مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انقسام بين الشمال والجنوب حول تأثيرات الأزمة المالية على حقوق الإنسان

المفوضة السامية لحقوق الإنسان (يسار) ورئيس مجلس حقوق الإنسان يترأسان الجلسة الخاصة التي انعقدت يوم 20 فبراير 2009 في جنيف

أظهرت الجلسة الخاصة التي عقدها مجلس حقوق الإنسان للنظر في تأثيرات الأزمة المالية على حقوق الإنسان الهوة العميقة بين دول نامية ترغب في تسليط الضوء على أهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومدى تأثر البلدان الفقيرة بأزمة لا ناقة لها فيها ولا جمل، وبين دول متقدمة ترغب في حصر اهتمام مجلس حقوق الإنسان بالحقوق السياسية والمدنية على اعتبار أن الأزمة المالية "تُناقش في محافل أخرى ذات صلاحيات أكثر".

ومنذ أن دعت مصر والبرازيل (بدعم من الدول النامية كافة تقريبا) إلى عقد جلسة خاصة للمجلس للنظر في تأثيرات الأزمة المالية والاقتصادية الحالية على حقوق الإنسان، كان السؤال الذي يراود أفكار الجميع: “ما الذي سيتمخض عن اجتماع لم يتمكن حتى من إصدار قرارات مجدية في قضايا هي في صلب حقوق الإنسان” بالمفهوم الذي تعودنا عليه لحد اليوم أو الذي استطاع الغرب والشمال عموما أن يفرضه على الأقل؟

في المقابل، اعتبر البعض أن عقد جلسة خاصة للتطرق إلى تأثيرات الأزمة المالية يمثل انتصارا للأطراف الساعية إلى الرفع من قيمة وأهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكي تصبح في نفس مستوى الإهتمام بالحقوق السياسية والمدنية.

هذان التصوران انعكسا بوضوح في تدخلات الدول والمنظمات التي ساهمت في النقاش الذي شهدته الجلسة الخاصة التي انعقدت بقصر الأمم المتحدة في جنيف يوم 20 فبراير وتدخل خلالها حوالي 50 متحدثا باسم البلدان الأعضاء وغير الأعضاء والمنظمات الأممية المعنية مثل منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية والمقررين الخاصين بالديون أو بالحق في الغذاء أو ممثلي منظمات المجتمع المدني.

توجيه رسالة قوية باسم الضعفاء

وأوضح ممثل مصر في الإجتماع (بوصفه مندوب الدولة التي دعت الى عقده إلى جانب البرازيل وبوصفه ممثلا للمجموعة العربية) أن الهدف من هذه الجلسة الخاصة يتمثل في “توجيه رسالة قوية مفادها أن مجلس حقوق الإنسان الذي يمثل النبض الحي للمجتمع الدولي سيسعى لفعل كل شيء ولكل ما في وسعه … من أجل إقامة مجتمع عالمي أكثر ديموقراطية ومشاركة لجميع الدول وخاصة النامية لتعزيز شعورها بالملكية لأجندة النظام العالمي”.

ولتعزيز هذا المطلب استشهد المندوب المصري بما أوردته تقارير المنظمات الدولية من توقعات لتأثيرات هذه الأزمة المالية والاقتصادية على المجتمعات وبالأخص المجتمعات الفقيرة حيث أشار إلى “توقع منظمة العمل الدولية إضافة 30 مليون عاطل عن العمل في نهاية عام 2009، وتقديرات منظمة الصحة العالمية لإضافة حوالي 100 مليون شخص الى أعداد فقراء العالم الذي يفوق المليار شخص حاليا”.

هذا المطلب أعادت تأكيده ممثلة البرازيل التي شددت على أن “أخطاء الماضي يجب ان تبقى في تعداد التصرفات المنتهية… وأن الإجراءات التي ينوي التقنيون اتخاذها لتجاوز الأزمة يجب أن لا تتجاهل أصوات الأغلبية أي أصوات أولائك الذين سيتضررون أكثر من الأزمة”.

وبعد أن ذكّرت مندوبة البرازيل بالاجتماعات المختلفة الهادفة لبحث الأزمة المالية والاقتصادية والتي ستعقد على مستوى قادة العالم في أبريل في لندن، وفي نيويورك في يونيو على أعلى المستويات، حثت مجلس حقوق الإنسان على إيصال أصوات الضعفاء الى تلك الاجتماعات ودعت إلى “عدم تركهم يتناسون بأن تعزيز وحماية كل حقوق الإنسان يجب ألا تكون الثمن المقدم من أجل تحقيق الانتعاش الاقتصادي”.

ممثل كوبا باسم مجموعة دول عدم الانحياز أوضح من ناحيته بأن “هذه الأزمة ليست من صنع الدول النامية ولكنها هي المتضررة منها أكثر بحكم هذا العالم المعولم الذي نعيش فيه”، ولذلك طالب “بضرورة التشديد على أن الحق في التنمية يجب أن يحظى باولوية الجميع”.

ممثل باكستان التي تحدث باسم دول منظمة المؤتمر الإسلامي أشار إلى أن الدرس المستخلص من هذه الأزمة “هو أننا لا نتعلم من التاريخ” في إشارة الى الأزمات المالية السابقة، وقدم بعض التوصيات من بينها “دعوة الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة إلى مراقبة المؤسسات المالية الدولية وعدم ترك حفنة من الدول تتخذ القرارات التي تؤثر على كل العالم”.

أوروبا ترفض تدخل مجلس حقوق الإنسان

ممثل تشيكيا الذي تحدث باسم دول الإتحاد الأوروبي وعدد من الدول الراغبة في الإنضمام إليه (بما في ذلك تركيا)، أقر بأن “الأزمة الحالية أزمة شاملة وتمس العالم بأكمله” إلا أنه يرى أيضا أن “إنجاز حقوق الإنسان بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية هي من مسؤولية الدول وحدها وأنه (يتوجب) على هذه الدول أن لا تكون الحلول التي تقدمها لحل الأزمة مضرة بحقوق الإنسان”.

بكلمة أخرى، لا يرغب ممثل الاتحاد الأوروبي في فتح النقاش حول الأزمة المالية أمام مجلس حقوق الإنسان حيث قال بوضوح “إن تكرار نقاش يدور حاليا في محافل لها صلاحية أكثر في مناقشة إجراءات تقنين النظام المالي العالمي، وحول النظام التجاري والعولمة يبدو في نظرنا غير مثمر ولا يدخل في إطار مهام مجلس حقوق الإنسان”.

وتضمنت مداخلة المندوب التشيكي المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي أيضا عودة للحديث عن ضرورة التركيز على الحقوق السياسية والمدنية حتى في أوقات الأزمة المالية إذ اعتبر أن “على الدول أن تراعي بالدرجة الأولى في مثل هذه الظروف المشحونة بالتوتر ضمان التمتع بالحريات الفردية مثل حرية التعبير عن الرأي وحرية التجمع والحرية النقابية ومحاربة الرشوة والحكم الرشيد والقضاء المستقل…”.

ولم تتنافس الدول الغربية أو من يدور في فلكها على تناول الكلمة في هذه الجلسة مكتفية بالتصريحات التي جاءت على لسان ممثل الاتحاد الأوروبي.

مجرد توصيات

السيدة نافي بيلاي، مفوضة حقوق الإنسان حاولت أن تفصل بين هاتين النظرتين المتضادتين منذ زمن بعيد واللتان وجدتا في جلسة يوم الجمعة أوضح تجسيد لخلافات المتشبثين بهما، وذلك بتوضيحها أثناء كلمة الافتتاح بأن محفل حقوق الإنسان يعتبر “الإطار المناسب والمنطقي والشرعي، والأرضية التي يمكن أن ترتكز عليها السياسات والبرامج الهادفة لمواجهة التأثيرات السلبية للأزمة المالية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية”.

لكنها أضافت في نفس الوقت بأن “الدول غير مسموح لها بالتنصل من التزاماتها المتعلقة باحترام حقوق الإنسان في أوقات الأزمات”، موضحة بأن المطلوب “ليس فقط حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بل إعطاء الأولية حتى للحقوق السياسية والمدنية لتلك الفئات الأكثر عرضة للتهميش بسبب الأزمة”.

وإذا كان جل النقاش الذي دار في الجلسة الخاصة قد تمحور حول مدى شرعية تطرق مجلس حقوق الإنسان إلى التأثيرات الناجمة عن الأزمة المالية والاقتصادية، فلم يكن أحد يتوقع منه اتخاذ قرارات ذات صدى كبير. وهو ما تجلى في مشروع القرار النهائي الذي اكتفى بالتعبير عن رغبة في “شفافية أكثر في النظام المالي العالمي ورقابة أكثر لمحافل دولية”. كما طالب بـ “ضرورة إشراك محافل حقوق الإنسان في المناقشات الهادفة لإيجاد حلول للأزمة”، وبضرورة “تعزيز التضامن الدولي في أوقات الأزمات لمساعدة الدول الفقيرة على تجاوز التأثيرات السلبية الإضافية الناجمة عن هذه الأزمة”.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

حرصت سويسرا – التي لم تنضم لا للموقف الأوروبي ولا لموقف الدول النامية – على توضيح رؤيتها المتمثلة في “دعم النظرة الهادفة لمعالجة تأثيرات الأزمة المالية من منظور حقوق الإنسان”.

وأوضحت السيدة بيرسي – كوهين بان “الأزمة المالية والاقتصادية الحالية تؤثر سلبا على الحق في الغذاء، والحق في التعليم والصحة وفي مستوى عيش مقبول”. كما ذكرت مندوبة سويسرا في الوقت نفسه بأن “الأزمة المالية الحالية يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار بالنسبة للعديد من الدول لتذكيرها بالتزاماتها” مضيفة بأن “المشاكل المالية والاقتصادية العالمية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تبرر عدم التزام الدول باحترام الحقوق الأساسية”.

وبعد أن ذكرت ممثلة سويسرا بجميع المبادرات الجارية لمناقشة الأزمة المالية الحالية، طالبت “بضرورة تبوء مفوضية حقوق الإنسان المكانة المنوطة بها في هذا الإطار من أجل إيصال رسالة حماية حقوق الانسان في كل المبادرات التي يتم اتخاذها”. وفي هذا الصدد، دعمت سويسرا مشاركة المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة نافانيتيم بيلاي في الاجتماع الذي تنظمه الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر يونيو القادم لمناقشة هذه الأزمة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية