مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

برن تضع حدا للحوارات الثنائية مع بعض البلدان حول حقوق الإنسان

صورة لناشط صيني اعتُـقل أثناء جمعه لتوقيعات على عريضة، التُـقطت له يوم 5 مايو 2011 في بيكين بعد احتجازه في سيارة تابعة للشرطة. Reuters

فيما يُـمكن أن يُـعتبر مُـنعرجا مُـثيرا، أعلنت سويسرا في الأيام القليلة الماضية اعتزامها وضع حدٍّ لسياستها المُـتمثِّـلة في إجراء حوارات ثنائية مع عدد من البلدان حول حقوق الإنسان.

هذا الأسلوب، الذي اعتُـبِـر على مدى سنوات رُكنا أساسيا في السياسة السويسرية لحقوق الإنسان تحت إشراف وزيرة الخارجية ميشلين كالمي – ري، شهِـد سعي سويسرا لإدماج بلدان، مثل إيران والصين والفيتنام، في حوارات مُـهيكلة، لكنها معزولة، حول قضايا تتعلّـق بحقوق الإنسان في هذه البلدان.

وفي بيان صادر عنها، قالت وزارة الخارجية إن الحوارات الثنائية كانت “تستهدِف بشدّة الوصول إلى تغيير في المقاييس المُـعتمدة في كل بلد على حدة”. في المقابل، أخفقت محدودية  المعايير المُـستخدمة فيها، في مراعاة علاقات خاصة وتطوّرات غير مُـرضية في البلدان الشريكة.

في الوقت نفسه، أشارت الوزارة إلى أن “الأنموذج المتّـبع، كان يواجه خطر التهميش، بوصفه أداة معزولة لتعزيز حقوق الإنسان”. وأضاف البيان أن وضع حدٍّ لاستخدام الحوارات الثنائية، يهدِف إلى تعزيز سياسة سويسرا في مجال حقوق الإنسان وتوسيع قضايا حقوق الإنسان، لتشمل “كافة المجالات” في السياسة الخارجية السويسرية.

إضافة إلى ذلك، تعرض هذا القرار القاضي بإلغاء آلية الحوار الثنائي، للإدانة من طرف برلمانيين منتقِدين، باعتباره اعترافا بأن السياسة المُـنتهَـجة، لم تتمكّـن من تحقيق سوى  نجاحات ملموسة قليلة في الترويج لحقوق الإنسان. على العكس من ذلك، رحّـب معلِّـقون آخرون بالقرار، باعتبار أنه سيُوفِّر الدعم لجهود سويسرا فيما يتعلّـق بحقوق الإنسان وسيمنح الدبلوماسيين إمكانية طرح القضية في جميع السياسات الخارجية والاقتصادية، لدى التعامل مع البلدان الأخرى.

نجاح محدود

دوريس فيالا، العضوة في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، قالت إن التحليل الذي قدّمته الوزارة بخصوص سياسة الحوار المباشر، “مثير للإحباط” واعتبرت أن القرار يعكِـس الواقِـع المتمثّـل في أن السياسة المُـنتهَـجة، لم تُـحدِث أي تأثير على بلدان مثل الصين وإيران.

وفي تصريحات إلى وكالة الأنباء السويسرية، قالت فيالا، التي تنتمي إلى الحزب الليبيرالي الراديكالي (يمين): “لقد حدث في بعض الأحيان أن تحوّلنا إلى مثار للسُّـخرية في سياق هذا الحوار، وهذا أمر لم يعُـد مقبولا”.

في السياق نفسه، صرّح كريستوف مورغلي (من حزب الشعب السويسري – يمين شعبوي)، وهو عُـضو آخر في نفس اللجنة، أن وصْـف وزارة الخارجية لهذا التغيير على أنه تعزيز لسياستها في مجال حقوق الإنسان، يُـشبِـه استِـخدام “كلمات منمقة للتغطية على فشل كامل”.

على العكس من ذلك، صرّح أدريان – كلود زولّـر، مدير منظمة جنيف لحقوق الإنسان غير الحكومية لـ swissinfo.ch، أن التغيير يندرِج في سياق تمتين جهود سويسرا السابقة، التي اشتملت على برنامج يهتم بـ “وضعيات محدَّدة جدا”. وقال زولّـر: “إنني لا أرى أنه فشل، بل العكس هو الصحيح. فجميع البلدان، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، لديها مشاكل مع الصين على سبيل المثال. فالجميع يُحاور الصين، التي لا تريد أن تتحدَّث” في مواضيع من هذا القبيل.

مزيد من الاهتمام

في الوقت نفسه، يعتبر زولّـر أن إدماج الترويج لحقوق الإنسان في جميع مجالات السياسة الخارجية، يُمثِّـل “المرحلة الثانية” من برنامج شهِـد توسيع سويسرا لمبادراتها في مجال الحقوق الإنسانية على مدى السنوات العشر الماضية. ويوضِّـح قائلا: “لقد هيكلت سويسرا هذا البرنامج بشكل جيِّـد حول عددٍ من الأفكار المِـحورية. فالوزارة لديها دبلوماسيون مُـتخصِّـصون في التّـرويج للأمن الإنساني في بعض البلدان المحدَّدة”.

في الوقت نفسه، يُـضيف زولّـر “إذا ما كانت الأمور تتّـجه إلى إدْماج كل ما تَـمَّ القيام به (في مجال حقوق الإنسان) حتى الآن – وهو أمرٌ لا يُـستَـهان به – في سياسة شاملة للشؤون الخارجية تُـدمِـج السياسة الاقتصادية، فإن الأمْـر يُـصبح مُـثيرا للاهتِـمام الشديد”.

من جهته، اعتبر فرانسوا نوردمان، الدبلوماسي السويسري المتقاعِـد في تصريحات لـ swissinfo.ch، أن بعض القضايا مثل اختيار الشركاء والبرمجة غير المُـنتظمة للاجتماعات و”المنافسة” مع الاتحاد الأوروبي، أرغمت الحكومة على تغيير مقاربتها للسياسة المُـنتهَـجة في ملف حقوق الإنسان.

وقال نوردمان: “أعتقِـد أنهم جعلوا من حقوق الإنسان أشبَـه ما يكون بالأولوية المُـطْـلَـقة للسياسة الخارجية على مدى فترة طويلة. والآن، أرى أنهم قد توصّـلوا إلى أن حقوق الإنسان تُـمثِّـل بُـعدا من السياسة الخارجية”، واعتبَـر أن الأمر يتعلَّـق في نهاية المطاف بـ “إعادة توجيه الجهود فيما يتعلّـق بحقوق الإنسان”.

مقاربة متعدِّدة الأطراف

القرار بالتخلّـي عن الحوارات الثنائية، سيسمح لسويسرا بتعزيز المقاربة المتعدِّدة الأطراف داخل منظمات دولية، مثل مجلس حقوق الإنسان، إضافة إلى الانخراط في شراكة حول هذا الملف مع الاتحاد الأوروبي، حسب رأي نوردمان.

ويقول الدبلوماسي السابق: “يتعلّـق الأمر بتعزيز الجُـهد والعمل مع الاتحاد الأوروبي، الذي يمْـتلِـك الكُـتلة الضرورية (من الناحية السياسية والاقتصادية والبشرية) وإقامة شراكات”. مضيفا “نحن بحاجة للتَّـركيز على تعزيز المُـقاربة المتعدِّدة الأطراف داخل مجلس حقوق الإنسان”، التابع للأمم المتحدة.

من جهته، أشار زولّـر إلى أن سويسرا، وعلى الرغم من حجمها، تُـشارك بنشاط وتتَّـخذ “قرارات شجاعة”، كانت لها تأثيرات إيجابية على المجلس. إضافة إلى ذلك، أسْـهمت الكنفدرالية داخل مجلس الأمن الدولي، في بلورة مقترحات ترمي إلى تحسين فاعلية وشفافية الهيكل الأممي، تمّ تبنّـيها من طرف عدّة دول. وبالتالي، فإن “المسألة بالنسبة لسويسرا، تتمثل في ما قامت به ككُـل”، على حدّ تعبير زولّـر.

وفي سياق الحديث عن المجالات التي تُـسهِـم من خلالها الدبلوماسية السويسرية في إيجاد تأثيرات مُـعتبرة على حقوق الإنسان، أورد مدير منظمة جنيف لحقوق الإنسان غير الحكومية، بعض الأمثلة من بينها قيادة سويسرا للتحرّكات الرامية إلى تجميد أموال وأصول الطُّـغاة المودعة في المصارف الغربية عموما، وافتتاحها مؤخرا لمكتب للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في تونس.

وبعد أن أشار زولّـر إلى أن سويسرا انخرطت بعدُ في تعاون مع تونس، تحظى فيه حقوق الإنسان باهتمام واضح، قال :”إن ما أقرأه في قرار وزارة الخارجية، أراه مُـطبَّـقا بعدُ في تونس، وأعتقِـد أنه أمر جيِّـد جدا”.

في ديسمبر 2009، أشارت وزارة الخارجية السويسرية إلى أن الحوارات المتعلقة بحقوق الإنسان، تـمثل آلية دبلوماسية “جديدة نسبيا” من أجل تطبيق سياستها في مجال حقوق الإنسان.

كانت هناك محادثات تم الإتفاق عليها رسميا مع بلدان أخرى، وشمِـلت توفير الدعم لمشاريع تتعلق بحقوق الإنسان.

شملت أهداف هذه التحركات، تحسين أوضاع حقوق الإنسان، على المدى المتوسط والبعيد، والسعي للإفراج عن مساجين سياسيين وتطوير التعاون مع الأمم المتحدة.

المواضيع التي تم التطرق إليها في هذه الحوارات، شمِـلت إلغاء عقوبة الإعدام والحماية من التعذيب ومسائل متعلقة بمكافحة الإجرام والنظام الجنائي وحماية الأقليات والحريات الدينية.

انخرطت سويسرا في هذا الصِّـنف من الحوارات مع كل من الصين والفيتنام وإيران وروسيا وكوبا.

في عام 2005، دشّـنت السفارة السويسرية في جاكارتا حوارا حول حقوق الإنسان مع إندونيسيا، يرمي إلى تعزيز حماية الفئات الأكثر هشاشة من السكان، كالنساء والأقليات الدينية والعمال المهاجرين.

(نقله إلى العربية وعالجه: كمال الضيف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية