مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد “جمعة الرحيل” الهادرة.. الجيش المصري يُـواجـه خيارات مصيرية

Keystone

لم يعُـد خافياً على أحد أن الثورة المدنية المصرية التي انطلقت في 25 يناير الماضي، وصلت إلى المرحلة الحرجة التي ستتحدد فيها المقادير والمصائر.

ولم يعد خافياً أيضاً أن القوة الوحيدة القادرة على حسم الأمور ووضعها في نِـصابها، التاريخي النهائي، سواء أكان سلباً أو إيجاباً، هو الجيش المصري الذي سيتعيّـن عليه هو الآخر أن يقرر كيف/ومتى سيتخذ قراره الحاسم. فهَـل يفعل خلال أيام؟ وما الطبيعة المحتملة لهذا القرار؟ ولماذا الجيش المصري دون غيره هو قوة الحسم الرئيسة؟

نظام الألف ضابط

سنبدأ مع السؤال الأخير، لنقول إن مصر تعيش منذ نيف و60 عاماً في ظِـل نظام سياسي بَـناه نحو ألف ضابط عسكري عام 1952. ومنذ ذلك الحين، تمّ منح القوات المسلحة، التي يبلغ تِـعدادها 430 ألف جندي وضابط، السيطرة على قطاعات كبيرة من الإقتصاد لقاء ولائها للنظام في حلّـته الأمنية – السياسية الجديدة، التي برزت بعد حرب أكتوبر 1973 والتي سيْـطر فيها تحالف بين أجهزة الاستخبارات ورجال الأعمال الجُـدد، بتواطـئ مع  قيادات الجيش.

ووِفق مصادر رسمية، بلغت عائدات قطاع الإنتاج الإقتصادي التابع للجيش المصري 6،1 بليون دولار خلال السنوات الأربع الماضية، وهو رقم قياسي، إضافة إلى أن توافُـر اليَـد العاملة الرخيصة، من خلال نظام التجنيد العام الذي وفّر للقوات المسلحة ميزة تفاضلية على القطاع الخاص، ما عزّز توسعها في إنتاج مروحة واسعة من السِّـلع والخدمات المدنية، التي شملت المنتوجات الزراعية والمستشفيات والمؤسسات السياحية والأجهزة الإلكترونية المتطوِّرة والمشاريع المشتركة مع القطاع الخاص.

وكما يلاحظ الباحث سبرينغبورغ، فإن الجيش المصري “لديه موارد دخله الخاصة، التي لا يسائله أحد فيها ولا هي عرضة إلى أي ضغط سياسي مرئي”، لكن حتى هذه المعادلة القائمة على مقايَـضة اللاتسييس بالمنافع الإقتصادية والتجارية، تعرضت إلى ضغوط شديدة، خاصة بعد انتهاج مصر سياسة اقتصادية نيولبيرالية جديدة.

ففي خضم العمل لتطوير الإقتصاد، وِفق هذه السياسة المعتمَـدة على “إجماع واشنطن”، أصبح دور الجيش في الإقتصاد والقِـطاع العام، عقبة أمام “الإصلاحات الإقتصادية” وازدادت الضغوط من أجل خصخصة مؤسساته.

بيْـد أن التحالف مع ذلك، استمر بين أجهزة الإستخبارات والرأسمالية الريعية – الزبائنية والجيش، طالما أن الخلافات حول المصالح لم تصِـل إلى نقطة الصِّـراع، إلى أن جاءت ثورة 25 يناير الشبابية لتضع الأمور بين هذا الثُّـلاثي في نِـطاق أزمة حقيقية، كانت تستخفي وراء الكواليس.

الجيش والمجتمع

هذا فيما يتعلق بدور الجيش في التركيبة الداخلية للنظام، أما في مجال العلاقة بين الجيش والمجتمع المدني، فيمكن القول أن الأول، وعلى رغم أنه كان العمود الفقري للنظام السُّـلطوي المصري، نجح في تحييد نفسه عن غضبة الشارع المصري، بعد أن قبل بترك أدوات القمع البوليسي في يَـد أجهزة الاستخبارات وقصـر دوره في الداخل على قمْـع التمرّدات، التي تعجز قوات الشرطة والأمن عن قمْـعها (كما حدث مع تمرد قوات الأمن المركزي).

هذا الدور عزّز القناعة بأن أي مخرج للأزمة الكبرى الحالية في مصر، يجب أن يقوم على الركائز التالية:

– إصلاح المؤسسات السياسية والدستورية: يجب أن يكون متطابقاً مع حقائق النظام السياسي الراهن، إذ يجب أن يكون هناك تمييز بين العملية الديمقراطية وبين حقيقة موازين القوى بين المدنيين والعسكريين. فمن دون أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار، قد تتمكن أي حكومة مدنية جديدة من فرض سيطرة مؤسسية شكلية على أجهزة الأمن، لكن الفعالية العملية لذلك، ستكون محدودة وغير ذي ديمومة، وهذا ما سيُـهدِّد دوماً سُـلطة أي حُـكم مدني جديد.

– الجيش، يجب أن يتعاون: لم تنجح أي عملية دمقرطة  في العالم من دون موافقة ومشاركة القوات المسلحة، وبالتالي، لم يحدث أبداً أن تمت السيطرة على أجهزة الأمن من دون تعاون الجيش أو على الأقل موافقته، وهذا ما دلـّت عليه تجربتا إندونيسيا، حيث كان الجيش وراء “إقناع” الجنرال سوهارتو بالاستقالة، وفي تشيلي، حين أعدّت القوات المسلحة نفسها عملية الإنتقال إلى الديمقراطية.

– المجتمع المدني ضروري لتحقيق السيطرة الديمقراطية على قطاع الأمن. وحين يتوقف هذا المجتمع عن التغاضي عن تجاوزات الأجهزة الأمنية، يصبح الطريق ممهّـداً أمام تفكيك أكثر الأجهزة قمعاً بمساعدة الجيش.

– يعتبر الإطار الدولي (الأمريكي)، عاملاً حاسماً في عملية الإنتقال الديمقراطي، وبالتالي، لتحقيق السيطرة الديمقراطية على الأجهزة الأمنية، وهذا العامل يمكن أن يكون إيجابياً، كما يمكن أن يكون سلبياً أيضا. وعلى سبيل المثال، لولا نهاية الحرب الباردة، لَـما كان في إمكان الحركات الديمقراطية في أمريكا اللاتينية تحقيق هذا الكمّ الهائل من الإنتصارات والانجازات في طول القارة وعرضها.

ثلاث سيناريوهات

نأتي الآن إلى السؤال الرئيسي: في أي طريق سيسير الجيش المصري؟ ثمّـة ثلاثة سيناريوهات هنا:

الأول، أن ينحاز إلى التركيبة الحالية للنظام، سواء مع وجود الرئيس مبارك أو من دونه، وينغمس في حمّـامات دم ضد الثورة المدنية والشعبية.

الثاني، أن ينحاز إلى الثورة، فيوافق على عملية انتقال إلى الديمقراطية تكون بإشرافه أو بمواكبته ووِفق شروط ملائمة لمصالحه، وهذا يمكن أن يتِـم عبْـر انقلاب عسكري وتشكيل حكومة انتقالية بإشرافه، تقوم بوضع دستور ديمقراطي جديد للبلاد، مع توفير حصانة شخصية للرئيس مبارك.

الثالث، أن يحاول شقّ طريق وسط بين السيناريوهين، الأول والثاني، يتجسَّـد في نهاية المطاف في مجرد إدخال “تحسينات” على النظام الحالي.

الخيار الأول، في حال وقعت القرعة عليه، محفوف بمخاطر شديدة لا تقل عن احتمال انشقاق الجيش نفسه (بين ضباط كبار وصغار، كما حدث عام 1952) ووقوع البلاد برمَّـتها في حالة حرب أهلية شاملة. ولعل هذا بالتحديد، ما دفع قيادة الجيش إلى قبول قرار مبارك بالحلول مكان الشرطة في شوارع القاهرة وبقية المدن، ولكن من دون إطلاق النار على المتظاهرين (حتى الآن على الأقل).

السيناريو الثالث، هو الذي طبَّـقه الجيش حتى هذه اللحظة: تفهّم مطالب الثورة والعمل في الوقت نفسه على إقناع المتظاهرين في التركيز على مطلب إطاحة مبارك من دون إطاحة النظام، وهذا في الواقع أمر بديهي. فالنظام المصري الرّاهن هو، كما ألمحنا، نظام الألف ضابط والرؤساء الأربعة الذين جاؤوا إلى السلطة منذ عام 1952، كانوا من صفوفه، وهو يقاوم الآن للحفاظ على هذه الميزة.

لكن، وفي حال تواصُـل الثورة، ستتبدّد هذه الخيارات الثلاثة ولن يبقى منها سوى الحرب الأهلية الدموية أو الإنتقال إلى الديمقراطية في إطار نظام دستوري جديد.

الأمور لم تصل بعدُ إلى هذه المرحلة، لكنها ستفعل عما قريب، وربما قريباً جدا. فما فعلته ثورة 25 يناير الشبابية في 10 أيام، احتاجت ثورات عالمية أخرى إلى 10 سنوات لإنجازه.

القاهرة (رويترز) – ربما يكون مصير الحركة المطالبة بالديمقراطية في مصر معلقا برئيس أركان قواتها المسلحة الفريق سامي عنان، الذي رفض حتى الآن استخدام القوة ضدّ المحتجين الذين يطالبون برحيل الرئيس حسني مبارك.

وفي حدث نادر، حصل عنان على إشادة من كل من الولايات المتحدة وعضو بارز في جماعة الإخوان المسلمين، قال إنه يمكن أن يكون بديلا لمبارك يحظى بالقبول.

وكان عنان في واشنطن عندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة لمبارك الأسبوع الماضي في أعقاب “ثورة الياسمين” في تونس التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.

وقطع عنان – وهو ضابط سابق بسلاح الدفاع الجوي – زيارته وأسرع عائدا إلى القاهرة قبل أن يُصدر الجيش بيانا حاسما يوم الاثنين 31 يناير الماضي، يصف مطالب المحتجين بأنها مشروعة ويقول إن الجيش لن يطلق النار على الشعب.

والآن، بعد أن أعلن مبارك أنه لن يسعى إلى إعادة انتخابه في سبتمبر المقبل، يقول الجيش للمحتجين إن رسالتهم وصلت وأن عليهم أن يغادروا الشوارع، لكن لم يتضح هل سيتصدّى الجنود للمحتجين إذا استمرت المظاهرات.

وسيواجه عنان – الذي تلقى تدريبه في الاتحاد السوفييتي السابق كما درس بكلية أركان الحرب المرموقة في فرنسا وبأكاديمية ناصر العليا للدراسات العسكرية في مصر – قرارات صعبة.

وينتمي جميع الرؤساء الأربعة الذين حكموا مصر منذ الانقلاب الذي نفذه الجيش للإطاحة بالملك المدعوم من بريطانيا إلى القوات المسلحة. وكان مبارك قائدا للقوات الجوية في 1975، عندما عيَّـنه الرئيس السابق أنور السادات نائبا للرئيس. ودفع اغتيال السادات في 1981 مبارك إلى السلطة على نحو غير متوقع.

وقال الأميرال مايك مولر، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، إن عنان أكد له في حديث خاص التزام الجيش المصري بالحفاظ على الاستقرار. وأضاف قائلا “هو يؤكد لي أنهم ملتزمون بذلك وسيظلون نصيرا للاستقرار في بلدهم. لقد تصرف الجيش المصري حتى الآن بشكل جيد جدا”.

في الوقت نفسه، قال كمال الهلباوي العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين والذي يعيش في الخارج، إن عنان قد يكون خليفة مقبولا لمبارك، لأنه يعتبر غير قابل للفساد. وأضاف الهلباوي قائلا لرويترز يوم الثلاثاء 1 فبراير 2011، أن عنان “يمكن أن يكون رجل المستقبل في مصر… اعتقد أنه سيكون مقبولا لأنه يتمتع بسمعة طيبة. هو لم يتورط في الفساد ولا يعرف الناس عنه ذلك”.

ولا يعرف شيء يذكر في الخارج عن عنان، الذي تقول سيرة موجزة لحياته في موقع القيادة العامة على الانترنت، إنه ولد في القاهرة في 1948. وخاض عنان مسيرة عسكرية تقليدية في سلاح الدفاع الجوي منذ تولى قيادة بطارية صواريخ مضادة للطائرات وتدرج في الترقي إلى أن أصبح رئيسا لأركان القوات المسلحة في 2005. وكانت مدة خدمته الوحيدة في الخارج بين عامي 1990 و1992 عندما عمل ملحقا عسكريا في المغرب.

وذكر مصدر بالمخابرات الإسرائيلية أن عنان ينظر إليه على أنه ضابط محترف وغير سياسي ولا يتمتع بشخصية كاريزمية، لكنه كفء ويحظى بثقة الولايات المتحدة. وقال المصدر “الأمريكيون يعرفونه جيدا وهم معجبون به”.

وعلى العكس من مدير المخابرات العامة السابق اللواء عمر سليمان، الذي عينه مبارك يوم السبت نائبا للرئيس، فإن عنان ليس له أي تعاملات معروفة مع إسرائيل، وقد يجعله ذلك أكثر قبولا لدى رجل الشارع في مصر.

وقال خبير بشؤون الشرق الأوسط العسكرية في واشنطن التقى بعنان – مشترطا عدم نشر اسمه – إن رئيس الأركان المصري يحظى فيما يبدو باحترام الولايات المتحدة.

وعنان رُتبته العسكرية أقل من رتبة المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة. وينص الدستور على أن رئيس الجمهورية هو أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة.

ولدى مصر عاشر أكبر قوات مسلحة في العالم ويزيد قوامها عن 468 ألف فرد، كثيرون منهم مجندون فقراء لا يمكن التأكد من طاعتهم إذا صدر إليهم الأمر باستخدام القوة ضدّ المتظاهرين.

وقدمت واشنطن للقاهرة مساعدات عسكرية قيمتها نحو 1.3 مليار دولار سنويا منذ وقعت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل في 1979.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 3 فبراير 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية