مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انتخابات لا يريدها أحد!

إجماع فلسطيني وأجنبي على عدم إمكانية إجراء الانتخابات العامة والرئاسية في موعدها Keystone

أوصت اللجنة الانتخابية الفلسطينية الرئيس ياسر عرفات بتأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كان مزمعا إجراءها يوم 20 يناير 2003 إلى ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من مناطق الحكم الذاتي المحتلة.

وقالت اللجنة إنه لا يمكن إجراء هذه الانتخابات تحت الحصار الإسرائيلي المطبق.

يتم العمل تدريجيا على تأجيل الانتخابات الفلسطينية إلى أجل غير مسمى، في عملية لا يبدو وأنها تلقى أي معارضة دولية تذكر، ولا حماسة لصونها، كتلك التي لقيتها الضغوط الأمريكية والإسرائيلية والدولية بتغيير قيادة الرئيس ياسر عرفات ودعوة الشعب الفلسطيني إلى اختيار قيادة جديدة، وهو موقف لا يخرج في نفس الوقت عن السياق العام للسلوك السياسي الذي تمارسه الإدارة الأمريكية في تعاملها مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر على وقع المواجهة الدامية منذ اندلاع الانتفاضة قبل أكثر من عامين.

وتأتى التوصية التي قدمتها لجنة الانتخابات المركزية للرئيس عرفات بضرورة تأجيل موعد 20 يناير المقبل إلى موعد آخر، مقدمة لقرار القيادة الفلسطينية بتبني موقف اللجنة وتأجيل هذه الانتخابات مائة يوم، تبدأ فقط، بعد تنفيذ إسرائيل انسحابا لجيشها من المدن والمواقع الفلسطينية المحتلة.

قبل ثلاثة اشهر تماما، في سبتمبر الماضي، لم يفلح إصدار عرفات مرسوما بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في إثارة حماسة المجموعة الدولية بقيادة الولايات المتحدة، وظل الضغط متواصلا حتى أعلنت حكومة عرفات استقالتها أمام المجلس التشريعي الذي هدد بإسقاطها.

الضغوط ذاتها، لم تنجح أيضا في لي ذراع عرفات الذي نهض من بين الركام ليعود بحكومة على مقاسه، حكومة تنصب مهمتها الأساسية كما أعلن في حينه، على العمل للتحضير وتنظيم الانتخابات.

والمفارقة، أن مجلس الوزراء هذا برئاسة عرفات، سيعود مجددا لتحديد مصير هذه الانتخابات. والقرار، وفق سير العملية، يتجه صوب دق مسامير إضافية في نعش الانتخابات التي غدت سلاح الأعداء والأصدقاء على حد سواء.

تناقضات مشتركة

يؤكد المطلعون أن عرفات كان يعلم جيدا أن الانتخابات لن تجرى، لكنه سارع إلى إصدار مرسوم بإجرائها، واستنفاذ كل الوقت اللازم للتأكيد على انه يرغب بتنفيذها، لولا عقبة الاحتلال التي تمنع من تطبيقها على أرض الواقع.

أخيرا، تسير الخطوات نحو إثبات نظرية تأجيل الانتخابات وفي نفس الوقت التأكيد أن الاحتلال هو ما يحول دون ذلك، غير أن هذه العوامل وحدها لا تشكل كامل المعادلة ولا تدل على حقيقة الصراع الخفي الدائر تحت ستار الديمقراطية.

في رام الله، حيث مقر عرفات المدمر، يستطيع الزعيم الفلسطيني إضافة درجة جديدة في محاولاته لتضييق دائرة الخناق والضغوط عليه، ويستطيع التأكد أن حكومته الأخيرة التي حاكها على مقاسه، ستظل إلى جانبه تتلقى وتنفذ أوامره دون داع للخوف من التغيير.

بإمكان عرفات، أن يركن أيضا، دون الحاجة إلى انتخابات، إلى المجلس التشريعي ذاته الذي وقفت غالبيته معه في معركة الضغوط الأخيرة، وبهذا سيظل الزعيم الفلسطيني سيد الموقف فيما يتعلق باتخاذ أي قرارات مصيرية جديدة.

وهناك أمور أخرى يمكن التحقق منها في قائمة المكاسب الخفية جراء تأجيل الانتخابات، والإشارة بالذات إلى أنه لا يمكن التقدم إلى الأمام في تلبية مطالب المجموعة الدولية، سيما الإدارة الأمريكية، دون إنهاء الاحتلال.

ثمة رابحون آخرون من عميلة تأجيل الانتخابات. هنا ستجد إسرائيل الفرصة في الهروب من أي مطالب لسحب قواتها من المناطق الفلسطينية بعد انعدام الحاجة الملحة لتوفير الأجواء الملائمة والتسهيلات على الأرض لأجل إجراء الانتخابات.

وستجد الإدارة الأمريكية، التي طالما طالبت بتغيير عرفات، الفرصة في الإفلات من الحاجة الديمقراطية لإجراء انتخابات، خصوصا وأنه في حال نجاح تنظيمها حاليا، فإن التوقعات تشير إلى فوز عرفات وحركة فتح فيها، وهذا سيضع الأمريكيين في حرج من أمرهم.

طرف ثالث

مرة أخرى، تدور الدائرة وتؤشر الحركة باتجاه خانة الصفر، لكن جراب الحاوي يظل قادرا على الخروج بجديد، وثمة ما يمكن النظر إليه وتفحصه.

وفي الوقت الذي تنازع فيه خطة “خارطة الطريق” الأمريكية التي تنص على إجراء انتخابات فلسطينية تشريعية من أجل البقاء، تتجدد الحياة وتنبعث في أوصال محاولات أخرى قيد الدرس والبحث، لكنها تصب جميعا في خانة المطالب والشروط الأمريكية.

الإدارة الأمريكية التي أسرَّ مسؤولوها النافذون إلى أكثر من شخصية فلسطينية وعربية، تصر على ضرورة تلبية الفلسطينيين لشروط توفير الأمن والاستمرار في تنفيذ الإصلاحات، وتعيين رئيس وزراء، وإعداد دستور جديد.

ولم تجد الانتخابات نصيبا بين هذه المطالب، ولئن يمكن إخفاؤها في بند الإصلاحات، لكنها علي أي حال لا تحتل الآن أي موقع متقدم على أجندة المطالب الأمريكية.

في مقابل ذلك، يتواتر حديث ضرورة الطرف الثالث المتمثل في نشر قوات دولية في الأراضي الفلسطينية والتعامل مع إدارة انتقالية، أو الملف الذي تتولاه من جديد الحكومة الكندية وتفصل جدواه مع شركاء فلسطينيين وإسرائيليين.

يضم جراب الحاوي هذه المرة وضع المناطق الفلسطينية تحت “وصاية أجنبية”، كما جاء في اقتراح مارتن انديك، المسؤول الأمريكي السابق ومدير معهد بروكينجز، إحدى موارد الأفكار الرئيسية الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط.

غير أن الأفكار الجديدة المتواترة، فلسطينية أو أجنبية، تختلف وتتناقض، لكنها تتفق جميعا في أمر واحد: لا انتخابات.

هشام عبد الله – رام الله

جرت أول انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية في 20 يناير 1996
يضم المجلس التشريعي الفلسطيني 88 مقعدا. تحتل المرأة 5 مقاعد
المشاركة الشعبية في انتخابات 1996 في غزة والضفة الغربية، 79،9%

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية