مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مستغلّـو الأطفال جِنسياً يُواجِهون حظْـراً في التّعامل معهم مدى الحياة

يدعو أصحاب المبادرة إلى ضرورة حماية المجتمع عموما والأطفال بوجه خاص من العائدين لممارسة هذا الصنف من الجرائم وأصحاب السوابق عموما Keystone

قد تكون أكثر القضايا إثارة للمشاعِر في مواجهة الناخبين السويسريين في تصويت يوم 18 مايو المقبل، هي المبادرة الشعبية الدّاعية إلى حَظر عمل مُستغلّي الأطفال جِنسياً، الذين تمّت إدانتهم مع الأطفال مدى الحياة. وتأتي المبادرة، كتتويج لحملة استمرّت عشرة أعوام، أطلقها جَدل احتدم في بلدة بيين / بيل (كانتون برن).

بعد السجالات النارية التي دارت تحت قبّة البرلمان الفدرالي في العام المنصرِم، هدأت الأطراف المُعارضة لهذه المبادرة، التي تلقى دعمها بشكل رئيسي من حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) والحزب الديمقراطي المسيحي (وسط يمين)، ذلك أن ما من حزب يرغَب بتبنّي صورة المُدافع عن قضايا المتحرِّشين جنسياً بالأطفال. وعلى غير ما جرت عليه العادة، تمضي حملة التصويت قدُما، دون رفْض أو تقديم مشروع مُضاد من قِبل البرلمان.

ومن شأن المبادرة التي رفعتها جمعية “المسيرة البيضاء” (Marche Blanche)، أن تؤدّي إلى إدخال تعديل في الدستور السويسري، لضمان أن “يفقد الأشخاص الذين أُدِينوا بسبب تأثيرهم على السّلامة الجِنسية لطفل أو شخص مُعال بشكل دائم، الحق في متابعة أي نشاط مِهني أو تطوّعي مع القُصّر أو المُعالين”.

ولاعتماد هذه المبادرة وتحوّلها إلى قانون، ينبغي حصولها على أغلبية أصوات الناخبين، فضْلاً عن تأييد غالبية الكانتونات. وكانت جمعية “المسيرة البيضاء”، التي تنشط في الدِّفاع عن حقوق ضحايا الاستغلال الجنسي، قد تأسّست بمبادرة من مجموعة من أولياء الأمور القلِقين في سويسرا في عام 2001، على غِرار ما حصل في بلجيكا في تسعينيات القرن الماضي، إثْر قضية مارك دوترو الشهيرة، الذي حُكِم عليه بالسجن المؤبّد لإدانته بعدد من جرائم الاختطاف والاغتصاب والقتل لفتيات قاصرات.

من الجانب الآخر، يرى منتقِدو التعديل الدستوري، بأن صياغته صارِمة جدّاً وغيْر مُتناسبة، وبأن مُراجعة قانون العقوبات، التي أقرّها البرلمان في شهر نوفمبر الماضي، والذي من المقرّر دخوله حيّز التنفيذ في العام المقبل، يتعامَل مع قضية الحماية على نحو ملائم.

عقوبات جديدة

خلال الأعوام الثلاثة التي أعقَبت تسليم القائمين على المبادرة للتّوقيعات اللاّزمة [لكي تحظى بالقبول من الناحية القانونية]، وبرغم ما دار من مناقشات عديدة، إلّا أنَّ غرفتيْ البرلمان الفدرالي (مجلس الشيوخ ومجلس النواب)، فشلتا في الوصول إلى توصية مُشتركة للنّاخبين في صالح المبادرة أو ضدّها، كما هو العُرف السائِد.

ولم تُسفِر محاولات البرلمان السابقة لتشديد العقوبات ضدّ المتحرِّشين جنسياً بالأطفال، عن أية نتيجة حتى شهر نوفمبر الماضي، عندما أصبح في مواجهة تصويتٍ وشيكٍ على الصّعيد الوطني، حيث أعاد النظر في مسألة حظْر عمل المتحرِّشين المُدانين، مع الأطفال، واعتمد عقوبات جديدة ضدّهم.

وتضمّنت العقوبات، التي اختلفت استناداً إلى خطورة الجرائم، والتي تُطبّق على العُنف غيْر الجنسي المُمَارَس ضدّ الأطفال أيضاً، حظراً على التعامل مع الأطفال لمدّة عشرة أعوام، يمكن تجديدها إلى خمسة أعوام أخرى أو تمديدها إلى حظْر مدى الحياة، في ظلِّ ظروفٍ معيَّنة. وسوف تكون للقُضاة أيضا صلاحية حَظْر المُعتَدين من الاتصال بالضحايا والإعلان عن بعض الأماكن العامة كمناطق محظورة على المتحرِّشين بالأطفال المُدانين.

من جهته، أوصى المجلس الفدرالي، الذي أبدى ارتياحه لهذا الحلّ القانوني، الناخبين برفْض المبادرة على أساس أنها غيْر دقيقة وغيْر متكامِلة وتتعارض مع مبادئ القانون السويسري والدولي. غير أن القائمين على المبادرة، لم يكونوا راغبين بترْك حظْر عمل [المدانين مع الأطفال]، وِفقا لتقدير القُضاة، مُشيرين إلى السجل السيء لأداء النظام القانوني في حماية الأطفال، ضارِبين على ما حدث في قضية عام 2004 في بلدة بيين/بيل، مثالاً صارخاً على حالة واحدة فقط.

في عام 2012، وُجِّهت تُهمة مُمارسة أنشِطة جنسية مع أطفال إلى 1,203 شخص في سويسرا، وِفقا للمكتب الفدرالي للإحصاء. وتقدّر عدد حالات استغلال الأطفال التي لم يُبلّغ عنها، بأكثر من ذلك بكثير. وتُشير التقديرات إلى تعرُّض امرأة من كل أربع نساء، ورجل من كلّ عشرة رجال في سويسرا، إلى نوْع من الاعتداء الجِنسي في طفولتهم. وتشمل هذه الاعتداءات، حالات حدَثت لمرّة واحدة فقط، فضْلاً عن إساءات تخْلو من الاتصال الجسدي كالإستعرائية.

تُـمثِّل الفتيات، ثلثيْ عدد الضحايا، في حين يُمثِّـل الفِتْيان الثلث. تتراوح الفئة العمرية الأكثر تعرضاً للإستغلال الجنسي من 7 إلى 12 عاماً. يتعرّض بعض الأطفال للاعتداء الجنسي مرّة واحدة فقط في حياتهم، في حين يُعاني البعض الآخر من اعتداءات مُتكرِّرة، تمتدّ عبْر سنوات أحياناً.

(المصدر: جمعية حماية الطفل السويسري)

المرشّح “الأفضل”

وتتعلّق القضية المُشار إليها، بمعلِّم كان قد أُدين بتُهمة الاعتِداء الجنسي على الأطفال. وكان الشخص المذكور، قد نجح بعد انتِهاء مدّة عقوبته في التقدّم إلى وظيفة جديدة للتّدريس في البلدة والعمل مع أطفال بعُمر ستّة أعوام. وحينما ذاع الخبر، نظّمت جماعة “المسيرة البيضاء” مسيرة احتجاجِية وقدّمت عريضة تدعو لإقالة الرّجل. ولكن مجلس إدارة المدرسة، دافع عن قراره بحجّة أنه كان المرشّح “الأفضل” لهذا المنصِب.

وفي وقتٍ لاحق، تبنّى اثنان من الساسة هذه القضية، لكنهما فشِلا بدوريْهما في كسْب أي تأييد داخل البرلمان. وبعد انتظار أن تأخُذ مبادرتان برلمانيتان مجراهما الطبيعي، قرّرت مجموعة “المسيرة البيضاء” إحالة القضية إلى الشعب، وقامت بتسليم التّوقيعات المطلوبة في شهر أبريل من عام 2011 بُغية فَرض إجراء تصويتٍ على الصّعيد الوطني.

وكانت جماعة “المسيرة البيضاء” قد نجحت من قبل في إقناع الناخبين بشأن قضايا حماية الطفل. وبرزت آخر إنجازاتها في نوفمبر 2008، عندما أيَّد 52% من الناخبين المُبادرة الشعبية التي طرحتها، والدّاعية إلى إجراء تعديلٍ دستوري لإزالة قانون التقادُم عن ارتكاب الأفعال الجِنسية أو الإباحية بحقّ الأطفال دون سنِّ الثانية عشر، لينتهي بذلك زمَن إسقاط جرائم الاستغلال الجِنسي للأطفال بالتقادُم في القانون الجِنائي السويسري. وقبل ذلك التاريخ، كان الضحايا يُمنَحون مُهلة تمتدّ حتى سِنِّ الخامسة والعشرين (25)، لاتخاذ الإجراءات القانونية.

لم تتوقّف القِصص المأساوية الدائِرة حول الجرائم الجنسية المُرتكبة بحقّ الأطفال من تصدر عناوين وسائل الإعلام، حيث ستبدأ مُحاكمة أكبر وأسوأ حالات الاعتداء المتسلسل في سويسرا حتى الآن، والتي تمّ الكشْف عنها في عام 2011، يوم 17 مارس من العام الجاري.

وقد اعترف المُـتَّهم البالغ من العمر 57 عاما بالاعتداء على أكثر من 100 طفل وبالغ من ذوي الإعاقات الجسَدية والعقلِية عبْر أكثر من 29 عاماً، حتى ظهور الاعتداء إلى العلَن قبل أربعة أعوام.

وتتضمن الأدِلّة ضدّ الرجل، الذي كان يعمل كموظّف في مجال الرِّعاية في ثمانية دور سكنية سويسرية مخصّصة لاستقبال المعاقين، مجموعة من الصور وساعات من أفلام الفيديو التي سجّل فيها هذه الاعتداءات.

وأمام المحكمة الآن، 33 تُـهمة تتعلّق بالإساءة إلى أطفال وبالغين مُعاقِين، عقلياً وجسدياً. أما بقية الجرائم (والمتعلقة بـ 91 ضحية إضافية)، فقد مرّت عليها مُهلة المحاكمة قبْل تغيير القانون في عام 2008 وبقِيت خاضِعة لقانون التقادُم السابق. ومن المتوقّع صدور الحُكم يوم الجمعة 21 مارس.

نقاشات

وفي نفس السياق، دافعت ناتالي ريكلي، البرلمانية من حزب الشعب السويسري وعضوة لجنة المبادرة، عن هذه المبادرة بكلّ ما أوتِيَت من قوّة في البرلمان. “إنه من المحزن حقّا أن يضطرّ الناخبون لأن يأخذوا على عاتقهم إطلاق مِثل هذه المبادرات بسبب فشل السّاسة في اتخاذ الإجراءات اللاّزمة، ولاسيما عندما تكون السلامة هي إحدى أهَم مهام الدولة”. على حد قولها.

وتواصل: “يجب علينا أن نحمِي المجتمع، وبخاصة الأطفال أو الأشخاص المُعالين من المُجرمين الذين يُكرِّرون هذه الأفعال، وهذا بالضبط ما تدور حوله هذه المبادرة. عندما يُـدان أحد مُستغلّي الأطفال جنسياً، لا ينبغي السماح له بالعمل ثانية مع الأطفال أو الأشخاص المعالين، سواء كان ذلك في المجال المِهني أو في وقت الفراغ”.

وفي نفس المناقشة، اتّفقت إيزابيل شيفالي من حزب الخُضر الليبرالي (وسط اليمين) مع المبدإ القائل بعدم السماح للأشخاص المُدانين بارتِكاب جرائم خطيرة للاستغلال الجِنسي للأطفال، بالعمل معهم، ولكنها جادلت أن صياغة المبادرة كانت ضيِّقة جداً.

“هناك ثَغَـرات في المبادرة الشعبية المُقدّمة إلينا. يجب أن نُدرِك أن الغالِبية العُظمى من حالات الاعتِداء الجنسي على الأطفال، تتم داخل نِطاق الأسْرة. وفي حالات كهذه، لن تستطيع المبادرة أن تغيِّر شيئاً للأسف. سوف تكون هناك حاجة إلى نصٍّ قانوني أوسَع لحماية غالِبية الأطفال المُعتَـدَى عليهم بشكل فعلي”.

وأكّدت شيفالي بدورها على النقطة التي أشار إليها المجلس الفدرالي في تعليقه على المبادرة، والمتعلِّقة بالمَخاطر التي تُـواجِه حالات العلاقات بين الأزواج الشباب [الصديق والصديقة]، الذين تُقارب أعمارهم سِن القبول (16)، واحتمالات إدراجهم تحت أحكام منْع العمل، بسبب ما تنصّ عليه المبادرة من فرْض حظْر تِلقائي، دون منح السلطة القضائية حقّ التقدير.

هذا الادِّعاء قوبِل بالرّفض من كريستين بوسّات، مؤسِّسة جمعية “المسيرة البيضاء”، بحجّة أن مثل هذه الحالات الخاصة بـ “الصديق والصديقة”، لا تُعرَض أمام القضاء في سويسرا. وبمُوجب القانون الجِنائي السويسري، تُستثْـنى الحالات التي يقِل فيها فارِق السِن عن ثلاثة أعوام من تعريف اغتِصاب القاصِر.

من جانب آخر، تعتقِد مونيكا إيغلي – الغي من معهد الطبّ الشرعي شرق سويسرا (Forio)، والتي تعمل كطبيبة نفسانية تقدِّم العلاج لمُستغلّي الأطفال جنسياً وتزوِّد المحاكِم بتقارير تحليل المخاطِر، بأن حظر العمل التِّلقائي، هو خطوة في الاتِّجاه الخاطِئ، وتقول: “برأيي، من المهم أن نفعل كل شيء لحماية الأطفال من أي نوع من أنواع الاعتداء الجنسي. في مجال ممارسة الجِنس مع الأطفال، نحن بحاجة إلى تأسيس خدَمات، للتأكّد من حصول أولئك الذين يريدون المساعدة عليها أو خضوعهم إلى فحوص دقيقة عندما يشكِّلون خطراً على المجتمع”، كما أخبرت swissinfo.ch

وأضافت: “بالإمكان التعامُل بالشَّكل الكافي بالفِعل مع أولئك الذين يُمثِّـلون خطراً على الأطفال في إطار القانون الحالي. العقوبات موجودة، ولكن علينا فرْضها. وهذا يتطلّب قرارات جَريئة وشُجاعة أخلاقية من جانب المحاكِم والسلطات”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية