مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تخفيف محدود للحِـصار على غزة.. والخلافات الفلسطينية تُـراوح مكانها

من المقرر أن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في السادس من يوليو 2010 في واشنطن، Keystone

"ثمّـة أخبار غير صحيحة انتشرت في الآونة الأخيرة.. فمصر لا تفكِّـر أبدا وليْـست على استِـعداد للسّـماح بأي تعديل في وثيقة المُـصالحة، أيا كان شكل هذا التّـعديل، سواء عن طريق تعديل الصياغة أو إضافة ملاحِـق جديدة".

هكذا حسم وزير الخارجية المصري موقف القاهرة، من الأفكار التي طرحتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على عمرو موسى أثناء زيارته الأخيرة إلى غزة، لغرض إنهاء الانقسام الفلسطيني والبدء في عملية مُـصالحة بين حكومة غزة والسلطة في رام الله.

رسائل مصرية

موقف مصر على هذا النحو، أجهز عمَـليا على الطرح الذي قدمه إسماعيل هنية، رئيس حكومة حماس في القطاع، والذي تضمّـن فكرة صياغة ورقة تفاهُـمات بين الفصائل الفلسطينية، تأخذ في الإعتبار ملاحظات الحركة على وثيقة المصالحة التي صاغتها مصر، على أن يتم التوقيع على الورقتيْـن معا، وتكونان أساسا للمُـصالحة وتشكيل حكومة جديدة وإصلاح الأجهزة الأمنية والبدْء في إجراءات الإنتخابات الفلسطينية.

كما أجهز أيضا على تلك الأفكار التي طرحتها تركيا، وقِـوامها استعداد أنقرة لاستِـضافة اجتماع فلسطيني – مصري، يتم خلاله بحْـث كيفية التوفيق بين تحفّـظات حماس والورقة المصرية.

وبدا الأمر كأن القاهرة تقول للجميع إنها لا تقبل سياسة ليِّ الأذرُع، وليست في حاجة إلى وساطة أو تدخلات في ملف المصالحة ورفْـع الحصار، وأن الأمر ما زال بيَـدها وليس بيَـد أحد آخر، وأن التفويض العربي لها بمواصلة الجهود من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية ورفع الحصار، ما زال ساريا وأن أفكار حماس للإلتِـفاف على صيغة المصالحة المطروحة، التي وقّـعتها حركة فتح، غير مقبولة مصريا، لأنها في حقيقتها تعني تفريغ الورقة المصرية من مضمُـونها، وهو أمر غير مسموح به. وهكذا يظلّ الخِـيار المطروح، أن توقِّـع حماس على صيغة المصالحة وأن تتفاهَـم لاحقا مع باقي الفصائل على كيفية التطبيق.

ملاحظات ثلاث

ويلفت النظر هنا، ثلاث ملاحظات. الأولى، أن إقدام مصر على فتح معبَـر رفح بقرار أُحادي واستمراره إلى أجل غير مسمّـى، قد أفسد أي حملات للهجوم الإعلامي على الموقِـف المصري من باب الحِـصار المضروب على القطاع، كما أكّـد أن فتح معبَـر رفح يرتبِـط أساسا بحسابات مصرية بالدرجة الأولى.

الثانية، أن جزءً من الحسابات المصرية مرتبِـط بقلق من أفكار إسرائيلية، تدعمها بعض مراكز النفوذ الأمريكي، تدعو إلى ربط القطاع بمصر ومن ثمّ تنتهي الأزمة بالنسبة لإسرائيل، وتُلقى على عاتق مصر أولا وأخيرا، وقد تأكّـد هذا القلق في السابق، كما تأكد في الأسبوعين الأخيرين، حين اقترح وزير التجارة الإسرائيلي على حكومته المصغّـرة كحلّ للحصار على غزة، أن تتولّـى مصر مسؤولية تزْوِيد القطاع باحتياجاته كلّـها من خلال معبَـر رفح، على أن يتضمّـن ذلك حركة البضائع والأفراد على السواء، وهو ما رفضته القاهرة مؤكِّـدة أن المسؤولية ستظل على إسرائيل، لأنها دولة الاحتلال ولأن القطاع ما زال أرضا محتلّـة.

الثالثة، أن مصر تعتقد أن أي حلّ يؤدّي إلى تكريس الانقسام الفلسطيني، سيؤدّي إلى ضياع القضية الفلسطينية ذاتها، ولذا، فإن الأولوية بالنسبة للقاهرة هي المصالحة وإنهاء التقسيم وإعادة الإعتبار، لمفاوضات شاملة تطبيقا لصيغة حلّ الدولتيْـن.

التصور الحلم

وبغضّ النظر عن هواجِـس القاهرة، فمن المؤكد أن هذا الموقِـف المصري الصّـارم، يتصادم مع رغبة حماس وتحليلها للموقف الناشئ عن الصِّـدام الذي جرى بين القوات الإسرائيلية وسُـفن “أسطول الحرية” وما ترتّـب عليه من صعود الأسهم التركية عاليا في بورصة السياسة العربية، على الأقل لدى الرأي العام العربي عامة، والرأي العام الغزاوي خاصة، وكذلك ارتفاع حجم الضغوط على إسرائيل لرفع الحصار عن القطاع، بعد أن تبيّـن للعالم أن هناك مليون ونصف مليون فلسطيني يتعرضون لعقاب جماعي ظالِـم ومُـناهض لأبسط حقوق الإنسان منذ أكثر من ثلاث سنوات تحت حُـجج واهية، إسرائيليا ودوليا.

فتحْـت تأثير الإنتقادات الدولية للعُـدوان الإسرائيلي على “أسطول الحرية” والمطالبات برفع الحصار على غزة وظهور إسرائيل كبلد معزول وفي موقف دفاعي نادر، بدا لحماس أن العالم سيقبل التّـعامل مع غزة بواقِـعها الراهن. ولدرء المسؤولية الأخلاقية عن نفسه والتخلّـص عن حالة اللّـوم الذاتي، فقد يُـسارع العالم بالإعتراف بحكومة حماس كحكومة مستقلّـة للقطاع ويرفع عنها الحصار، وبذلك تكون حماس قد حقّـقت أهَـمّ أهدافها، وهو الإنفراد بحُـكم غزة والإنفتاح على العالم الخارجي، ومن ثمّ تنتفي ضغوط المصالحة ومطالب إعادة التكيّـف مع الشروط الدولية التي صاغتها اللجنة الرباعية قبل ثلاث سنوات، وتتضمن اعتراف حماس بإسرائيل والتخلي عن المقاومة والإعتراف بالإتفاقات السابقة المبرمة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

بيد أن أياما محدودة أثبَـتت أن هذا التصور/الحلم، ليس واقعيا بما يكفي وأن قدرة الأطراف المُـشتبكة مع ملف فلسطين بأبعاده المختلفة، لم تختفِ بعدُ، بل أنها قادِرة على التَـلاعُـب بالمُـتغيِّـرات والقيام بعمليات التِـفاف كُـبرى، تجهض عمليا أية تصوّرات غير واقعية، تتجاهل المعادلات القائمة وحالة توازن القِـوى السائد في المنطقة ككل.

التلاعب بالمتغيِّـرات

فإسرائيل، وبالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، أجهضت كل مطالب تشكيل لجنة تحقيق دولية، كما أنها أعادت طرح الموقف باعتباره مجرّد تمرير بعض سِـلع غِـذائية ومُـستلزمات من أجل تحسين حياة الفلسطينيين في القطاع، لا أكثر ولا أقل.

وفي الوقت نفسه، تم التمسك بمقولة أولوية الأمن الإسرائيلي على ما عداه من اعتبارات، وأن حماس حركة “إرهابية” أو على الأقل منظمة عَـدُو ويُخشى أن تحصل على السلاح إن رفِـع الحصار كُـلياً.

وفي هذا السياق، بدا أن المُـعضلة الكبرى هي فقط تخفيف الحِـصار على القطاع، وليس رفعه بالكُـلِـية، وأن يظلّ الأمر كله بعُـهدة إسرائيل، فهي التى ستُـحدِّد أي سِـلع يُـسمح بها وأي سِـلع غير مسموح بها، كما أن تل أبيب لن تتنازل عن الحصار البحري ولن تسمح للإتحاد الأوروبي الصديق، أن يقوم بمراقبة السُّـفن التي قد يُـسمح لها بالمرور إلى القطاع، إن تمّ الاتفاق على هذا المبدإ أصلا.

ولعل الترحيب الأمريكي بالقرار الإسرائيلي بتخفيف الحِـصار جُـزئيا وإعلان قائمة ممنوعات محدودة، مقابل قائمة مسموحات أكبر نسبيا عمّـا كان عليه الأمر من قبل، يكشِـف عن حجم التنسيق بين الطرفـيْـن، بل وتوظيف الموقِـف الإسرائيلي الجديد باعتباره نتاجا لموقف أمريكي، يسعى إلى تهيِـئة وضع معيشي أفضل للفلسطينيين، مع ربْـط هذا التطوّر بجهود وتحرّكات جورج ميتشل، المبعوث الأمريكي الخاص، من أجْـل نفخ الرّوح في مفاوضات غير مباشرة، لم تتحرّك قيْـد أنمُـلة منذ أن أُعْـلِـن عنها قبل أكثر من أربعة أشهر.

أفضل حالا.. ولكن!

خلاصة القول، أن زخم الاعتداء على أسطول الحرية قد تمّ تجْـييره، استنادا إلى توازُن القوى الفِـعلي على الأرض، لصالح استمرار الحصار وليس رفعه ولصالح استمرار الشروط الدولية الموجّهة نحو حماس، وليس تغييرها ولصالح تأكيد الموقِـف الدولي بأن على حماس أن تغيِّـر سلوكها أولا، قبل أن تحصل على أي اعتراف دولي.

صحيح هنا أن أهل القطاع باتوا أفضل حالا، من حيْـث توافُـر السِّـلع الأساسية وبعض المواد التي تدخل في صناعة البناء، لكن الصحيح أيضا، أن موضوع المصالحة الفلسطينية وإنهاء الإنقسام يظلّ على حاله. والصحيح أيضا، أن هذا التخفيف الجزئي يُـمكن الرّجوع عنه في أول لحظة ستراها إسرائيل مُـواتية لمثل هذا التّـراجع، خاصة حين ينزوي زخم الانتقادات والضغوط الدولية من أجل غزّة وأهلها أو حين ينطلق صاروخ محدود القيمة والتأثير على الجنوب الإسرائيلي.

وفي هذا السياق الكلي، أيضا تبدو المكاسِـب اليومية على حساب الأولويات والأهداف الإستراتيجية. فكَـثرة الحديث عن رفْـع الحصار أو تخفيفه، يصاحبه تراجُـع المطلب الأم، وهو إنهاء الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم السيادية، كشعب من حقّـه أن يعيش في وطن مستقل وحُـر وغير خاضِـع للضغوط. ويبدو أن الأمر سيستمر على هذا النّـحو، ما دام الفلسطينيون غير قادرين على حسم خلافاتهم الذاتية، والبعض منهم يستمرِئ الوضْـع الراهن ويعتبره مكسَـبا كبيرا.. ويا لَـه من مكسَـب!

د. حسن أبوطالب – القاهرة – swissinfo.ch

كرم أبو سالم (إسرائيل) (رويترز) – يستعد الإسرائيليون في هذا المعبَـر المحصّـن، لزيادة حادة في الشحنات البرية المتّـجهة إلى غزة عقب قرار إسرائيلي بتخفيف الحصار عن غزة.

وفي إطار قوانين الحصار، التي كانت مطبقة، فإن أي سلعة غير مذكورة صراحة، ممنوع دخولها القطاع. وتقول إسرائيل إنها ستسمح الآن بدخول أي سلعة لقطاع غزة، ما لم تكن مُـدرجة على قائمة من المواد المحظور دخولها.

وقال المنسِّـق رائد فتوح لرويترز “هذا تخفيف حقيقي”. وأضاف أن الإسرائيليين أبلغوه بسِـتّ سلع لم يكُـن مسموح بها، بما في ذلك أدوات الصيد وأدوات الزراعة وقِـطع غِـيار السيارات والزيت ومساحيق التجميل والعطور والأدوات المنزلية ولُـعب الأطفال.

وقال مسؤولون في معبَـر كرم أبو سالم، إنهم مستعدون للتعامل مع ما يصِـل إلى 120 شحنة يوميا من الغذاء والسِّـلع التجارية المتَّـجهة إلى غزة، بمجرد أن ينظم المنسقون الفلسطينيون هذه الكمية الإضافية من ناحيتهم.

وقال الميجر الروم أور من الجيش الإسرائيلي، “بعد قرار الحكومة تحرير النظام، بدأنا تنفيذ الإدارة الموسعة للمعبَـر الموجود، بزيادة طاقة معبَـر كرم أبو سالم بنسبة 30%”. وأضاف “يجري حاليا استكمال قائمة السِّـلع الممنوع دخولها إلى قطاع غزة.. وستنشر في وقت لاحق”.

وتخفف إسرائيل قبضتها على غزة بعد نحو أربعة أعوام، من أجل السماح بمرور جميع البضائع، فيما عدا السلاح والمواد التي قد تدخل في صناعته، مثل الصلب والإسمنت.

ووجّـهت انتقادات للحصار، بوصفه عقابا جماعيا لمليون ونصف فلسطيني يعيشون في قطاع غزة، الذي تسيْـطر عليه حماس.

ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الرّفع التام للحِـصار، مردِّدا مطلب وكالة غوث وتشغيل اللاّجئين أونروا. وقال إن السماح بإدخال بعض المواد، ليس السبيل لإنهاء معاناة الفلسطينيين في غزة.

وتتعرّض إسرائيل لضغوط دولية من أجل رفع الحِـصار، بعد أن قتلت قواتها تسعة نشطاء في هجوم على قافلة إغاثة دولية في 31 مايو الماضي.

ويحتاج نقل المواد إلى غزة عملية شاقة. فيتعيّـن خضوع شحنات من مواد غذائية بالأساس إلى تدقيق أمني في ميناء أسدود. وفي كرم أبو سالم، على الحدود المصرية، يجري تفريغ كل شيء في مخازن يصل ارتفاعها لطابقين.

وتغادر الشاحنات الإسرائيلية ويجري إغلاق البوابات، ثم تأتي الشاحنات الفلسطينية من جانبها، ليُـعاد تحميل الشحنات. والتدابير الأمنية مشدّدة في ذلك المكان الواقع إلى الشرق مباشرة من بلدة رفح الحدودية.

وفي إطار القوانين الجديدة، ستسمح إسرائيل بدخول مواد بناء للمشاريع التي تقرّها السلطة الفلسطينية، بما في ذلك المدارس والعيادات والصّرف الصحي.

وينفي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وجود معاناة للفلسطينيين في القطاع الذي أصيب بأضرار شديدة جرّاء العملية العسكرية الإسرائيلية التي استمرت ثلاثة أسابيع بين أواخر 2008 وأوائل 2009.

وقال يوم الاثنين 21 يونيو، إن تخفيف الحصار “سيعزِّز موقِـفنا تجاه أصدقائنا في العالم.. ويسحب البساط من تحت أداة الدعاية الرئيسية عند حماس ورُعاتها في إيران، الذين يَـدّعون أن هناك أزمة إنسانية في غزة”.

ومن المتوقّـع أن تبحر قوافل مساعدات بحرية متحدية الحصار البحري الإسرائيلي خلال الأسابيع المقبلة.

وقال نتانياهو، إن إيران التي تدعم حماس وحزب الله في لبنان، هي الجهة التي تقف وراء القوافل. وقال للبرلمان، إن أصدقاء إسرائيل سيتبنّـون تشديدها للحِـصار البحري والأمني على حماس، لأن “إزالة الحصار المدني”، يُـعزِّز شرعيتها.

ورحّـبت واشنطن بالخطوة الإسرائيلية وأعلنت أن الرئيس باراك أوباما سيلتقي ونتانياهو في السادس من يوليو القادم، بعد أن تأجّـل لقاؤهما الذي كان مقرّرا مطلع شهر يونيو.

وقالت لجنة الوساطة الرباعية الدولية في الشرق الأوسط والمؤلفة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، إنها تتطلّـع إلى التنفيذ الكامل لما تقرّر، ولكنها قالت إن الوضع في غزة ما زال “لا يُـمكن استمراره وغير مقبول”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 يونيو 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية