مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحكومة البرلمانية في الأردن.. استحقاق “غيرُ قابل للتطبيق”

في مسيرة احتجاجية شهدتها عمان يوم 22 فبراير 2013، طالبت بإصلاحات سياسية وتحوير الدستور، تقدمت قيادات جبهة العمل الإسلامي المعارضة (علي أبو سكر الثالث من اليمين وزكي بني أرشيد في الوسط) صفوف المتظاهرين. Keystone

وأخيرا عاد الأردن الى المربع الأول بعد أن ثبت للقاصي والداني عقم مجلس النواب السابع عشر وضعفه في خلق "خيارات بديلة" تبعث برسالة اطمئنان للشارع.

فالبرلمان لم يتمكن من ايجاد آلية جديدة لتشكيل الحكومات غير ذات الآلية التي انتجت حكومات ضعيفة ووزراء لا يملكون من أمرهم شيئا. والإنتخابات النيابية الأخيرة – التي جرت وسط مقاطعة وعزوف نسبة عالية ممن يحق لهم التصويت – لم تُوجد الزخم المناسب لتشكيل حكومة نيابية بالرغم من محاولات صناعة الوهم بأنه يمكن للبرلمان الحالي- الذي جاء نتيجة قانون انتخابي إقصائي ومتخلف – أن يُنتج حكومة برلمانية تكون نقطة تحوّل في المشاركة الشعبية في القرارات السياسية وفي ايجاد التوازن المفقود بين السلطات.

يوم السبت 9 مارس 2013 أعاد العاهل الأردني الملك عبد الله تكليف رئيس الوزراء عبد الله النسور بتشكيل حكومة جديدة بعد التشاور مع أعضاء البرلمان الجديد الذي انتخب في يناير الماضي.

رشح غالبية أعضاء البرلمان النسور وهو اقتصادي ذو عقلية إصلاحية تلقى تعليمه في الولايات المتحدة وفرنسا ولم تتلطخ سمعته بمزاعم الفساد.

سيتشاور النسور مع الكتل في البرلمان المؤلف من 150 مقعدا حول تشكيل حكومته الجديدة. ويتعارض هذا الحوار العلني مع تشكيل الحكومات في السابق الذي لم يكن للبرلمان أي دور فيه. وفي غضون ذلك ستستمر حكومة النسور الحالية كحكومة لتسيير الأعمال.

في نوفمبر 2012، اتخذ النسور قرارا برفع أسعار الوقود مما أشعل اضطرابات استمرت بضعة أيام لاسيما في المناطق الريفية والعشائرية التي تضررت من إلغاء الدعم.

 قد يواجه النسور أيضا تحديا من جماعة الإخوان المسلمين التي قاطع حزبها السياسي الإنتخابات البرلمانية بسبب قوانين الانتخابات التي قالوا إنها تعطي أولوية للمناطق الريفية والقبلية على المدن التي يشكل السكان من أصل فلسطيني أغلبية فيها. ويعيش أكثر من ثلثي سكان الأردن البالغ عددهم سبعة ملايين في المدن لكن جرى تخصيص ما يقل عن ثلث مقاعد البرلمان لهم.

(المصدر: وكالات)

كتل نيابية هلامية؟

باشر مجلس النواب الأردني السابع عشر تشكيل كتل نيابية بغية تعزيز مواقع النواب واختيار رئيس مجلس نواب وكذلك الدخول في مشاورات مع القصر لتسمية رئيس حكومة، وتفاءل البعض على اعتبار أن ذلك يمثل توجّها جديدا لدى رأس الدولة لمشاركة النواب في اختيار رئيس الحكومة.

طبعا، لم تنجح هذه التجربة بسبب إخفاق الكتل البرلمانية في اقتناص التوجه الجديد. فالنظام الداخلي لمجلس النواب لا يُقيم وزنا للكتل النيابية وبالتالي ليس هناك ما يجمع أعضاء الكتلة الواحدة، فبإمكان أي عضو الإنتقال من كتلة إلى أخرى دون أن يكون لذلك أية عواقب سياسية أو تنظيمية. وقد انتقد الكاتب فهد الخيطان أعضاء الكتل بقوله “كيف نتوقع من نواب انتخبوا في أدق مرحلة تمر فيها بلادنا، أن يُطوّروا التجربة الديمقراطية، وهم لا يحترمون قواعد الديمقراطية والتصويت داخل كتلهم النيابية؟ من لا تقف الأغلبية مع رأيه ينشق، ويؤسّس كتلة جديدة؛ هذا ما حصل في أغلب حالات الإنشقاق”.

في الواقع، هناك إجماع بين المراقبين بأنه لا يمكن أن نتوقع من الكتل النيابية أن تلعب دورا بارزا وأساسيا في الحياة النيابية الأردنية دون أن يكون هناك تعديل جوهري على النظام الداخلي للبرلمان. وحسبما يبدو، فليس هناك ثقة بأن أمرا من هذا القبيل يُمكن أن يحدث في القريب العاجل.

وفي هذا السياق، يقول فهد الخيطان: “كيف لنواب يفشلون في تأسيس كتل متماسكة، أن نتوقع منهم تطوير نظام داخلي جديد للمجلس، يمنح الكتل الشرعية والدور المطلوب، ويُمأسس عمل المجلس ولجانه؟”، ويضيف “ندرك أن قدرة الكتل التي ولدت حديثا، وبدون جامع سياسي يجمع مكوناتها، محدودة للغاية. وكان متوقعا أن تحدث بعض الإشكاليات، خاصة في عملية غير مسبوقة كاختيار رئيس وزراء، لكن ليس إلى هذا المستوى من الإنهيار الذي نشهده”.

ومن الواضح الآن، أن المشاورات التي أجراها القصر مع الكتل النيابية في الآونة الأخيرة تعطي صدقية لما ذهب اليه فهد الخيطان.

مشاورات عبثية.. أم تجربة غير ناضجة؟

ضعف الكتل النيابية أفضى إلى تهميش دورها في تسمية مرشح لرئيس الحكومة. وكان واضحا منذ أن بدأت المشاورات أن لا إمكانية لتشكيل أغلبية نيابية باتجاه أيّ شخص، وقد ذهبت بعض الكتل إلى الخلط بين فكرة الحكومة البرلمانية والتوزير وطالبت بانضمام عدد من النواب للحكومة القادمة على اعتبار أن “هناك فرصة لأن يُصبح النائب وزيرا”.

الفشل النيابي في التوافق على اسم معين أو حتى على تشكيل أغلبية نيابية لصالح أي مرشح كان مصدر راحة للملك الذي كان واضحا بأنه مع خيار إعادة تكليف عبدالله النسور، لأن الأخير ينفذ أجندات القصر بجرأة دون أن يُقيم وزنا لردة فعل الشارع. وفي هذا السياق، يقول الصحفي باسل العكور، رئيس تحرير موقع “جو24” إن رئيس الحكومة الدكتور عبدالله النسور لم يُراهن على ترشيح النواب ليبقى في رئاسة الوزراء، بل اقتصر رهانه على المرجعيات العليا دون أيّ اعتبار لمواقف أعضاء المجلس النيابي، وقد تكشف ذلك من خلال إصرار النسور على رفع الأسعار مجددا رغم الإحتجاجات النيابية، وقد أدرك النسور أن الملك هو من يقرر بنهاية الأمر بالرغم من المشاورات التي وصفها أحد الوزراء بأنها “شكلية”.

على العكس من ذلك، يختلف النائب الأسبق مبارك أبو يامين مع الرأي الذي يقول إن المشاورات كانت عبثية، فالمشاورات “كانت جدية لكن الغالبية العظمى من أعضاء مجلس النواب ليسوا أعضاء في أحزاب سياسية، كما أن الكتل التي شكلت سريعا تأثرت سلبا بمعركة رئاسة مجلس النواب التي تم التدخل بها لصالح مرشح لم يحالفه الحظ”. ويرى النائب الأسبق أبو يامين أن التجربة جديدة وربما “تكون أنضج في المرة القادمة”.

المطلوب.. إرادة سياسية!

بصرف النظر عن كيفية رؤية المتابعين للشأن الأردني لقيمة هذه المشاروات وجديتها، إلا أن نتيجتها لم تخرج عن سياق رغبة القصر في إعادة تكليف الدكتور عبدالله النسور رئيسا للحكومة. ومن المرجّح أن ينجح النسور في تشكيل حكومة تنال ثقة مجلس النواب، مع ملاحظة أن جزءا كبيرا من الشارع الأردني سبق له أن تعاطف مع رئيس الحكومة بعد أن شن بعض النواب هجومات شخصية عليه.

في الأثناء، يقول مبارك أبو يامين: “إن الشعب الأردني يريد أن يرى انتقادات سياسية لأداء الرئيس وإن الشارع لا يتعاطف مع الشتم والسباب على أي كان. سيدخل الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة في جولة مشاورات مع مجلس النواب للتوقف عند رأيهم بخصوص الفريق الوزراي القادم، وما من شك ان تسمية النواب لعدد من الوزراء ربما ستكون اكثر صعوبة من تسمية رئيس الحكومة، والسبب مرة أخرى هو غياب الاحزاب السياسية وضعف الجامع السياسي بين اعضاء الكتلة الواحدة”. ومن جهته، يقول وزير التنمية السياسية الاسبق المهندس موسى المعاطية بأنه “لا يمكن القاء اللوم على النواب إذ ان الاحزاب السياسية هي اساس العمل السياسي وهو امر غير متوفر لمجلس النواب الحالي”.

إجمالا، لا يمكن القول بأن الأردن خرج من عنق الزجاجة، فلا مجلس النواب ولا الحكومة بقادرين على التعامل مع المرحلة القادمة وبخاصة رفع أسعار الكهرباء دون الإصطدام مع شارع لم يعد يثق بالمؤسّستين. وفي هذا الصدد، يرى المعايطة أن “مدخل حل الأزمة هو بتغيير قانون الإنتخاب وبناء حياة حزبية حقيقية. ومن دون ذلك سنبقى نُراوح في مكاننا وتكون إدارة الأزمة بدلا من حلها الخيار الوحيد المتاح أمام النخب الحاكمة. لكن حتى يحدث هذا، هناك حاجة ماسة لتوفر إرادة سياسية لدى النخب الحاكمة”، على حد قوله.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية