مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تقرير مجلس أوروبا حول كوسوفو يُنصف السويسرية كارلا دل بونتي

السويسرية كارلا دل بونتي، المدعية العامة السابقة لمحكمة جرائم الحرب في يوغوسلافيا سابقا Keystone

يمثل تقرير مجلس أوروبا، الذي جاء فيه أن هاشم تاتشي، رئيس وزراء كوسوفو الحالي كان على رأس شبكة مافيا للإتجار في الأعضاء نوعا من "الـثـأر أو الإنصاف البليغ" للسويسرية كارلا دل بونتي، المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقا التي لا تخفي ارتياحها لصدوره.

وتشدد السفيرة الحالية لسويسرا في بيونس ايرس على أن “المعلومات التي وردت في كتاب “المطاردة” هي التي أدت إلى هذا التحقيق” وذلك في أول تصريح أدلت به حصريا لـ swissinfo.ch بعد الكشف عن محتوى التقرير الأولي الذي أورد أنه في نهاية الحرب التي دارت رحاها عامي 1998 و1999 في كوسوفو، أدار جيش تحرير كوسوفو UCK سجونا سرية نقل إليها وحبس فيها في ظروف غير إنسانية أسرى من الصرب تم اعتقالهم في ألبانيا ثم جرى إعدامهم والتخلص منهم لاحقا.

وطبقا للوثيقة التي أعدها ديك مارتي، عضو مجلس الشيوخ السويسري (من الحزب الليبرالي الراديكالي عن كانتون تيتشينو) بطلب من مجلس أوروبا، فإن رئيس الوزراء الحالي لكوسوفو متورط في هذه العمليات غير المشروعة. وجاء في التقرير أن هاشم تاتشي، كان في موفى التسعينات على رأس “منظمة شبيهة بالمافيا” وأنه كان متورطا في عمليات تهريب واتجار بالأعضاء وفي إصدار أوامر بالإغتيال وبارتكاب جرائم أخرى.

الكتاب الذي فتح طريقا بوجه العدالة

المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقا كانت أول من دق جرس الإنذار حول هذه الجرائم. ففي كتاب مذكراتها “المطاردة – أنا ومجرمو الحرب”، أوردت كارلا دل بونتي تصريحات شهود تحدثوا عن سحب محتمل للأعضاء من 300 صربي جرى ترحيلهم من كوسوفو إلى شمال ألبانيا.

وفي لقاء أجرته معها swissinfo.ch بعد ظهر الثلاثاء 15 ديسمبر 2010 في بيونس ايرس، عبرت سفيرة سويسرا لدى الأرجنتين عن مشاعر تمزج بين الإنشغال والإرتياح لقرب الإحتكام إلى “العدالة” بخصوص أعمال غير سوية بل منحرفة.

وتقول دل بونتي: “في ربيع 2008، قمت بلفت الأنظار إلى روايات تتسم بالمصداقية قُدمت إلى الإدعاء العام للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقا حول عمليات احتجاز واختفاء لأشخاص في كوسوفو عام 1999، وإلى مؤشرات تفيد بأن بعض الذين كانوا ضحية لتلك الإختطافات تم اغتيالهم في إطار شبكة تهريب منظمة للحصول على أعضاء بشرية والإتجار فيها”.

وتشدد السفيرة السويسرية على أن “هذه التصريحات الساخطة المنقولة في كتاب مذكراتي “المطاردة” كانت مدعومة بأدلة مادية ذات مصداقية ويمكن التثبت منها، تم الحصول عليها خلال مهمة أنجزت في أراضي جمهورية ألبانيا من طرف محققين تابعين للمحكمة الجنائية ولبعثة الأمم المتحدة في كوسوفو (UNMIK) بحضور مدع عام تابع لحكومة ألبانيا”.

وتوضح دل بونتي أنها ضمّنت تلك التصريحات في كتابها تحديدا كي يتم فتح تحقيق جدّي حول تلك الإدعاءات ومن أجل أن تتم الملاحقة الجنائية في صورة ما إذا أدت التحريات إلى تأكيد الإتهامات.

عندما كانت السلطات ترفض الإستماع…

وتضيف كارلا دل بونتي أنه “لم يكن بإمكان المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقا القيام بهذا التحقيق الجنائي لأنه كان خارج مشمولاتها. وعلى العكس من ذلك، كان لدى بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو والسلطات المحلية في كوسوفو وجمهورية ألبانيا صلاحية القيام ببذل هذا المجهود”، كما تقول: “أعرف أن الروايات المذكورة في كتاب “المطاردة” هي التي أدت إلى إجراء التحقيق من طرف مجلس أوروبا، الذي قام يوم الثلاثاء (15 ديسمبر) بنشر النسخة الأولية من تقريره على موقعه”.

المدعية العامة السابقة عبرت عن امتنانها لمجلس أوروبا لتحمله مسؤولية إجراء التحقيقات بالرغم من التصريحات المشككة الصادرة عن موظفين سابقين في مكتب الإدعاء العام لمحكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا سابقا، وقالت: “إن تحقيق مجلس أوروبا هو التحقيق الوحيد الذي يتمتع بالمصداقية ولم يسبق أن قام به جهاز يتمتع بالصلاحيات – سواء كان محليا أو دوليا – حول هذه القضية”.

من جهة أخرى أعربت دل بونتي عن “شعورها بالصدمة والألم العميق من النتائج الواردة في هذا التقرير الأولي ومن واقع أن إزاحة (أو اقتلاع) الأعضاء – أو بكلمة أخرى القتل العمد للسجناء بهدف محدد يتمثل في نزع وبيع أعضائهم من أجل الربح – قد تم ترتيبها من طرف أعضاء قياديين في جيش تحرير كوسوفو UCK ومن ضمنهم أشخاص يتحملون اليوم مسؤوليات رفيعة في حكم ذلك البلد”.

وتقول السفيرة إن ما كشف عنه التقرير من أن المؤشرات التي تم تجميعها خلال المهمة المشتركة (التي نفذت من طرف المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقا والبعثة الأوروبية للعدالة والشرطة في كوسوفو EULEX) في ألبانيا بالإضافة إلى أدلة أخرى قد جرى إتلافها جراء الإهمال قد “رجّــها” خصوصا وأن ذلك تم دون الحصول على ترخيص من مكتب الإدعاء العام التابع للمحكمة الجنائية الذي كانت تُديره آنذاك.

من جهة أخرى، لا تُخفي دل بونتي امتعاضها وتقول: “إن سلطات كوسوفو وحكومة  جمهورية ألبانيا وعدالتها لم تقم بأي عملية تثبت في التصريحات المنقولة في كتابي، والآن يرفضون الإتهامات الخطيرة الواردة في تقرير مجلس أوروبا”.

فليُحاكم المجرمون..

من أجل ذلك، تناشد السيدة كارلا دل بونتي “الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والبلدان الأخرى المعنية والأمم المتحدة تقديم كل الدعم السياسي والمادي الضروري إلى EULEX في ألبانيا من أجل القيام بالتحقيق الجنائي وملاحقة جميع الأشخاص الذين يُشتبه في مشاركتهم في ارتكاب هذه الجرائم”.

“إضافة إلى ذلك، أناشد جميع هؤلاء تكثيف الجهود من أجل تطوير وتوفير القدرات الضرورية لتطبيق القانون والقضاء على عمليات الإتجار غير المشروع في الأعضاء وخاصة “اقتطاع أو سحب أعضاء” من كائنات بشرية ضد إرادتها”.

وطبقا لكارلا دل بونتي، فإنه من الواضح أن العالم يحتاج اليوم إلى نظام أفضل لتوفير أعضاء سليمة للمرضى الذين يحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة “لكن انحراف تجارة تهريب الأعضاء البشرية ورفض الناس التصديق بأن المجرمين قادرون أيضا على قتل أشخاص أبرياء من أجل أخذ أعضائهم وبيعها يعكس – ربما – تردد الصحافة والقضاء في تسليط الضوء على هذه المشاكل وإحجام السلطات المسؤولة عن متابعتها”.

وفي ختام حديثها مع swissinfo.ch قالت السفيرة السويسرية: “فلنعمل من أجل أن تتحول اتهامات مجلس أوروبا إلى صرخة كي تقوم المجموعة الدولية بما يلزم لحل هذه المشكلة”.

في 9 يناير 2008، أصبح هاشم تاتشي رئيسا للوزراء في كوسوفو بعد أن كسب الحزب الديمقراطي لكوسوفو PDK الذي ينتمي إليه الإنتخابات التشريعية التي أجريت يوم 17 نوفمبر 2007. وفي السابع عشر من فبراير 2008، وجّـه من داخل البرلمان نداء من أجل استقلال كوسوفو.

يعتبر هاشم تاتشي أحد مؤسسي جيش التحرير الوطني لكوسوفو (UCK) الذي قاد في الإقليم الكفاح المسلح ضد الجيش وقوات الشرطة الصربية. وخلال سنوات الحرب (1998 – 1999)، كان الزعيم السياسي للحركة.

أثناء مؤتمر رامبوياي (فرنسا) الذي انعقد على مدى شهري فبراير ومارس 1999، الذي حاولت خلاله المجموعة الدولية العثور على حل سلمي للنزاع في كوسوفو، كان هاشم تاتشي على رأس وفد ألبان كوسوفو. وعلى إثر فشل المؤتمر، شن الحلف الأطلسي هجمات جوية ضد عدد من الأهداف الصربية.

كان هاشم تاتشي أحد قادة حركة المقاومة الطلابية ضد القوة الصربية ما بين عامي 1990 و1993. وفي عام 1995 تحصل على اللجوء السياسي في سويسرا ثم درس تاريخ جنوب شرق أوروبا في جامعة زيورخ إضافة إلى العلوم السياسية.

وانطلاقا من زيورخ، ساهم هاشم تاتشي بقوة في الصعود السياسي لجيش التحرير الوطني UCK ثم عاد إلى كوسوفو في عام 1998.

ولدت في عام 1947 في بينياسكو Bignasco في كانتون تيتشينو، جنوب سويسرا. تابعت دراسات عليا في القانون الدولي في برن وجنيف وبريطانيا. 

1981: عُـيِّـنت مدعية عامة لكانتون تيتشينو، حيث لفتت الأنظار إليها بكفاحها ضد عمليات تبييض الأموال والجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع في الأسلحة. 

1994 إلى 1999: تقلدت منصب المدعية العامة للكنفدرالية، حيث تفاوتت التقييمات حول عملها، الذي تعرّض للإنتقاد في بعض الأحيان. 

1999: عُـيِّـنت مدعية عامة للمحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب في يوغسلافيا سابقا من طرف كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وهو المنصب الذي غادرته في موفى 2007. 

يناير 2008: شغلت منصب سفيرة للكنفدرالية السويسرية لدى الأرجنتين ومن المقرر أن تنتهي مهمتها الدبلوماسية في فبراير 2011.

(نقله إلى العربية وعالجه: كمال الضيف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية