مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انفصال جنوب السودان: ترحيب غربي بنتائج الإستفتاء، وتنويه بموقف الشمال

الرئيس السوداني عمر البشير يتسلّم نتائج إستفتاء تقرير المصير بجنوب السودان من محمد إبراهيم خليل رئيس لجنة تنظيم الإستفتاء بحضور رئيس حكومة جنوب السودان سيلفا كير. Keystone

مثلما بيّنت النتائج الرسمية المعلنة يوم الاثنين 7 فبراير 2011، اختارت الغالبية العظمى من سكان جنوب السودان (98.83%) الإنفصال عن الشمال في الإستفتاء العام الذي نظّم الشهر الماضي. وفي برن حيّت وزارة الخارجية السويسرية في بيان لها صدر بعد إعلان تلك النتائج ما وصفته "بالهدوء النسبي، والطابع السلمي والمنظم الذي رافق عملية الاقتراع".

وقالت ميشلين كالمي-ري، رئيسة الكنفدرالية، ووزيرة الخارجية بهذه المناسبة: “إن الاستفتاء كان خطوة أساسية ومهمة في اتجاه وضع أسس سلام دائم في تلك المنطقة”.

يأتي هذا الموقف السويسري عقب اعتراف الرئيس السوداني عمر البشير رسميا بنتائج الإستفتاء الذي أقر للجنوبيين حق تقرير المصير، والذين من المنتظر أن يعلنوا إستقلالهم النهائي عن الشمال في 9 يوليو 2011.

وخلال خطاب أذاعه التلفزيون الرسمي السوداني يوم الإثنين 7 فبراير، قال البشير: “لقد تلقينا اليوم هذه النتائج (الإستفتاء)، ونحن نقبل بها، ونشيد بها لأنها تعبّر عن إرادة ورغبة سكان الجنوب”.

تبدد هذه التصريحات المخاوف من انفجار الصراع من جديد بين شمال السودان وجنوبه من أجل بسط النفوذ على ثروة النفط المهمة في مناطق الجنوب. وفي ما يبدو ردا للجميل، وعد رئيس حكومة جنوب السودان سيلفا كير بمساعدة الخرطوم، والعمل ما في وسعه لإلغاء ديونها الخارجية، وتخفيف العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها. وأضاف القائد الجنوبي منوّها “يستحق البشير وحزب المؤتمر الوطني(الحزب الحاكم) مكافأة على هذا الموقف”.

ويذكر أن واشنطن قد ألمحت سابقا إلى استعدادها لشطب السودان من قائمة البلدان الداعمة والراعية للإرهاب، وإلى تخفيف العقوبات الاقتصادية عليها إذا ما سمحت الخرطوم بإجراء الإستفتاء في أجواء مريحة.

ترحيب دولي واسع

مع الإعلان الرسمي على النتائج، تدفّق المئات من السكان على مدينة جوبا، عاصمة الجنوب، في ظل حرارة مرتفعة جدا للتعبير عن فرحهم، وتنظيم احتفالات احتفاءً بما أسفر عنه الاستفتاء الذي انتظروه طويلا. وقال رياك ماكير، أحد هؤلاء المحتفلين، نقلا عن وكالات الأنباء: ” لن أخشى الحرب بعد اليوم، لقد أصبحت جزءً من الماضي، بعد أن توصّل قادتنا إلى سلام مع الشمال”.

كذلك تسارعت ردود الفعل من العواصم العالمية، حيث أعلن باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أن بلاده سوف تعترف بجنوب السودان “المستقل وصاحب السيادة” بحلول شهر يوليو القادم. وقال الرئيس الأمريكي يوم الاثنين 7 فبراير: “اهنأ بإسمي وباسم الشعب الأمريكي سكان جنوب السودان بالنجاح الذي توّج الاستفتاء، والذي اختارت فيه الغالبية العظمى منهم الاستقلال والانفصال”.

الموقف نفسه رددته كذلك كاترين أشتون، مسؤولة العلاقات الخارجية بالإتحاد الأوروبي، التي حيّت الاستفتاء، مضيفة: “إنها لحظة تاريخية بالنسبة للسودان. ونحن نحترم نتيجة الاستفتاء التي تعكس بحق إرادة سكان الجنوب”. وجاء في بيان وقعته أشتون: “سوف يعمل الإتحاد الأوروبي من أجل إقامة شراكة واسعة وطويلة المدى مع الدولة الناشئة في الجنوب”.

أما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، فقد “هنأ سكان جنوب السودان لمشاركتهم الواسعة في هذا الاقتراع التاريخي”، كما أشاد بمن أسماهم “شركاء اتفاق السلام الشامل الموقع في عام 2005 لما أبدته تلك الأطراف من مسؤولية بقبولها دون تردد للنتائج التي أفرزها الإستفتاء”.

كما وعدت فرنسا على لسان رئيسها بأن “تقف إلى جانب جميع السودانيين لمساعدتهم على اجتياز هذه المرحلة الانتقالية في أحسن الظروف في الشمال كما في الجنوب”.

مشاركة سويسرية فاعلة

رأت سويسرا هي الأخرى أن الاستفتاء كان خطوة ضرورية في إطار تنفيذ اتفاقية السلام الشاملة التي توصل لها الفرقاء في السودان سنة 2005، والتي دعّمتها بقوة في ذلك الوقت بوصفها بلد محايد يدعم السلم والاستقرار في العالم.

لكن هذا الترحيب رافقه تأسف وزيرة الخارجية السويسرية  للأحداث التي شهدتها مناطق محاذية للخطوط الفاصلة بين الشمال والجنوب في الأيام القليلة التي سبقت إجراء الاستفتاء، وقد أودت تلك الأحداث بحياة البعض، وإصابة البعض الآخر.

ويذكر بيان صادر عن وزارة الخارجية في برن أن سويسرا كشريك محايد قدمت الدعم اللازم لشمال السودان وجنوبه خلال مسعاهما لبناء سلام دائم في المنطقة. واستنادا إلى نفس البيان قامت سويسرا في الأشهر الأخيرة، وبطلب من الطرفيْن، بتقديم الدعم للعملية التي هدفت إلى تعديل الدستور السوداني، كما شاركت بخبراتها التقنية في إنجاح عملية تقاسم الثروات والديون بين الطرفين الشمالي والجنوبي في المجال المصرفي، وأرسلت سويسرا ثلاثة مراقبين، انضموا إلى بعثة الإتحاد الأوروبي لمراقبة سير ومجريات الإستفتاء الأخير. وفي الوقت نفسه، أكدت الخارجية السويسرية أن الإعلان عن نتائج الاستفتاء “لن تضع حدا لانخراطها القوي والفعال من اجل السلام والتنمية في السودان”.

ويذكر أن وزارة الخارجية السويسرية قد نظمت يومي 28 و29 نوفمبر 2010 ندوة عامة ذات بعد تقني في برن حضرها ممثلون من شمال السودان وجنوبه، وانصب النقاش فيها حول الخبرة السويسرية التي من الممكن ان تستفيد منها الاطراف السودانية في مجالات عديدة كالسياسة النقدية، ودور البنك المركزي، وإعادة جدولة الديون، وسبل التخفيف منها، وتوزيع ميزانية الدولة، والسياسات العامة في المجاليْن التجاري والإقتصادي، وطرق تنظيم أرشيف الدولة. وعن الجانب السويسري حضر هذه الندوة خبراء في البنك الوطني السويسري، وفي مصلحة الأرشفة الوطنية.

وطبقا للإتفاقية الشاملة للسلام في السودان الموقعة سنة 2005، تتم عملية الإنفصال الفعلية بعد صدور نتائج يوم الإثنيْن الماضي عمليا يوم 9 يوليو 2011، وحتى ذلك الموعد سيكون على الحكومتيْن في الخرطوم وجوبا التوصل إلى أتفاق بشأن القضايا الحساسة العالقة كتعيين الحدود، وتقاسم موارد النفط، والإتفاق على وضع منطقة أبيي المتنازع عليها.

في عام 2010، أنفقت سويسرا 50 مليون فرنك في السودان حيث تتعاون عدة مكاتب فدرالية وتسهم الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في التخفيف من معاناة النازحين بسبب الحرب وذلك في إطار برنامج للمساعدات الإنسانية (ماء، وغذاء، ومواد تنظيف، وعلاجات صحية).

  

يساعد قسم الأمن الإنساني (المكتب الرابع) التابع لوزارة الخارجية السويسرية السودان في بحثه عن السلام والإستقرار. وسبق أن لعب هذا القسم دورا حيويا في الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جبال النوبة تم التوقيع عليه في Bürgenstock في يناير سنة 2002. 

 يعمل قسم الأمن الإنساني بوزارة الخارجية السويسرية من أجل إيجاد دولة فدرالية

في جنوب السودان، تأخذ في الإعتبار خصوصيات المناطق المختلفة في ذلك الإقليم الشاسع، كما يرعى جهودا لصياغة تشريعات تضمن قيام حكومة محلية رشيدة

عبر تشجيع تبادل الخبرات، وتنشيط الحوار بين الحكومة المركزية وبقية الإدارات الإقليمية. 

توفّر وزارة الدفاع وحماية السكان والرياضة السويسرية خبرتها لأهالي الجنوب، خاصة في مجال إعادة تأهيل قوات جنوب السودان، ورعاية تحوّلها من قوات حركة مسلحة متمردة إلى جيش نظامي في خدمة دولة ديمقراطية عبر تأسيس أكاديمية عسكرية في جوبا.

يناير 1956: إعلان استقلال السودان عن الاحتلال البريطاني، لكن أول حرب أهلية بين الشمال العربي المسلم، والجنوب ذي الغالبية الزنجية والمسيحية اندلعت في عام 1955.

 1972: انتهاء الحرب الأهلية الأولى التي أسفرت عن سقوط 500 ألف ضحية على الأقل، والتوقيع على اتفاق في أديس أبابا بين حكومة الخرطوم ومتمردي الجنوب أسفر عن قيام حكومة محلية في جنوب السودان.

  

1983: إثر حل الحكومة المحلية في الجنوب من طرف النظام القائم في الخرطوم، اندلاع حرب اهلية ثانية اتسمت خلالها المواجهات بشراسة أكبر، وتسببت في مقتل أكثر من مليونيْ سوداني، ونزوح حوالي 4 ملايين آخرين.

أبريل 2002: توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، والشروع في محادثات السلام.

يوليو 2005: التوصل إلى اتفاق شامل للسلام في أبوجا، وبداية عهد من التنمية والإستقرار.

 من 9 إلى 11 يناير 2011: تنظيم استفتاء حول تقرير المصير في جنوب السودان يشارك فيه 3 سويسريين ضمن مراقبي الإقتراع الذي سيؤدي إما إلى الوحدة مع الشمال أو الإستقلال والانفصال.

  

9 يوليو 2011: الموعد المقرر لانتهاء المرحلة الإنتقالية من اتفاق السلام الشامل. وإذا ما وافق الناخبون على الإنفصال فمن المحتمل أن يعلن في ذلك التاريخ عن استقلال جنوب السودان.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية