مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أبعاد و”أســـرار” الغارة الإسرائيلية على سوريا

صورة التقطت يوم 17 نوفمبر 2012 لعملية توجيه صاروخ مضاد للصواريخ تابع لنظام القبة الحديدية قرب بئر السبع جنوب إسرائيل للتصدي لصاروخ أطلق من الأراضي الفلسطينية في قطاع غـزة. Keystone

العنوان الرئيسي الذي هيْمن على مُعظم التغطِية الإعلامية في الغرب كما في الشرق للغارة الجوية الإسرائيلية المفاجِئة على سوريا كان: "الدولة العِبرية تدخل على خطّ الأزمة السورية".

لكن، وعلى رغم أن لإسرائيل مصالح ضخْمة وأدوار ضخمة أيضاً من وراء السِّتار في الأزمة السورية، إلا أنه يبدو أن العنوان الرئيسي هذا يجب أن يكون معكوسا في هذه المرحلة ليُصبح “إسرائيل تُدخِل الأزمة السورية على خطّ صراعاتها السياسية الداخلية”.

كيف؟ لماذا؟

الأمر يعود إلى تطوُّريْن بارزيْن، اخترقا المعادلات الداخلية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة تمثل الأول في خسارة الليكود لثُلث مقاعِده في الإنتخابات الأخيرة، لصالِح قوى جديدة ترفَع لواء الهَم الإجتماعي – الإقتصادي وتُهمِل الهموم الأمنية، التي يتربّع على عرشِها بنيامين نتانياهو وتكتّل الليكود مع حليفه “إسرائيل بيتنا” وباقي القِوى اليمينية المتطرِّفة.

هذا التطوّر تجسّد في فوْز حزب “يُوجد مستقبل”، بزعامة الإعلامي التلفزيوني يائير بليد بـ 19 مقعداً في البرلمان، ليصبح بذلك ثاني أكبر حزب في إسرائيل، ما دفع المحلِّل الإسرائيلي جدعون ليفي إلى القول بأن “إنساناً غيْر سياسي على نحوِ سافر (إقرأ أيضا: على نحو غيْر أمني)، هو الفائز الأكبر في أكثر انتخابات غيْر سياسية على نحو سافِر عرفتها إسرائيل”.

التطور الثاني، وهو مشتقّ من الأول، يتمثل في أن الكنيست الإسرائيلي الجديد، لن يُتيح حرية حركة لأي حكومة جديدة، مهْما كان شكلها، إذا ما اقتصر على محاولة إرضاء كافة الإتِّجاهات الأمنية والإجتماعية والإقتصادية المُتضاربة، هذا فضلاً عن أن أي أزمة، صغرت أو كبرت، قد تطيح بهذه الحكومة وتدفع إلى إجراء انتخابات مبكّرة.

قال دبلوماسيون ومصادر بالمعارضة السورية المسلحة ومصادر أمنية اقليمية يوم الأربعاء 30 يناير 2013، إن طائرات حربية إسرائيلية قصفت قافلة بالقُرب من الحدود اللبنانية، مستهدِفة، على ما يبدو، أسلحة كانت في طريقها إلى حزب الله. ونفت سوريا هذه الأنباء وقالت إن الطائرات الإسرائيلية استهدفت “مركزا للأبحاث العسكرية” في شمال غرب دمشق.

ما زالت تفاصيل الهجوم الذي وقع يوم الاربعاء 30 يناير 2013 غامضة، وفي بعض أجزائها متناقضة. وقالت سوريا إن طائرات حربية إسرائيلية كانت تحلق على ارتفاع منخفض تفاديا لأجهزة الرادار عبَـرت مجالها الجوي من لبنان وقصفت مركز أبحاث عسكري في جمرايا. لكن دبلوماسيين ومصادر بالمعارضة المسلحة قالوا إن الطائرات الحربية استهدفت قافلة كانت تحمل أسلحة في طريقها من سوريا إلى لبنان، ويبدو انها كانت في طريقها لحزب الله، بينما قال معارضون سوريون إنهم هم الذين هاجموا جمرايا بقذائف المورتر، وليس إسرائيل.

قال التلفزيون الحكومي السوري إن شخصين قتلا في غارة عند الفجر على “موقع عسكري” في جمرايا في شريط اتساعه 25 كيلومترا بين دمشق والحدود اللبنانية. ووصفه بأنه “أحد مراكز البحث العلمي المسؤولة عن رفع مستوى المقاومة والدفاع عن النفس”.

من جهته، قال دبلوماسي غربي لرويترز: “الهدف كان شاحنة محملة بالأسلحة متوجهة من سوريا إلى لبنان”، مضيفا أن الشحنة تشتمل على ما يبدو على صواريخ مضادة للدبابات. وأيّد آخرون هذه التصريحات وقالوا إن القافلة ربما كانت تنقل صواريخ مضادّة للطائرات وصواريخ طويلة المدى.

قال مصدر أمني إقليمي لرويترز أيضا إن الهجوم استهدف أسلحة قدّمها الجيش السوري لحزب الله حليف إيران. وقال المصدر “هذا الهجوم تحذير من إسرائيل لسوريا وحزب الله من الإقدام على نقل أسلحة حساسة”. كما يُشير الهجوم إلى أن اسرائيل ترى تهديدا في التآكل الذي حدث لحكم عائلة الأسد بعد 42 عاما في السلطة.

يوم 31 يناير 2013 حذرت سوريا من رد “مفاجِئ”، ربما تقوم به ردّا على الهجوم. للتذكير، سبق أن دارت عدّة حروب بين سوريا وإسرائيل، ويُعتقد أن إسرائيل قصفت عام 2007 موقعا سوريا يُشتبه أنه كان منشأة نووية، دون أن ترد سوريا.

(المصدر: وكالات) 

مصير نتانياهو

هذه المُعطيات الجديدة وضعت مستقبل نتانياهو السياسي، ومعه برامجه الأمنية – الإستراتيجية (أولوية مجابهة الخطر النووي الإيراني وصواريخ حزب الله في لبنان)، في مهبّ الريح، وهذا ما حفّـز بعض المحلِّلين، حتى قبْل الغارة الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، إلى طرح احتمال لجوء نتانياهو إلى إثارة اضطرابات أمنية ما، تُمكِّـنه من إعادة وضع التيارات الإسرائيلية المُتضاربة تحت جناحِه في إطار حكومة وِحدة وطنية، يحتل فيها الأمن المرتبة الأولى.

السيناريو الذي رسمه المحلِّلون لتحقيق هذا الهدف، يستند إلى مُعادلة “أقل من حرب عامة وأكثر من توتير”، أي: دفع الأمور إلى حافة الهاوية، من دون السقوط فيها، لأنه ليس من مصلحة إسرائيل ولا إيران (المُتَّجهة إلى حوار مُباشر قريباً على الأرجح مع أمريكا) ولا حزب الله اللبناني، تفجير حرب إقليمية عامة في هذه المرحلة.

التحضير لمِثل هذا السيناريو، بدأ بالفعل قبل أسابيع من الغارة. فوزير الدفاع الإسرائيلي قلّص قبل أسبوعين فجأة زيارة خارجية له وعاد إلى تل أبيب. وتلا ذلك مباشرة، بدء نقل بطاريات الصواريخ المضادّة للصواريخ (القبّة الحديدية) من جبهة غزة إلى الجبهة الشمالية في حيفا. وترافق ذلك مع تصريحات نارية لنتايناهو، شدّد فيها على أنه “سيتصدّى بقوة لأي محاولة سورية لنقل أسلحة متطوّرة إلى حزب الله”، وأن خياراته في سوريا هي الآن بين “سيّء وأكثر سوءاً وأسوأ”.

هذه التطوّرات الإسرائيلية المُتلاحقة، تعطي معنى مغايِـراً لطبيعة الغارة الإسرائيلية وأبعادها، إذ لا يعود مُهِـمّاً هنا أن تكون الطائرات الإسرائيلية قد قصفت قافلة عسكرية سورية تحمل صواريخ سام -17 المضادّة للطائرات أو مركز أبحاث عسكري، بل يصبح الأهَـم هو الطريقة التي يريد فيها نتانياهو وضع هذا “السيِّء والأسوأ” في خِدمة أزماته الداخلية الجديدة.

بالطبع، هذا لا يلغي الحقيقة بأن الدولة العبرية ستُقاتِل بالفعل إذا ما تخطّى النظام السوري الخطوط الحُمر، المرسومة له في واشنطن وتل أبيب حول نقل (أو استخدام) الأسلحة الكيميائية والتقليدية المتطوّرة بما يخلّ بالتّوازُنات العسكرية الرّاهنة في لبنان والمنطقة، بيْد أن هذا لا يُلغي أيضاً الحقيقة الأخرى، بأن نتانياهو في أزمة داخلية قاسِية، قد يجد مخرَجها في حلول خارجية. وإذا ما صحّ هذا التوقع، فستكون الغارة الإسرائيلية بداية وليس نهاية، لسلسلة من العمليات، سواء العسكرية العلَـنية منها أو الإستخباراتية السرية.

تقاطع المصالح

أيْـن النظام السوري من هذه الأحداث المتلاحِقة؟ الغارة الإسرائيلية كانت بمثابة “هِـبة من السماء” له، خاصة وأنها جاءت من طرف (الليكود)، الذي لا يزال يلعب دوراً كبيراً في لجم الإدارة الأمريكية عبْر نفوذه في الكونغرس، من اتخاذ قرار نهائي بإسقاط نظام الأسد.

فقد كان في مقدور النظام العوْدة بعدَ الغارة إلى العزف على وتَـر المُمانعة والمُقاومة، فيما قِـوى المعارضة الإسلامية التي تُقاتله، تجد نفسها فجأة مُحرجة وفي زوْرَق واحد مع إسرائيل. وهكذا، تقاطعت مصالح نتانياهو مجدّداً مع مصالح الرئيس السوري الأسد، ووُلِـدت هذه المفارقة الغريبة، التي تبدو فيها غارة العدُو هدِية لا فرية.

الحكومة السورية قدّمت شكوى إلى القوات الدولية في الجولان، وحظيت بدعم قوي من روسيا وإيران وحزب الله وحتى من الجامعة العربية، التي علّقت عُضويتها، فيما كان سفيرها في لبنان يهدد بـ “ردٍّ مفاجِـئ”. بيْد أن أحداً لا يتوقع أن يعمد النظام السوري إلى تفجير الجبهة مع إسرائيل (الأمر الذي سيعني سقوطه السريع)، فيما هو عاجز عن السيطرة على ثلاثة أرباع الجغرافيا السورية.

التطوّر الوحيد الذي قد يُساعده على حرْف الأنظار عن وضعه الداخلي، هو اندِلاع الحرب في لبنان. لكن حزب الله وإيران رفضا ولا زالا يرفضان، طلبات النظام السوري بفتح الجبهة مع إسرائيل أو حتى تفجير الحرب الأهلية اللبنانية. وهذا ما سيجعل النظام رهينة قرارات نتانياهو، فيكون هو أيضاً (أي النظام)، جزءاً من مناورات هذا الأخير في الداخل الإسرائيلي، على أن يحاول توظيفها هو أيضاً في الداخل السوري، وهذه ليست حصيلة نظريات المؤامرة، بل هي إعادة قراءة في ملف العلاقات السورية – الإسرائيلية، الزّاخر بالتعاون منذ اتِّفاق الخطوط الحمر عام 1976، الذي تقاسَم خلاله الرئيس حافظ الأسد النفوذ في لبنان مع تل أبيب، إلى السلام غيْر المعلن بين الطرفيْن طيلة نيف و40 سنة في مرتفعات الجولان المحتلة.

والآن، يُعاد تمثيل هذه المسرحية الخفِية مجدّدا، لكن هذه المرّة ليس لتقاسُم النفوذ الإقليمي، بل لمحاولة حلّ الأزمات الداخلية لكِلا الطرفيْـن. وفي هذا الإطار، قد تكون الغارة الإسرائيلية على القافلة السورية، أول غيْـث “العود على ذي بدء” بنظر البعض.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية