مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“النظام فقد السيطرة على ثلاثة أرباع المدن السورية”

الدكتور برهان غليون، الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري المعارض. Null

تغيَّـر الربان، لكن وجهة السفينة ظلّـت كما هي، تُيمم حسبما يبدو نحو مرساة الأنموذج اليمني. فقد استقال برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السوري المعارض وحلّ محلّه عبد الباسط سيدا في ختام الاجتماعات، التي عقدتها المعارضة في اسطنبول مؤخرا.

ذهب أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس والمعارض القديم، وجاء أستاذ الفلسفة، الذي كان لاجئا في السويد طيلة عقود، إلا أن استراتيجية الثورة لم تتأثر بتغْـيير الأشخاص، إذ ظلّت تُركِّـز على التغيير، وِفقا للطريقة اليمنية، وهي تسعى جاهدة لإقناع موسكو وبيكين، بالمساعدة على وضع هذا الحلّ على السكة.

في هذا الإطار قال سيدا في المؤتمر الصحفي، الذي عقده يوم الأحد 10 يونيو 2012 غَـداة انتخابه رئيسا للمجلس الوطني: “ندعو المسؤولين في مختلف الإدارات، المدنية والعسكرية، الى الانشقاق عن النظام والانضِـمام الى صفوف الشعب، لأن المواجهة باتت في مرحلة الحسْم ولا د من تحديد المواقف”.

وكان لافتا أن سيدا، المنحدِر من أصول كردية، أضاف أيضا “نُـطمئِـن الجميع من أبناء شعبنا، طوائف ومذاهب وقوميات، وخاصة الإخوة في الطائفة العلوية (التي تنتمي لها أسْـرة الأسد) والإخوة المسيحيين، بأن سوريا المستقبل ستكون بكل أبنائها، ولكل أبنائها رجالا ونساء”. واعتبر أن “نظام الرئيس بشار الاسد، بات في المراحل الأخيرة”، مشيرا إلى أنه فقد السيطرة على دمشق وعدد من المدن.

أما غليون، فرأى أن “النظام فقد السيطرة على ثلاثة أرباع المُـدن السورية” وعَـزا قسْـوة المواجهة بين الشعب المنتفِـض وقوات النظام، إلى أن الحرب الباردة انتهت منذ ثلاثة عقود، “لكنها استمرّت في منطقتِـنا، بحُـكم أنها منطقة براكين ونِـزاعات، وبالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لسوريا”.

وانتقد غليون في لقاء خاص وصريح مع مثقفين عرب، تَـمّ في الدوحة، العاصمة القطرية، عشِـية اجتماع المجلس الوطني في إسطنبول، أداء المجلس قائلا: “هناك أكثر من مائتي شخص يتكلّمون باسم الثورة السورية في وسائل الإعلام”، معتبِـرا أن الخِـلاف داخل المعارضة، هو بين أشخاص ويُعبِّـر عن ضُـعف الثقافة السياسية في بلداننا، و”قد يُصبِـح هذا الضعف أحيانا، عملية تخريبية بسبب الأنانية”.

أنظمة الأجهزة الأمنية… قاهرة

وأكَّـد أن “هدف هذه الثورة، هو أن يكون للفرد احترامه. فمنذ قرون وعهود طويلة، خاصة منذ العصر العثماني، عاش شعبنا تحت سُـلطة أنظمة تسحق الفرد. ثم قامت نظُـم على مدى خمسين عاما على القهْـر المُطلق وتسليط أجهزة أمن فاجِـرة وقاهِـرة للفرد، فأتى الردّ مثل بركان متفجِّـر لن يخمد قبل أن يحقِّـق أهدافه.

الربيع العربي، هو القاطرة التي تحمِل الفرد نحو الحداثة السياسية، فما معنى الحقّ في الكرامة وأن يكون الإنسان سيِّـد نفسه، هذا هو مفهوم الحداثة السياسية. إنها وِلادة جديدة، لكن لا يجب أن نخلِـط بين الوليد وماء الوِلادة. وأكثر المؤشِّـرات على هذه النقلة في العالم العربي، هو أن الشباب الذي كان مهمَّـشا، هو الذي يقود هذا المسار وهو مجهود مُـضاعف، لأن تلك الفئات الشبابية عاشت في مجتمعات لم تُـقدِّم لها تكوينا حقيقيا، وهي تخوض اليوم الصِّراع بالسِّلاح ضدّ النُّـظم الفاجِرة والفاسدة، كما هو الحال في سوريا”.

لماذا نجحت الثورة بسهولة في تونس ومصر وحتى اليمن، بينما اتَّـسمت في سوريا بالدَّم، الذي سال ويسيل بغزارة، وبسقوط آلاف الشهداء والجرحى الذين قُـتلوا غيلة، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المُهجّرين؟

أولا لطبيعة النظام السوري، يقول غليون. فالأنظمة في تونس ومصر واليمن، أنظمة تسلطية تحرِم المواطن من حقوقه، لكن تبقى هناك مساحة للنقد والمساومات. أما في ليبيا وسوريا، فكان الشعب يرزح تحت نِـير نظام إرهابي، وليس دكتاتوريا فقط، يقوم على تجريد المواطن من جميع الحقوق، وهذا لا ينسحب على الأفراد فقط، وإنما على المجتمع الذي يفتقِـد أية حماية سياسية أو أخلاقية أو قانونية، فيمكن أن تُقتَـل وأنت تسير في الشارع من دون أن يستطيع أحد السؤال لماذا؟ أو الاحتجاج على القتل.

نجح النظام في أن يضَـع أجهزة أمنية انكِـشارية في مواجهة المجتمع، فهي أجهزة مفصولة عنه، وليست من صُـلبه، كما ربَّـى لديها ثقافة أو عقيدة قائمة على أن المجتمع الذي تواجِـهه عدو لها. إنها أجهزة لا علاقة لها بالعصر ولا بالحداثة، وهؤلاء لا يعتقدون أنهم يقتلون أبناء بلدهم، بل أغرابا وحاقدين، وهم مستعدّون للانتقام بمنطِـق “اقتُله قبل أن يقتلك”، ولذلك نرَاهم يقتلون بحماس وعن إيمان بالقتل.

فالعصبية هنا، أقوى من أية فِـكرة وطنية أو سياسية أو حتى دينية. إن هذه سِمة مُميّزة للوضع السوري قياسا على البلدان الأخرى. فنحن بلد عاش في ظل الطوارئ قُـرابة خمسين سنة، إذ أن اجتماع ثلاثة أفراد، محظور، وإلقاء محاضرة، ممنوع، وإنشاء جمعية لحماية الحيوان، مُحجر… قتَـلوا المجتمع، فبات التواصل بين الناس خطرا، فهم لا يشعرون بأنهم جسد واحد أو أبناء شعب واحد، وإذا اعتُقل شخص لا يتجرّأ أخاه على السؤال “لماذا؟”، فهو مسؤول عن نفسه فقط.

“أنا المسؤول”؟

لهذا، عندما فُتح بركان التمرّد، كان الاستعداد كبيرا لكافة أشكال التضحية من أجل إنهاء ذلك الوضع، فجاءت شعارات “الموت ولا المذلّة”، و”الشعب السوري ما بيَنْذَلّ” مُكرسة قيمة الكرامة، وهي فكرة مهمّة جدا لدى شعب، أريدَ كسْر همَّته وجعله يحتقِر نفسه ليقول: “ليس النظام هو المسؤول، بل أنا المسؤول عن الوضع الذي أنا فيه”. وعلى هذا الأساس، كان القرار أننا لن نسكت قبل التخلّص من الطاغوت ومن الإذلال اليومي والحِرمان من جميع الحقوق. لهذه الأسباب، كان العنف هو السِّمة الغالبة على الصراع، مقارنة ببلدان أخرى.

كانت الدموية من الطرفيْن: من جانب النظام أولا، ومن الشعب الذي شعر أن الطُّغمة التي تحكمه، هي عدوة له وأنه مستعِد للتضحية إلى النهاية. مضى اليوم على الثورة، خمسة عشر شهرا، ويسقط في كل يوم حوالي مائة شهيد، لكن في اليوم التالي، يخرج الناس مجدّدا ويدفعون بشهداء جُددا لقناعتهم بأن الثورة ستستمِر، حتى إسقاط آخر رُكن من أركان النظام. وهذه الطبيعة الخاصة للصِّراع، هي التي جعلت أيضا الإنتصار يتأخر، مقارنة ببلدان أخرى، حيث لم يُرد الجيش التورّط في قتل شعب يشعُر أنه جزء منه.

السمة الثانية، هي ذات طابع جيو- سياسي، بحكم أن سوريا، على عكس بلدان أخرى، تقع في مركز أوضاع إقليمية وتوازُنات دولية، تجعل من التغيير فيها تغييرا لذلك المركز. فالحرب الباردة انتهت منذ ثلاثة عقود، لكنها استمرّت في منطِقتنا بحُكم كونها منطقة براكين ونِزاعات وعدم استقرار، نظرا لوجود إسرائيل وللأهمية الاستراتيجية لسوريا.

من هنا، أصبح حسم المعركة طويلا. فليس من السّهل تصوّر تفاهُـم سريع بين ما أصبح يُعرف بالمِحور الإيراني، الذي يضم سوريا والعراق وإيران وحزب الله، والذي يجعل من إيران قوة إقليمية، وبين الدول الغربية. المعركة تزداد شراسة وتصبح مسلّحة أكثر فأكثر، لأن الرّوس والصينيين يعتقدون أن الشرق الأوسط، هو المكان الأخير لنُفوذهم، وإذا أخْـرِجوا من سوريا، فسيخسِرون ذلك النفوذ وينهار المِحور الإيراني – السوري – اللبناني، الذي يمنحهم حضورا في المنطقة. وهُـم يريدون من خلال الإحتفاظ بالورقة السورية، الحصول على الاعتراف بدورهم كقوّة كبرى، لا يمكن اتخاذ القرارات على الصعيد الدولي، من دون استشارتها، ولذلك، لم نستطع الحصول على قرار في مجلس الأمن، يقتصر على إدانة العُنف ضدّ الشعب، إلا بشقّ الأنفُـس.

بداية تحوُّل

اليوم، – يضيف غليون – وصلنا إلى نقطة بدأ معها ميزان القِوى على الأرض يتحوّل لصالح الثورة. فإلى حدود الأسابيع الأخيرة، كان النظام في موقِع الهجوم العسكري والأمني. لقد تحوّل إلى الدّفاع، بفضل تعزيز قوى الثورة المسلحة وعزمِها على مواجهة كتائب الأسد، وكان ذلك واضحا، حتى على قسمات وَجه بشار الأسد في خطابه الأخير.

فبعدما راهن على أن تبقى حَـلَب معه، صارت ضدّه ودمشق أيضا، مما يبشِّر بتصعيدٍ نحو عِصْيان مدني، نُشجِّع عليه.

الواضح الآن أن “النظام فقَدَ السيطرة على ثلاثة أرباع الأراضي والمُدن السورية، وإذا نجحنا في التنسيق بين مُختلف القِـوى السِّلمية والمجتمع المدني وقِوى الثورة لدعمنا في قادم الأيام، وانتزعنا من مجلس الأمن قرارا بفشل مهمّة كوفي أنان وعدم جَدواها، سيُصبح ممكنا استصدار قرارٍ يُلزم السفّاح بسحب السلاح الثقيل وإطلاق السجناء، وسنسير بخطىً أسرع”.

swissinfo.ch: ما هي أسباب الخلافات التي تشقّ المعارضة السورية؟

برهان غليون: هناك تساؤُلات عن المعارضة، لكن مع ذلك، وضعُنا على الأرض أفضل من النظام. فهو في موقع الدفاع، ونحن في موقع الهجوم، وعلينا أن نكسِر العمود الفِقري الذي يقوم عليه، أي الإعلام، ونحن سائرون مع الجامعة العربية في هذا الاتجاه.

وفعلا، نقطة الضّعف تكمُن في المعارضة السياسية المتَّسمة بكَثرة الصِّراعات وضُعف الأداء، بما فيها المجلس الوطني، القوة الرئيسية. لكن لا يجب التركيز كثيرا على المعارضة السياسية، لأن نجاح الثورة، يعتمد بالدرجة الأولى على الحِراك الداخلي.

أنا أمَـيِّـز بين الثورة والمعارضة. فالأخيرة برزت مع الثورة، إلا أنها غيْر حاسمة، بل الشعب هو الحاسم، وخاصة الشباب الذين يخرجون كل يوم ليتظاهروا أو يحمِلوا السلاح ضد النظام. هؤلاء مثل البُركان المتفجِّر، بعدما طفح الكيْـل، وهو بركان مستمر إلى أن يُحقِّق أهدافه، وليست هناك أية قوة تستطيع وقْـفه، لا قوة دولية ولا النظام ولا حتى المعارضة. هو منفصل كليا ويتقدّم كل يوم، وكل ما نستطيع فِعله نحن، هو أن ندعم الثورة ونُثمرها بانتصارات سياسية. لا ينبغي حصْر الأمور في المعارضة، لأن الثورة ديناميكية من الداخل.

صحيح أن وجود معارضة موحّدة ومنظمة وتتكلّم بلِسان واحد، أمرٌ مهم، لكن ضُعف المعارضة يُعزى إلى عدّة عوامل: أولها، أنه ليست هناك ثقافة سياسية، فقد أبِيدت مفاهيم السياسة طيلة نصف قرن، بالإضافة إلى غياب تنظيمات وهياكل تُـسيِّر المجتمع. فالنظام قضى عليها كلها بشعار “الأسد إلى الأبَد”، وبضرب أية صلة بين الناس وأي عمل جماعي، ما جعل المجتمع يتحوّل إلى رماد أو إلى كرات منفصلة، ما يستوجب أن نتطهَّر مع الجماهير من الفردية. أما المعارضة التقليدية، فلا زالت تعيش في إطار الفردية وتضخُّم الذات، فكلما ظهر تجمّع إلا وظهر وراءه تجمّع آخر منافس له، بينما السياسة، هي إيجاد التسويات اللازمة للعمل والوصول إلى الهدف.

وعنصر الضعف الثاني، هو ضعف الخِبرة، وبسبب انعدام الخِبرة وضُعف الثقافة السياسية، تداخلت أطراف كثيرة. فكل واحد يذهب إلى دولة للحصول على دعْم لموقفه، مما خلق شروطا تُعِيق التفاهُم، إذ أن كل طرف يُراهن على ما يتلقّاه من دعم، وهكذا دخلنا في ديناميكية مُجهِـضة للعمل الجماعي. وإذا قرأتم أدبيات المعارضة اليوم، لن تلمحوا أية خلافات أيديولوجية، فلا اشتراكية ولا قومية ولا إسلامية، لأن المطلب واحد، وهو إسقاط النظام وإقامة سوريا ديمقراطية مدنية، وتسمِية حكومة انتقالية تُعد لانتخابات نزيهة، إذن، فعلى ماذا نحن مختلفون؟ على لا شيء.

فالخلاف بين أشخاص، وهو يُعبِّر عن ضعف الثقافة السياسية في بلداننا، وقد يُصبح هذا الضعف أحيانا عملية تخريبية بسبب الأنانية. ولن نتجاور هذه الحالة، إلا بثقافة جديدة نُـدرك معها أن المنصب لا قيمة له إلا بمقدار خِدمة القضية الوطنية. وأنتم ترون كيف أن رئيس جمهورية يؤكّد في كل خطاب، أنه ليس مسؤولا عمّا يحدث وعمّا تفعله العصابات المسلحة، فمَن المسؤول إذن؟ هذه قضية ثقافة، وهي لا تنشأ مع الولادة، وإنما نتعلمها في المدارس. أما عندنا فيُعلِّمون الأطفال عِبادة الرئيس، بدل الولاء للوطن.

هل تتوقع أن تنتكس الثورة بسبب حجم التضحيات التي تفوق كل تصور؟

برهان غليون: اليوم، هو الخمسون بعد الأربع مئة من عمر الثورة، وليس هناك أمل بنسبة واحد من الألف أن يربح نظام الأسد المعركة ويستمِر في الحكم. فجميع السوريين صاروا مُدركين لهذه الحقيقة، وآخرهم رجال الأعمال الذين، أضرَبوا وانضمّوا إلى الحراك الشعبي، وبهذه المناسبة، أتوجه إلى الموظفين وأعضاء القوات المسلحة بنداء للتخلّي عن النظام والالتحاق بشعبهم.

لماذا استقلت من رئاسة المجلس الوطني؟

برهان غليون: المجلس الوطني له ميثاق سمَّيناه “العهد الوطني لسوريا المستقبل”، إلى جانب وثيقة أخرى، لذلك، هو لا تنقصه الوثائق، بل المشكلة تكمُن في الاعتراف الدولي، ونحن لا نطلب الاعتراف بنا كحكومة بديلة، وإنما طموحنا أن تكون لنا مِصداقية أكبر، كي يعترف بنا العالم. واليوم، تعترف ثلاثة وثمانون دولة بالمجلس الوطني وتعامِله كدولة، وِفقا للأعراف الدبلوماسية الدولية.

عندما تكون المجلس، كان هناك مجلس وطني في ليبيا، وكنّا نظن أننا سنحسِم الصِّراع مثل ليبيا، إلا أننا دخلنا في الحرب الإقليمية، وليست هناك قدرة حاليا على استصدار قرار دولي، ليس للتدخل، ولكن لوضع الأمور في نِصابها. فعندما يقول قرار بضرورة وقف العنف من كل الأطراف، فهذه إدانة للإدانة نفسها.

حصلت أزمة مع الأطراف الدولية، فقلتُ “سأستقيل وسنلغي المجلس الوطني .. خلاص”. فقالوا “لا، المجلس خطّ أحمر”. وأوضحوا أنه أعطى الثورة واجهة دولية، فأصبح لدى الدول عنوانا لما تريد أن تتحدث مع السوريين. كان يجب أن نراكِم تجارب، لكن كان لدينا ضُعف في الإعلام، وهذه أخطاء نابعة من البنية التأسيسية. فكل واحد يظن نفسه رئيسا، ولذلك انسحبتُ، وقلت: يجب أن تكون هناك انتخابات، وإن جزئية، فعندها، نستطيع نزع الثقة ممَّـن يُخطِئ، أما اليوم، فلا تستطيع سحْب الثقة من أيٍّ كان، لأنه مُعيَّن بالتوافق، ولهذا السبب، وصلنا إلى طريق مسدود. فمَن لا يعمَ، لا تستطيع أن تفعل له شيئا. وبناء على ذلك، طالبت بالتالي:

أولا، إعادة هيكلته لإدماج قِوى جديدة، مثل المحامين والأطباء ورجال الأعمال والمثقفين، أي القِوى الحقيقية للشعب. ثانيا، تغيير النظام بجعل فترة الرئاسة ستة أشهر فقط، وبعدما يغادر الرئيس هذا الموقع لا يخرج من المجلس.

كيف تتم إعادة الهيكلة؟

برهان غليون: اليوم، هناك أكثر من مائتي شخص يتكلّمون باسم الثورة السورية في وسائل الإعلام، بعضهم من المجلس والبعض من خارجه، وآخرون… وهذا يُسبِّب بَلْبَلَة، وأحيانا يأتي شخص له خِلافات شخصية، فيُبرزه الإعلام… ليس من هبّ ودبّ، يمثل الثورة السورية. تكفينا شبيحة النظام. ففي المعارضة أيضا، هناك شبيحة. أنا أنتقد المجلس، لكن لست مع تدميره. ينبغي أن نُصلحه، وأن يستهدِف نقدُنا الإصلاح، وليس التشكيك. لا يمكن أن نوجد بديلا عن المجلس بسهولة. لابد أن نضُـمّ إليه قِوى جديدة من المجتمع المدني والحِراك، لكن على أساس ديمقراطي، وليس بالتوافق.

لماذا تأخر الحراك في حلب ودمشق؟

هاتان مدينتان تستقطِبان الاستثمارات، وهذا النشاط الاقتصادي يسمح للناس بإنفاقٍ أكبر وبمستوى معيشة أفضل. لكن مع وصول الجميع إلى قناعة مفادُها أن سوريا قطعت مع الماضي، شعُر سكان المدينتين أن النظام صار من ذلك الماضي وأن بلدهم لن يعود القهقري وأن أجيالا جديدة وُلِـدت، وبالتالي، انتهت سوريا التي كانوا يسمّونها “سوريا الأسد”. 

أما الخائفون من الحرب الأهلية، فنقول لهم “إن الحرب الجارية حاليا، هي بين نظامٍ مسلّح وشعبٍ أعزَل، وهي أسوأ من الحرب الأهلية. لكن لا خوف من العسكرة. صحيح أن هناك تشتّتا في العمل العسكري بسبب غياب قيادة سياسية لهذا العمل، وهناك قِوى تلعب في الميدان، وتحديدا في التمويل.

وماذا عن تمويل المجلس؟

برهان غليون: تمويله ما زال محدودا وضعيفا، وهو لا يكفي حتى لإدارة عمليات الإغاثة. فلابد من المال بما يكفي لنصرف رواتب للضباط والجنود، حتى يعملوا تحت مرجِعية سياسية ويكون هناك انضباط لكي لا يتكرّر ما حدَث في بلدان أخرى.

متى تتوقع أن تحقق الثورة النصر؟

لا أستبعد أن يكون ذلك في غضون شهرين أو ثلاثة، وربما قبل ذلك. فالنظام ضعيف وفاقد للموارد، ومَن شاهَـد خطاب الأسد، أدْرك أنه يعيش مأساة حقيقية. والمناخ الدولي يُـشير أكثر فأكثر إلى أنه مِن الأفضل عدم استمرار الوضع الرّاهن في سوريا. هذا لا يعني أن القرار اتُّخِـذ، لكن الميل هو إلى تسريع الحسْم، لأن البديل أسوأ للأمريكيين.

أما بالنسبة للروس، فلن يسمحوا بأن يتكرّر في سوريا ما حصل في ليبيا. وعندما قابلنا الروس في موسكو، كانوا يُردِّدون هذا الكلام كل خَمْس دقائق خلال اللقاء، قائلين “نخشى على الشعب السوري وعلى المؤسسات التي لا نريدها أن تزول”، وهم يقصدون النظام، الذي لا يختلِف كثيرا عن نظام الاتحاد السوفييتي السابق. هم لا يريدون سقوط النموذج، والتضحية بسوريا تعني بالنسبة لهم، التضحية بإيران أيضا أو على الأقل تضييق الخناق عليها.

وماذا قلتم لهم؟

برهان غليون: قدّمنا تطمينات وقُلنا لهم “لو تخلّيتم عنّا لن نتخلّى عنكم، لأننا لا نريد أن ننْـضَم إلى أي مُعسكر، وأنتم لديكم مكانكم في سوريا الغد وأنتم أصدقاؤنا قبل نظام الأسد وقبل البعث، وكثيرٌ منا يعتقد أن الصداقة مع روسيا ضرورية، حتى ممن لم يكونوا شيوعيين ولا يساريين.

كما قلت للأمريكيين والأوروبيين “لا يجب أن تكتَفوا فقط بالضّغط على الروس، بل يجب أن تقدِّموا لهم شيئا”. وأعتقد أنه لا يجب أن يكون لدى العرب مشروع لمُعاقبة روسيا، لأننا إذا فعلنا، سنجعل منها عدوا لسوريا وللعرب، وعليها أن تُدْرك ذلك.

هل السيناريو اليمني وارد في سوريا؟

برهان غليون: هذا السيناريو ليس واردا كثيرا، لأن سوريا تختلف عن اليمن. مع ذلك، نقول لو تنحّى الأسد وحاشيته، سنتعاطى مع أي ممثل للدولة لم تتلطّخ يداه بالدِّماء السورية، ولسنا مع تفكيك الدولة. نحن مع مرحلة انتقالية ومع المؤسّسات، لكن النظام هو الذي كان مثل الجُرثومة التي تنخُر المؤسسات، ونحن مستعدّون لتمديد الفترة الانتقالية من ستة إلى اثني عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا، لإحلال نظام ديمقراطي، لا انتقام ولا تمييز فيه. المُهم، أن دورنا أن نحرص على أن لا تبقى سوريا في الفوضى والنزاعات ونوجد منذ الآن المؤسسات، وهذا هو الهدف من المفاوضات بين الأطراف لإيجاد هيئة للحكماء أو قوة معارضة موحدة.

هل هناك تفكير في تدخل عربي؟

برهان غليون: نعم، هناك اتجاه عربي نحو تشكيل قوة عربية مُشتركة، لكنه ما زال قرار مبدَئي وأوَّلي، كما هناك مشاريع عربية لدعم المعارضة، ميدانيا وعلى جميع الجبهات.

 هل أنت متشائم؟

 برهان غليون: لست متشائما بخصوص الوصول إلى معارضة قوية ومنسجِمة، رغم انتقادي للمجلس الوطني. وسيجتمع المجلس قريبا (9 و10 الجاري) تحت لواء الجامعة العربية، لوضع نقاط وإعداد سوريا لمرحلة ما بعد سقوط الأسد. كما أن الجيش الحُر أصبح أفضل من أيِّ وقت سابق، تسليحا وتدريبا، لكن هناك مشاكل لابد من حلِّها، وتتعلق أساسا بتوفير السِّلاح والميزانيات.

فالسوريون لا يقاتلون اليوم من أجل حرية شعبهم ووطنهم الذي اغتُصب منهم فحسب، وإنما أيضا لإعادة التوازن الإقليمي بين الروس والصينيين من جهة، والآخرين من جهة أخرى. فسوريا ذات موقع استثنائي، وهي مفتاح المشرق بما يعنيه من موارد نفطية ومن موقع استراتيجي، بالإضافة لوجود إسرائيل، وهو ما يفسِّر حجم التضحِيات المفروضة على الشعب السوري. والسوريون لن يتردّدوا في دفع الثمن، وهم يُـدرِكون أنه ثمنٌ غالٍ، لأن الحرية هي أيضا حرية لجيرانهم في المشرق العربي وتحرر للعرب من السيطرة الخارجية ومناخ الحرب الباردة.

اسطنبول (رويترز) – حث الرئيس الجديد للمجلس الوطني السوري المعارض عبد الباسط سيدا القوى الدولية يوم الاحد 10 يونيو 2012 على حماية المدنيين من الحملة الامنية العنيفة التي يشنها الرئيس السوري بشار الاسد كما حث الامم المتحدة على اتخاذ خطوة حاسمة يمكن تنفيذها بالقوة.

وقال سيدا الذي انتخب رئيسا للمجلس الوطني في اجتماع عقد في اسطنبول ان على دول العالم وقف “آلة القتل” بقرار حاسم وفقا للفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. وقال ان مجلس الامن التابع للامم المتحدة اذا لم يتمكن من التوصل إلى اتفاق فعلى دول العالم اتخاذ اجراءات خارج اطار تفويض الامم المتحدة.

وكان سيدا المرشح الوحيد لرئاسة المجلس خلال اجتماع لثلاثة وثلاثين عضوا في الامانة العامة للمجلس. ويعيش سيدا في المنفى في السويد منذ سنوات عديدة.

وسعى سيدا بعد انتخابه إلى طمأنة الاقليات المسيحية والعلوية التي تخشى ان تهدد الانتفاضة التي يقودها السنة وجودهم في البلاد إلى ان مستقبلهم سيكون آمنا. وقال سيدا في مؤتمر صحفي ان سوريا بعد الاسد لن تشهد تفرقة على اساس الدين او المعتقد او العرق.

وسيخلف سيدا البالغ من العمر 56 عاما،  برهان غليون وهو شخصية ليبرالية معارضة رأس المجلس منذ انشائه في اغسطس العام الماضي.

وتعرض غليون، وهو منفي آخر يعيش في باريس، لانتقادات لجعله رئاسته للمجلس تجدد بشكل مستمر في الوقت الذي يفترض فيه ان المجلس يمثل بديلا ديمقراطيا للحكم الاستبدادي للاسد.

وفي بادئ الامر، أشارت جماعة الاخوان المسلمين، وهي اكثر الاطراف تأثيرا في المجلس، الى انها تريد بقاء غليون رئيسا، لكنها اختارت بعد ذلك دعم سيدا بعد ان أبدى ناشطو المعارضة داخل سوريا اعتراضهم على غليون في أعقاب تجديد رئاسته للمجلس لثالث مرة الشهر الماضي. وهدد ايضا أديب الشيشكلي، العضو المؤسس للمجلس الوطني السوري بالاستقالة، اذا ظل غليون رئيسا.

وتعاني المعارضة من الانقسامات منذ اندلاع الاحتجاجات ضد حكم الاسد في مارس العام الماضي. ولم يحصل المجلس الوطني السوري على اعتراف دولي واضح ولا يملك الكثير من التأثير على المحتجين والنشطاء في الداخل.

وقالت مصادر المعارضة، ان انتخاب سيدا قد يساعد في اجتذاب تأييد مزيد من الاكراد للانتفاضة المستمرة منذ 15 شهرا. ويبلغ عدد الاكراد مليون نسمة في سوريا، التي يبلغ عدد سكانها 21 مليون نسمة.

وتندلع احتجاجات ضد الاسد في المناطق الكردية في سوريا، لكنها لا تقارن بشدة الاحتجاجات في بقية انحاء البلاد. وربما يرجع ذلك جزئيا إلى مساعدة الاسد لحزب العمال الكردستاني، الذي يشتبه انه المسؤول عن اغتيال عدد من الشخصيات الكردية المعارضة للاسد منذ بدء الانتفاضة.

واجرى اعضاء اكراد في المجلس الوطني مناقشات واسعة مع بقية الاعضاء بشأن مسألة حقوق الاكراد، واذا كانت سوريا بعد الاسد ستبنى على اساس اتحادي يشبه ما جرى في العراق المجاور.

وقال سيدا ان اهم اولوياته ستكون توسيع المجلس واجراء محادثات مع شخصيات المعارضة الاخرى لضمها الى المجلس الذي يتهمه البعض بهيمنة الاسلاميين عليه. وقال لرويترز، ان المهمة الاساسية الان، هي اصلاح المجلس واعادة هيكلته.

وقال باسم اسحق، عضو الامانة العامة، ان سيدا انتخب لتحقيق مطالب المجلس ومن المعارضة داخل سوريا إلى جانب القوى الدولية بجعل المجلس اكثر ديمقراطية. واضاف اسحق، ان سيدا سيعمل على عقد اجتماع للمجلس بكامل أعضائه الشهر القادم، لانتخاب امانة عامة ورئيس جديد، وهو ما يمكن ان يجعل سيدا رئيسا انتقاليا للمجلس.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 يونيو 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية