مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد صدور عدة عرائض احتجاجية : هل دخلت تونس مرحلة جديدة ؟

المطالبة باصلاحات سياسية جوهرية في تونس، تجاوزت دائرة النشطاء الضيقة، مثل الدكتور منصف المرزوقي (يمين الصورة ) والاستاذ مختار الطريفي Keystone

يتواصل الجدل في تونس حول العريضتين اللتين وقع عليهما أكثر من 300 مثقف وسياسي ، وتضمنتا – رغم اختلاف الأسلوب والمصدر – انتقادات قوية لمجمل الأوضاع السياسية . كما تطرقتا إلى مسائل حساسة وحارقة مثل الفساد المالي والانتخابات الرئاسية التي ستنظم خلال عام 2004

. لكن إلى جانب ذلك تستمر أيضا ردود الفعل حول المبادرة السياسية التي قام بها كل من السيدين محمد مواعدة وراشد الغنوشي . إذ بقدر ما عكست العريضتان حالة الاندفاع المتزايد لدى بعض شرائح النخبة التونسية نحو التعبير المشترك عن مواقف علنية تحمل السلطة مسؤولية ما تعتبره أزمة سياسية حادة ، بقدر ما أحدث نص مواعدة – الغنوشي رجة في الأوساط الديمقراطية المعارضة التي عبرت إما عن تحفظ شديد أو أعلنت انتقادها القوي بأسلوب أعاد إلى الأذهان أجواء الصراع السياسي الذي قادته من قبل عدة أطراف ضد حركة النهضة و “مشروعها” المجتمعي.

في هذا السياق لاحظ المراقبون أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس بن علي يوم 20 مارس بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لعيد الاستقلال قد اختلف عن خطبه الأخيرة التي حمل فيها بقوة على من تصفهم وسائل الإعلام الرسمية ب “الخونة للوطن ” . لم يتضمن الخطاب الأخير ردا حادا ومباشرا سواء على الحملة الإعلامية والسياسية المتواصلة منذ عدة أشهر، أو على مجمل النصوص والعرائض التي رسخت القطيعة بينه وبين جزء لا يستهان به من النخبة الليبرالية واليسارية . لقد اكتفى بالتأكيد على التزامه بالديمقراطية ودعم التعددية الحزبية ، مؤكدا بالخصوص أن تونس هي ” بلد حقوق الإنسان”.

لكنه اضاف بأن “تونس طوت نهائيا صفحة بقايا الولاء للخارج وغض الطرف عن أشكال التدخل الجديدة في الشؤون الداخلية ” . وبدل أن يوجه انتقادات لاذعة لفرنسا التي تحتظن أبرز الفعاليات الضاغطة على الحكومة التونسية ، وصف الرئيس بن علي اللغة الفرنسية بكونها ” مقوما مهما للتواصل مع الحضارة التي تربطنا بها أواصر تاريخية عريقة “. وهو ما فسره البعض بكونه تذكير للفرنسيين بعمق المصالح التي تربطهم بتونس ، خاصة بعد سلسلة القرارات التي رمت إلى تقليص تدريس الفرنسية في مرحلة التعليم الأساسي ، مقابل تعزيز حظور اللغة الأنجليزية، إضافة إلى فرض التعريب داخل الإدارة ولافتات المحلات التجارية . وهي إجراءات اتخذت ضمن تداعيات الاهتمام الفرنسي المتزايد بأوضاع الحريات وحقوق الإنسان في تونس .

لا يشكل أسلوب صياغة العرائض الاحتجاجية والتوقيع عليها ظاهرة جديدة في تونس. فقد صدرت في السنوات الأخيرة عدة مبادرات في هذا الاتجاه، مع ذلك اكتسبت النصوص الأخيرة أهمية خاصة. فهي من جهة تنزلت في سياق أزمة مفتوحة ومستمرة بين السلطة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تحاول إبطال الحكم الابتدائي القاضي بإلغاء نتائج المؤتمر الخامس ودعوة الهيئة المديرة السابقة إلى استئناف نشاطها وإعادة عقد الجمعية العمومية. وهو الحكم الذي رفضته جميع الأطراف المعنية واعتبره الشارع السياسي حكما غريبا وغير قابل للتنفيذ.

كما اشرت هذه المبادرات عن اتساع دائرة الاحتجاج، بعد أن انضمت إليها شخصيات اعتبارية هامة مثل وزير التربية السابق محمد الشرفي ووزير الصحة السابق سعد الدين الزمرلي، أو وجوه جامعية وإعلامية فاجأت الجميع بتواقيعها على نصوص سياسية تطالب الرئيس بن علي باحترام الدستور وتتحدث عن موت السياسة في تونس.

من هؤلاء على سبيل المثال الجامعيون هشام جعيط ورؤوف حمزة وعلي المحجوبي أو الصحفي المعروف عبد اللطيف الفراتي. هذا يعني أن السلطة تخسر يوما بعد يوم إما حلفاء سابقين أو أطرافا كانت تتجنب في الماضي الانخراط المباشر في الفعل السياسي. كما أشر ذلك أيضا على تراجع حالة الحذر والخوف التي سيطرت على النخب طيلة السنوات الماضية، وتوفراستعدادات أكثر للاهتمام بالشأن العام وممارسة الحق في التعبير والاحتجاج العلني والسلمي.

لكن في المقابل، كشفت التحركات الأخيرة عن استمرار هاجس الخوف من كل تنسيق سياسي مع حركة النهضة المحظورة. وإذا كان هناك من يعتقد بأن لهذا التخوف علاقة بعدم تنضيج الحوار حول مجمل المسائل ذات الصلة بإشكالية الهوية، إلا أن قطاعا عريضا من النخب الليبرالية وبعض شرائح اليسار تنطلق من الاعتبارات السياسية لتؤكد بأن التنسيق أو التحالف مع الإسلاميين أمر سابق لأوانه، ولا تتوفر له حاليا الأرضية الواضحة أو الملائمة .

هذا الأمر جعل الكثيرين يعتقدون بأن مبادرة مواعدة – الغنوشي كانت خطأ سياسيا. بعضهم وصفها بالخطأ التكتيكي، وآخرون رأوا فيها خطأ استراتيجيا. هذا هو الذي يفسر بقاء المبادرة ثنائية، بعد أن رفضت جميع الأطراف الالتحاق بها. لكن ذلك لا يمنع من القول بأن الساحة السياسية في تونس قد بدأت تتهيأ لمناقشة عدة قضايا كانت إلى وقت قريب ممنوعة من التداول.


صلاح الدين الجورشي – تونس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية