مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تحالفات “ما بعد الاستفتاء” على الدستور

رغم الإعتراضات والتشكيك، مثل اعتماد الدستور العراقي الجديد يوم 15 أكتوبر الماضي مرحلة فاصلة في تشكيل ملامح العراق الجديد Keystone

بعد مخاض عسير، وسجال طويل، نجح الشيعة والأكراد بدعم من مكونات عراقية أخرى في تمرير الدستور العراقي خلال الاستفتاء الذي جرى يوم 15 أكتوبر الماضي.

ومهما يكن الموقف من الطريقة التي جرى بها إسقاط نظام صدام حسين، ومن النظام البديل الذي يُراد تأسيسه، فإن الاستفتاء على الدستور شكّـل بداية يمكن أن تساعد على حل الأزمة الداخلية المستفحلة.

بعد مخاض عسير، وسجال طويل، نجح الشيعة والأكراد بدعم من مكونات عراقية أخرى في تمرير الدستور العراقي خلال الاستفتاء الذي جرى يوم 15 أكتوبر الماضي دون دماء.

قبِـل الدستور الغالبية العراقية، ورفضه معظم السُنّة، ولكن هذا لا يعني أن الدستور لن يكون للعراقيين جميعا، خصوصا وأن السُنّة أعلنوا أنهم سيشاركون في الانتخابات المقبلة، والتي ستجري وفق “قانون إدارة الدولة”، الذي وضع في عهد الحاكم المدني السابق، السفير الأمريكي بول بريمر.

ومهما يكن الموقف من طريقة إسقاط نظام صدام حسين، ومن النظام البديل الذي يُراد تأسيسه في العراق الجديد، ومن الانتخابات السابقة التي جرت أواخر شهر يناير الماضي، فإن الاستفتاء على الدستور شكّـل، من وجهة نظر العديدين، بداية لعهد جديد يمكن أن يساعد على حل الأزمة الداخلية، وما أصبح يعرف بقضية “المغيبين” أو “الغائبين” عن تلك الانتخابات.

الاستفتاء جرى وسط إجراءات أمنية مشددة، جعلت العديد من العراقيين يتمنى لو أن كل الأيام العراقية تحوّلت إلى أيام استفتاء، بعد أن عززت قوى الأمن من طريقتها في حماية العراقيين، ليصبح بالفعل “استفتاء بلا دماء”.

مشاركة الحزب الإسلامي العراقي في الاستفتاء، ودعوته إلى التصويت بـ “نعم” على الدستور، وحجم المشاركة الكبيرة في الرمادي وتكريت، والتصويت عليه في هاتين المحافظتين وفي نينوى أيضا بـ “لا”، يعكسان – من وجهة نظر أغلب المراقبين – قدرة الشعب العراقي على التأسيس لديمقراطية جديدة لبلادهم، بشرط مشاركة الجميع فيها، وأن يجري ذلك تحت سقف العراق الموحد، بعيدا عن الخيمة الأمريكية!

مصالحة ومكاشفة

صحيح أن النتيجة النهائية للاستفتاء أشارت إلى اصطفافات طائفية وقومية واضحة، حيث أيّـد غالبية الشيعة والأكراد تمرير الدستور، ورفضه معظم السُنّة العرب، إلا أن الأبرز في كل ذلك هو أن الذين تحالفوا لرفض الدستور ولم ينجحوا في إسقاطه، هم خليط من البعثيين السابقين، وأتباع النظام المخلوع ورجال مخابراته وفصائلها، ومن يخشى تغيير موازين العملية السياسية، أو تصحيحها (من وجهة نظر الشيعة والأكراد)، وثلة من “الصادقين”.

بكلمة أخرى، هناك من المعارضين للدستور من يخطط لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ويعمل على إعادة أركان النظام السابق وثقافته إلى العراق، كما أن من بين “الرافضة” للاستفتاء، جماعات طائفية تتهم منافسيها بممارسة هذا الوباء الخطير، وهي تقوم به وتجعله قِـبلتها ووجهتها كل حين.

والأكثر غرابة، هو أن العديد ممّـن يرفع اليوم لواء معارضة الاحتلال، يعمل معهم ويتلقى أموالهم، ويعقد معهم صفقات تجارية، وبعضهم لا يرفض التعاون مع “الشيطان” الأمريكي، إذا مُنح زمام المبادرة، وعاد كما كان إلى الواجهة.

وبين الفترة والأخرى، تتسرب معلومات من هنا وهناك عن مفاوضات بين الأمريكيين وشخصيات تعارض الاحتلال، وذلك من أجل “ضبط” إيقاع العمليات التي لا تفرق بين عراقيين واحتلال، وتستهدف في الغالب… الأبرياء.

عدد مهم من الذين عارضوا الاحتلال وإسقاط صدام عن طريق غزو العراق، ورفضوا المشاركة في الانتخابات الماضية، دعوا إلى مصالحة وطنية لا تحمي القتلة والمجرمين، ومنهم من أيّـد فكرة المؤتمر الذي اقترحه عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية للحوار الوطني.. والمصالحة، لبناء عراق جديد للعراقيين جميعا، دون استثناء.

لقد أفرز الاستفتاء على الدستور كنتيجة طبيعية، اصطفافات جديدة، وخارطة سياسية تختلف كثيرا عن تلك التي شاهدناها في الانتخابات الماضية.

اصطف العلمانيون خلف أياد علاوي ومؤتمره الذي عقده بمباركة ودعم أمريكي وبريطاني، ومن دول إقليمية معروفة. ويقال إن بعض الإسلاميين الشيعة أيضا ممن لم تظللهم عباءة الائتلاف الشيعي، انضموا إلى جبهة علاوي التي تريد منافسة التيار الإسلامي الشيعي في الانتخابات المقبلة.

الائتلاف الشيعي.. إعادة ترتيب البيت

أعاد الإسلاميون الشيعة ترتيب بيتهم، وأنتجوا عدة تحالفات جديدة، أكبرها هو الائتلاف العراقي الموحد، وأعلنوا رسميا عن تحالفات جديدة للائتلاف، وذلك من 17 كيانا سياسيا، إضافة إلى عدد من الشخصيات لخوض الانتخابات.

واختار الائتلاف السيد عبد العزيز الحكيم لرئاسته، وأبرز ما في برنامجه هو التأكيد على بناء إقليم الجنوب، حتى يكون متوازنا مع إقليم كردستان، وضم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، والتيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر، وحزب الدعوة الإسلامية – المقر العام، وحزب الفضيلة الإسلامي وزعيمه الروحي الشيخ محمد اليعقوبي، وحزب الدعوة تنظيم العراق، ومنظمة بدر، وجماعة العدالة، وحركة حزب الله في العراق، وحركة سيد الشهداء، وحزب تجمع الوسط، وحركة الوفاء لتركمان العراق، والاتحاد الإسلامي لتركمان العراق، وحركة المساواة، وحركة الديمقراطيين العراقيين وملتقى الإصلاح والبناء، وحزب أحرار العراق، ومستقلين.

وقد اتفقت الأطراف السياسية المشاركة في الائتلاف على اعتماد القوائم المشتركة في بغداد والمحافظات، وضمت مرشحين من المدن.

ويأتي هذا الاصطفاف الجديد داخل الائتلاف العراقي الموحد، ليسحق الصغار الذين كانوا في الائتلاف قبل أن يجدوا أنفسهم فجأة خارجه، لأن التيار الصدري اشترط زيادة عدد مقاعده البرلمانية إلى ثلاثين، والمشاركة في الحكومة المقبلة بعدد أكبر من الحقائب الوزارية. وفي المقابل، فإنه كان لزاما التضحية بالصغار من أمثال علي الدباغ، وإبراهيم بحر العلوم، ليؤسّـس كل منهما تحالفا جديدا، وخرج أيضا أحمد الجلبي من الائتلاف بعد تخفيض عدد المقاعد التي كانت مخصصة له. كما انسحبت منظمة العمل الإسلامي الشيعية أيضا من الائتلاف الشيعي، لأن مقاعدها أيضا في البرلمان المقبل باتت قليلة جدا بسبب شروط الصدريين حول المقاعد.

التيار الشيرازي أسس “الائتلاف الإسلامي” بعد أن اعتبر تجنب السيستاني تأييد قائمة معينة في الانتخابات القادمة، بمثابة ضوء أخضر لكسر احتكار الكبار للتمثيل الشيعي. ومن هنا، جاءت القائمة الشيعية الجديدة وهي قائمة الائتلاف الإسلامي، حيث تم تسجيلها في المفوضية العليا للانتخابات مساء يوم الجمعة، وضمّـت عددا من التنظيمات والحركات، منها: رابطة علماء الدين، ومنظمة العمل الإسلامي، وحركة الرفاه والحرية، والأكراد الفيليين، واتحاد الهيئات الحسينية، والرابطة الإسلامية للطلبة، ومستقلين .

هذا الكيان السياسي الجديد، مدعوم من المرجعية الشيرازية، وتحديدا من آية الله السيد صادق الشيرازي (مقره قم)، والسيد محمد تقي المدرسي (مقره كربلاء)، وربما كان السبب وراء الإعلان عنه الآن لخوض الانتخابات المقبلة، هو وجود احتكار للتمثيل الشيعي في الائتلاف العراقي الموحد من قبل بعض الأحزاب والتنظيمات الشيعية، مثل المجلس الأعلى وحزب الدعوة، اللذين لم يرغبا كثيرا بضمه للائتلاف الجديد، ولم يسعيا حتى إلى الاتصال به، وهذا الأمر دعا أعضاء في الائتلاف العراقي الموحد إلى توجيه الانتقادات لقيادة الائتلاف، لتجاهله قوى شيعية “لها تأثيرها في الشارع العراقي”، على حد قولهم.

الانتخابات القادمة هي الحاسمة جدا، خصوصا وأن من يسمون أنفسهم بمعارضي الاحتلال، سيشاركون فيها بواجهات تخفي تحتها شخصيات بعثية حاولت أن تنأى بنفسها عن حزب البعث والنظام السابق، لكن كل تصرفاتها تصب في الدفاع عن محاولات لإعادة البعثيين من جديد إلى الواجهة في العراق.

نجاح محمد علي – دبي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية