مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإقتصاد المصري “في وضع بالغ الصعوبة”

رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب في نقاس ساخن مع عدد من العمال المُضربين عن العمل في إحدى المؤسسات الإقتصادية. swissinfo.ch

في الخطاب المُسجّل الذي أعلن فيه اعتزامه خوض سباق الرئاسة مساء 26 مارس الجاري، قال عبد الفتاح السيسي إنه سيتصدى للتحديات، لكنه حذّر المصريين من أنه "لا يمكنه ان يحقق المعجزات". وفيما أثار السيسي آمالا عريضة عند كثيرين، لكنه لم يقدم بعدُ حلولا مفصلة لمشاكل الفقر ونقص إمدادات الطاقة والبطالة التي تثقل كاهل أغلب المصريين في بلد يناهز عدد سكانه 85 مليون نسمة.

في الأثناء، اتفق خبراء ومحلِّلون مصريون متخصّصون في المسائل الإقتصادية، على أن مصر تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، تبدو أبرز مظاهرها في “ارتفاع معدل البطالة” و”تدني مستويات الدخل”، في ظل ارتفاع الأسعار، وغياب الرقابة على الأسواق، معتبرين أن أهم أسبابها يتلخص في “عدم الإستقرار السياسي” و”غياب الأمن” و”توقف عجلة الإنتاج” و”هروب المستثمرين والسائحين”.

وفي محاولة منها للوقوف على حقيقة الأوضاع الإقتصادية في مصر وأسباب ومظاهر الأزمة، وسُبل الخروج من المأزق الراهن، التقت swissinfo.ch، ثلاثة من خبراء المال والإستثمار، يمثلون اتجاهات فِكرية متباينة.. فكان هذا التقرير.

استتباب الأمن.. كلمة السر!

في البداية، أوضح الخبير الإقتصادي أسامة سرايا، أن “الإقتصاد المصري مريض يُحاول التَّعافي. فمنذ 3 سنوات، لا يحقق معدّلات نمو كافية لاستيعاب احتياجات المجتمع”، معتبرا أن “الخروج من هذا المأزق، يستلزم العودة إلى النظام الأمني الطبيعي، لكي تعود مصر جاذِبة للإستثمار الخارجي، لأن دَوَران عجلة التشغيل واستيعاب البطالة، لن تتم إلا عن طريق الإستثمار الخارجي”، حسب رأيه.

وقال سرايا، رئيس التحرير الأسبق للأهرام في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “الإستثمار الخارجي في مصر كان 14 مليار دولار سنويا، لكنه تراجع إلى نصف مليار! وهو مؤشر خطير جدا”، مشيرا إلى أنه “كانت تأتي لمصر استثمارات خارجية لاكتشاف الغاز والطاقة، لكنها توقّفت بسبب الأوضاع الأمنية، ومن المتوقّع أن نعاني من أزمة طاقة طاحنة، نتيجة زيادة الإستهلاك وعدم ظهور اكتشافات جديدة”.

وأضاف سرايا أن “العجز في الموازنة يزيد ومعدّلات الدعم وصلت إلى 150 مليار جنيه، أغلبها ينفق على الغذاء والطاقة، والمشكلة أننا نعوِّض العجز والبطالة والدّعم، بالمساعدات الخارجية، وهو أمر مستحيل. فلا يمكن أن يقوم اقتصاد دولة على المساعدات والمَعونات”، موضِّحا أن “الإقتصاد لن ينهَض من كبوته، إلا من خلال فرْملة الدّعم المتزايد والحد من الإشكالات الأمنية وفتح شرايين الإستثمارات الخارجية”.

في مداخلة له مساء يوم الإثنين 10 مارس 2014 في برنامج “هنا العاصمة” على فضائية “Cbc” الخاصة، أورد الدكتور هانى قدرب، وزير المالية في الحكومة المصرية أن: 

* نسبة البطالة تزيد على 25%.

* معدّل التضخم وصل إلى 10%.

* حجم السياحة قلّ بنسبة 65 %.

* حجم الإنفاق على الدّعم 13 مليار جنيه.

* عجز الموازنة لا يقِل عن 12% من الناتج القومي.

* أنفقنا على الدعم تريليون جنيه في السنوات العشر الأخيرة

* أسعار السِّلع الأساسية، زادت بنسبة تتراوح بين 30 – 35 %.

* معدّل النمو تراجَع إلى 1.2%، والمفروض أن لا يقل عن 6 أو 7%.

* سِعر زجاجة المياه اليوم أغلى من سِعر لتر البنزين والسولار.

* نتجه إلى “تحديد الكميات” و”رفع الأسعار” لحل مشكلة الدعم.

* حجم الدَّين الداخلي بلغ 1.5 تريليون دولار، والخارجي 48 مليار دولار.

* نبحث فرض ضريبة مؤقّتة بـ 5% على الأفراد الذين يزيد دخلهم السنوي عن مليون جنيه.

15 مليار دولار منذ 3 يوليو..

سرايا كشف أيضا أن “مصر حصلت على قروض لم تحصل عليها في أي فترة في تاريخها. والأرقام تقول، إن إجمالي القروض التي حصلت عليها مصر منذ 3 يوليو 2013 وحتى اليوم، أكثر من 15 مليار دولار، وهي أرقام في ظاهرها كبيرة جدا، لكنها في الحقيقة صغيرة جدا بالنسبة لحجم الأزمة التي تعاني منها مصر”.

وأشار إلى أن “الاقتصاد لا يعمل بمعدّلاته الطبيعية، ومعدّل النمو حوالي 0.5%، وهي نسبة مخيفة جدا، بالنظر للإنفِجار السكاني الذي تعاني منه مصر. فالنمو السكاني لا يتناسَب طرديا مع النمو الإقتصادي، وهو ما يؤدّي إلى عجز الموارد والتضخم، ولهذا لم يشعر المواطن العادي بأيّ تحسُّن ولن يشعر ولو دخل مصر 3 أضعاف هذه القروض، خاصة وأن التطلُّعات الإقتصادية للمصريين، صارت عالية جدا بعد الثورة”.

غياب العدالة سبب الإضرابات

الخبير الإقتصادي أسامة سرايا رفض أيضا الإفتراض القائل بأن (تطبيق الحدّ الأقصى للأجور سيُموّل تطبيق الحدّ الأدنى للأجور)، مضيفا أن “هذا الكلام غير صحيح، لأن مصر بها جهاز بيروقراطي كبير. ففيها حوالي 6.5 مليون عامل بالحكومة والقطاع العام، لا تحتاج منهم فعليا سوى 1.5 مليون فقط”، مُستدركا بأنه “من الضروري تحقيق العدالة، حتى يشعر الناس بأنهم مُتساوون أمام القانون”.

وقال سرايا: “الأمر يستوجِب وضوح الرؤية والشفافية، وهذه القوانين (الحد الأدنى والأقصى)، إما أن تُطبَّق تطبيقًا سليما وعادلاً، دون استثناءات، أو لا تُطبَّق. أما أن تطبَّق على فئات ويُستثنى منها فئات، فهو ما يُشعر المواطنين بالغُبن ويؤثر سلبا على استقرار المجتمع. فإذا ما أردنا أن نتحرك للأمام، فيجب أن نُـدرك أن الأمن الإجتماعي، من الأهمية بمكان”.

رئيس التحرير السابق للأهرام أرجع عودة ظاهرة الإضرابات مجددا إلى عدم وضوح الرّؤية وغياب العدالة والشفافية، مما أشعر المواطنين بأن حقوقهم مهضومة، ومن ثمَّ بعدم الأمان، خاصة في ظلّ وجود سيولة سياسية، يسعى البعض إلى توظيفها، وهو أمر في منتهى الخطورة، ينبغي الإنتباه إلى ما يُمكن أن يُـسبِّبه من اضطرابات وعدم استقرار، وتابع سرايا قائلاً: “وإن كُنت أتفق مع مَن يقول: ليس هذا وقت الإضرابات ولابد أن نتحمل ونتكاتف ونعمل لندفع عجلة الإقتصاد للأمام ونخرج من عنق الزجاجة، لكنني أيضًا أرى ضرورة وضوح الرّؤية والإهتمام بمطالب العمّال المشروعة، والتحرّك في حلّها”، مشيرا إلى أن الحكومة الجديدة برئاسة المهندس إبراهيم محلب “لديها وعْي بحجم المشكلة، وأياديها ليْست مُرتعِشة، ويجب أن تتّخذ قرارات جريئة لحلِّ هذه المشكلات الفئوية”، على حد قوله.

أسامة سرايا، خبير اقتصادي

إذا ما أردنا أن نتحرك للأمام فيجب أن نُـدرك أن الأمن الإجتماعي من الأهمية بمكان

الإنتاج والسياحة والاستثمار!!

من جانبه، أشار الباحث والمحلل الإقتصادي يوسف محمد، إلى أن “الأزمة الاقتصادية بمصر تتفاقم يوما بعد يوم، نتيجة توقّف عجلة الإنتاج وعدم الإستقرار السياسي والأمني، والذي تسبَّب في هروب السائحين والمستثمرين”، مشيرا إلى أن “المساعدات التي تلقَّتها مصر من الدول العربية، بلغت أكثر من 12 مليار دولار، وأنها أنقذت الدولة من الإنهيار في الفترة السابقة”.

وقال يوسف، الذي يعمل مديرا بالهيئة العامة للإستثمار والمناطق الحرّة في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “الحدَّيْن، الأدنى والأعلى للأجور، كان يجب أن يُدرسا جيدا وأن يُـطبَّقا على الجميع، دون استثناء لأيّ فئة، مهما كانت الأسباب”، خاصة وأن تطبيق الحدّ الأقصى، يمكن أن يساهم بدرجة كبيرة في تمويل تطبيق الحدّ الأدنى للأجور، والذي يمسّ الغالبية العظمى من العاملين المصريين”.

من جهة أخرى، اعتبر يوسف، المستشار بالتّحكيم الدولي، أن “أسباب الإعتصامات والإضرابات التي زادت مؤخرا بشكل ملحوظ، هي: كذب الحكومة والمُراوغة والوُعود الزائفة وعدم التزام الشفافية والعدالة، فضلا عن الإستثناءات”، موضحا أنه “كان يجب على الحكومة مُصارحة الشعب ومكاشفته وإعلان الحقائق كاملة أمام الناس، وعمل مصالحات مع المستثمرين”.

وأضاف: “الحلّ لِما نحن فيه، يتلخَّص في ضرورة وجود رئيس مُنتخب وبرلمان منتخب وحكومة وطنية، لتأتي لك السياحة والإستثمار المباشر، لأنهما الأسرع والأضمن. فزيادة ضخّ الأموال، تُساهم في حلحلة المشاكل الإقتصادية سريعا، والإستثمار المباشر في المناطق الحرّة يوفِّـر فرص عمل كثيفة وينشط السوق المحلّي والمشروعات الصغيرة والمتوسطة”.

الباحث والمحلل الإقتصادي تابع قائلا: “كما يجب على الدولة أن تستفيد بالإيجارات للأراضي (حق انتفاع) وتحصيل الرسوم على الصادرات والواردات، ولدينا قوائم انتظار كثيرة لمستثمرين يبحثون عن أراضٍ في المنطقة الحرّة العامة بمدينة نصر، وحولها صحراء شاسعة، فلماذا لا نبني مناطق حرّة جديدة وكبيرة، تستوعِب شباب مصر الثائر، الذي يُعاني الفقر والبطالة؟”، معتبرا أن “المشكلة تكمُن في الفشل الإداري والأيادي المُرتعشة وتوسيد الأمر لغير أهله”.

وصف وزير الدفاع المصري السابق عبد الفتاح السيسي، الوضع الإقتصادي في بلاده بأنه “بالغ الصعوبة” وألمح إلى أن الصعوبات ستستمر لسنوات طويلة.

وفي كلمة ألقاها يوم 6 مارس 2014 في افتتاح مؤتمر للأطباء الشبّان، تنظمه القوات المسلحة، قال المشير السيسي، الذي أعلن يوم 26 مارس الجاري عن ترشحه لانتخابات الرئاسة، “إن ظروفنا الإقتصادية بكل إخلاص وبكل فهم، صعبة جدا جدا”. وأضاف أنه “من الممكن أن يُظلَم جيل أو جيلان من المصريين، كي تعيش الأجيال اللاّحقة في وضع أفضل”. ويأتي تحذير وزير الدفاع المصري من تردّي الوضع الإقتصادي، بعد أيام من إعلانه أنه ينوي الترشّح لانتخابات الرئاسة، التي يتوقع أن تنظم في وقت قريب.

وبعدما أطاح بالرئيس محمد مرسي يوم 3 يوليو 2013، وعد السيسي بأن تصبح مصر في وضع أفضل. لكن الأشهر القليلة الماضية شهِدت احتجاجات اجتماعية وإضرابات عمّالية، أسهمت في رحيل حكومة حازم الببلاوي، التي حلّت محلها حكومة جديدة برئاسة إبراهيم محلب. وتزايدت مؤخّرا الشكاوى لدى الفئات المتوسّطة والضعيفة في مصر من ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص في الخدمات الأساسية.

وفي كلمته بالمؤتمر الذي حضره ضبّاط كبار في الجيش المصري، قال السيسي أيضا إن ما يُنفَق على تِسعين مليون مصري، هو 165 مليار جنيه (24 مليار دولار تقريبا) سنويا، بينما الواجِب أن يصل المبلغ إلى ثلاثة تريليونات جنيه (نحو 430 مليار دولار). وأضاف أن ضعف الخدمات الطبية الذي يُعاني منه المصريون ويتحدّث عنه الإعلام، ناتج عن ضعف الموارد المالية المخصّصة لهذه الخدمات.

وفي عام 2013، حصلت مصر على مساعدات بمليارات الدولارات من السعودية والإمارات والكويت، ومن المنتظر أن تحصل على مساعدات إضافية هذا العام من الدول نفسها.

ضعف الإنتاج وزيادة البطالة!

وبرُؤية مغايرة، أوضح الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، أن مصر “تُعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، أبرز مظاهرها: ضعف الإنتاجية وارتفاع معدل البطالة وتدنّي مستويات الدخل والصحّة والتعليم، مما أدّى لتراجع ترتيبها في العديد من مؤشرات الإقتصاد العالمي، حيث جاءت في مرتبة متأخِّرة في قطاعات الإقتصاد المتنوِّعة، رغم ترتيبها المتقدم في عدد السكان البالغ 85 مليون نسمة، يعيشون على مساحة مليون كيلومتر مربّع”.

وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، أشار الولي، نقيب الصحفيين السابق ورئيس مجلس إدارة الأهرام السابق إلى أن “تقرير وزارة المالية اعترف بأن معدّل التضخم خلال الشهور السبعة الأولى للإنقلاب، (من يوليو 2013 إلى يناير 2014)، بلغ 10.9%، مقابل 5.8% خلال نفس الفترة من حُكم الرئيس محمد مرسى”، موضِّحا أن “إيرادات الموازنة الحكومية بلغت 50 مليار دولار، بينما بلغت المصروفات 78 مليار دولار، بعجْز قيمته 28 مليار دولار”.

وأضاف الولي أن “مصر جاءت في المركز 39 عالميا، من حيث قيمة الناتج المحلي الإجمالي، الذي يُعتبر المؤشر الاقتصادي لقياس حجم اقتصادات الدول، بقيمة 257 مليار دولار”، موضحا أن مصر جاءت في المركز 146 عالميا، من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلّي الإجمالي، والذي يٌعتبر مؤشرا لقياس متوسّط دخل الفرد، والذي بلغ في مصر 3 آلاف دولار سنويا”.

فوائد الدَّين تناهز 300 مليار جنيه..

في المقابل، أشار الولي إلى أن “المَعونات التي قدمتها دول الخليج (السعودية والإمارات والكويت)، لا تفي بعلاج عجز الموازنة العامة ولا تُقارن بجانب حجم الدَّين، الداخلي والخارجي، الذي بلغت تكاليفه من فوائد وأقساط في موازنة العام المالي 2013 / 2014 نحو 296.5 مليار جنيه، في حين تصل القيمة الإجمالية لما وعدت به دول الخليج الثلاث، ما يُعادِل 84 مليار جنيه، بين قروض وودائع ومِنح”.

وتابع، أن “مصر جاءت في المركز 68 عالميا، بقيمة 27 مليار دولار، من حيث حجْم الصادرات السِّلعية، والتي تُعدّ مؤشرا على قدرة الدولة على تغطِية احتياجاتها المحلية وتحقيق فوائض تقوم بتصديرها، فيما جاءت في المركز 49، من حيث حجم الواردات السِّلعية، والذي بلغ 60 مليار دولار”. أما في مجال الصادرات الخدمية، فقد جاءت في المركز 35 بقيمة 22 مليار دولار، شاملة إيرادات السياحة وقناة السويس وخدمات النقل التي تقدمها للسفن والطائرات الأجنبية، بموانيها البحرية والجوية، بينما جاءت في المركز 42 في مجال الواردات الخَدمية، بقيمة 16 مليار دولار”.

وقال: “إن مصر جاءت في المركز 67، بقيمة 39 مليار دولار في مجال الاستثمار الأجنبي المباشر الوارِد إلى الدولة والمتراكم عبْر السنوات الماضية، وفي الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من الدولة والمتراكم عبْر السنوات الماضية، جاءت في المركز 63، بنحو 6.3 مليار دولار، متوقعا انخفاض معدّلات الأداء الاقتصادي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية