مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انتخابات فرنسا وهواجس المهاجرين

عشرات الالاف من بينهم ممثلون عن الجاليات الاجنبية يواصلون الاحتجاج ضد تنامي التيار اليميني المتطرف بعد فوز لوبين في الدور الاول من انتخابات الرئاسة Keystone

جاء فوز زعيم الجبهة الوطنية اليميني المتشدد جون ماري لوبين في الدور الاول من الانتخابات الرئاسية لينافس الرئيس جاك شيراك على اعلى منصب في الدولة يوم الخامس من مايو المقبل، صدمة هزت كيان ووجدان معظم الفرنسيين الذين يعتبرون السيد لوبين شخصا متطرفا وعنصريا ومنغلقا.

صدمة الفرنسيين قد لا تضاهي القلق والخوف اللذين يسودان مختلف الجاليات الاجنبية غير الاوروبية التي تقيم في فرنسا منذ اجيال متعاقبة وتعتبر فرنسا وطنها الحقيقي. الخوف والقلق نابعان من سيرة السيد لوبين وسجله المثقل بالمواقف المعادية للجاليات العربية، ولاسيما المغاربية، وكذلك الجاليات اليهودية والارمنية والافريقية والاسيوية…

لوبين، هو صاحب نظرية “الافضلية الوطنية”، أي الافضلية في العمل والسكن والتعليم والصحة وكل الخدمات للفرنسيين الاصليين. كما انه يعتبر المهاجرين، وخصوصا المغاربيين منهم، مصدرا للمشاكل التي يعرفها النسيج الاجتماعي الفرنسي. فتفشي الجريمة، سببه المهاجرون. وارتفاع البطالة، سببه المهاجرون. وانتشار الارهاب، سببه مرونة سياسات الهجرة التي انتهجتها الحكومات اليمينية واليسارية المتعاقبة. الى جانب ذلك، يعتبر السيد لوبين ان الاسلام دين دخيل على المجتمع الفرنسي وان تكاثر المسلمين بفضل تناسلهم، يمثل خطرا على المجتمع الفرنسي. ويرى السيد لوبين ان العربي الجيد هو الذي يبقى في بلده.

ويفوق عدد افراد الجاليات المهاجرة والتي تقيم في فرنسا منذ الخمسينات، الاربعة ملايين نسمة، منهم نسبة كبيرة حصلت على الجنسية الفرنسية. والجالية المغاربية، هي اكبر هذه الجاليات على الاطلاق، حيث تضم زهاء الثلاثة ملايين شخص من بينهم حوالي مليونين من اصل جزائري. اما الجالية اليهودية، فانها تضم ست مائة الف نسمة، وهي منصهرة ونافذة في النسيج الاجتماعي الفرنسي. كما ان هنالك اكثر من مليون شخص ينحدرون من افريقيا السوداء وزهاء المليون من البلدان الاسيوية.

ولهذه الجاليات مواقف وحضور سياسي متنوع على الساحة الفرنسية، لكنها في معظمها مناوئة لليمين المتشدد بحكم انها المستهدف الاول من افكاره وتوجهاته العنصرية والاقصائية. لذا، فان مراهنة جون ماري لوبين على كرسي الرئاسة بعد ازاحته في الدور الاول رئيس الحكومة ليونيل جوسيان، يمثل بالنسبة لتلك الجاليات هاجسا معنويا وسياسيا، ليس بحكم خوفها من فوز لوبين في الدور الثاني، ذلك ان فوز جاك شيراك شبه مؤكد، بل بحكم الثقل الذي لم يسبق له مثيل لليمين المتطرف على الساحة السياسية الفرنسية.

اليمين المتطرف: الى اين؟

فاليمين المتطرف حصل في الدور الاول على زهاء العشرين بالمائة من الاصوات، وهي نفس النسبة التي حصل عليها الرئيس شيراك. ولو ترجمت هذه النسبة في الانتخابات التشريعية المزمع اجراءها في شهر حزيران المقبل، فان التيار اليميني المتطرف سيدخل البرلمان الفرنسي بقوة، وهو ما ستكون له انعكاسات مباشرة على قوانين الهجرة والخدمات التي تستفيد منها الشرائح الضعيفة من المهاجرين. علاوة على ذلك، فان تنامي هذا التيار العنصري من شانه ان يؤجج العلاقات الاجتماعية بين الفرنسيين والجاليات الاجنبية التي سيسكنها الخوف والقلق على سلامتها وسلامة ممتلكاتها ومؤسساتها ومستقبل ابنائها.

فضلا عن ذلك، فان هذه الجاليات التي لا تتذكرها حكومات بلدانها الاصلية الا عندما يتعلق الامر باحصائيات التحويلات المالية، وهي دخل وطني لا يستهان به في بلدان مثل المغرب والجزائر وتونس ومعظم البلدان الافريقية، قد تجد نفسها، اذا ما تعرضت لانتهاك حقوقها وحرمة ممتلكاتها دون سند يذكر حتى وان كانت فرنسا دولة قانون ومؤسسات. فهذه الجاليات تفتقر في معظمها الى المؤسسات المدنية الراسخة في النسيج الفرنسي والتي تمكنها من الدفاع عن مصالحها. كما ان ثقلها السياسي، باستثناء الجالية اليهودية، يظل محدودا جدا ان لم يكن منعدما.

ومن شان تنامي اليمين المتطرف الفرنسي ان يذكي المشاعر القومية والعرقية لمختلف الجاليات الاجنبية المقيمة في فرنسا وان يحول النزاعات التي تشهدها مناطق تلك الجاليات الى الساحة الفرنسية. وقد تجلى ذلك في التوتر الشديد القائم هذه الايام بين الجاليتين العربية واليهودية بسبب ما يجري في المناطق الفلسطينية.

لذا، فان ترشح جون ماري لوبين الى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، وبقطع النظر عن النتائج النهائية للانتخابات، سيترك رواسب وجروحا يتعين على الرئيس شيراك بعد انتخابه معالجتها بسرعة حفاظا على مكانة الجاليات الاجنبية في المجتمع الفرنسي من اجل ضمان السلم الاجتماعي في فرنسا.

سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية