مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تمارة، المدينة التي تجسِّـد تطلُّـعات المغرب المعاصر

مدخل بلدية تمارة القريبة من العاصمة المغربية الرباط

من الصّـعب العثور على مدينة مغربية تشهد اليوم من التوسّـع والتحديث ما تشهده مدينة تمارة، التي يمنحها قُـربها من العاصمتين السياسية (الرباط) والإقتصادية (الدار البيضاء) موقعا استراتيجيا تزيده شبكة المواصلات من طريق سيّارة وسكك الحديد حيوية وأهمية.

وتكمن جاذبية هذه المدينة الفتية أيضا في قربها من المحيط الأطلسي، معتدل المناخ صيفا وشتاء، وحزامها الأخضر المُـمتد عبر مساحات غابوية شاسعة وأشياء أخرى تتعلق بحسن التصرف والإدارة.

اللافت أكثر، هو ما تعرفه تمارة اليوم من نهضة شاملة، بفضل التدبير الحكيم لإدارتها المحلية، التي لا تدّخِـر جُـهدا في تنمية الموارد البشرية للمنطقة والاستثمار العقلاني للإمكانات والموارد، وحق لها بذلك أن تكون أنجح الجماعات المحلية على مستوى المملكة.

من يعرف تمارة في عقد التسعينات وحتى عهد قريب يمتد لسنة 2003، يتذكّـر أنها كانت، كما يقول السيد موح رجدالي، رئيس البلدية، “عبارة عن مكان نوم للعاملين بالرباط والدار البيضاء والمُـدن القريبة الأخرى، ولم يكن فيها أي نشاط أو حركة اقتصادية، وكانت سمعة سلطاتها المحلية سيِّـئة للغاية، لما كان يُـعرف عنها من تبذير للمال العام ومن رشاوى لإسناد رخص البناء والتصاميم وفقدان أي رُؤية بعيدة المدى وانعدام البِـنيات التحتية ومسالك الصرف الصحي”.

وكان لابد من انتظار الانتخابات المحلية لسنة 2003 لتصل إلى الإدارة المحلية أغلبية برئاسة الدكتور موح رجدالي، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، لتنطلق مرحلة جديدة، تضافرت الجهود لتكون عنوان النجاح في المغرب كله، “وبنيت خطواتها على مُـرتكزات، أوّلها الوفاء بالعهود تُـجاه الساكنة وإصلاح ما أمكن إصلاحه في تدبير الشأن العام المحلي، بعيدا عن الفساد والمحسوبية والزبونية”، على حد قول رئيس المجلس البلدي بالمنطقة.

إنجازات كبرى في فترة قياسية

تكشف الأرقام والإحصاءات أن ميزانية بلدية تمارة قد تضاعفت مرّتين منذ سنة 2004 وتجاوزت الأموال التي استُـثمرت في هذه الجماعة المحلية خلال هذه الفترة ما استُـثمر فيها طيلة العشرية الماضية. وقفز فائض الميزانية من 14 مليون دولار (2003) إلى أكثر من 26 مليون دولار (2006)، مع أن النفقات قد زادت بنسبة 90%.

وتناسب هذا التوجّـه التنموي للإدارة الجديدة مع رغبة رسمية على أعلى المستويات في الدولة لتأهيل هذه المدينة، لكي تكون متنفّـسا لمدينتي الرباط وسلا اللّـتين تشهدان اكتظاظا سكانيا كبيرا، ويعتَـرف الفريق المشرف الجديد على أنهم “لم يطرقوا يوما باب وزارة الداخلية أو المديرية العامة للجماعة المحلية من أجل إنجاز مشاريع مهمّـة، إلا ووجدوا الاستجابة الفورية”، وتمارة مصداقا لهذه الإرادة، تُـعد من البلديات القليلة التي استفادت من برنامج وطني لتأهيل المدن، وحصلت على حِـصة معتبرة من الدعم.

وبدأت ورشة التنمية الحقيقية مع وضع البرنامج الإستراتيجي العشري (2005-2015)، الذي انطلق تنفيذه بتوقيع اتفاقية أمام الملك محمد السادس بين الجهاز البلدي للجماعة الحضرية بتمارة والمديرية العامة للجماعات الحضرية، التي ساهمت بحوالي 100 مليون سنتيم، إلى جانب قرض من صندوق التجهيز الجماعي بمقدار 110 مليون درهم.

التحديث الشامل

مع انطلاق تنفيذ المرحلة الأولى (2005-2007) من هذا البرنامج الشامل، حقّـقت تمارة قفزة نوعية على مستويات عدة. فعلى المستوى الاقتصادي، أصبحت المدينة حافِـلة بالحيوية والنشاط وأصبحت تأوي أكبر مركزين تِـجاريين في المنطقة (أسيما وأسواق السلام)، وفتحت فيها مصارف عديدة أبوابها، وانتعشت الصناعة، واستقرت فيها العديد من الشركات، ما أعطى دفعا للتشغيل وحجّ إليها المنعشون العقاريون من كل مناطق البلاد.

أما على المستوى الثقافي، فقد شهدت تمارة في السنوات الثلاث الأخيرة تأسيس ثلاثة دُور شباب ومركّـب ثقافي ومكتبتين عامتين، ويُـنتظر قريبا افتتاح مسرح بلدي. ورياضيا، تم الانتهاء من بناء قاعة مغطّـاة تسع 500 متفرج، ووضع حجر الأساس لقاعة أخرى وسط المدينة، تسع ألف متفرج.

وبالإضافة إلى ذلك، يقول السيد موح رجدالي، رئيس المجلس المحلي بالمنطقة: “أنشأنا دور أحياء تتوفّـر فيها حواسيب مُـوصولة بشبكة الإنترنت تسيّر بالاشتراك مع الجمعيات التي توجد في تلك الأحياء، ومن المتوقع أن تحتضن تلك الدور برامج تكوينية للكبار ودروس للدّعم المدرسي للصغار، فضلا عن الدور الفعال في مجال التأهيل المدني ورفع الأمية”. ودائما في إطار تشجيع العمل الثقافي، تنظم تمارة سنويا أسبوعا ثقافيا ورياضيا، يسمى “ربيع تمارة”.

وعلى مستوى قطاع الخدمات، ينصبّ الاهتمام على تغيير وضعية النقل بالمدينة، ويعمل المجلس المحلي مع جهات أخرى معنية على اختيار شركة ذات مواصفات عالمية تحترم شروط المحافظة على البيئة وتغطي في نفس الوقت الفضاء الحضري للرباط وسلا وتمارة، وستدخل هذه الشركة، (التي بحسب مصادر عليمة ستكون شركة بريطانية)، حيِّـز العمل في يناير 2008.

وأشار رئيس البلدية بتمارة أيضا إلى أن “مشروع ترامواي يربط تمارة بالرباط وسلا، هو قيد الدراسة، وإذا ما تأكّـدت جَـدواه، سيتِـم الشروع في إنجازه، وفي انتظار ذلك، من المتوقّـع أن تُـنشأ محطّـة قطار جديدة بالمدينة”.

التسيير الإداري المعقلن

تشرف على إدارة الجماعة الحضرية بمدينة تمارة كتلة الوفاء والإصلاح، التي شكّـلها حزب العدالة والتنمية مع سبعة أحزاب أخرى، وانصبّ عمل هذه الكتلة منذ بداية تسييرها للشأن العام على استعادة ثقة المواطنين في الإدارة المحلية، وذلك بضخّ أقدار من الشفافية تُـنهي عهد الزبونية والمحسوبية، واعتمدت روح البرمجة والتخطيط، بدلا عن الفوضى والارتجالية، ووقع ترشيد النفقات وتبسيط المساطر الإدارية.

ومن أجل بلوغ الأهداف المرصودة، اعتبر العنصر البشري أساس التنمية والرافعة الأساسية لتقدم كل الأعمال، وفي هذا الإطار، يقول السيد موح رجدالي في لقاء معه: “وضعنا برامج لتكوين موظفي الجماعة والمنتخبين، وعقدنا شراكات داخلية وخارجية مع جماعات محلية فرنسية وإسبانية وكويتية”، ودائما في إطار الشراكة، تنفِّـذ الوكالة الأمريكية للتعاون برنامجا تدريبيا حول الحكامة المحلية Gouvernance locale، يتوجّـه إلى الموظفين والأطر، وفيه يتدرّبون على التدبير المعلوماتي لشؤون الجماعة المحلية، وخاصة مصلحة التصاميم والجِـباية المحلية ومصلحة أملاك الدولة.

إن ما شهدته هذه المدينة المغربية يقدم دليلا آخر على أن الفقر والفوضى وسوء التسيير ليست أقدارا مفروضة على بلدان العالم الثالث، وإنما هي نتيجة انعدام التخطيط والبرمجة وغياب الإرادة الوطنية الصادقة والإخلال بقاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب.

عبد الحفيظ العبدلي – تمارة

يرأس المجلس البلدي بجماعة تماره الدكتور موح رجدالي، أستاذ جامعي ومهندس متخصص في علم النبات، متخرج من جامعة ريدينغ بالمملكة المتحدة، كما أنه يشغل الكتابة العامة للجمعية المغربية لحماية البيئة وعضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية.
تأسست مدينة تمارة في القرن الثاني عشر ميلادي، إبّان حكم الموحّـدين، وتمتد على مساحة قدرها 30 كلم2، وهي قريبة من الرباط ولا تبعد سوى 70 كلم على الدار البيضاء.
ارتفع عدد سكان تمارة من 13.734 نسمة سنة 1960 إلى 225.497 نسمة سنة 2004، ويبلغ معدل النمو الديمغرافي فيها 5.6%. وطبقا لمعدل النمو هذا، من المتوقع أن يصل عدد سكان تمارة سنة 2007 ما مجموعه 350.000 شخص.
يبلغ عدد طلبة الابتدائي والثانوي بالمدينة 45.000 طالبا، كما تتوفر المدينة على 14 مؤسسة للتعليم الخاص.
تحتضن مدينة تمارة 90 وحدة صناعية توفّـر أكثر من 5000 موطن عمل، أي ما يعادل 17% من المؤسسات الصناعية بالجهة.
بلغت ميزانية تمارة سنة 2007 ما قدره 98.510.660 درهم مغربي، ومن المتوقع أن يتجاوز الفائض الحقيقي للسَّـنة المالية 2006 ما قدره 26 مليون درهم.

وضع المخطط العشري لتطوير مدينة تمارة سنة 2005 بغرض تطوير المجال الحضري للمدينة والارتقاء بها لتُـصبح في مصاف المدن الكبرى للملكة. ولا يكتفي هذا البرنامج، الذي يقع في أكثر من 80 صفحة بوضع الخطط والأهداف، بل يشير أيضا إلى الوسائل والمصادر التمويلية ووظائف المرافق المقترحة وطرق تسييرها.

ومن شأن هذه الرُّؤية الشاملة وبعيدة المدى، أن تمثل دليلا لكل الجهات العاملة في المجال الحضري في المنطقة وحافزا قويا للمستثمرين، وتقدم الصورة عمّـا ستكون عليه المدينة بعد عشر سنوات، فيتِـم تأطير الجهود بشكل منسجم وبنّاء ويجتهد الجميع وِفق الاختيارات الإستراتجية الكبرى على المستويين، القصير (2005 – 2007) والبعيد (2005 – 2015).

وتنطلق الدراسة بإبراز النواقص وأوجه القصور، التي كانت تعاني منها المدينة قبل سنة 2005، ومنها الانتشار الواسع للأحياء القصديرية والبنايات الفوضوية والبطالة وانعدام الأنشطة الاقتصادية والبنى التحتية وضعف شبكة النقل الحضري وانعدام شبكة الصرف الصحي والفضاءات الخضراء.

وأما الأهداف المفصلية لهذا البرنامج، فتتحدد من خلال المحاور الخمسة التالية:

– التنمية الاقتصادية: تشهد تمارة نموا ديموغرافيا مضطردا يتلازم مع ازدياد الضغط على قطاع الخدمات والسكن، ولا يمكن أن تستجيب لذلك سوى خطة مدروسة مدعومة بإدارة معقلنة وحكامة رشيدة. ولقد بيّـنت الدراسات التمهيدية في هذه المنطقة أن التنمية الاقتصادية يجب أن تتوجّـه إلى قطاعات الصناعة والتجارة وقطاع الخدمات والصناعات التقليدية، وإن كانت الأولوية تذهب إلى قطاع الصناعة وإلى الأحياء الصناعية الموجودة على أطراف المدينة.

– التنمية البشرية: يهدف المخطط العشري في هذا المستوى إلى حشد جهود كل القطاعات لتوفير الخدمات الضرورية للمواطنين، وفي هذا الإطار، يدعو إلى الاهتمام بالمناطق الخضراء المجاورة للمناطق السكنية والعناية بها وصيانتها، وكذلك العناية بالحزام الغابي المحيط بالمدينة وجعلها مساحات مهيأة للنزهة ومزودة بفضاءات لألعاب الصغار، فضلا عن مشاريع دُور الثقافة ونوادي الأحياء وقاعات الرياضية.

– مشكلة الإسكان: يقوم هذا المخطط بتوجيه وتأطير عمليات التشييد والبناء المستقبلية للوحدات السكانية، وذلك من خلال وضع دفتر شروط وضوابط يجب احترامها عند البناء، وأن تسبق تلك العملية تهيئة عمرانية شاملة من مدٍّ لقنوات الصرف الصحي وتعبيد الطرقات ورسم الشوارع والأزقة.

– التسجيل العقاري كأداة للتنمية: التوثيق العقاري هو المرجع القانوني لكل من المستثمرين والخواص، وهو ضروري لتنظيم عملية استغلال الأرض وتحديد الصورة المستقبلية للمدينة العاكسة لرؤية متفقة عليها، كما أن الهدف للتسجيل العقاري، تحقيق المصلحة العامة وتوضيح الحقوق والالتزامات لجميع المعنيين المنخرطين في مجال التهيئة العمراني.

– التدبير الحضري الرشيد: ونعني بالتدبير الحضري، مجموع الوسائل المعتمدة للارتقاء بمستوى المجال الحضري إلى الوضع المطلوب، ومن الناحية الإجرائية، يَـعتبر المخطط أن البلدية أفضل الجهات المخوَّلة بذلك، ولكن بمساعدة الجهات الأخرى، بعد أن يتوفر لها جهاز تنفيذي فعال وموارد بشرية كفأة وشراكة مثمرة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية