مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

باني الجسور بين سويسرا والعالم يُغادر نيويورك

منذ مارس 2010 أصبح ماورَر وكيلاً (كاتب دولة) في وزارة الخارجية السويسرية. swissinfo.ch

بعد ستة أعوام قضّاها في بناء العلاقات ومد الجسور، يعود بيتر ماورَر سفير سويسرا في الأمم المتحدة ليتسلم منصبه الجديد كوكيل (أو كاتب دولة) لوزارة الخارجية السويسرية في العاصمة بَرن. ولا يُغادر ماورَر نيويورك من غير أن يشعر ببعض الحزن لفراق هذه المدينة التي ارتبط معها بالعديد من الذكريات والتي مَدَّت جسورها لِجَمْع مُمثلي دول العالم كافة.

وبعد ساعات قليلة من مشاركته الناجحة في إحدى آخر الجلسات المسائية الماراثونية للتفاوض حول ميزانية الأمم المتحدة، عاد السفير ماورَر في حديث مع swissinfo.ch بذاكرته إلى الأوقات التي قضّاها في منطقة نهر “إيست ريفَر” في نيويورك حيث يقع مبنى الأمم المتحدة.

بناء الجسور

يتصف السفير ماورَر بشخصيته المَرِحة التي تعكسها تسريحة شعره الجريئة وابتسامته التي قد تتصف بالمَكر أحياناً. و لكن ماورَر في الوقت نفسه شريك جدّي في أية مفوضات، كما أنّه يمتلك حسّا جيداً للغاية لما يمكن فعله من النواحي السياسية، حسب وَصف العديد من زملائه في دوائر الأمم المتحدة .

وقد حاول ماورَر دائما أن يضع سويسرا في موقع البلد الذي يبحث عن الحلول المَلموسة والتسويات العَمَلية بين الكُتل والمصالح العالمية، كما عَرف كيف يؤمِّن هذه الصورة لسويسرا داخل المنتظم الأممي.

ومِثل مدينة نيويورك التي إشتهرت بتَعَدُدِ جسورها، عُرِفَ ماورَر كباني جسورٍ يملك الكثير من مهارات التفاوض، مما جعله موضع تقدير بين العديد من زملاءه الدبلوماسيين.

ويصف ماورَر مشاعره قائِلاً:” كل الفترات الإنتقالية صعبة، ومن الناحية العاطفية يعيش المرء في عالمين. وقد استمتعت جداً بالعيش في نيويورك وبعملي في الأمم المتحدة”.

حقوق الإنسان والتنمية وسياسة السلام

وقد أقام ماورَر في كثير من الأحيان تحالفات مع دول صغيرة أخرى بإسم سويسرا، طالب خلالها بأساليب عَمَل أكثر شفافية في مجلس الأمن، أو بمزيد من النهج القانوني والوضوح في التعامل مع “قوائم الإرهاب” التابعة للأمم المتحدة و المثيرة للجدل.

ورداً على سؤال حول أوقات القمّة خلال فترة عمله في الامم المتحدة طيلة هذه السنوات، أجاب ماورَر بأنه “من غير الضروري أن تعني أوقات القمّة النجاح دائِماً”، وأضاف:”كانت هناك دائما أوقات قمّة عندما يتعلق الأمر بمفاوضات مُثيرة للإهتمام”.

وكمثالٍ على قوله، يشير ماورَر إلى مجلس حقوق الإنسان، ولجنة السلام، والمفاوضات حول صندوق الأمم المتحدة للطوارئ، والقرارالصادر بشأن “العنف المسلح والتنمية”، أو رئاسة لجنة الموازنة التي تُعقد في سياق الجمعية العامة الحالية.

ويقول مُعلقاً :”بالنسبة لي تعني نقطة القمّة بالدرجة الأولى معرفة مَكْمن المشكلة ومن ثَّم القدرة على وضع الحلول”. ويضيف مُبتسماً: “من الواضح بالنسبة لي بأنه ليس من السهل أعتبار المفاوضات المطولة حول ميزانية الأمم المتحدة كنقطة قمّة في الإتصالات”.

كما وأنّ اللحظات التي تنفتح فيها العوالم على ضوء ما يبدو كأسئلة هامشية، هي التي تمثل نقاط قِمّة بالنسبة لماورَر، وعندما نبدأ بفهم السبب الذي يجعل جماعات من شعب الصومال والكونغو وبوروندي تكافح حتى الساعة الثانية صباحا في مهمّة للحصول على 3 أو 4 طائرات مروحية – بسبب حاجتهم الماسة لهذه الطائرات.

البحث عن الحوار بلا كلل

وبعودة ماورَر الى العاصمة السويسرية فإنّه يترك وراءه العديد من الزملاء والزميلات، ولا ينتمي جميع هؤلاء الى مجموعة سفراء الدول التي لها مصالح مشابهة للعاصمة برن، ولكن بعضهم ينتمي بالخصوص الى دول لديها خلافات كبيرة مع سويسرا.

ومن ضمن أمنيات السفير ماورَر”جمع المصالح المختلفة بطريقة ذكية بحيث يحمل الجميع في النهاية شعوراً بوصولهم إلى نتائج قابلة للتحقيق”. وحسب قوله، فإن هذا ما جعله يسعى مراراً و تكراراً ” للتحدث عن عمد مع أشخاص يوصفون بالصعوبة كما هو الحال مع زميلي الإيراني، أو سفير باكستان في الأمم المتحدة الذي ناقشت معه عبر سنوات عديدة جميع القضايا المثيرة للجدل”.

وحسب التقارير التي تناقلتها الدوائِر الرسمية في الأمم المتحدة، فقد بقيت العلاقة حسنة بين السفير ماورَر وبين علي التريكي رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة على الرغم من التَوتر المتزايد الذي ساد العلاقات السويسرية – الليبية.

التفاؤل من جهة.. وارتفاع حدود الإحباط من جهة أخرى

وفي وصفه لعمله في الأمم المتحدة يقول ماورَر: “من المهم على من يريد التقدم في عمله في الأمم المتحدة أن يكون مُتفائلا”، ويضيف: “من يجلس في هذا المنصب من دون حافز أو أمل، لا يمكنه أن يفعل أي شيء”.

وحسب ماورَر فإن خلق التفاهم الدولي صعب. ومن أجل هيكلة العلاقات الدولية، هناك حاجة إلى افق زمني متوسط و طويل الأجل. كما تبرز الحاجة الى مستوى عال من “تقبل- الإحباط”، بالإضافة الى التحفيز الذاتي بشكل مستمر.

ولِدراسة ماورَر للتاريخ أثر إيجابي على أداءه الوظيفي. إذ أنه عندما تتم معالجة النشاط الوظيفي عن طريق البعد التاريخي، ستنفتح أبعاد وآفاق أخرى للتفاؤل والتشاؤم، وللسخرية والإحباط. وهنا يقول ماورر مُعلقاً :”لا يمكن التعامل مع العمليات و القضايا التاريخية عن طريق العنف. هناك أشياء ناضجة وهناك ماهو غير ناضج بعد.” وإذا ما تم استخدام المهنة الدبلوماسية بشكل جيد، يمكن أن يُسهم ذلك في نضوج المسائل.

ومن ضمن المواضيع التي تتصف “بالبطء الشديد” هي عملية إصلاح مجلس الأمن في منظمة الأمم المتحدة، حيث لا يتناسب تكوينه مع الحقائق الجغرافية – السياسية في الوقت الحالي، كما يعاني المجلس من عجزٍ في الديمقراطية. وبالتالي تعمل سويسرا لإصلاح أساليب عمل مجلس، الأمن من أجل تحقيق خطوات صغيرة نحو الشفافية على الأقل.

الأمم المتحدة ، وسويسرا

ومن مصلحة سويسرا أن تتمتع الأمم المتحدة بالقوة، ويفسر السفير ماورَر ذلك بالقول: “من حيث الإتجاه العام سنفقد من أهميتنا الدولية بسبب حصول الآخرين عليها”، وكلما زاد ما تفقده سويسرا من وزنٍ كلاعب وحيد، كلما زادت حاجتها الى إطار مؤسسي يمكنها تمثيل مصالحها من خلاله.

وعلى مدى السنوات التي قضاها ماورَر كسفير لسويسرا في الأمم المتحدة، تَمَّ تذكيره ببلده أكثر من العديد من زملائه، ذلك أن تصميم الدستور السويسري تم وفقاً لتوافق الآراء، وهو الحال مع منظمة الامم المتحدة “التي تقوم على توافق الآراء، والذي تلعب فيه موافقة الفرد دورا في غاية الأهمية في العملية السياسية”. وهذا ما دفع بماورَر للقول بجدّ ممتزح بالمزح: “ليست العولمة وحدها ما ينعكس هنا بل التطبيع السويسري للعالم”.

وفي غضون الاسابيع القليلة القادمة سيستمر ماورَر في تنقله بين نيويورك وسويسرا. وسيكون ظهوره الأخير كممثل لسويسرا في الامم المتحدة في شهر مايو القادم حين يتم انتخاب جوزيف دايس، العضو السابق في الحكومة الفدرالية رئيسا للدورة الخامسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

ريتا أيمش – swissinfo.ch – نيويورك

ولد بيتر ماورَر في عام 1956 في بلدية تون في كانتون برن، وهو متزوج ولديه ابنتان.

درس ماورَر التاريخ والعلوم السياسية والقانون الدولي العام في العاصمة برن وفي مدينة بيروجيا (وهي مدينة في وسط إيطاليا وعاصمة إقليم أومبريا ومقاطعة بيروجيا).

عمل ماورَر منذ عام 1987 في وزارة الخارجية السويسرية، حيث شغل وظائف مختلفة. ومنذ عام 1996 إلى عام 2000 شغل ماورَر منصب المساعد الأول لرئيس بعثة المراقبة الدائمة لسويسرا لدى الأمم المتحدة في نيويورك.

وفي عام 2000 تولى ماورر منصب سفير و كان حتى عام 2004 رئيسا للشعبة السياسية الرابعة في الدائرة السياسية في وزارة الخارجية في برن.
و منذ شهر سبتمبر من عام 2004 وإلى ربيع عام 2010 كان ماورَر سفيراً ورئيساً للبعثة الدائمة لسويسرا لدى الأمم المتحدة في نيويورك.

منذ شهر مارس 2010، يتقلد ماورَر منصب وكيل (كاتب دولة) في وزارة الخارجية السويسرية.

منذ بداية هذا العام ينتقل بيتر ماورَر بين برن ونيويورك ذهاباً وإيابا، للتنفيذ المَهام التي تنتظره في منصبه الجديد كوكيل في وزارة الخارجية السويسرية بعد أن كان سفيرا لبلاده في الأمم المتحدة . وسيتولى بول سيغر، رئيس إدارة القانون الدولي في وزارة الخارجية السويسرية منصب السفير الجديد في نيويورك.

وحسب ماورَر ستكون اولى المهام التي تنتظر خليفته هي التعامل مع قضايا مكافحة الفقر (الأهداف الإنمائية للألفية)، والبيئة، والمناخ، والتنمية المُستدامة، وتدابير بناء السلام. كما سيتوجب عليه التعامل مع المواضيع الرئيسية للأمم المتحدة و قضايا الحُكم.

ويقول السفير ماورَر: “من المفيد الإطلاع على ميثاق الأمم المتحدة بين الحين و الآخر، حين يتعلق الأمر بالتعايش السلمي بين الشعوب والتنمية وحقوق الإنسان – وقد بقيت هذه المهام على حالها منذ إعلانها في عام 1945”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية