مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المطالب بفكّ الإرتباط مستمرة رغم تواصُل الحوار

مشاركون في مؤتمر الحوار الوطني المدعوم من طرف الأمم المتحدة يتوافدون يوم 21 مايو 2013 على مقر انعقاد جلسات الحوار الوطني في العاصمة اليمنية صنعاء في ظل حراسة مشددة. Keystone

حلت الذكرى الثالثة والعشرون لإعلان الوحدة اليمنية هذه السنة، وسط تطوّرات مُثيرة للجدل بشأن مصيرها وشكلها المستقبلي، خاصة مع تواصُل احتجاجات الحِراك الجنوبي، المطالبة بفكّ الإرتِباط مع الشمال..

يحدث هذا على الرغم من أن القضية الجنوبية أصبحت المسألة المِحوَرية المطروحة على أجَنْدة مؤتمر الحِوار الوطني، الذي يُنتَظر منه أن يخرُج بمُعالجات حاسِمة لهذا الملف الشائك، الذي وضع الوِحدة اليمنية مجددا على المِحكّ.

في الأثناء، لفتت الإحتجاجات الشعبية العارمة (التي نظمها لأول مرّة الحراك الجنوبي في محافظة عدن بمناسبة الذكرى الـ 19 لإعلان فكّ الإرتباط الذي أعلنه نائب الرئيس اليمني علي سالم البيض يوم 21 مايو 1994 والتي توافَـد إليها المحتجّون من مُختلف المحافظات الجنوبية عشية حلول ذِكرى قيام الوِحدة) مجددا الأنظار إلى الأسباب التي تقِف وراء استِمرار غضب الشارع الجنوبي وعدم  قُـدرة الحِوار الوطني على امتِصاصه أو التخفيف منه.  

وفي الوقت الذي عزت فيه أطراف سياسية في الحكومة تواصُل احتجاج الحِراك الجنوبي إلى “الدعم الخارجي”، مؤكدة أنه لم يعُد له من مبرّر، طالما أن  الحوار الوطني سيتصدّى لكل الملفّات الشائكة، رأى مراقبون أن ما يحدث جاء نتيجة طبيعية لاستمرار تراكُم أخطاء السياسات التي عكّرت المزاج الوِحْدوي، وأنها أحد مظاهِر فشل النظام السابق في تجسيد التطلّعات الشعبية للوِحدة اليمنية، بل لا يترددون في القول بأن النجاح الذي يُحسب له لا يزيد عن “تعميمه للفساد المالي والإداري” شمالاً وجنوباً.

استحقاقات ومخاوف

في نفس السياق، يرى محللون أن استمرار مظاهر الإحتجاجات الشعبية للحِراك الجنوبي، يُؤكد فشل المقاربة السياسية التي قامت على استِقطاب واستِمالة النُّخب المحلية في المحافظات الجنوبية وتجاهُلها العُمق الإجتماعي للمجتمع الجنوبي، الذي يعاني من الإقصاء والتهميش ومن قلّة الفرص الإقتصادية والإجتماعية.

إضافة إلى ذلك، ركّــزت عملية استيعاب الأطراف الممثلة للجنوب في الحوار الوطني، على تلك النُّخب ذاتها، الأمر الذي جعل الشارع الجنوبي يتجه – من خلال التيار الدّاعي إلى فكّ الارتباط – إلى فرض حضوره المُستمر كي لا تنفرِد تلك النُّخب بتقرير مصير القضية الجنوبية في أروقة مؤتمر الحوار، خاصة في ظل وجود تبايُـن بين أطراف الطّيف السياسي الجنوبي نفسه، حيال معالجة القضية الجنوبية.

فهناك تيار يدعو إلى التّسوية في إطار الوحدة، وتيار ثان يدعو إلى فدرالية، وآخر إلى كنفدرالية، وتيار يُطالب بفكّ الإرتباط واستِعادة الدولة الجنوبية.. ما يعني أن تحريك الشارع الجنوبي على النحو الذي ظهر فيه عشِية ذكرى إعلان الوحدة، ليس إلا تعبيراً عن حجْم المخاوِف من الإستِحقاقات المُنتظرة من الحوار الوطني، ومجرّد استعراض قِوى بين تلك التيارات المتصارعة.

الحوار الوطني.. “مجرد مؤامرة”؟

في تعليق له على ما يحدث أوضح الدكتور علي الصبيحي، أحد القياديين الجنوبيين وبرلماني سابِق، لـ swissinfo.ch أن “الصراع ليس جنوبي – جنوبي، كما يتوهّم البعض، بل هو بين مَن يريدون الإمتثال للدولة والإحتِكام للقانون، وبين مَن يروْن في أنفسهم أنهم الدولة ذاتها”، مشيراً في هذا السياق إلى أن “مواقِف الأطراف السياسية المؤثِّرة داخل مؤتمر الحوار الوطني، هي ضد حلّ القضية الجنوبية، وأنه باستعراض رُؤى القِوى التقليدية القبلية والدِّينية المقدّمة للحوار مثل: حق الجنوبيين بتقرير مصيرهم وشكل الدولة التي يُريدونها والدولة المدنية ودولة القانون أو حتى الفدرالية، يرونها كلها مجرّد مؤامرة”.

الصبيحي يذهب أيضا إلى أن الحِوار الوطني نفسه، هو “لدى هذه القِوى مجرّد مؤامرة. ولذلك، تعزّزت لدى المشاركين أنفسهم في الحوار، قناعات بأنه لا يوجد جديد بشأن الملف الجنوبي، ما أعاد الكُـرة إلى مرمى الشارع الجنوبي”، مضيفاً “حتى أن تيار (باعوم)، الذي أراد أن ينشَقّ عن التيار الدّاعي لفكّ الإرتباط الذي يقوده البيض، عاد إلى الصفّ بعدَ أن اقتنع أن الدّعوات التي تُطرح بشأن معالجة القضية الجنوبية في إطار مؤتمر الحِوار الوطني، لا تلاقي الإهتمام اللائق الذي تستحِقه من قِبل قوى سياسية عــدة”.

تجمع آلاف الأشخاص يوم الثلاثاء 21 مايو 2013 في عدن، كبرى مدن جنوب اليمن، للمُطالبة بانفصال هذه المنطقة بعد 23 عاما على توحيد البلاد، وِفق ما أفاد مراسل وكالة فرانس برس.

ونظّم المتظاهرون الذين حملوا رايات دولة اليمن الجنوبي السابقة وصورا للزّعيم الجنوبي الموجود في المنفى علي سالم البيض، تجمعهم في ساحة العروض في خور مكسر، مردّدين هُـتافات تدعو لانفصال الجنوب عن السلطة المركزية في صنعاء.

وأقيمت هذه التظاهرة، استجابة لدعوة أطلقها البيض إحياءً للذكرى السنوية التاسعة عشرة لإعلان فك الارتباط لجنوب اليمن في 21 مايو 1994 في خِضمّ الحرب الأهلية التي انتهت لمصلحة قوات الشمال في السابع من يوليو من العام نفسه.

ويُتابع علي سالم البيض، الذي يعيش في المنفى في لبنان، حملته على رغم مشاركة الحِراك الجنوبي، المُنقسم بين أنصار للإنفصال وآخرين مؤيدين للفدرالية، في الحوار الوطني الذي تمّ إطلاقه في 18 مارس 2013 في صنعاء لإقرار دستور جديد لليمن، بعد تنحي الرئيس السابق علي عبد الله صالح في فبراير 2012 تحت ضغط الشارع.

وفي خطاب ألقاه يوم الثلاثاء 21 مايو أمام مناصريه، انتقد البيض مجدّدا مؤتمر الحِوار الوطني، الرّامي إلى دفن قضية سكّان الجنوب، مُطالبا بمُفاوضات بين دولة وأخرى. ودعا صنعاء إلى الموافقة على مفاوضات بين دولتيْن وعلى استقلال الجنوب.

وتنامت الحركة الانفِصالية على وقْع مطالبات سياسية واجتماعية من جانب سكان جنوب اليمن، الذين يعتبرون أنهم مهمّشون ويتعرّضون للتمييز من جانب الشمال، الذي يتّهمونه بإهمال منطقتهم.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 21 مايو 2013)

مواقف مختلفة

ومع أن هذا الرأي يلقى تفهّما في أوساط المراقبين بحكم أنه يصدر عن الفصيل نفسه الذي يقف وراء حشْد الشارع للإحتجاج بمناسبة إعلان فكّ الإرتباط، الرّافض للمشاركة في الحوار، إلا أنه يكاد يتطابَق مع وِجهة نظر المشاركين عن “القائمة الجنوبية”، كما هو حال الدكتور أحمد ياسين السليماني، عضو مؤتمر الحوار الوطني عن فريق بناء الدولة، الذي لخّص لـ swissinfo.ch ما يدور في أروِقة المؤتمر بشأن معالجة القضية الجنوبية قائلاً: “في بداية المؤتمر، وتحديدا في الجلسة العامة، كل المكوِّنات السياسية قدّمت في خطابها تصوّرات ملفتة للقضية الجنوبية، لاقت إعجاب المشاركين، لكن عندما تحوّل المؤتمرون إلى جلسات مُغلقة، بدأت المواقِف من القضية الجنوبية تتكشّف وتتّضح”، لافتاً إلى أن “هناك تعنُّت من بعض المكوِّنات السياسية بالنسبة لجِهة رسْم شكْل الدولة”.

 واسترسل السليماني موضحاً تلك المواقف، بأن حزب الإصلاح يراها “لامركزية وواسعة الصلاحيات”، وحزب الرشاد السّلفي مثله، والحزب الناصري والمؤتمر الشعبي، لم يلتفِتوا للقضية الجنوبية، باستثناء تطوّر نِسبي طرأ على موقف هذا الأخير، بأن تكون دولة “اتحادية مُـكوّنة من أقاليم عدّة”. أما الحزب الإشتراكي، فيقترح أن تكون “دولة من إقليميين، جنوبي وشمالي، تقوم على الندية في التمثيل وتقاسُم  مجلس النواب وبقية المسؤوليات”.

أما المكوّنات التي قدّمت حلولاً مُرضِية للقضية الجنوبية، فهي – حسب السليماني – الحراك الجنوبي وأنصار الله وحزب الحق والتجمع الوحدوي اليمني، إضافة إلى بعض المكوِّنات الشبابية والنِّسوية، الذين يروْن أن “الجنوبيين هُم الذين يقرّرون شكْل الدولة” ويذهبون إلى ضرورة إعطاء الجنوب “الحقّ في تقرير مصيره وتحديد شكل الدولة وتوزيع المسؤوليات فيها”.

الصبيحي يرى أن تلك المواقِف تعطي مؤشرات غير مشجِّعة للجنوبيين، مشيراً إلى  أن الحوار الذي رُوِّج له بأنه سيكون بلا سقْف، أصبح محصورا بسقف الوِحدة والدولة المركزية، نتيجة لنفوذ القِوى السياسية التقليدية، القبلية والدِّينية والحزبية، التي ما زالت تحُول دون نقْلٍ حقيقي للسلطة وتُعيق كلّ ما يُمكن أن يَطمئِنّ له الشماليون والجنوبيون على حدٍّ سواء، مذكراً في هذا السياق، بعدم ظهور أي بوادر لتطبيق “النِّقاط الـعشرين”، التي اقترحت كمُقدمة لمعالجة القضايا المطروحة على الحوار الوطني وعلى زجّه بالخصوص، القضية الجنوبية.

العودة إلى “دولتين لشعب واحد”؟

ولدى سؤاله عن أسباب عدم البدْء في تنفيذ تلك النقاط، أشار السليماني، العضو في فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار الوطني إلى أنها ثلاثة. أولها، أن بعض الأحزاب المكوّنة للحكومة، تدفع إلى عدم الاعتراف بحرب 94 وتُقلِّـل من القيمة الحقيقية، المادية والمعنوية للقضية الجنوبية. وثانيها، أن بعض القِوى تسعى إلى إفشال الحوار وجزءٌ من هذا الفشل، عدم تنفيذ النقاط الـ 20. أما السب الثالث فهو أن حكومة الوِفاق، هي تشكيلة مُكوّنة من أحزاب، بعضها كان شريك في حرب 1994، أدارت تلك الحرب ونهبت الأراضي ودمّرت الجنوب وشوّهت التعليم، ولا تريد التعاطي مع تلك القضايا، لأنها تضعها في مواجهة اتِّهام مُباشر لها. ولذلك، فإن تلك القِوى لا تريد أن تُدين نفسها بنفسها.

خلاصة القول، أن ذكرى الوِحدة اليمنية، التي كان يُنتَظر أن تحلّ في جوٍّ من الإنفراج يعيد صياغتها، بناءً على مُعطيات جديدة، تتمخّض عن مؤتمر الحوار الوطني، لكن يبدو أن حصول ذلك الإنفراج من عَـدمِه، يبقى مؤجّلا حتى تتّضح المُخرجات النهائية للحِوار وتتقرّر المواقف النهائية حول هذه القضية المِحورية، التي تضع اليمن على عَتَبات مرحلة تُخرجها من مأزق دولة بشعبين، إلى دولة لشعب واحد أو العودة بها إلى دولتيْن بشعب واحد، كما كانت قبل الوِحدة، وِفق لما يُردِّده كثير من اليمنيين، شمالاً وجنوباً.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية