مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تطبيق قوانين اللجوء والأجانب يضع التقاليد الإنسانية لسويسرا على المحك

Keystone Archive

انتقد الفرع الروماندي للمرصد السويسري لقوانين اللجوء والأجانب في تقريره السنوي الأول، تشدد السلطات السويسرية في تطبيقها للإجراءات الجديدة التي دخلت حيز التطبيق منذ عامين في مجال اللجوء و الأجانب.

أثناء عرض أول تقرير للفرع الروماندي للمرصد السويسري لقوانين اللجوء والأجانب، يوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2008 في جنيف، انتقد رئيس الفرع إيف بروتش ممارسات السلطات أثناء تطبيق قوانين اللجوء والأجانب التي دخلت حيز التطبيق قبل عامين في أعقاب تصويت الشعب السويسري الذي أيدها. واعتبر أن الحكومة الفدرالية “لم تُوف بوعودها الرامية إلى تطبيق عقلاني ومرن لتلك القوانين”.

وما ينتقده التقرير بالدرجة الأولى هو انعدام مسارات قانونية تسمح للمقيمين غير الشرعيين أو بدون وثائق من تصحيح وضعيتهم، إضافة إلى ما شهدته إجراءات دراسة طلبات اللجوء من ارتفاع حالات رفض معالجة الملفات بنسبة 44% ما بين 2006 و 2007. وقد دعم التقرير هذه الاستنتاجات بملفات مفصلة تناولت 48 حالة للاجئين وأجانب عانوا من تبعات القانون الجديد.

تراجع عن المكاسب في قوانين الأجانب

إذا كان عدد الأجانب المقيمين في سويسرا بدون ترخيص إقامة رسمي يقدر بما بين 90 الف و 250 الف، فإن التقرير يعتبر أن هذه الفئة السكانية التي تسهم في تعزيز الاقتصاد السويسري بتولي المهام التي لا يرغب أبناء البلد أو المقيمون الشرعيون في توليها، هي التي دفعت الثمن غاليا في أعقاب تشديد القوانين الجديدة.

وهؤلاء الأشخاص – بحكم إقامتهم غير الشرعية والتي قد تصل في بعض الأحيان الى 18 سنة – يتأقلمون مع المجتمع ويندمجون فيه، كما ينجبون أبناء يلتحقون بالمدارس العمومية وينخرطون في المجتمع بل إن البعض منهم لا يعرف مجتمعا آخر غير السويسري الذي يعيشون فيه.

ومع ذلك، أصبح العديد منهم معرضا في يوم من الأيام لمواجهة واقع الطرد إلى بلدانهم الأصلية التي لا يرغبون في العودة إليها بالمرة، أو التي لا تربطهم بها صلات متينة، بسبب الإجراءات الجديدة التي دخلت حيز التطبيق في مجال سياسة الأجانب والتي لا تترك أي مجال لمحاولة تسوية أوضاعهم القانونية عبر القيام من حين لآخر بحملات تؤدي إلى منح رخص إقامة لمن قضوا في سويسرا فترات طويلة.

وكانت أقلية من النواب البرلمانيين قد اقترحت أثناء مناقشة قانون الأجانب الجديد، إدخال بند يسمح بمعالجة خاصة للحالات التي تتعلق بأشخاص أقاموا بصفة غير شرعية لأكثر من أربعة اعوام، وهذا بغرض تسوية أوضاعهم ومنحهم من حين لآخر وحسب الحالة رخصة إقامة تتجدد سنويا، لكن هذا الاقتراح عارضته الأغلبية في غرفتي البرلمان.

ويشير التقرير أيضا إلى أن الإجراء الوارد في القانون الجديد والذي يقضي بمنح رخص إقامة لأسباب إنسانية، لا ينطبق على المقيمين غير الشرعيين إلا بشروط تتسم بالزيادة في التشدد ولا تأخذ بعين الاعتبار سنوات الإقامة غير الشرعية. وهو ما رأى فيه الساهرون علي المرصد “تراجعا عن المكاسب التي نص عليها قانون الوزيرة ميتسلر في العام 2000”.

طرد شبان مندمجين “من بينهم سويسريين”

ومن النتائج التي ترتبت عن هذا التشدد في طرد المقيمين غير الشرعيين رغم سنوات الإقامة الطويلة في الكنفدرالية، والتقليص المسجل في فرص منح رخص إقامة لأسباب إنسانية، تعرُّض شبان ترعرعوا في سويسرا إلى عمليات طرد من البلاد.

ونوه التقرير إلى أن العديد من الحالات المسجلة في الآونة الأخيرة أظهرت بكل وضوح أن المكتب الفدرالي للهجرة لم يعد يأخذ بعين الاعتبار قضية الشباب المقيم بطريقة غير شرعية كما أن المحكمة الإدارية الفدرالية (وهي الجهة الوحيدة المخولة للفصل في هذا الصنف من القضايا) لم تعد تأخذ بعين الاعتبار توصيات المحكمة الفدرالية التي اعتبرت في السابق أن “فترة الدراسة التي تتزامن مع مرحلة المراهقة تسهم بشكل كبير في عملية اندماج الطفل في المجتمع الذي يقيم فيه”. وكان من نتائج هذا التشدد، حسب التقرير، “طرد شبان لم يبلغوا بعد سن الرشد ولا زالوا يتابعون دروسهم بشكل منضبط وفي اندماج تام في المجتمع”.

بل يذهب التقرير إلى حد القول بان هذه الإجراءات المتشددة تسببت في طرد أطفال سويسريين ناتجين عن معاشرة خارج الزواج بين أب سويسري وأم مقيمة بشكل غير شرعي. وإذا كان الأب يمنح هذا الصنف من الأطفال الجنسية السويسرية، فإن الإجراءات الجديدة حالت دون تسليم الأم رخصة إقامة أو تمديد فترة إقامتها غير الشرعية مما اضطرهم للرحيل للإقامة مع الأم في بلدها الأصلي. ومع أن الحكومة الفدرالية توصلت بالتماس من البرلمان بخصوص هذه المسألة إلا أنها اعتبرت أن هذا الأمر “لا يستدعي إضعاف القانون الساري المفعول”.

كما يرى المرصد، أن هذا التشدد يمس أطفالا مقيمين في الخارج والذين بإمكانهم الاستفادة من حياة أفضل في سويسرا لو سُمح لهم بالالتحاق بأحد أقاربهم المقيمين في الكنفدرالية. وفيما برر المكتب الفدرالي للهجرة رفض منحهم ترخيصا بالإقامة بالجهود التي ترمي للحد من ارتفاع نسبة الأجانب في سويسرا، اعتبره المرصد “مبالغة في تفضيل المصلحة العامة للشعب السويسري على مصلحة الطفل”.

شروط تعجيزية في مجال اللجوء

في مجال اللجوء، ذكر التقرير أن تشدد السلطات في الإجراءات المطبقة ذهب الى حد مطالبة المتقدم بطلب اللجوء بتوفير شهادة تثبت تعرضه للقمع والمطاردة (!) مذكرا بأن الجلادين وممارسي التعذيب لا يقدمون شهادات عما يرتكبونه من فظاعات، كما أن اللاجئ في مرحلة فراره لا تتاح له فرصة تجميع ملف متكامل يضم جميع وثائقه.

واعتبر التقرير أن “الممارسات الحالية تراجعت عن مبدأ تقييم الحالة، وبدأت تنزلق نحو اتخاذ قرارات بشكل آلي بكل ما يحتوي عليه ذلك من مخاطر اتخاذ قرارات خاطئة” وغير منصفة. إذ يشير القانون الجديد إلى ضرورة تقديم طالب اللجوء لوثائق إثبات لهويته إما جواز سفر أو بطاقة تعريف في غضون 48 ساعة بعد تقديم الطلب وإلا تعرض طلبه لرفض المعالجة.

وفيما يُقر التقرير بأن هذا الإجراء سمح في عام 2007 برفع نسبة طالبي اللجوء الذين قدموا وثائق إثبات شخصية بنسبة 9% عما كان عليه الحال في 2006، إلا أنه اعتبر في نفس الوقت بأن هذه الإجراءات رفعت نسبة حالات رفض السلطات المعنية مجرد الدخول في معالجة طلب اللجوء بنسبة 44% ما بين عامي 2006 و 2007 كنتيجة للتشدد الكبير في مسألة تقديم وثائق إثبات الهوية من طرف طالبي اللجوء.

ويرى الساهرون على إعداد التقرير أنه على الرغم من توضيح الحكومة في تعليلها أمام الناخبين بأنه “يجب معالجة ملف طالب اللجوء حتى ولو لم يقدم وثائق لإثبات الهوية”، تميز موقف المحكمة الإدارية الفدرالية (التي تعتبر محكمة الاستئناف) “بعدم تسامحها في كل الحالات التي عُرضت عليا والتي لم يستطع صاحبها تقديم وثائق إثبات الهوية”.

وقد انتقد التقرير أيضا الاختبار اللغوي الذي تعتمد عليه السلطات لتحديد هوية الأشخاص الذين تشك في بياناتهم وتعتقد أنهم يسعون للتمويه على جنسياتهم الحقيقية، وأشار إلى أن هذا الاختبار اللغوي كثيرا ما اتضح أنه كان غير مصيب في تحديد هوية طالب اللجوء. ولكن مع ذلك “مازالت السلطات تستعين به”، مثلما يقول التقرير .

في سياق متصل، أثار التقرير العواقب المترتبة عن تطبيق هذه الإجراءات خصوصا بالنسبة لمن تتعرض طلباتهم لرفض المعالجة والذين أصبحوا ابتداء من يناير 2008 عرضة لقرار الكانتون الذي يقيمون فيه بخصوص منعهم من التمتع بحق الحصول على الدعم الاجتماعي والاكتفاء بالحصول على مساعدة إنسانية في حدها الأدنى، وقد وجدت عدة عائلات نفسها في أوضاع مادية لا تطاق تبعا لذلك.

وفي معرض الانتقاد الذاتي، أشار المرصد إلى عدم وجود جمعيات أهلية أو منظمات مدنية قادرة على السهر على مرافقة المطرودين أثناء عملية ترحيلهم إلى بلدانهم، أو للتأكد من أن إجراءات الطرد لم تقترن بتصرفات خارجة عن القانون.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

تم تأسيسه في المنطقة المتحدثة بالفرنسية إلى جانب فرعين في الأنحاء الناطقة بالألمانية وبالإيطالية في أعقاب تصويت الشعب في 26 سبتمبر 2004 على التعديل الذي تم إدخاله على قوانين اللجوء والأجانب.

وهذه القوانين الجديدة دخلت حيز التطبيق ابتداء من العام 2007 في حين أن المرصد الروماندي شرع رسميا في أداء مهامه ابتداء من 1 يناير 2008.

أصدر أول تقرير له يوم 23 سبتمبر 2008، لخص فيه حصيلة تطبيق القوانين الجديدة في مجالي اللجوء والأجانب. وقد أرفق بملفات 48 حالة اعتبر المرصد أن قوانين اللجوء أو الأجانب لم تُحترم فيها الإجراءات والوعود بشكل دقيق.

يتراوح عدد الأجانب المقيمين بدون وثائق رسمية في سويسرا ما بين 90 الف و 250 ألف شخص وقد أدى تطبيق الإجراءات الجديدة في مجال اللجوء إلى رفع عدد الملفات التي رفضت السلطات معالجتها ما بين 2006 و 2007 من 1834 الى 2644 أي بزيادة تقدر بـ 44%.

من بين 121 حالة تم عرضها في استئناف أمام المحكمة الإدارية الفدرالية، لم تقبل المحكمة أي طلب لم يقدم صاحبه وثائق رسمية تثبت هويته.

في حالة بنت تسمى “سارة”، تطلب الأمر – بعد قرار رفض معالجة ملفها – حوالي عشر سنوات من الصراع الإداري لكي تعترف السلطات بأنها كانت عرضة للمضايقات والاضطهاد.

بالنسبة للعائلات التي فقدت حق الاستفادة من الدعم الاجتماعي في أعقاب قرار رفض معالجة ملف لجوئها، أورد المرصد في تقريره حالة عائلة مكونة من أربعة أشخاص اضطرت للعيش بحوالي 500 فرنك تتلقاها كمساعدات إنسانية.

في حالة “أشا” من كاميرون التي حاولت أن تستقبل أبنائها للعيش معها، استطاع اثنان منهم الدخول إلى سويسرا بطريقة غير شرعية بينما لا زالت الثالثة تحاول القدوم. وعلى الرغم من هذا رفضت السلطات السماح للعائلة بلم الشمل وتطالب بترحيل الولدين المقيمين بطريقة غير شرعية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية