مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ترحيب وتشكيك بالعمليات الجراحية “السياحية”

بعد سياحة التسوق، هل سيأتي وقت "سياحة العمليات الطبية؟" Keystone

دفع الارتفاع المتزايد لتكاليف الصحة في سويسرا بعض شركات التأمين إلى التفكير في حلول اقتصادية، مثل خضوع فئة معينة من المرضى لعمليات جراحية في الخارج.

الفكرة ليست وليدة اليوم، لكن كثرة الحديث عنها مؤخرا أوضح أنها تثير جملة من التحفظات والقلق لدى عدد من المعنيين بالمجال الصحي مثل الجمعية السويسرية للمرضى.

كثـُر الحديث مؤخرا في وسائل الإعلام السويسرية عن المشروع الاقتصادي الذي تنوي تنفيذَه شركةُ التأمين الصحي (Caisse-maladie Chrétienne Sociale)، والذي يقترح إرسال فئة معينة من المرضى إلى ألمانيا في فترة أولى، ثم إلى فرنسا في فترة لاحقة، من أجل الخضوع لنوعية محددة من العمليات الجراحية التي تكلف في عدد من الدول المجاورة أقل بكثير مما يفرضه واقع الفواتير السويسرية. ومن بين هذه العمليات عمليات القسطرة القلبية، واستئصال الرحم، ووضع الأوراك الإصطناعية.

وتؤكد شركة التأمين “CSS” -التي يوجد مقرها بلوسيرن- أن هذا المشروع سيمكنها من توفير مبالغ هامة. فعلى سبيل المثال، تكلف عملية جراحية لتقويم اعوجاج الأعضاء 20400 فرنك سويسري إن تمت في المستشفى الجامعي في لوزان. لكن تكاليف نفس العملية لن تزيد عن 19000 فرنك إذا ما أجريت في مدينة رينفلدن الألمانية المجاورة. هذا علما أن فاتورة المستشفى الجامعي بلوزان تشمل أتعاب العملية فقط، بينما تدخل في حسابات المستشفى الألماني تكلفة أسبوعي النقاهة التي تلي العملية.

وبالنسبة لفترات النقاهة تحديدا، تمكنت شركة التأمين الصحي “CSS” بالفعل من تحقيق توفير هام عن طريق إرسال المرضى إلى مستشفيات ألمانية تقع على الحدود مع سويسرا.

في المقابل، يصطدم تنقل المرضى إلى الخارج للخضوع لعمليات جراحية بعقبة قانونية، إذن أن القانون السويسري حول التأمين الصحي الأساسي الضروري (LAMal) يفرض احترام مبدأ الإقليمية، بمعنى أن العمليات لا يجب أن تجرى خارج التراب السويسري إلا في الحالات الملحة. كما يجب أن يكون المريض منخرطا في تأمين صحي تكميلي بالإضافة إلى التأمين الصحي الأساسي الإجباري.

المتحدث باسم شركة التأمين الصحي “CSS” ستيفان ميشل أوضح في تصريح لـ”سويس انفو” أن الشركة أبرمت بعد عقدا مع المصحة الألمانية في “باد ساكينغن” في إطار العلاجات الخاصة بإعادة تأهيل المرضى. ويكلف اليوم الواحد من هذا العلاج 187 فرنك في المصحة الألمانية بينما يمكن أن يبلغ 600 فرنك في سويسرا.

وستقترح الشركة العام القادم عرضا خاصا على حوالي الـ180 ألف منخرط في خدماتها (ممن يتوفرون على التأمين الصحي التكميلي) لتشجيعهم على قضاء فترة النقاهة في المستشفيات الألمانية.

وأوضح السيد ميشيل في هذا السياق أن الأسعار الألمانية المنخفضة تسمح لشركة “CSS” السويسرية بتوفير مدة إقامة أيضا لرفيق أو رفقية المريض أو المريضة دون أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكاليف العملية.

المشروع ليس جديدا!

كريستيان سيلدهاوسن، المسؤول عن قسم الاتصال للمناطق السويسرية المتحدثة بالألمانية في مجموعة التأمين الصحي “Groupe Mutuel” ذكّر في تصريح لـ”سويس انفو” أن فكرة نقل المرضى إلى الخارج ليست وليدة اليوم، وأن شركة التأمين الصحي السويسرية “هيلسانا” تقترح منذ مدة طويلة على زبائنها قضاء فترة النقاهة في ألمانيا المجاورة.

ونوه السيد سيلدهاوسن إلى أن هذه الإمكانية تظل متاحة لمعظم شركات التأمين الصحي، بما فيها “غروب موتوييل” التي يعمل لحسابها، شرط أن يتقدم المريض باقتراح لشركة التأمين المنخرط فيها كعضو مستفيد من التأمين الصحي التكميلي. ويجب أن يزود المريض شركة التأمين بمعطيات واضحة ودقيقة عن الفرق بين الأسعار في سويسرا والخارج.

غير أن السيد سيلدهاوسن يشدد على أن مسألة التوفر على التأمين الصحي التكميلي تظل المشكلة لأن نفقات معظم العمليات الجراحية تُُغطى من طرف التأمين الصحي الأساسي، وبالتالي تحد من إمكانية ذهاب المريض خارج البلاد لإجراء العملية.

أما مسؤول قسم الإعلام في شركة التأمين الصحي “Visana”، إحدى كبريات شركات التأمين الصحي في سويسرا، فرفض الكشف عن موقف الشركة من مشاريع شركة “CSS” المنافسة مكتفيا بالقول في لقاء وجيز جدا مع سويس انفو: “إن “فيزانا” تلتزم على أية حال بموقف رابطة شركات التأمين الصحي السويسرية “santésuisse”.

ويذكر أن الرابطة كانت قد رحبت يوم 31 أكتوبر الماضي بما وصفته بـ”الخطوة الهامة”، في تعقيبها على مساعي شركات التأمين الصحي من أجل تعزيز التعاون مع الخارج للخفض من التكاليف.

تحفظات وتساؤلات

لكن مشروع شركة التأمين “CSS” لا يثير حماسة كافة الأطراف المعنية بالمجال الصحي. إذ لا تشك مارغاريت كيسلير، رئيسة المنظمة السويسرية للمرضى “OSP” في الغلاء الكبير للعمليات الجراحية في المستشفيات السويسرية، وتقول إن منظمتها شرعت في إجراء مباحثات مع بعض تلك المستشفيات التي أبدت استعدادها لتقليص التكاليف، على الأقل بالنسبة للعمليات الأقل تعقيدا.

في المقابل، أعربت السيدة كيسلر في تصريح لـ”سويس انفو” عن خشيتها من أن يأتي يوم يُُجبر فيه المرض على الذهاب إلى الخارج لإجراء العمليات الجراحية. ولا تغفل السيدة كيسلر أيضا التعقيدات القانونية المحتملة التي يمكن أن تنجم عن خضوع المرضى المقيمين في سويسرا لعمليات جراحية في بلد ثان.

وتتساءل رئيسة المنظمة السويسرية للمرضى قائلة: “ما الذي سيحدث إن حصل سوء لمريض في ألمانيا بينما يظل أقربائه في سويسرا؟ ومن لديه سلطة الفصل إذا ما حدثت مشكلة قانونية. قاض سويسري أو قاض ألماني؟”.

شكوك واتهامات

من جانبه، يبحث حاليا المكتب الفدرالي للصحة العمومية هذه المسألة. وقد تم تشكيل مجموعة عمل لدراسة الكيفية التي يمكن بها تعديل القانون بهدف السماح للسويسريين بعبور الحدود لتلقي العلاج.

أما جمعية الأطباء الرئيسيين في المستشفيات السويسرية “AMPHS”، فلا تبدو مقتنعة بمشاريع شركة التأمين الصحي “CSS”. وقال رئيس الجمعية الدكتور هنز أولي ورستن في تصريح لـ”سويس انفو”: “إنها لعبة تقوم بها شركات التأمين الصحي عبر استعمال الصحف، مضيفا “للصحة ثمن وشركات التأمين لا تريد أن تؤدي هذا الثمن، حتى إن كان المرضى هم الذين يتحملون معظم النفقات”.

ويعرب رئيس الجمعية أيضا عن شكوك كبيرة حول موافقة المرضى للتحول إلى الخارج من أجل العلاج. فهو يرى أن “الذين يترددون في الخضوع لعمليات جراحية في مدينة بيين أو موناتا السويسريتين، لن يقبلوا بالذهاب إلى ألمانيا”.

وبين المؤيدين والمعارضين للفكرة، تظل مسألة الارتفاع اللولبي للنفقات الصحية في سويسرا مشكلة قائمة لم يعد يمكن تجاهلها.. مشكلة باتت تفرض على كل من السلطات وشركات التأمين وحتى المرضى تصور كافة الاحتمالات الممكنة لتطبيب النظام الصحي السويسري نفسه!

إصلاح بخات – سويس انفو

ما بين عام 1999 وعام 2003، ارتفعت أسعار التأمين الصحي الأساسي في سويسرا بنسبة 24%.
تعتبر شركة التأمين الصحي “CSS” ثاني أكبر شركة تأمين في البلاد حيث ينخرط فيها 1,2 مليون شخص، أي ما يعادل (مواطن من أصل كل سبعة مواطنين)
تعتزم هذه الشركة إرسال بعض المرضى إلى ألمانيا للخضوع لأنواع محددة من العمليات الجراحية.
تؤكد الشركة أن المبالغ التي ستوفرها من خلال هذا المشروع مهمة جدا، لأن تكلفة بعض العمليات التي ستجرى في ألمانيا تقل عن نصف السعر الذي تتطلبه في سويسرا.
ولا يخص هذا المشروع سوى الأشخاص المنخرطين في التأمين الصحي الإضافي، ليس فقط الأساسي.
“المنظمة السويسرية للمرضى” و “جمعية الأطباء الرئيسيين في المستشفيات السويسرية” شككتا في نجاعة الفكرة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية