مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد الإفراج عن الرئيس المخلوع.. موريتانيا تُواجه احتمالات التصعيد

ساعد الضغط الشعبي (في الصورة مظاهرة نظمت يوم 7 أكتوبر 2008 في العاصمة نواكشوط) الذي مارسه أنصار الرئيس الموريتاني المخلوع على إنهاء احتجازه ونفيه لكن نهاية النفق لاتبدو قريبة AFP

على بُـعد أسبوع واحد من نهاية عام 2008، وضع رئيس المجلس العسكري الحاكم في موريتانيا، الجنرال محمد ولد عبد العزيز، حدّا لاعتقال الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وذلك بعد أزيد من ثلاثة أشهر على الإطاحة به في انقلاب عسكري، انقسمت حوله الساحة السياسية في البلد بشكل غير مسبوق، بين مؤيد يعتبره "حركة تصحيحية لانحراف المسار الديمقراطي"، ومعارض يعتبره "انقلابا على الشرعية الدستورية".

وجاء قرار الإفراج عن الرئيس المخلوع، كأول “خطوة جدية” على طريق الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي، كما وصفه البيان الصادر عن الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، وقد تباينت ردود الفعل، داخليا وخارجيا، حيال الموقف من الإفراج عنه.

ففي حين اعتبرت “الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية” أن حرية الرئيس المخلوع ما تزال ناقصة وأنها لن تكتمل، إلا بعودته إلى السلطة وممارسته لكافة صلاحياته الدستورية، التي انتخب من أجلها، بينما استنكر بعض مؤيِّـدي الانقلاب، الإفراج عنه ونظموا مظاهرات في عدد من المدن الموريتانية، مطالبين بإعادة اعتقاله ومحاكمته بتُـهم قالوا إن من بينها “تعطيل المؤسسات الدستورية والتسبب في أوضاع اقتصادية وأمنية مُـتدهورة”.

وخارجيا، فقد اكتفى الاتحاد الأوروبي بالترحيب بقرار الإفراج عن الرئيس المخلوع، مذكِّـرا بضرورة عودة الحياة الدستورية إلى البلاد في أقرب وقت ممكن. أما إسبانيا، التي يصفها معارضو الانقلاب في موريتانيا، بأنها صاحبة موقف مجامل للمجلس العسكري، فقد أكّـدت في بيان لها أن الإفراج عن الرئيس المخلوع، كان “ضروريا وإيجابيا”، هذا فضلا عن ترحيب الأمين العام للأمم المتحدة به، بينما لا يزال الاتحاد الإفريقي يلوح بعَـصا العقوبات في وجه الحكّـام العسكريين للبلاد.

الانقلاب.. حدث العام

وكان الانقلاب على الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أبرز حدث عرفته موريتانيا في العام المنصرم، فبعد خمسة عشر شهرا على تنصيبه كرئيس منتخب ديمقراطيا، وَجَـد ولد الشيخ عبد الله نفسه في صراع مرير مع حلفائه العسكريين والمدنيين، الذين أوصلوه إلى السلطة، وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من حُـكمه، واجه ولد الشيخ عبد الله تمرّدا برلمانيا قادته الأغلبية النيابية التي ساندته في الانتخابات الرئاسية، وقد وجد البرلمانيون المتذّمرون، دعما قويا من الجنرالات، الذين يُـعتقد على نطاق واسع في موريتانيا، أنهم هم مَـن أوصل الرئيس المخلوع إلى سدّة الحكم، من خلال استماتتهم في دعمه خلال المرحلة الانتقالية على حساب منافسه زعيم المعارضة أحمد ولد داداه، وقد كانت بداية الأزمة التي قادت إلى الانقلاب، عندما أقال الرئيس المخلوع حكومة رئيس الوزراء السابق الزين ولد زيدان وشكّـل حكومة موسّـعة شارك فيها حزبان من المعارضة، هما “اتحاد قوى التقدّم اليساري” وحزب “تواصل” الإسلامي، وضمّـت بعضا من رموز نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.

وفور تشكيل الحكومة، سارع نواب الأغلبية إلى تقديم ملتمس لحجْـب الثقة عنها أمام البرلمان، وحين أحسّ الرئيس بأن حكومته باتت على شفا السّقوط بِـيَـد الأغلبية البرلمانية، هدّد بحل البرلمان إذا لم يتراجع النواب عن مسعاهم لحجب الثقة عن حكومته، لكن ذلك لم يزد الأزمة إلا تفاقما، فسارع الرئيس إلى إقالة الحكومة وتكليف الوزير الأول بتشكيل حكومة جديدة، تخلّـى بموجبها عن حلفائه الجُـدد من الإسلاميين ولليساريين، إرضاءً للنوّاب المتذمرين وجبرا لخواطر الجنرالات الغاضبين، لكن الأزمة السياسية كانت قد بلغت نقطة اللاعودة، فعمد البرلمانيون إلى تقديم طلب لعقد دورة برلمانية طارئة، لتعيين أعضاء محكمة العدل السامية المختصة بمحاكمة الرئيس المخلوع، وتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في تُـهم فساد واستغلال نفوذ تُـلاحق زوجته، كما قادوا حملة استقالات واسعة من “حزب عادل”، الذي يقوده رئيس الوزراء يحيى ولد أحمد الواقف، تمهيدا لخسارته لوضعه كحزب يملك أغلبية برلمانية، وبالتالي، إسقاط الحكومة.

وقد ردّ الرئيس برفض الدّعوة لعقد تلك الدورة البرلمانية والقيام بتحركات سياسية، لثني بعض النواب عن الانسحاب من الحزب و”استخدم من أجل ذلك المال والسلطة والتّـعيين في الوظائف”، كما يؤكد معارضوه.

ما بعد الإفراج

وعشية الإفراج عن الرئيس المخلوع، برز على السطح سؤال كبير يطرح نفسه بإلحاح، وهو “ماذا بعد الإفراج عن الرئيس المخلوع”؟ وقد تباينت الإجابات على هذا السؤال، بتباين المواقف في الساحة السياسية.

فالمجلس الأعلى للدولة وأنصاره، يرون أن الإفراج عن الرئيس المخلوع يجب أن يكون مقدّمة لاعترافه بالواقع الجديد، وهو أنه أصبح رئيسا سابقا كسائر الرؤساء السابقين لهذا البلد، وعليه أن يشارك في الأيام التشاورية، التي ستنطلق في السابع والعشرين من شهر ديسمبر، وهو الموقف الذي عبّـر السفير الفرنسي في نواكشوط عن مضمونه، حين قال إنه يقترح على الجبهة المناوئة للانقلاب المشاركة في الأيام التشاورية لتوضّـح من خلالها للرأي العام موقفها وأسباب رفضها للانقلاب، وتثير أفكارها في حوار وطني شامل.

غير أن الرئيس المخلوع نفسه كانت إجابته واضحة حين سُـئل عن موقفه من تلك المشاورات، فقال إنه لن يشارك هو ومَـن معه فيها، مُـعتبرا أن مشاركته قد تشكّـل اعترافا ضِـمنيا بشرعية الانقلاب، وأكّـد أنه سيقوم بكل ما في وُسعه من تحرّكات وقرارات وإجراءات، من أجل إفشال الانقلاب العسكري الذي أطاح بنظامه، مُـبديا معارضته لتنظيم انتخابات رئاسية قادمة.

السيناريو المحتمل

وفي خِـضمّ هذه الآراء المتضاربة، تسرّبت معلومات تَـشي بالخطوط العريضة لما يُـحتمل أن يكون خارطة طريق للمرحلة الانتقالية القادمة، التي ستمتد لفترة تتراوح ما بين 12 و14 شهرا، ويتوقّـع أن تبدأ هذه الخطوات بتنظيم الأيام الوطنية للتّـشاور نهاية هذا العام، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها كافة الأحزاب والقِـوى السياسية الراغبة في ذلك.

وفي شهر أبريل القادم، يُـتوقع أن يُـعلن الجنرال محمد ولد عبد العزيز، رئيس المجلس العسكري الحاكم في البلاد، عن تقديم استقالته من منصبه، تمهيدا لترشّـحه للانتخابات الرئاسية في النصف الأخير من عام 2009، على أن يتولى ثاني ضابط في المجلس الأعلى للدولة تسيير شؤون البلاد، ويتعلق الأمر بالقائد العام للقوات المسلحة الجنرال محمد ولد الغزواني، الذي تتمثل مهمته الأساسية في الإشراف على تنظيم انتخابات رئاسية تنتهي بتسليم السلطة إلى المدنيين.

غير أن عقبات كثيرة تعترّض إقرار هذه الأجندة وتطبيقها، وِفقا لما تشتهيه سُـفن العسكريين، منها رفض الأحزاب المشكّـلة للجبهة الوطنية للدّفاع عن الديمقراطية المشاركة في أية عملية سياسية يُـشرف عليها الجيش، ومعارضة حزب تكتّـل القوى الديمقراطية بقيادة زعيم المعارضة الديمقراطية أحمد ولد داداه لترشح أي من العسكريين الحاكمين حاليا في البلاد للانتخابات الرئاسية، فضلا عن دعوات ظهرت مؤخّـرا تطالب بإسناد مهمّـة تسيير شؤون البلاد ـ بعد استقالة رئيس المجلس الأعلى للدولة في أبريل القادم ـ إلى رئيس مجلس الشيوخ، باعتبار ذلك يشكِّـل الصيغة الأقرب لما ينصّ عليه الدستور الموريتاني.

احتمالات مفتوحة

لكن الواقع يؤكّـد أن قطار العملية السياسية في موريتانيا لم يستقِـر بعدُ على السكّـة السليمة. فاحتمالات العقوبات الدولية ما تزال قائمة، وإن تضاءلت فرصها، أما الرئيس المخلوع ومؤيِّـدوه، فإنهم مصمِّـمون على القيام بأي عمل من شأنه أن يُـساعد في إفشال الانقلاب العسكري، وهو ما يدفَـع بعض المراقبين إلى الإعراب عن مخاوِفهم من احتمال إعادة اعتقاله وتقديمه للمحاكمة، خصوصا وأن سياسيين مؤيِّـدين للانقلاب طالبوا بذلك في عدّة مناسبات، وهو أمر إن حدث، فسيقلب الأمور رأسا على عقِـب، باعتباره تصعيدا جديدا وتراجعا عن خطوات وُصِـفت بالانفراج الهامّ في الأزمة، فضلا عن أن مؤشِّـرات البَـوْصلة السياسية تؤكِّـد أن الجنرال محمد ولد عبد العزيز مصمِّـم على البقاء في السلطة وأنه يخطِّـط للعودة إليها كرئيس مُـنتخب، بعد أن يغادرها لفترة قصيرة في أبريل القادم، وهو أمر قد يصطدِم بطموحات بعض السياسيين المتحالفين مع الجنرال حاليا، والذي ساندوا انقلابه أملا منهم في أن يمهِّـد لهم الطريق إلى بوابة القصر الرئاسي في نواكشوط، ويغادر إلى بيته معزّزا مُـكرّما.

محمد أبو المعالي – نواكشوط

نواكشوط (رويترز) – رفع المجلس العسكري الموريتاني يوم الاحد 21 ديسمبر الاقامة الجبرية عن رئيس البلاد المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي تعهّد بالكفاح من أجل العودة الى منصبه الذي فقده في انقلاب عسكري غير دموي في شهر أغسطس. وكان زعماء الانقلاب الذي وقع في السادس من أغسطس الماضي والذي أطاح بعبد الله أول رئيس ينتخب بشكل ديمقراطي في موريتانيا، قالوا في وقت سابق هذا الشهر انهم سيفرجون عن عبد الله في اطار مفاوضات لتجنب عقوبات من الاتحاد الاوروبي.

ورحبت فرنسا، المستعمر السابق لموريتانيا والرئيس الدوري الحالي للاتحاد الاوروبي، برفع الاقامة الجبرية عن عبد الله، لكنها جددت مطلب المجتمع الدولي باعادة الرئيس المخلوع الى منصبه، وقالت في بيان “الحل للازمة الحالية هو عودة النظام الدستوري”. ورفض زعماء الانقلاب اعادة عبد الله، الذي فاز بانتخابات متعددة الاحزاب العام الماضي الى منصبه.

وقال أنصار عبد الله، انه نال حريته بعدما نقله ضباط الامن الى العاصمة الساحلية نواكشوط من ليمدن، مسقط رأسه (200 كيلومتر جنوبا)، وعاد في وقت لاحق الى ليمدن برفقة اصدقائه. وقال عبد الله في مقابلة مع صحيفة (لو موند) الفرنسية نشرت يوم الاحد، انه يعتبر نفسه “الرئيس الشرعي المنتخب ديمقراطيا”. وأضاف في المقابلة التي اجريت قبل وقت قصير من رفع الاقامة الجبرية عنه “سوف أكافح من أجل حريتي بقدر القيود التي فرضها قادة الانقلاب عليها. أنا عاقد العزم على الكفاح من أجل افشال هذا الانقلاب”، وتابع أنه سيجري اتصالات سياسية في الداخل والخارج وقد يحاول المشاركة في قمة قادة دول الاتحاد الافريقي في نهاية يناير في أديس أبابا. وقالت ابنته أمل لرويترز، ان رفع الاقامة الجبرية عنه “ليس حرية حقيقية… أشك في أنه سيسمح له بمغادرة البلاد”.

ووصف أنصار عبد الله رفع الاقامة الجبرية عنه بأنها محاولة من رئيس المجلس العسكري محمد ولد عبد العزيز، الذي قاد انقلاب السادس من أغسطس لتفادي فرض مزيد من العقوبات على موريتانيا، سابع أكبر مصدر للحديد في العالم، والتي بدأت أيضا انتاج النفط عام 2006.

وقال جميل ولد منصور، وهو سياسي اسلامي وعضو في حزب الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية الموالي لعبد الله “الكفاح اليوم.. ليس بشأن ما اذا كان سيتم اعتقال عبد الله أو الافراج عنه.. لكن بشأن عودته الى مقعد الرئاسة”.

وكانت شوارع نواكشوط هادئة يوم الاحد ولم تكن هناك أي مظاهرات مؤيدة أو مناهضة للرئيس المخلوع.

وادان الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة بشدة الاطاحة بعبد الله ويضغطان من أجل اعادته الى منصبه. ويعتبر الاثنان موريتانيا حليفا مهمّـا في الحرب ضد الجماعات الاسلامية المتشددة في منطقة الصحراء الكبرى. وفي 21 نوفمبر، هدد الاتحاد الاوروبي بفرض عقوبات فردية على عبد العزيز وأعضاء المجلس العسكري الحاكم ما لم يعيدوا الحكم الدستوري. ويقول الاتحاد الاوروبي انه سيتجنب فرض عقوبات من شأنها الاضرار بسكان موريتانيا البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة وسيواصل دفع أكثر من 100 مليون دولار سنويا لنواكشوط للحصول على حقوق صيد في دعم لميزانية الدولة.

وقالت الولايات المتحدة يوم الجمعة 19 ديسمبر، انها ستلغي المزايا التجارية لموريتانيا اعتبارا من الاول من يناير، نتيجة للانقلاب. وخفضت واشنطن بالفعل المساعدات العسكرية وغير الانسانية منذ الانقلاب ومنعت أعضاء المجلس العسكري الحاكم من السفر الى الولايات المتحدة.

وتعهد ولد عبد العزيز، رئيس المجلس العسكري بعقد انتخابات رئاسية وأعلن عن بدء عملية مشاورات وطنية ابتداء من 27 ديسمبر، لبحث مرحلة الانتقال الى الانتخابات. ولكن عبد الله، رغم توجيه الدعوة له رفض المشاركة، وقال لصحيفة (لوموند) “أقول بالقطع ‘لا’.. واذا قلت نعم.. سيكون هذا اضفاء للشرعية على الانقلاب وقبولا بالامر الواقع”. ورغم أنه كانت هناك بعض المظاهرات المؤيدة لعبد الله، فان قطاعا واسعا من المؤسسة السياسية في موريتانيا أيد الانقلاب. وقال منتقدون ان حكومته كانت نخبوية ولم تقدم الكثير لحماية السكان من ارتفاع أسعار الغذاء والوقود.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 ديسمبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية