مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

صحف سويسرا … “كلنا شارلي”!

مساء الأربعاء 7 يناير 2015.، تجمع المئات من السويسريين في الساحات العامة (في الصورة: جنيف) للتعبير عن تضامنهم مع ضحايا الهجوم الإجرامي الذي استهدف مقر صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية. Keystone

لن تنجح الهجمات المتكررة على صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية في ترهيب وسائل الإعلام – كانت هذه هي الرسالة التي أجمعت عليها افتتاحيات الصحف السويسرية الصادرة اليوم الخميس 8 يناير، غداة قتل 12 شخصا خلال هجوم شنه مسلحون ملثمون في باريس.

“شهداء من أجل حرية التعبير والرأي”، كان العنوان الرئيسي في صحيفة “تاغس أنتسايغر” الناطقة بالألمانية والصادرة بزيورخ، والتي يظهر الرسم الذي نشرته على صفحتها الأولى قبريْن، الأوّل يحمل شاهدا كتب عليه شارلي إيبدورابط خارجي، والثاني حرية التعبير. في القبر الأوّل، وضع نعش، في حين رفض النعش الثاني الدخول في القبر.

وتحذّر الصحيفة من أن “المذبحة التي شهدتها باريس تهدد بإذكاء الصراع بين المتشددين المسؤولين عن هذا الهجوم، والقوى المناهضة للإسلام في الغرب”. وتضيف: “بالأمس تم ضرب القلب النابض لصفتيْن انسانيتيْن مشتركتيْن: حرية التعبير، والتعبير الساخر”.

ودعت الصحيفة كل من فرنسا وأوروبا بالرد على الهجوم بنفس الطريقة التي اتبعتها إسبانيا عام 2004 عقب الهجوم الذي استهدف قطار بمدريد وأودى بحياة 191 شخصا، من بينهم العديد من المهاجرين: “في ذلك الوقت تظاهر السكان من كل الأحياء المجاورة معا ضد عنف المتعصبين القاتل”.

وبالفعل نزل مساء الامس مئات من المواطنين من جميع المناطق في سويسرا بشكل تلقائي بعد الهجوم للتعبير عن تضامنهم مع الضحايا. لكن أكبر التجمعات سجلت في جنيف ولوزان وبرن.

أما يومية باسلر تسايتونغ (تصدر بالألمانية في بازل)، وللفت النظر، اختارت أن تكون صفحتها الأولى من عددها لهذا اليوم بيضاء تماما، بإستثناء الشعار الذي انتشر على تويتر ” #JeSuisCharlie”. 

تنوير

“هجوم على حريتنا!”، كان العنوان الرئيسي في صحيفة “بليك” الشعبية واسعة الإنتشار، وأسفل منه صورة لمواطنين سويسريين يحملون شموعا ونسخا من صحيفة شارلي إيبدو خلال وقفة احتجاجية في جنيف.

وقد استهلت الصحيفة تغطيتها بنشر الإنتقاد الذي توجهت به دوريس ليوتهارد، العضو بالحكومة السويسرية، والتي ترجع إليها بالنظر حقيبة الإعلام والإتصال. وقد جاء في تغريدة نشرتها: “التهكم والسخرية ليسا تفويضا مطلقا”، ثم عقبت لاحقا بإدانة الهجوم. وفي ردّ لاحق على ردود فعل مرتابة، قالت: “إنه أسيء فهمها”.

المزيد

المزيد

صدمة في فرنسا بعد هجوم دموي على صحيفة “شارلي ايبدو”

تم نشر هذا المحتوى على أوقع هجوم برشاش وقاذفة الصواريخ شنه ما لا يقل عن مسلحيْن ملثميْن اثنين على مقر صحيفة شارلي ايبدو الساخرة في باريس 12 قتيلا من بينهم شرطيان، في عملية غير مسبوقة ضد وسيلة إعلام في فرنسا.

طالع المزيدصدمة في فرنسا بعد هجوم دموي على صحيفة “شارلي ايبدو”

“رسالة خاطئة، السيدة ليوتهارد!”، علقت صحيفة “بليك”، والتي أضافت: “نظرا لفظاعة هذا العمل، لا يمكن أن يكون هناك أي مبرر. لقد وجد قادة آخرون الكلمات المناسبة”.

ورأت هذه الصحيفة أن “الهجوم على شارلي إيبدو هو هجوم على قيم الغرب: اللبرالية والفردانية والديمقراطية وحرية الصحافة. لقد كان التعبير الساخر دوما رديفا للخطابات السياسية، وضد الطبقات الحاكمة. وحرية الصحافة هي نتاج عصر التنوير الذي وضع أسس اللائكية، وحرية التديّن، وأدى إلى عقلنة السلوك البشري”. “لذلك، يحاول القتلة تدمير هذا الركز الأساسي، واستهداف جوهر حضارتنا الغربية”، تضيف الصحيفة.

وتتفق صحيفة “نويه تسوخر تسايتونغ”، المحافظة مع ما سبق وأشارت افتتاحيتها إلى أن “عالمنا المعاصر، والذي أصبح فيه بإمكان أي شخص قول كلمته والتعبير عن رأيه بفضل الأنترنت هو عالم مرهق متعب. الجميع لديهم راي مختلف، والبعض ينشر اخبارا زائفة، في حين يسبّ آخرون معارضيهم او يشتكون من الآراء التي لا تعجبهم”.

وتخلص الصحيفة إلى أنه في نهاية المطاف “لابد من قبول هذه التعليقات والانتقادات، مع العلم بأن المنافسة وحرية تداول الآراء شرط لازب لحصول التقدم والازدهار”.

 “لا للمتوحشين”

في الأنحاء السويسرية الناطقة بالفرنسية، تظهر على الصفحات الأولى لليوميات الصادرة فيها المزيد من الرسوم مقارنة بما هو موجود على الصحف الناطقة بالألمانية.

على الصفحة الأولى من يومية “لوتون”رابط خارجي الصادرة بلوزان، خط شابات، الرسام السويسري المشهور، قبرا في شكل صليب أبيض على خلفية سوداء، مرفقة بعبارة رثاء “مات من الضحك”. أما الصحيفة فتساءلت: “ما الذي بإمكان قلم رصاص أن يفعله ضد منصة لإطلاق الصواريخ؟ وأي فرصة يمنحها هذا العمل الدموي لحرية التعبير؟”.

أما صحيفة “لا تريبون دي جنيفرابط خارجي“، الناطقة بالفرنسية، فقد تضمنت صفحتها الاولى رسما يظهر طائرة تصطدم بقلم رصاص عملاق – في إشارة تُذكّر بهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وتحت عنوان “لا للمتوحّشين”، دعت الصحيفة إلى توحيد الجهود في “المعركة ضد الشمولية الإسلاموية”، ولكن “من دون تغذية مشاعر الخوف من الإسلام”.

كذلك تظهر صحيفة “24 ساعةرابط خارجي” الصادرة بلوزان رسما كاريكاتوريا لنسخة من شارلي إيبدو ملطخة بالدماء، ثم دماء تسيل لترسم رجلا يشبه الرسوم التي سبق أن نشرتها الأسبوعية الفرنسية حول النبيّ محمّد.

ولم يختلف الأمر بالنسبة لصحيفة “لوماتانرابط خارجي” أيضا، التي نشرت على صدر صفحتها الأولى نسخة ملطخة بالدماء من المجلة الفرنسية الساخرة، ثم أرفقتها بجملة تقول: “الحرية والإستقلالية، هذان هما ضحيتا الهجوم الدموي”.

ويذكر أنه وعلى خلاف الصحف الأمريكية والبريطانية أقدمت بعض الصحف السويسرية في عام 2006 على إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبيّ محمّد والتي أثارت جدلا حادا وردود فعل عنيفة في العديد من المناطق في العالم.

“لم نُنجز ما يكفي في مجال الوقاية”

ردا على سؤال طرحته عليه الإذاعة العامة السويسرية الناطقة بالفرنسية (RTS)، مساء الأربعاء 7 يناير 2015، أشار ديدييه بوركهالتر، وزير الخارجية السويسري إلى أن الوضع في فرنسا لا يمكن قياسه أو مقارنته بالوضع في سويسرا. وقال “إن الأوضاع مختلفة، خاصة على مستوى الإندماج، واحترام الإختلافات، واعداد المجتمعات عموما، وأيضا على مستوى العلاقة الدولية بين البلدان. ولكن مكافحة الإرهاب عموما- بدءً من استخدام القوة إلى الوقاية – يهم المجتمع الدولي بأسره. ولهذا السبب نحن نضم جهودنا في هذا المجال إلى بقية الجهود من خلال المنظمات الدولية”.

ثم ذكّر الوزير لاحقا بمبادرة “الصندوق الدولي لمحاربة التطرف العنيف” التي أطلقت في جنيف وتعرف اختصارا بـ (GCERFرابط خارجي)، و”تسعى إلى إطلاق مشروعات في المناطق التي يوجد فيها العديد من الشبان الذين يستهويهم التطرّف الديني من أجل فتح آفاق جديدة أمامهم”، وأضاف: “لقد أفرطنا في استعمال القوة لكننا لم نبذل ما يكفي للوقاية من انجذاب الكثيرين للتطرّف الديني”.

وبعد التذكير بالتزام برن بالتنسيق الدولي لمواجهة الجهاديين الأوروبيين الذين يغادرون إلى بلدان الشرق الأوسط ثم يعودون، قال بوركهالتر إن في سويسرا “كل الخدمات المطلوب منها رفع حالة التأهّب في البلاد هي في تأهّب تام منذ فترة طويلة. وهو عمل قد يتطلب على الأرجح في المستقبل موارد إضافية”.

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية