مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تصويت 8 فبراير: “السويسريون غلّبوا الواقعية والحكمة”

رحبت الصحف السويسرية الصادرة يوم الإثنين 9 فبراير 2009 بنتائج الإستفتاء العام حول التمديد لإتفاق التنقل الحر للأشخاص وبتوسعة هذا الإتفاق لكل من بلغاريا ورومانيا swissinfo.ch

باركت الصحف السويسرية الصادرة يوم الاثنين بالإجماع تقريبا موافقة الشعب السويسري في استفتاء عام أجري بالأمس على تمديد العمل باتفاقية حرية تنقل الأشخاص مع بلدان الإتحاد الأوروبي، وعلى توسعة مجاله لرومانيا وبلغاريا، آخر بلدين التحقا بالنادي الأوروبي.

وحيّت هذه الصحف ما اعتبرته دليلا على تمسّك الشارع السويسري بالواقعية والحكمة، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي يخيّم شبحها على البلاد.

وأعرب المعلقون بهذه الصحف عن مفاجأتهم بالنسبة العالية التي أيّدت اتفاقية حرية تنقل الأشخاص، ولم يتكهّن أحد حتى وقت قريب أن يساند 60% من الشعب السويسري توسعة مجال هذه الاتفاقيات لتشمل بلغاريا ورومانيا.

وعن وقع هذه المفاجأة، جاء في افتتاحية صحيفة “لوماتان” الشعبية الواسعة الإنتشار “كانت كل المعطيات تعمل في صالح معسكر الرافضين، الأزمة الاقتصادية، والغضب المتصاعد ضد العمال عابري الحدود خاصة الفرنسيين والألمان، والتبرم الشديد من المتسوّلين الغجر (القادمين من رومانيا)، وبإمكان توقّع نتيجة هذا البؤس، لكن الحصيلة التي جاءت بها صناديق الاقتراع، كانت غير ذلك، وشعر الجميع بحالة من الانفراج”.

من جهتها، عنونت صحيفة “لو جورنال دو جورا” الصادرة في دوليومن افتتاحيتها “انتظرنا الأسوأ، وحصلنا على الأفضل”، وختمتها بالقول: “كان الانتصار حاسما أكثر مما كنا ننتظر”.

قرار واقعي وحكيم

وفي الوقت الذي انتظر فيه الجميع أن ترجّح الأزمة الاقتصادية الكفة لصالح المعارضين لتمديد العمل باتفاقية حرية تنقل الأشخاص، إكتشف المراقبون أن ما حصل كان العكس تماما.

ورأت صحيفة “نويه تسورخر تساتونغ” الناطقة بالألمانية في زيزرخ في نتيجة هذا الاقتراع رفضا “للمغامرة السياسية”، وقالت في افتتاحيتها “في وضع اقتصادي صعب، قرر السويسريون بشكل حاسم تمديد العمل باتفاقيات حرية تنقل الأشخاص مع أكبر شريك تجاري لبلادهم”.

وهذا ما أشادت به أيضا صحيفة “لاتريبون دو جنيف” الناطقة بالفرنسية، التي أوردت في تعليقها على نتيجة اقتراع 8 فبراير: “لقد برهن السويسريون على واقعيتهم، وتمسكهم بالحكمة، حيث رفضوا اللجوء إلى العزلة أو الانكفاء على الذات، وهو السلوك الذي عادة ما يستهوي الرأي العام في الفترات الصعبة”.

من جهتها حيّت صحيفة “لاكسبرس” الصادرة بالفرنسية في نوشاتيل “التأييد الكبير والحاسم”، منبهة إلى أن “سويسرا كانت ستخسر الكثير، لو انها اختارت طريق العزلة”، وخلصت إلى القول “من الآن فصاعدا، أصبح السويسريون واعين بأن بلادهم متجذّّرة في محيطها الأوروبي”.

دعم قوي لنهج الإتفاقيات الثنائية

للمرة الرابعة منذ 1992، تكشف صناديق الاقتراع عن تأييد الشعب السويسري لنهج الاتفاقيات الثنائية بين بلاده والإتحاد الأوروبي، وهذا ما أبرزته الصحف الصادرة اليوم، وبالنسبة لصحيفة “لاكسبرس” فقد أصبحت حزمة الاتفاقيات الثنائية “الركن الأساسي لعلاقاتنا المستقبلية مع الإتحاد الأوروبي”.

وفي السياق نفسه، ترى صحف أخرى أن اقتراع يوم الأحد “سيعزّز من موقف الحكومة السويسرية في مفاوضاتها المستقبلية مع المفوّضية الأوروبية ببروكسل”. وذهبت صحيفة “تاغس أنتسايغر” الصادرة بالألمانية في زيورخ إلى أن “بإمكان الحكومة بعد هذا الاقتراع، المراهنة على تأييد الشعب السويسري، خلال مفاوضاتها مع بروكسل”.

وهذا الرأي تشاركها فيه أيضا “دير بوند”، التي تصدر بالألمانية في العاصمة الفدرالية حيث تتوقع أن “تنظر أوروبا إلى سويسرا كشريك مفاوض حري بالثقة، حتى في الفترات الصعبة”.

ترحيب أوروبي

الصحف الاوروبية بدورها أكدت ان نتائج الإقتراع أفرزت حالة من الإنفراج في العلاقات السويسرية الأوروبية، وأشارت تلك الصحف إلى التحوّل الذي طرأ على الرأي العام السويسري، واختارت صحيفة “فيلت” الألمانية عنوانا لاحد مقالاتها: “لم تعد أوروبا تثير المخاوف”.

وتضيف اليومية الالمانية: “تستحق نتائج إستفتاء الأحد الإحترام والتقدير، خاصة وانها تاتي في وقت تتصاعد فيه النزعة الحمائية في البلدان الأوروبية الاخرى”.

ووصل صدى هذا الإستفتاء ايضا إلى إسبانيا، إذ أشارت صحيفة “أل باييس” إلى “أن السويسريين خلال الإقتراع، قد رجّحوا كفة المصالح الإقتصادية الكبرى لبلادهم على ما كان ينتابهم من مخاوف”.

أما في إيطاليا الجار الجنوبي لسويسرا، فقد دعت صحيفة “”كورياري ديلا سيرا”، الإيطالية واسعة الانتشار، السلطات السويسرية إلى الأخذ في الإعتبار مصالح سكان التيتشينو (المقاطعة السويسرية الوحيدة الناطقة بالإيطالية)، والتي صوّت سكانها باغلبية 65% ضد تمديد العمل باتفاق حرية تنقل الأشخاص وتوسعته إلى بلغاريا ورومانيا.

“علاقات مضطربة في الأفق”

في المقابل، فضّل بعض المعلّقين لفت النظر إلى أن 40% من الشعب السويسري صوّت بـ “لا” خلال هذا الاقتراع، وتوقّع العديد من المحللين أن تدخل العلاقات السويسرية الأوروبية مرحلة من “الشد والجذب” كلما تقدمت المفاوضات بين الطرفيْن.

وبالنسبة لصحيفة “لوتون” الصادرة بالفرنسية في جنيف، “يأتي استفتاء الأمس في اللحظة نفسها التي بدأ فيها الإتحاد الأوروبي يُولي عناية قصوى لعلاقاته مع سويسرا، وينتظر هذه العلاقة فترة من الاضطراب”.

وفي سياق متصل، تضيف “لوتون” في افتتاحيتها “من المرجّح ان تواجه سويسرا صعوبات في مفاوضاتها مع الأوروبيين خلال الأشهر القليلة القادمة، خاصة عندما يأتي الوقت للحديث عن اتفاق إطار شامل للعلاقات الثنائية”، وتحذّر الصحيفة إلى أن تلك التطورات تتطلب الكثير من التريث والهدوء، مؤملة أن لا يعكّر حزب الشعب اليميني المتشدد، صفو تلك المفاوضات.

في الوقت نفسه، تلفت صحيفة “لا تريبون” الصادرة هي الأخرى بجنيف الأنظار إلى أنه “لا احد اليوم يتكلم عن انضمام سويسرا إلى الإتحاد الأوروبي”، وتضيف في افتتاحيتها “لم يتقدم ملف انضمام سويسرا إلى النادي الأوروبي قيد أنملة في السنوات الأخيرة، في الوقت الذي توسع فيه مجال الاتفاقيات الثنائية، وازدادت أهميتها مع ازدياد عدد البلدان الأعضاء في الإتحاد الأوروبي”.

“خسرنا معركة ولم نخسر حربا”

العديد من الصحف اليومية بما في ذلك صحيفة “لاكسبرس”، رأت أن الذين صوتوا يوم الاحد بـ “نعم” والذين بلغت نسبتهم حوالي 60% من الشعب السويسري “قد وجّهوا صفعة قوية لحزب الشعب (يمين متشدد) ولحملته الإنتخابية المبنية على كراهية الاجانب”.

واعتبرت صحيفة “24 ساعة” الصادرة بلوزان في هذا التطوّر “خبرا سارا”، وبحسب يومية اخرى فإن “هذا الإقتراع ألحق هزيمة نكراء بكريستوف بلوخر، وكان من الصعب عليه توقع هذه الهزيمة مسبقا”.

وذهبت “سودأوست شفايتس”الصادرة بالألمانية في خور (كانتون غراوبوندن) إلى أبعد من ذلك، وبالنسبة إليها لفإن “حزب الشعب بصدد الإندحار، وقد ولّى الزمن الذي كانت تراهن فيه الدوائر الإقتصادية على هذا الحزب”.

في المقابل، حاول رموز حزب الشعب التقليل من وقع هذه النتائج، ومن المرجّح ان يردوا على هزيمتهم في الملف الأوروبي بمزيد من التشدد في ملفات اخرى حساسة ستقدم للتصويت قريبا، كملف الطرد القسري للأجانب الذين يرتكبون مخالفات قانونية، ومسألة حظر بناء المآذن، والتعديل القانوني القادم الهادف لمزيد من التشدد في قوانين الهجرة واللجوء، وحتى في ما يتعلق بالملف الأوروبي، فمن المرجّح أن لا يبقى اليمين المتشدد مكتوف الايدي، وقد أعلن فعلا عن نيته إطلاق مبادرة من أجل “تقييد العمل باتفاقيات حرية تنقل الأشخاص من مواطني الإتحاد الأوروبي، في فترات الركود الإقتصادي”.

كذلك تراهن منظمة “العمل من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة”، وهي منظمة يمينية مؤثرة لكن ليس لها طابع سياسي، وتتشكل قاعدتها خاصة من العناصر الأكثر تشددا في حزب الشعب السويسري على إطلاق مبادرة شعبية جديدة تهدف إلى إلزام الحكومة الفدرالية بعرض أي اتفاق جديد مع الإتحاد أو إلتزام بنفقات تتجاوز المليار فرنك في إستفتاء عام قبل إقراره أو دخوله حيّز النفاذ.

سويس إنفو

ميشلين كالمي – ري، وزيرة الخارجية
“هذا الإقتراع أكّد ثقة المواطنين في السياسة الأوروبية التي تنتهجها الحكومة السويسرية، ونتيجته تعزّز التوجّه الذي أشارت إليه الإستفتاءات الاربع السابقة أي منذ سنة 2005”. “انا فخورة جدا بكوني سويسرية. فسويسرا الدولة الأوروبية الوحيدة التي تنظم كل مرة إستفتاء، وكل مرة تقول نعم للشراكة الأوروبية، لم يركن السويسريون إلى الخوف، وتحلوا بالحكمة”.

إيفلين فيدمر – شلومبف، وزيرة العدل والشرطة
“أطمئن الذين صوّتوا ب”لا” أننا سنأخذ بعين الإعتبار مخاوفهم، في أي قرار نأخذه في المستقبل”.

دوريس لويتهارد، وزيرة الإقتصاد
“أدعوا ارباب العمل إلى التحلي بالمسؤولية والوفاء بوعودهم، وذلك بإعطاء الأولوية لأبناء البلد عند توفّر فرص للعمل”.

أورس ليريشتاب، رابطة أرباب العمل السويسريين
“الغالبية من الشعب السويسري أدركوا أن الإنفتاح هو المخرج الوحيد الممكن والضامن الأكيد لإقتصادنا الذي يرتكز على التجارة الخارجية مع الإتحاد الاوروبي، خاصة في مرحلة صعبة كالتي نمر بها الآن”.

يمثل اتفاق التنقل الحر جزءً من المجموعة الأولى من الاتفاقيات الثنائية بين برن وبروكسل. وهو يتعلق في الأصل بالدول الخمسة عشر الأولى التي كانت تشكل الإتحاد الأوروبي. ودخل هذا الاتفاق حيز النفاذ في فاتح يونيو 2002.

وفي سبتمبر 2005، قبل السويسريون بتوسيع إطار هذا الاتفاق ليشمل الدول العشر الأعضاء الجدد الذين انضموا إلى الإتحاد الأوروبي في 1 مايو 2004 (وهي استونيا، ليتوانيا، لاتفيا، هنغاريا، بولونيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، تشيكيا، مالطا، قبرص).

وقابل مرسوم تجديـد وتوسيع نطاق تطبيق اتفاق حرية تنقل الأشخاص بين سويسرا والاتحاد الأوروبي (ليشمل رومانيا وبلغاريا) بمعارضة قوية داخل أوساط اليمين القومي السويسري. ودعا حزب الشعب (يمين متشدد)، أكبر أحزاب البلاد، و”رابطة أبناء كانتون تيتشينو” و”الديمقراطيون السويسريون” (أقصى اليمين) إلى التصويت بـ “لا” يوم 8 فبراير 2008.

في المقابل أيّد الحزب الراديكالي (يمين) والحزب الديمقراطي المسيحي (وسط يمين)، بالإضافة إلى الحزب الإشتراكي السويسري التصويت بـ “نعم”، على الرغم من المخاوف التي أثارها الإشتراكيون حول تأثيرات حرية تنقل الأشخاص على مستوى الأجور (من الإغراق)، لكنه اقتنع في الأخير بأن الإجراءات المرافقة لمنع هذا الإغراق كافية. كما دعا أرباب العمل وأهم المنظمات الاقتصاديـة السويسرية من جهتهم، إلى التصويت بنعم على تمديد العمل باتفاق حرية تنقل الأشخاص، وإلى الموافقة على توسعته ليشمل بلغاريا ورومانيا.

swissinfo.ch

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية