى برنامج حماس في المقاومة والممانعة الوطنية، لكنه في عُـرف فتح خُـطوة ضرورية للمصلحة الوطنية العليا.

قضايا ملتبسة

ويمكن للمرء أن يفهم المرء أحيانا، الضّـيق الذي تشعر به فئة من كوادر فتح وقيادييها، الذين عرفوا السلطة في السنوات العشر الماضية، أنهم باتوا خارجها، ولكن من الصّـعب تفهم كيف يمكن الانقلاب على بنية السلطة التي أنشئت على أكتاف هؤلاء أنفسهم تحت دعوى الحفاظ على المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.

ففي الزعم بأن فئة بعينها هي التي تعرف المصلحة العليا للشعب الفلسطيني وأن الآخرين لا يعرفون هذه المصلحة، نوع من الوصاية على خيارات الناس ونوع من بالضرب بالقانون عرض الحائط.

في المقابل، لا يفهم المرء أحيانا، كيف لا تُـدرك قيادات حماس جيدا الفاصل بين العمل المعارض والعمل الحكومي؟ ففي كثير من المواقف، يبدو الأمر مختلطا. أما المرونة السياسية التي يتطلبها العمل الحكومي، المنوط به تحقيق مصالح عموم المواطنين، سواء يؤيدون رؤية حماس أو لا يؤيدونها، فتبدو محل تساؤل.

ومع أن من الظلم تحميل حكومة حماس مسؤولية التدهور الشديد في حياة الفلسطينيين في الأشهر التسعة الماضية، التي تشكل عمر حكومة حماس، فإنها تنوء بجزء من هذه المسؤولية ومعها حركة فتح، لاسيما كوادرها الذين يتصوّرون أن بإمكانهم الانقلاب على الحياة السياسية والعودة مظفرين إلى كراسي السلطة.

ومن قبل هذين الطرفين، تأتي المسؤولية الأكبر على الولايات المتحدة، صاحبة سياسة الحصار والتجويع والعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني والسعي الدؤوب لتغيير القناعات السياسية لحركة حماس دون مقابل، ولغرض هزيمتها، تاريخيا وسياسيا.

نحو تغيير المشهد الفلسطيني

إن وقوع الشعب الفلسطيني ضحية الاحتلال الإسرائيلي والحصار الأمريكي الأوروبي الظالم والعجز العربي المكشوف، يضع الوضع الفلسطينى أمام اختبار كبير، خاصة في ضوء تطور السياسة الأمريكية نحو التدخل المباشر بغرض تغيير المشهد السياسي الفلسطيني وإعادة تفصيله بما يُـناسب الاستراتيجية الأمريكية أولا وأخيرا، وهو ما تتضمّـنه وثيقة دعم الرئيس محمود عباس بصفة أولى، ثم مجموعة القوى والأحزاب التي تواجه أو تعارض المد الأصولي والإسلامي، والهدف هو التحضير لانتخابات برلمانية جديدة بعد إقناع أو بالأحرى الضغط على الرئيس عباس، الدعوة إليها للتخلّـص من حماس في الحكومة، وإن أمكن في البرلمان أيضا.

هذه الاستراتيجية الأمريكية فضحتها تحركات وتصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس في مطلع شهر أكتوبر الجاري وقبل زيارتها الفاشلة للمنطقة، أشارت فيها مرارا إلى أن إخراج حماس من السلطة يُـعد هدفا أمريكيا لا رجعة عنه، وأن دعم الرئيس محمود عباس بحزمة من الأفكار الإبداعية شق ضروري للوصول إلى هذا الهدف.

شـر مـسـتـطـيـر

ومن هذه الأفكار الإبداعية الأمريكية ـ وحسب وثيقة سُـرّبت بصورة ما إلى المصادر العبرية ـ تقديم تمويل خاص يتم بأقصى درجة من الهدوء بقيمة 42 مليون دولار، يوجّـه إلى مسارين متلازمين: الأول، سياسي، وابرز ما فيه إعادة تأهيل فتح وإخراجها من أزمتها الهيكلية التي تعيشها باعتبارها البديل الممكن لحماس، وذلك جنبا إلى جنب مع منظمات أو أحزاب تعد بالمقاييس الأمريكية، مناهضة للأيديولوجيات الأصولية ورافضة لمنهجية حماس كحركة وكحكومة، وإعداد صحفيين محليين تكون مهمّـتهم الوحيدة مراقبة حماس أو بالأحرى جمع بيانات تفصيلية عنها، وكذلك برامج تعليمية تهدف، حسب الوثيقة، إلى إعداد نشء ذي هوى ديموقراطي. كل ذلك، عملية إعادة تشكيل المسرح السياسي الفلسطيني تحضيرا لانتخابات مبكّـرة، ربما تقود إلى الإطاحة بحماس أو على الأقل هزيمتها هزيمة كبيرة والتأثير السلبي على شعبيتها.

أما الشق الثاني، فيتعلق بأمور أمنية تخُـص الرئاسة الفلسطينية، حيث يدرب حرسه الخاص، المعروف باسم القوة 17 تدريبا مختلفا، بما في ذلك توفير التسليح الأفضل، بحيث يعهد لهذا الحرس مهامّ محددة، من بينها مثلا السيطرة على المعابر الفلسطينية الإسرائيلية، والضرب بيد من حديد على من يُـهدد الرئاسة الفلسطينية، وربما مواجهة القوة التنفيذية التي شكلها وزير الداخلية في حكومة حماس، وتعرف باسم القوة التنفيذية التي تُـعد بديلة لقوات الأمن، التي امتنعت عن طاعة أوامر الوزير كجزء من توتير الوضع الأمني وتعزيز الانفلات فيه.

مثل هذه الخطة الإبداعية الأمريكية، هي نوع من التدخل المكشوف، وهي من باب إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية على نحو يُـطيح بمقاييس الديمقراطية والانتخابات النّـزيهة لصالح مقاييس الضبط والسيطرة المصمّـمة لخدمة الرؤية الأمريكية الجديدة لمناهضة الحركات الأصولية، وما تعتبرها واشنطن منظمات إرهابية.

وسواء وصف الأمر كجزء من مؤامرة أو خطة لإسقاط حكومة حماس، فهناك دور أمريكي مباشر يعمل على تشكيل الساحة السياسية الفلسطينية بما يخدم مصالحه الاستراتيجية، والتي لا تعد بالضرورة مصالح فلسطينية حقيقية.

سوف ينتج عن هذا المسار الأمريكي مستفيدين محليين، هذا لاشك فيه، لكن تحطيم السلطة وجعل مؤسساتها في حال تنافر دائم وتقوية أحد أطرافها على حساب المؤسسات الأخرى، من شأنه أن يخلق معادلات مؤسسية جديدة لا علاقة لها بأي نظام ديمقراطي برلماني، وإنما بنظام رئاسي واسع الصلاحيات، يبدأ بالأمن وينتهي ـ حسب تجارب البشرية ـ بالاستبداد. ولا يتصور أحد أن فلسطين بحاجة إلى هذا الاستبداد جنبا إلى الاحتلال، فكلاهما شرّ مستطير وجب مقاومته والنضال ضده.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

– من خطاب إسماعيل هنية، رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية في الاحتفال بليلة القدر:

«لن أوقع على أي ورقة أو تفاهم يتضمن اعترافاً بإسرائيل.. فالعالم يريد منا ثلاث كلمات هي الاعتراف بإسرائيل ورفع الغطاء عن المقاومة ووضع أوراقنا كلها في مسار واحد، هو مسار التسوية..لن نعترف بإسرائيل، لأننا إن فعلنا ذلك، سقطنا ودمّرنا مستقبل القضية، ولن ننبذ المقاومة، بل سنحميها..».

– من الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يوم الخميس 19 أكتوبر 2006:

“.. سنتّـخذ قرارات حاسمة بشأن تشكيل حكومة تلتزم بالشرعية الفلسطينية والعربية والدولية لرفع المعاناة عن شعبنا..”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية