مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بوش يواجه المزيد من الصعوبات

فشل الرئيس الأمريكي في إقناع المجتمع الدولي بالمشاركة في إنقاذه من الورطة التي أسفرت عنها الحرب التي شنها على العراق Keystone

تتعرض سياسات إدارة الرئيس بوش إزاء العراق لانتقادات واسعة النطاق على صعيد الرأي العام الأمريكي والكونغرس.

فقد أخفق الرئيس بوش في إقناع المجتمع الدولي بالمشاركة في إنقاذه من الورطة الأمنية والمالية التي أسفرت عنها الحرب التي شنها على العراق الذي لم يعثر فيه على أسلحة الدمار الشامل التي بُـررت بها.

كان طلب الرئيس بوش تخصيص اعتمادات تصل إلى 87 مليار دولار للنفقات الدفاعية وإعادة الإعمار في العراق وأفغانستان، بمثابة جرس الإنذار الذي استفاق على رنينه الشعب الأمريكي وممثلوه في الكونغرس من الإحساس الزائف بنشوة الانتصار في الحرب على العراق.

فقد كان ذلك الطلب أداة للربط بين قلق الأمريكيين من تعثر أداء الاقتصاد الأمريكي، واللجوء إلى تمويل المغامرات العسكرية لإدارة الرئيس بوش عن طريق العجز في الميزانية بمئات المليارات من الدولارات، وبين إعادة النظر في سياسات بوش إزاء العراق.

وتُـظهر أحدث استطلاعات الرأي العام الأمريكي أن ثلاثة من بين كل خمسة أمريكيين يعارضون إنفاق مبلغ ضخم كالذي طلبه الرئيس بوش لمعالجة الوضع الأمني المتدهور في العراق وإعادة إعماره، وطالبت نسبة 51% من الأمريكيين بأن تتخلى إدارة الرئيس بوش عن سياسة الانفراد بالسيطرة على شؤون العراق، لتسمح للدول الراغبة في المساعدة بإرسال قوات لحفظ الأمن في العراق، فيما أعربت نسبة زادت على 70% من الأمريكيين عن رغبتهم في أن تقوم الأمم المتحدة بدور رئيسي في عراق ما بعد الحرب.

ومما أسهم في تضييق الخناق على سياسة بوش في العراق ما تسـرب من أنباء عن أن تقرير اللجنة الأمريكية البريطانية الخاصة بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية “أخفق في العثور على أي أثر” لتلك الأسلحة المزعومة. وبالتالي، بدأ الشعب الأمريكي وممثلوه في الكونغرس يُـدركون مدى التضليل الذي استخدمته إدارة بوش لتبرير الحرب.

وكان أبلغ تعبير عن الاستياء هو تشبيه إدوارد كينيدي، السناتور الديموقراطي المخضرم لقرار الرئيس بوش شن الحرب على العراق، بأنه قرار انطوى على الغش والتزوير تمت “فبركته” في ولاية تكساس التي أتى منها جورج بوش لمجرد تحقيق مكاسب حزبية للحزب الجمهوري، دون أن يحسب الرئيس وأعوانه ما ستتمخّـض عنه تلك الحرب من أعباء مالية بمليارات الدولارات بالإضافة إلى تورط إدارة بوش في رشوة زعماء دول عديدة للمشاركة بقوات في العراق.

مطلوب إقالة المسؤولين عن الحرب

وسرعان ما شهدت قاعات الكونغرس نداءات غاضبة تُـطالب بمحاسبة كبار المسؤولين في إدارة بوش الذين شاركوا في رسم سياسته في العراق بسبب الخطأ في الحسابات والإخفاق في التخطيط لعراق ما بعد الحرب.

ودعا ديفيد أوبي، النائب الديموقراطي، عضو لجنة تخصيص الاعتمادات التابعة لمجلس النواب إلى إقالة وزير الدفاع دونالد رامسفلد ونائبه بول وولفوفيتز، فيما حثّ اثنان من أبرز الزعماء الديموقراطيين في الكونغرس وهما نانسي بيلوسي، زعيمة الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب، والنائب جون مورثا، الرئيس بوش على اتخاذ قرار بمن سيختار إقالتهم بسبب السياسات الخاطئة إزاء العراق والتي كلّـفت الشعب الأمريكي نفقات باهظة، وتُـكلّـفه أعدادا متزايدة من القتلى والجرحى بشكل يومي في العراق.

وقالت النائبة بيلوسي إنه لن يمكن تصحيح تلك السياسات ما لم تتم إقالة الصناع الرئيسيين لها، وهي إشارة واضحة إلى صقور الحرب في وزارة الدفاع الأمريكية. كما طالب زعيم الأقلية الديموقراطية بمجلس الشيوخ الأمريكي السناتور، توم داشل بمحاسبة المسؤولين عن الإخفاق في الماضي حتى يمكن تحسين الحاضر والمستقبل.

أما السناتور الديموقراطي روبرت بيرد، والذي كان من أشد المحذرين من عواقب التسرع في شن الحرب على العراق، قال “إن من روّجوا لتعبير إصابة النظام العراقي بالصدمة والرعب، أصابوا الميزانية الأمريكية بصدمة مالية ورعب من آثارها على الشعب الأمريكي، وستكون نفقات الحرب في العراق سلاحا يستخدمه الديموقراطيون ضد الجمهوريين في انتخابات العام القادم”.

وانضم إلى ركب المطالبين بضرورة تغيير السياسة الفاشلة لإدارة الرئيس بوش في العراق مجموعة من المسؤولين الأمريكيين السابقين استعانت بهم لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي.

فقد نصح السفير جيمس دوبنز، المبعوث السابق للرئيس بوش إلى البوسنة وأفغانستان، لجنة العلاقات الخارجية بأن تتحول مهمة الإشراف على إعداد العراق لمرحلة تسليم السلطة والسيادة للعراقيين إلى وزارة الخارجية الأمريكية بمساعدة منسقة من كل من وزارتي المالية والعدل الأمريكيتين والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بدلا من احتكار وزارة الدفاع، التي وُصف إسناد إدارة شؤون العراق لها بأنه يشكّـل عقبة كأداء.

كما نصح بريان آتوود، المدير السابق لوكالة التنمية الدولية، أعضاء اللجنة بإحالة الإدارة المدنية لشؤون العراق إلى الأمم المتحدة، وتكليف وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الدولية للتنمية بشؤون إعادة الإعمار. واتهم المسؤول الأمريكي السابق الإدارة الأمريكية المدنية المؤقتة في العراق بالتخبط والافتقار إلى الوضوح والتحول من موقف إلى موقف عكسي، مما أشاع الارتباك وعدم الشعور بالثقة في صفوف الشعب العراقي.

الخطاب الفاشل أمام الأمم المتحدة

ومما زاد الطين بلة بالنسبة لسياسة إدارة الرئيس بوش إزاء العراق، أنه حينما توجّـه إلى الأمم المتحدة لإقناع المجتمع الدولي بضرورة المشاركة في تحمل مسؤولية توفير الأمن في العراق وإعادة إعماره، أخفق في تقديم إجابات مباشرة لكثير من الأسئلة التي يتوقّـف عليها مدى مشاركة المجتمع الدولي في تلك الأعباء.

ففي الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يتطرق الرئيس بوش إلى جدول زمني معقول لتسليم السلطة والسيادة للعراقيين، ولم يوضح ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لمنح الأمم المتحدة دورا في عملية اتخاذ القرار في العراق مقابل التحمل بأعباء ومسؤوليات متزايدة في عراق ما بعد الحرب، مما ترك الانطباع بأن واشنطن تريد من ينقذها من ورطتها الأمنية والمالية في العراق بدون مقابل.

وفي رد على سؤال لسويس انفو حول تقييم خطاب الرئيس بوش أمام المنظمة العالمية، قال السفير وليام لورز، رئيس رابطة الأمم المتحدة في نيويورك، “إن بوش أخفق أيضا في توضيح ما إذا كان القرار الذي ستقدمه الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن سينطوي على استمرار السفير بول بريمر في إدارة الشؤون المدنية في العراق، وكيف سيكون دور الأمم المتحدة الذي اختصره الرئيس بوش في ثلاثة عناصر هي، تدريب المدنيين العراقيين، والعمل على صياغة دستور عراقي جديد، والإشراف على الانتخابات”.

وأضاف السفير لورز أن دور الأمم المتحدة الممكن في العراق يتخطى بكثير تلك الحدود الضيقة التي رسمها الرئيس بوش في خطابه، حيث يمكن للمنظمة القيام بالعديد من المهام الإنسانية، مثل توفير الغذاء والدواء وتطعيم الأطفال، وتوفير خدمات برنامج الأمم المتحدة للتنمية التي يمكن أن تُـحقّـق استقرارا سريعا بتوفير الخدمات الأساسية، كالكهرباء ومياه الشرب والخدمات الصحية والتعليمية.

كما نبه السفير لورز إلى أن عدم تحديد الرئيس بوش لدور وصلاحيات الأمم المتحدة في عراق ما بعد الحرب، سيجعل من العسير على الدول المانحة اتخاذ قرار بالمشاركة في نفقات إعادة بناء العراق، إذا لم تتوفر لها القدرة على المساهمة كذلك في قرار كيفية إنفاق تلك المساهمات.

وأشار لورز إلى أنه مع إخفاق القوات الأمريكية في توفير الأمن في العراق، أصبح من الصعب على الأمم المتحدة التواجد في العراق، خاصة بعد استهداف مقرها في بغداد أكثر من مرة.

هل يدفع بوش الثمن سياسيا؟

وفيما هبطت شعبية الرئيس بوش في استطلاعات الرأي العام الأمريكي إلى أدنى مستوى لها منذ توليه الحكم، حيث وصلت نسبة الموافقين على أدائه كرئيس إلى 49% مقابل 47% لا يرضون عنه، تنافس الساعون للفوز بترشيح الحزب الديموقراطي لهم لخوض معركة انتخابات الرئاسة القادمة، في توجيه انتقادات حادة لفشل الرئيس في سياسته الخاصة بالعراق وما أسفرت عنه من خسائر مادية وأعداد متزايدة من القتلى والجرحى في صفوف القوات الأمريكية في العراق.

وأدت تلك الانتقادات إلى شعور الناخبين الأمريكيين بالحاجة إلى بطل قومي تلتف حوله آمال الشعب الأمريكي في بديل تأتي به انتخابات الرئاسة في نوفمبر عام 2004، مما شجع الجنرال المتقاعد ويسلي كلارك على دخول حلبة السباق في الأسبوع الماضي.

وبمجرد إعلانه ترشيح نفسه عن الحزب الديموقراطي، أصبح الجواد الأكثر ترشيحا للفوز، وبدأ في اكتساب المزيد من الشعبية بتصريحات عن أخطاء سياسة بوش في العراق أكدت ما يتمتع به من خبرات عسكرية واستراتيجية من واقع منصبه السابق كقائد أعلى لقوات حلف الأطلسي في أوروبا.

فقد قال الجنرال المتقاعد إن “الغزو الأمريكي للعراق واحتلال أراضيه يُـعدّ نموذجا واضحا للنجاح في الهيمنة العسكرية مع الفشل في تحقيق النصر، حيث أثبتت الحرب براعة التكتيكات وحنكة القيادة في ميدان الحرب، فيما أظهرت عيوبا جوهرية في التخطيط والاستراتيجية لعراق ما بعد الحرب”.

ومن المنتظر أن يستغل المرشحون الديموقراطيون موسم الحملات الانتخابية في العام القادم لاستهداف الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها إدارة الرئيس بوش في التعامل مع العراق لكشف عدم أهليته للفوز بفترة رئاسية ثانية.

كما سيستغل الديموقراطيون حقيقة أن بوش تسلم الحكم من كلينتن بفائض في الميزانية واقتصاد منتعش. وخلال فترة بوش الأولى، تحوّل الفائض إلى عجز بمئات المليارات من الدولارات، وزاد معدل البطالة، وتعثر أداء الاقتصاد الأمريكي، مما يُـعيد إلى أذهان الناخبين الأمريكيين كيف كسب بوش الأب الحرب ضد العراق في عام 1991، وخسر الانتخابات بسبب الكساد الاقتصادي.

لذلك، فمن غير المستبعد أن يكرر التاريخ نفسه في نوفمبر 2004.

محمد ماضي – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية