مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تعددت الورش … والسقف واحد

رئيس الوزراء المغربي عبد الحرمن اليوسفي Keystone

اختلاف المرجعيات لتقييم عمل الحكومة المغربية يجعل هذا التقييم متباينا بوضوح بين جهة واخرى، واغلب التباين يعود للمواقف المسبقة، المؤيدة او المعارضة، من حكومة كان تشكيلها في مارس 1998 حدثا عربيا وعالم - ثالثيا بامتياز، اذ كانت المرة الاولى التي تتولى فيها احزاب معارضة في بلد عربي، كانت تدعو الى اسقاط النظام، تسيير الشأن العام بالتوافق لا بالانقلاب او الثورة

حكومة الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي احتفلت في الذكرى الرابعة لتشكيلها بالإعلان عن انتهاء واجبها التشريعي تجاه بلاد كانت تعيش إرباكا في النصوص يعمق أزماتها في التطبيق. فلقد قدمت الحكومة الى البرلمان ترسانة من مشاريع القوانين، التي مهما كانت المواقف منها تشكل ثورة تشريعية في البلاد.

الى البرلمان قدمت حكومة اليوسفي مشاريع قوانين تتعلق بالحريات العامة وتأسيس الجمعيات و الاحزاب والصحافة وتنظيم الانتخابات، وتتضمن هذه المشاريع تعديلات على القوانين القديمة. مؤيدو هذه التعديلات اعتبروها انجازا كبيرا يحمي الحريات في البلاد ويضمن اجراء انتخابات نزيهة افتقدها المغرب منذ انطلاق مسلسله الانتخابي 1963.

معارضو المشاريع، وان كانوا لا ينكرون اهمية التعديلات، الا انها بالنسبة لهم غير كافية، وانها لا زالت تتضمن العديد من الفصول التي يسهل تأويلها لتقليص هامش الحريات وعرقلة تطور وسائل التعبير.

عبد الرحمن اليوسفي في الخامس من شهر شباط – فبراير الماضي، وبمناسبة مرور اربع سنوات على تكليفه بتشكيل الحكومة، حرص على القاء كلمة في مجلس للحكومة يعلن فيها ان على المغرب انهاء اوراش تعهدت الحكومة بإنجازها. كان تعداد هذه الاوراش، التي تمحورت حول ترسانة القوانين، محل نقد معارضيه، الذين قالوا ان المغاربة بحاجة الى الشغل والاكل وليس الى القوانين.

واليوسفي في كلمته كان منسجما مع نفسه ومع برنامج حكومته التي نالت على اساسه ثقة البرلمان، ذلك البرنامج حدد مهمتها، كحكومة انتقالية بحكم ان تشكيلها كان توافقيا، في تحصين المغرب بترسانة من القوانين تضع اسس مغرب جديد، والاعداد لانتخابات نزيهة تفرز مؤسسات غير مطعون في مصداقيتها والتخفيف من حدة الازمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد منذ عقود.

رجل الشارع يبحث عن واقع ملموس

لكن انتظارات المغاربة الكثيرة، ولان المواطن العادي لا يتعامل مع القوانين، رغم اهميتها، بل يبحث عن ملموس في يومه، فإن معارضي حكومة اليوسفي، وبعضهم من داخل القصر، خلقوا اجواء تطغى فيها روح اليأس من الحكومة التي بنيت عليها الامال ومن احزاب تداخلت في ادبياتها، منذ دخولها الحكومة، لغة تدبير الازمات مع لغة النضال التي كانت سائدة في تلك الادبيات قبل عام ثمانية وتسعين.

والى جانب الازمات، التي كاد استفحالها ان يصيب المغرب بالسكتة القلبية على حد تعبير الملك الراحل الحسن الثاني، فإن معارضي حكومة اليوسفي، وان كانوا يدركون ذلك ويعلمونه علم اليقين، كانوا يتجاهلون عمدا السقف المحدد للحكومة (اية حكومة) في تسييرها للشأن العام، وهو سقف لا تستطيع الحكومة التطرق اليه بالواضح وان كانت بعض مكوناتها تتحدث عنه بالمرموز.

السقف المعني ليس فقط في تدبير اليومي بل ايضا في مشاريع القوانين التي تقدم وبالتالي يصبح مشروع القانون حصيلة توافق ليس داخل الحكومة فقط بل توافقا بين كل مكونات صناعة القرار في مغرب لا زال دستوره يحمل الكثير من الغموض حول صلاحيات المؤسسات الدستورية من قصر وحكومة وبرلمان.

في انتظار الاعلان عن الحصيلة

مصادر الحكومة والمدافعون عنها يؤكدون ان الحصيلة التي ستنشر عن انجازاتها خلال الشهور القادمة ستكشف ان حجم ما انجزته في اربع سنوات في ميدان الصحة والتعليم والشغل والطرق والاتصالات يفوق ما انجزته الحكومات السابقة على مدى خمسة عشر عاما، رغم ان مهمة الحكومة اساسا كان التدبير والحد من مخاطر الازمات التي خلفتها الحكومات السابقة.

واذا كانت انجازات الحكومة محل خلاف في التقييم، فإن الورشة الاساسية التي ستحكم لها او عليها هي ورشة الانتخابات التشريعية القادمة، ليس في فوز الاحزاب المشاركة بها بأغلبية تؤهلها لقيادة العمل الحكومي مرة اخرى، لكن في اجراء انتخابات نزيهة وشفافة وغير مطعون بمصداقيتها.

هذا هو الرهان الاساسي لليوسفي وحكومته، منذ تشكيلها، وترسانة القوانين التي دعي البرلمان لمناقشتها واقرارها في دورة استثنائية، تساعد على تحقيق هذا الرهان لكنها ليست الشرط الوحيد لذلك .

إذ ان تنظيم انتخابات ديمقراطية ونزيهة وشفافة في بلد مثل المغرب ليست رهينة القانون او رهينة الحكومة فقط بل ايضا رهينة ارادات اخرى، حتى ولو اكتفت تلك الارادات عن الاعلان عن عزمها على ان يتقدم المغرب في هذا الميدان في عالم لم يعد يحتمل التزوير والتزييف.

محمود معروف ـ الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية