مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بوش يسحب توقيع كلينتون!!

الرئيس الأمريكي السابق وقع على المعاهدة باسم بلاده في الثلاثين من شهر ديسمبر كانون الأول من عام 2000 Keystone Archive

قرار الإدارة الأمريكية بسحب توقيعها على معاهدة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية قد لن يعيق عملها في المستقبل، لكنه يمثل سابقة خطيرة ومثيرة للإنشغال..

حاولت السيدة لويز دوزفالد-باك الأمينة العامة للجنة الدولية للحقوقيين أن تبدو متماسكة في التعقيب على قرار الولايات المتحدة الانسحاب من المعاهدة المنشئة لأول محكمة جنائية دولية دائمة في التاريخ، لكن نبرة صوتها كشفت عن مزيج من الإحباط والأسف الشديد.

فقد كان وزير الخارجية الأمريكي كولن باول واضحا عندما أكد في تصريح أدلى به يوم الأحد إلى شبكة آي بي سي الإخبارية، أن واشنطن سوف تبلغ الأمين العام للأمم المتحدة بأنها ” لا تعتزم المصادقة على المعاهدة” وبالتالي فانها تعتبر نفسها في حل تام من “أغراضها وأهدافها” حسب قوله.

لم يكن خافيا على أحد أن إدارة الرئيس بوش أعربت منذ الأشهر الأولى لاستلامها السلطة في البيت الأبيض عن عدم ارتياحها وقلة تحمسها لهذه المحكمة، وأن انسحابها من معاهدة لم تعرض بالمرة على مصادقة مجلس الشيوخ كان متوقعا إلى حد ما، لكن السيدة دوزفالد-باك لم تخف في تصريح لسويس إنفو أن اللجنة الدولية للحقوقيين (يوجد مقرها في جنيف) والمجتمع المدني الدولي عموما يشعر بـ “الصدمة والرعب” مما حصل!

فهذه السابقة “لا تكاد تصدّق” على حد قول الحقوقية. إذ لم يشهد تاريخ المعاهدات الدولية أي خطوة من هذا القبيل كما أن صدورها من طرف القوة الكبرى في عالم اليوم يعطي “مثالا سيئا للمستقبل” حسب قول الأمينة العامة للجنة الدولية للحقوقيين التي تتفق تصريحاتها مع تنديد “مجموعة عمل واشنطن حول المحكمة الجنائية الدولية” (وهو ائتلاف يضم العديد من المنظمات غير الحكومية الأمريكية المؤيدة بقوة لقيام المحكمة) بالخطوة التي رأت فيها “إشارة إلى العالم بان الولايات المتحدة تدير ظهرها لعشريات من الزعامة الأمريكية في مجال ملاحقة مجرمي الحرب منذ محاكمات نورمبرغ” حسبما جاء في نص بيان أصدرته المجموعة يوم الأحد في واشنطن.

مخاوف واشنطن غير مبررة

في المقابل تبرر الإدارة قرارها بالخشية من تحول المحكمة إلى أداة قد يسخرها البعض لملاحقة العسكريين والديبلوماسيين والزعماء السياسيين الأمريكيين. لكن الأمينة العامة للجنة الحقوقيين الدولية تشدد على أن هذه المخاوف غير مبررة حيث “هناك ما يكفي من الإحتياطات المنصوص عليها في بنود المعاهدة لتجنب كل التجاوزات وللإبتعاد عن الخوض في القضايا غير الجدية” حسب قولها.

ونوهت السيدة لويز دوزفالد-باك إلى أن العديد من الدول التي صادقت بعد على المعاهدة لديها قوات عسكرية في الخارج ولم تتحفظ على أي بند فيها. وهذه الدول حليفة للولايات المتحدة بل وتشارك معها في مهمات دولية في العديد من مناطق التوتر مثل فرنسا وغالبية الديموقراطيات المشاركة في الحلف الأطلسي وكل الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي. ولو كانت مخاوف السلطات الأمريكية مبررة لما أقدمت معظم الدول الغربية على الإلتحاق بالمعاهدة وإعلان تأييدها لقيام محكمة جنائية دولية.

وتثير الخطوة الأمريكية غير المسبوقة الآن مخاوف نشطاء حقوق الإنسان في العالم من أن تؤدي إلى تردد بعض الدول (التي وقعت بعدُ على المعاهدة) في استكمال خطوة التصديق النهائي عليه،ا إلا أن الأمينة العامة للجنة الدولية للحقوقيين أعربت لسويس إنفو عن عدم تخوفها من هذا الإحتمال، لأنه “ليس هناك الكثير من البلدان التي وقعت على المعاهدة والتي عُرف عنها عدم التأييد لها في الوقت نفسه”.

من جهة أخرى، لا يعني صدور القرار الأمريكي عن إدارة جمهورية محافظة جدا حصوله على تأييد كافة السياسيين في واشنطن. فقد أعرب روي فاينغولد وهو عضو ديموقراطي في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي عن استيائه من الإنسحاب من المعاهدة وقال “إن مثل هذه الخطوات تثير التساؤل حول مصداقية بلادنا في كل المساعي المتعددة الأطراف”.

محكمة للمجرمين “الفقراء”؟؟

والآن بعد أن انسحبت واشنطن رسميا من معاهدة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، هل ستتحول هذه الهيئة القضائية التي ناضل من أجلها العديد من السياسيين والحقوقيين والمطالبين بمحاسبة مجرمي الحرب ومرتكبي أخطر الجرائم ضد الإنسانية إلى محكمة للمجرمين الفقراء الذين ينتمون إلى دول لا تقدر على تحدي المجتمع الدولي والتنصل من التزاماتها القانونية؟

السيدة لويز دوزفالد-باك ترفض هذا المنطق بشدة وتؤكد أن الضمانات القانونية المتوفرة في بنود المعاهدة أقنعت العديد من الدول الأوروبية وهي دول غنية ومنخرطة بشكل كبير في الحياة الدولية بالتصديق على القانون الأساسي للمحكمة. وهو ما يمثل ضمانة حسب رأيها تمنع تحوّل المحكمة الجنائية الدولية إلى محفل مخصّص لمقاضاة مجرمي الحرب ومنتهكي القانون الدولي والإنساني وزعماء الديكتاتوريات القادمين من الدول الفقيرة والمتخلفة.

قد تكون الأمينة العامة للجنة الدولية للحقوقيين محقّة في تفاؤلها لكن القرار الأمريكي غير المسبوق سيلحق ضررا أكيدا بنجاعة عمل المحكمة في سنواتها الأولى على الأقل. كما سيمثل فرصة سانحة للعديد من البلدان التي وقعت على المعاهدة دون أن تصادق عليها (مثل روسيا وإسرائيل وإيران ومصر وسوريا) أو تلك التي لم توقع عليها أصلا (مثل الصين والهند وباكستان) للتفلت نهائيا من مواجهة استحقاقات غير مرغوب فيها أو خطيرة يفرضها ميلاد أول هيئة قضائية دولية تلاحق منتهكي القانون الإنساني الدولي!

كمال الضيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية