مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

باكستان .. فى قلب الإعصار

أحد أفراد قوة شبه عسكرية باكستانية يراقب قافلة عسكرية متجهة صوب سهل سوات المضطرب يوم 30 أبريل 2009 لوقف تقدم مسلحي طالبان باتجاه العاصمة إسلام اباد Keystone

تُواجه باكستان أو "أرض الاطهار" هذه الأيام اختبارا صعبا بكل المقاييس، يكاد يصل إلى درجة الاختبار الوجودى للنظام وللدولة التى أنشئت على النمط الفيدرالى قبل أكثر من ستين عاما.

نقطة البداية فى هذا الاختبار لا ترتبط بآخر تجليات حكومة يوسف جيلانى ورئاسة آصف زاردارى المتمثلة فى التنازل عن سلطة الدولة فى وادى سوات شمال غرب البلاد، والاتفاق مع جماعة مسلحة لتطبيق الشريعة وفقا لمعتقداتها وبعيدا عن سلطة القانون والمؤسسات المدنية الحاكمة، وحسب بل فى طبيعة النخبة المدنية نفسها التى جاءت فى الانتخابات النيابية فبراير 2008.

وهي نخبة لم تقدم شيئا للبلاد سوى الانقسامات والتراخى فى مواجهة الاخطار الحقيقية والتركيز على ملفات فرعية دارت فى الأغلب على تصفية حسابات مع ما تبقى من نظام الرئيس برويز مشرف السابق، فضلا عن تكرار قصص الفساد وضعف الرئيس الحالى وعدم ملاءمته لطبيعة اللحظة الحاسمة التى تمر بها البلاد.

عوامل أخرى خارجية

عوامل التفكك والإنقسام الداخلى التى تنطلق من طبيعة النخبة المدنية الحاكمة، لا تنفى وجود عوامل أخرى مهمة أوصلت باكستان إلى ما تعانيه الآن.

فهناك عدم تفهم الغرب بقيادة الولايات المتحدة فى حقبة بوش عليها للثقافة الشعبية السائدة القائمة على مبادئ دينية بالدرجة الأولى، والتى تؤدى تلقائيا إلى نوع من التعاطف الشعبى مع حركة طالبان الافغانية أولا ثم جماعات طالبان الباكستانية لاحقا، ورفض التدخلات الامريكية العسكرية السافرة فى مناطق باكستانية على الحدود مع أفغانستان والتى تتميز بدورها بثقافة شعبية أكثر خصوصية من باقى أقاليم باكستان الأخرى، حيث التداخل القبلى والإجتماعي على جانبى الحدود التى يصعب السيطرة عليها نظرا لوعورتها الجغرافية وتشابكها الاجتماعي الشديد.

وهناك أيضا الميراث السلبى لارتباط باكستان فى الحرب الأمريكية على الارهاب، والذى أدى إلى نمو مشاعر غضب كامنة لدى قطاعات عريضة من الباكستانيين، الذين يرون أن الخروج من هذه الدوامة الجهنمية يأتى عبر تغيير بنية النظام الحاكم وتغيير مسار سياساته كليا، والإنقطاع عن الغرب، بل الانخراط فى مواجهته على غرار ما تدعو إليه القاعدة جهارا نهارا.

معضلة الجيش الباكستانى

فى هذا السياق الملتبس، بدا أن الجيش الباكستانى الذى كان رأس الحربة فى مواجهة القاعدة إبان حقبة الرئيس مشرف، ورغم كونه مؤسسة قومية من الدرجة الاولى، فقد اضطر رئيس اركانه اشفق كيانى إلى إعادة تحديد دور الجيش فى أكثر من دائرة: أولها عدم الانخراط فى العملية السياسية، وترك الفرصة كاملة لنخبة مدنية تجئ بالإنتخاب لتتصرف وفق استراتيجية جديدة كان قد اتفق عليها بين الحزبين الكبيرين المنتصرين فى انتخابات فبراير 2008 (وهما حزب الشعب الباكستانى وحزب الرابطة الاسلامية بزعامة نواز شريف)، وقوامها تغيير مسار المواجهة العسكرية ضد الجماعات المسلحة التى تناصر القاعدة وتنادى بتطبيق الشريعة وفق منظور ضيق، وترفع شعارات مواجهة الغرب والولايات المتحدة والهند، إلى مواجهة سياسية عبر الحوار وربط هذه الجماعات فى الحياة السياسية والإتفاق معها على الحصول على مكانة قانونية واعتراف رسمى، نظير الإبتعاد عن السلاح وعدم تهديد الحكم المدني.

أما الدائرة الثانية فتمثلت فى تحجيم الجيش علاقاته مع الولايات المتحدة وحربها على الإرهاب والقاعدة، وهو ما دفع القوات الأمريكية إلى اتباع سياستها الخاصة فى ضرب ما تعتبره معاقل عناصر طالبان والقاعدة فى المناطق الباكستانية دون الرجوع إلى السلطات الباكستانية نفسها.

مثل هذا التحجيم الذاتى قلّص من علاقات التعاون العسكرية فى مجالات ميدانية مهمة كالتدريب والسلاح وتبادل المعلومات.

نتائج عكس المأمول

إعادة بلورة دور الجيش على هذا النحو، وخروجه من معادلتى السياسة ومواجهة الجماعات المسلحة، لم يؤدّ إلى ما كان مأمولا منه، فطوال العام المنصرم تعرضت مؤسسات الجيش وقوى الأمن عموما فى العاصمة إسلام أباد ولاهور عاصمة إقليم البنجاب ومناطق عديدة إلى ضربات وعمليات انتحارية أودت بحياة مئات من العسكريين والمدنيين على السواء.

كما أن ابتعاد الجيش عن المواجهة نسبيا أتاح الفرصة للجماعات المسلحة، من قبيل جماعة تطبيق الشريعة التى أسسها مولانا صوفى محمد ويقودها الآن زوج ابنته مولانا فضل الرحمن، وجماعة طالبان الباكستانية وجماعات مسلحة أخرى، أن تتمدد فى الإقليم الشمالى الغربى ومنطقة القبائل الُمدارة فدراليا، والتى تعرف اختصارا بـ ” فتا”.

وهو تمدد عكس شعورا بالقوة فى مواجهة النخبة المدنية الحاكمة التى بدت عاجزة عن اتخاذ قرارات كبرى لحماية البلاد والنظام العام، وقدمت نفسها باعتبارها نخبة بلا رؤية استراتيجية لتحديد دور باكستان فى المعادلات الاقليمية والدولية الجديدة.

اتفاق الشريعة.. علامة فارقة!

وهكذا جاء توقيع اتفاق تطبيق الشريعة بين حكومة جيلانى وجماعة تطبيق الشريعة، والذى اقره البرلمان بالاجماع وصدق عليه الرئيس زاردارى بمثابة نتيجة منطقية لحسابات سياسية وأمنية مختلة. وهو الاتفاق الذى شكل بدوره علامة فارقة فى مسار الدولة الباكستانية وعلاقاتها الخارجية.

كان طبيعيا أن يُنظر الى الاتفاق باعتباره نوعا من تنازل الدولة عن ممارسة صلاحياتها لصالح جماعة مسلحة، وقبولا بوقف العمل بالدستور وبالقانون السائد، ودعوة غير مباشرة لكل من يحمل السلاح إلى الاشتباك مع الحكومة للحصول على المزيد من التنازلات.

كان طبيعيا أيضا أن ينظر العالم الخارجى، لاسيما الولايات المتحدة وكل الدول التى تشارك فى عمليات عسكرية فى أفغانستان تحت راية الناتو أو أي راية أخرى، إلى هذا الاتفاق باعتباره انتصارا للقاعدة وطالبان وإفساحا لملاذات آمنة بحجم الأقاليم الحدودية بين باكستان وأفغانستان مما يصعب مهمة هذه القوات ويضيف إليها أعباء مضاعفة، ويزيد من الضغط على حكومة كرزاى التى تتسم بالضعف الشديد والحاجة إلى عون دائم. وهو ما عبرت عنه صراحة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون حين اعتبرت هذا الإتفاق “خطوة للوراء يجب التملص منها”.

ثم فصّله الرئيس أوباما فى خطاب له بمناسبة مرور مائة يوم على توليه السلطة بقوله “في أفغانستان وباكستان المجاورة لدينا مشاكل حقيقية مع طالبان والقاعدة. إنهما أكبر تهديد مباشر منفرد لمصالحنا الأمنية الوطنية… ومهمتي باعتباري القائد الأعلى للقوات المسلحة هي ضمان ألا يتمكن بن لادن وأعوانه من إنشاء ملاذ آمن يمكنهم من خلاله قتل ثلاثة آلاف أمريكي آخر”. وهي عبارة تماثل تماما ما جاء فى تقرير اللجنة القومية للهجمات على نيويورك وواشنطن والصادر قبل عامين ونصف عن الكونغرس الأمريكى والتى تقول “إن أمن الولايات المتحدة يبدأ من مكان ما فى أفغانستان وباكستان”.

وكان طبيعيا ثالثا أن تنظر قيادة باكستان العسكرية إلى هذا الإتفاق باعتباره علامة ضعف وتصعيدا للمواجهة، لاسيما وأن جماعة تطبيق الشريعة اتخذت خطوات عسكرية للسيطرة على مناطق أخرى فى وادى سوات وقال قادتها فى تصريحات عنترية إن بإمكانهم “احتلال العاصمة وفرض تطبيق الشريعة فى كل البلاد”.

ضغوط أمريكية وبريطانية

وكنتيجة منطقية لهذه الدلالات السلبية، جاءت الضغوط الامريكية والبريطانية سريعة ومتحفزة، وسعت إلى إقناع الحكومة بخطورة هذا الاتفاق، وبضرورة استعادة الجيش لدوره فى المواجهة ضد الجماعات المسلحة، وهو ما حدث بعد زيارة رئيس الوزراء البريطانى لأفغانستان يوم 25 ابريل الماضي، والتى تعهد خلالها بحزمة معونات للحكومة لتطوير التعليم فى مناطق القبائل، وتزويد الجيش الباكستاني بمعدات تناسب الحرب غير المتماثلة التى يخوضها مع جماعات مسلحة تنتشر وسط المدنيين.

بعض التقارير الاخبارية الامريكية الحديثة تشير إلى اتفاق تم بين مبعوث عسكرى امريكى زار باكستان مؤخرا، وبين رئيس الاركان اشفق كيانى تضمن الموافقة على إعطاء الولايات المتحدة دورا كبيرا في تدريب القوات الباكستانية على حرب العصابات ومواجهة الجماعات المتمردة، والتخفف من العقيدة العسكرية السائدة التى تقوم على مواجهة جيش نظامى معادي، وقبول معدات حديثة تسهم فى انشاء نظام دفاعي ضد الجماعات المسلحة المؤيدة للقاعدة فى الأراضى الباكستانية، وتفيد نفس التقارير بأن هذا الاتفاق وافقت عليه الحكومة بعد ضغوط شديدة.

لم يوفر الجيش الباكستانى وقتا، وانخرط بالفعل فى عملية مواجهة مع المسلحين فى وادى سوات واعلنت مصادر حكومية وإن بصورة ملتبسة أن الاتفاق لتطبيق الشريعة لم يعد ساريا، وأن الهدف المباشر الآن هو إبعاد الخطر المحتمل عن العاصمة وتأمين المؤسسات، أو بعبارة أخرى الحفاظ على النظام العام والدستور.

عودة الجيش بهذا الشكل تثبت أن الخيارات أمام الحكومة المدنية اصبحت محدودة جدا، وأن اللعب مع المسلحين بالصورة التى جرت فى وادى سوات، هى لعبة خطيرة وغير مقبولة فضلا عن كونها غير مأمونة العواقب.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

واشنطن (رويترز) – قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن عدد الناس الذين قتلوا في هجمات إرهابية في باكستان زاد العام الماضي بنسبة 70 في المئة رغم انخفاض هذه النسبة على مستوى العالم.

وزاد قلق المسؤولين الأمريكيين على استقرار باكستان الدولة المسلحة نوويا بعد تقدم متشددي طالبان الباكستانية إلى أبعد من معقلهم الاساسي في وادي سوات ووصلوا الى وادي بونر على بعد 100 كيلومتر فقط من العاصمة الباكستانية إسلام أباد.

وخاض الجيش الباكستاني يوم الخميس 30 أبريل 2009 معارك في ممرات جبلية لليوم الثالث على التوالي لطرد مقاتلي طالبان من بونر وجاء تحركه بعد ان اتهمت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية الحكومة المدنية في باكستان بالرضوخ لطالبان.

واظهرت احصائيات نشرتها الادارة الامريكية يوم الخميس ان الهجمات الارهابية ارتفعت الى أكثر من المثلين في باكستان العام الماضي رغم تراجع اعمال العنف وعدد الضحايا بصفة عامة في انحاء العالم وكشفت ان باكستان تواجه خطرا متصاعدا من اعمال العنف الارهابية.

وذكر التقرير ان الهجمات في باكستان ارتفعت الى أكثر من المثلين في عام 2008 .

وجاء في الاحصاءات التي نشرتها الخارجية الامريكية ان عدد القتلى في مثل هذه الهجمات ومنها الهجوم على فندق ماريوت في إسلام أباد في 20 سبتمبر أيلول ارتفع الى 2293 قتيلا بدلا من 1340 .

وصرح مسؤولون أمريكيون بان عدد الهجمات الإرهابية في باكستان زادت على الضعف وبلغت 1839 هجوما بدلا من 890 هجوما.

ووفقا للبيانات التي جمعتها أجهزة المخابرات الامريكية ونشرت في تقرير لوزارة الخارجية الامريكية فقد انخفض عدد القتلى في عمليات الارهاب في انحاء العالم الى 15765 من 22508 في عام 2007 بينما تراجع عدد الهجمات الى 11770 من 14506 هجمات.

ويعكس التراجع العام تناقص اعمال العنف في العراق في اعقاب قرار الرئيس الامريكي السابق جورج بوش عام 2007 بارسال قوات اضافية الى البلاد التي غزتها قوات بقيادة الولايات المتحدة عام 2003 .

وذكر المسؤولون الأمريكيون أن عدد القتلى في العراق انخفض الى 5016 قتيلا من 13606 قتلى كما انخفض عدد الهجمات الى 3258 هجوما بدلا من 6210 هجمات.

لكن عدد الناس الذين قتلوا خلال هجمات إرهابية في أفغانستان حيث تقاتل الولايات المتحدة ودول اخرى تمردا متصاعدا من حركة طالبان الافغانية ارتفع الى 1989 قتيلا عام 2008 بدلا من 1961 قبل ذلك بعام كما ارتفعت الهجمات الى 1220 بدلا من 1125 هجوما.

ونشرت الخارجية الامريكية هذه الارقام وسط توقعات بان تفكر ادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما باسقاط كوبا من قائمتها السوداء “للدول الراعية للارهاب” بعد سعيها لفتح باب الحوار مع هافانا بعد عقود من العداء.

ورفعت الخارجية الامريكية العام الماضي كوريا الشمالية من هذه القائمة لكنها أبقت على كوبا وايران والسودان وسوريا.

وفي هافانا قال وزير الخارجية الكوبي برونو رودريجيس ان الولايات المتحدة لا يحق لها ان تلقي المحاضرات على الاخرين وان حكومته ترفض الارهاب.

ووافقه على هذا الرأي وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي الذي يزور كوبا لحضور مؤتمر لدول عدم الانحياز.

وقال متكي للصحفيين من خلال مترجم “الولايات المتحدة بعد كل ما فعلته في سجني ابو غريب وجوانتانامو لا تملك السلطة ولا القدرة على الادلاء باراء او توجيه اتهامات لدول أخرى” مشيرا الى سجن ابو غريب في العراق الذي شهد انتهاكات في حق السجناء ارتكبها جنود امريكيون والى السجن الحربي الامريكي في خليج جوانتانامو بكوبا الذي احتجز فيه المشتبه بأنهم ارهابيون سنوات دون محاكمة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 مايو 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية