مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تركيا تبحث عن دور في لبنان

وزير الخارجية التركي يتوسط رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة ووزنير الخارجية فوزي صلوخ في قصر الحكومة ببيروت يوم 16 أغسطس 2006 swissinfo.ch

شكلت الحرب الإسرائيلية على لبنان على مدى 33 يوما مناسبة لعدد من الأطراف الإقليميين والدوليين لمحاولة لعب أدوار خارج اراضيها.

تركيا كانت إحدى هذه الأطراف التي عبرت عن استعدادها واهتمامها بالساحة اللبنانية التي كانت على الدوام مغرية (وجاذبة) لكل انواع التدخلات الخارجية.

شكلت الحرب الأسرائيلية على لبنان على مدى33 يوما مناسبة حتى لا نقول فرصة لعدد من الأطراف الأقليميين والدوليين لمحاولة القيام بأدوار خارج اراضيها.

وما من شك في أن الساحة اللبنانية كانت على الدوام، بغياب مفهوم الوطن، مغرية لكل انواع التدخلات الخارجية. ولطالما كان النسيج اللبناني الطائفي مشجعا لاستدراج الخارج والأمثلة واضحة ومستمرة منذ الأزمة الأولى (بعد الإستقلال)عام 1958 وحتى اليوم.

تركيا واحدة من الدول التي دخلت على خط الأزمة او المسألة اللبنانية متأخرة. وهذا يطرح تساؤلات كثيرة عن أبعاد المحاولة التركية ان تكون جزءا من الصراع اللبناني وتاليا الشرق-أوسطي.

انتهج مصطفى كمال اتاتورك منذ العام 1923 سياسة “سلام في الداخل سلام في العالم” انطلاقا من ان تركيا، بعد العاصفة التي هدمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى، تحتاج الى ترتيب بيتها الداخلي والتخلي عن المغامرات الأمبراطورية.

لكن الإستقطابات العالمية بعد الحرب العالمية الثانية وموقع تركيا الإستراتيجي على خط تماس المعسكرين الغربي والشيوعي أدخل تركيا طرفا الى جانب القوى الغربية والاطلسية وفي مخططاتها على امتداد العالم.

فكان الإنتهاك الأول لسياسة اتاتورك المنكفئة متمثلا في مشاركة تركيا بالحرب الكورية في مطلع الخمسينات وخسارتها مئات القتلى لتثبيت خيارها الغربي. أما الخطوة الثانية فكانت في الانضمام الى حلف شمال الأطلسي.

بعد ذلك عادت تركيا الى الشرق الأوسط عبر “حلف بغداد” وقبل هذا وذاك اقامة اوثق العلاقات مع الكيان العبري منذ تأسيسه وتشكيلها عامل ضغط على المشروع القومي العربي بمختلف تجلياته.

امتحان ثان

اليوم تبدي تركيا اهتماما بالحضور الشرق اوسطي من البوابة اللبنانية عبر الحديث عن المشاركة في قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان (يونيفيل) التي اقرّ القرار الدولي 1701 توسيعها وتقويتها .

ان فكرة تشكيل قوة دولية تنتشر في جنوب لبنان في الأصل هي فكرة اسرائيلية هدفت الى نزع سلاح حزب الله. والمفارقة اللافتة ان اسرائيل اقترحت تركيا لأن تكون من المشاركين في هذه القوة لأنها “دولة مسلمة وعلمانية وعضو في حلف شمالي الأطلسي وجيشها مدرب تدريبا جيدا”.

تركيا لم تتأخر في الردّ. رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان اعلن ان تركيا ستشارك في تلك القوة اذا صدر قرار عن مجلس الامن الدولي واذا اعلن وقف تام لإطلاق النار.

الاعلان التركي ليس مفاجئا. فسياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم تنطلق في جانب منها من اعتبارات عقائدية اسلامية-عثمانية تشبه الى حد بعيد سياسات الرئيس الراحل طورغوت اوزال. كما أن وزير الخارجية الحالي عبدالله غول أعلن مرة ان بلاده “لا يمكن ان تنحبس في الاناضول”.

طبعا لا يمكن أن يكون “القيام بدور خارج الحدود الوطنية” جغرافيا بمعنى التوسع، كما لا يمكن الطلب من تركيا البقاء بحالة وقوف وانتظار ليصل الخطر الى داخل حدودها في ظل المتغيرات الشرق أوسطية ولا سيما على الصعيد الكردي.

يواجه حزب العدالة والتنمية في الخطوة اللبنانية امتحانه و تحدّيه الثاني بعد الأزمة العنيفة التي عصفت بالعلاقات التركية الأميركية في اثر رفض البرلمان التركي في الأول من مارس-آذار 2003 المشاركة في احتلال العراق.

اليوم لا تريد انقرة، واردوغان وحزبه بالذات، أن تواجه “1 اذار/مارس” جديدا مع الولايات المتحدة. خصوصا وأن انقرة بذلت جهودا هائلة لترميم هذه العلاقات ولا تريد اعادتها مجددا الى نقطة الصفر.
تصريح اردوغان يصب في هذا الاتجاه.

الحاجة إلى إجماع

بعد آخر للموقف الأردوغاني (وليس التركي) المبدئي (والنظري حتى الآن) وهو انه على الصعيد العقائدي جزء من النظام الرسمي الأسلامي والعربي الذي شكلت مواقفه السلبية من حزب الله ولا سيما من حانب الأردن والسعودية ومصر ومنظمة المؤتمر الأسلامي وجامعة الدول العربية، تغطية وتشجيعا للعدوان الأسرائيلي وارتكابه المجازر غير المسبوقة. الواضح أن موقف اردوغان ولا سيما بعد زيارة الملك السعودي عبدالله الى انقرة يأتي في هذا السياق.

لكن خط العلاقات الذي يريده حزب العدالة والتنمية مع واشنطن والغرب والنظام الإسلامي والعربي يصطدم بالعديد من المعوقات التي قد تحول دون تجسيده في لبنان من خلال المشاركة في القوة الدوليةالمقرّة في القرار 1701.

اولا، يحتاج اتخاذ انقرة قرار ارسال قوات الى لبنان اجماعا داخل تركيا وهو ما طلبه الرئيس احمد نجدت سيزير.

في الواقع، على الصعيد الرسمي تواجه هذه الخطوة معارضة من احزاب المعارضة في البرلمان. ثم ان العديد من اعضاء الحزب الحاكم نفسه يبدي اعتراضا على ارسال قوات الى لبنان.

اما المعارضة الأكبر فهي تأتي من جانب الرأي العام التركي. اذ ان غالبية وسائل الاعلام والكتّاب ومنظمات المجتمع المدني خاضت في أسابيع الحرب إحدى اكبر معاركها ضد الجرائم الأسرائيلية وأدانتها على كل صعيد.ان نسبة الكراهية لأسرائيل ولأميركا وصلت في تركيا الى أعلى نسبة تخطت الـ90 في المائة.

القناعة الشائعة في تركيا فتتمثل في أن القوة الدولية التي ستذهب الى جنوب لبنان انما هي لحماية اسرائيل وتصفية حزب الله في الوقت الذي ينظر فيه جزء كبير من الرأي العام التركي الى مقاومة حزب الله ضد اسرائيل على اعتبار انها دفاع في الوقت نفسه عن تركيا والأناضول كما يقول الكاتب الأسلامي المعروف علي بولاتش.

أيضا هناك عاملان اقليمي ولبناني يُـعـسّـران على تركيا اتخاذ قرار ارسال قوات عسكرية الى لبنان:

1- اقليميا ليس خافيا الدعم الذي تقدمه ايران الى حزب الله. وايران تعارض قوة دولية ذات طابع هجومي من مهامها نزع سلاح حزب الله. وأية خطوة تركية بهذا الأتجاه يعرض مصالحها الأمنية والإقتصادية القائمة مع ايران الى الخطر ولا سيما التنسيق والتعاون في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني. وايران في النهاية جار جغرافي لتركيا والعلاقات مع طهران لها اولوية من هذه الزاوية للمصالح التركية.

2- اما لبنانيا، فهناك “العامل الأرمني” الذي قد لا يخطر على بال أحد. فالأرمن في لبنان يقاربون ال 400 الف نسمة ولهم تأثير في الحياة السياسية والإنتخابية والإجتماعية والإقتصادية. و هم اعلنوا، مع الجاليات الأرمنية في العالم، معارضتهم لإرسال قوات تركية الى لبنان.

ممارسة النفوذ ..

إزاء كل هذه العوامل طرأ تحول على الموقف التركي المتحمس لإرسال قوات الى لبنان وباتت أنقرة اكثر خشية وترددا وارتباكا. فهي تريد المشاركة لكنها تخاف الآن من عواقبها التي ليس اقلها اعتبار اي صدام مع حزب الله صداما مع سوريا وايران والشيعة والعرب والمسلمين. فأية حكومة قادرة على تحمل مثل هذه العواقب؟

من الواضح ان طريق تركيا الى لبنان تمر عبر حزب الله وايران وسوريا. ومن دون موافقة هذه الأطراف فلن ترسل تركيا قوات الى لبنان لأن العكس يعني استجلاب تركيا لنفسها المزيد من المشكلات الإقليمية والإطاحة بالتحسن الذي طرأ على علاقاتها مع العرب والمسلمين.

قد يكون الحل – الذي يُبقي على خيوط عنكبوتاتها مع الجميع – متمثلا في إرسال عناصر رمزية جدا وخارج الميدان العسكري إلى لبنان. ولكن، من هو الذي قال بأن النفوذ لا يمكن ان يمارس من خلال وسائل أجدى واكثر تأثيرا من الوسائل العسكرية؟

د. محمد نور الدين – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية