مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

آراء مُتباينة حول حصيلة العام الأول من حُـكم مرسي

الرئيس المصري محمد مرسي Keystone

بعد مرور عام على حُكم القيادي الإخواني الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني مُنتخَب في مصر، بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وفي ظل التجاذبات القويّة التي تشهدها الساحة المصرية بين مؤيديه ومناوئيه لا مفرّ من وقفة تقييمية.

فرغم قصر المدة، تتطلب الأوضاع السائدة حاليا في أكبر بلد عربي القيام بجردة حساب أولية، من أجل رصد ما تحقّق مما وعـد به مرسي في برنامجه الإنتخابي وتحديد الإخفاقات، ومحاولة فهم الأسباب التي أدّت إليها.

في هذا السياق، استجوب مراسل swissinfo.ch في القاهرة عددا من الخبراء والمحللين المُتخصِّصين في دراسة النظام السياسي المصري.. فكان هذا التحقيق.

إدارة أم قيادة؟!

في البداية، يعتَبِر الباحث السياسي حمدي عبد العزيز، أن سؤال الإنجازات والإخفاقات الآن، يأتي على خلفية شديدة القتامة، يسودها الإنقسام بين الإسلاميين من جهة، وبين العلمانيين والشباب من جهة أخرى، بما يعني أن أياماً صعْبة ينتظرها المَشهد السياسي في مصر، خلال العام الثاني من حُكم الرئيس.

ويرى عبد العزيز، المحلِّل السياسي المهتَم بدراسة النظام السياسي المصري، في تصريح خاص لـ swissinfo.ch أن “هذا المشهَد يتطلّب المُراجعة الفِكرية والسياسية، في حال ما إذا كان الرئيس المُنتخَب يرغب في خلْق ما يُسمّيه بعض الباحثين، تيارا عاما من جميع القوى، يكون قادراً على إنجاز التحوّل الديمقراطي والبدْء في تطبيق أهداف الثورة على الأرض”.

وأشار عبد العزيز إلى أن “القِسم السياسي في جماعة الإخوان المسلمين إبّان رئاسة د. محمد مرسي له، بدأ مراجعة الموقف من العِلمانيين والأقباط، ورغم أنه لم يُبلْوِر مُراجعات ومواقف فكرية، إلا أنه استطاع – على الأرض – التقارُب مع مُعظم التيارات الوطنية، سواء من خلال الجبهة الوطنية 2005 أو الجمعية الوطنية للتغيير 2010، لكننا نراه الآن ينحو منحى حِزبياً، فيما يقوم الإخوان بالتحالُف مع تيارات جِهادية بعد فشل التحالُف مع السّلفيين، وذلك في مواجهة القِوى العِلمانية والثورية، وما يقول عنه الإخوان من تحالف فلولي – علماني – ثوري”.

بدأ الجيش المصري يوم الاربعاء 26 يونيو 2013 في تعزيز وجوده ميدانيا لتامين المنشآت الحيوية والاستراتيجية في مختلف مدن البلاد، قبل ايام من التظاهرات المعارضة للرئيس المصري نهاية الشهر الجاري، حسبما قال مصدر عسكري لوكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية.

وقال المصدر العسكري ان “القوات المسلحة بدات في إعادة انتشار وحداتها المسلحة بجميع المناطق والجيوش بكافة محافظات مصر اعتبارا من اليوم الأربعاء (26 يونيو)”. واوضح المصدر ذاته ان هذه الخطوة تهدف إلى “تأمين المنشآت الحيوية والاستراتيجية في كافة محافظات مصر”.

وكان الجيش المصري بدا الاربعاء في اتخاذ اجراءات تامين مدينة الانتاج الاعلامي حيث توجد مقار القنوات الفضائية الخاصة، غداة اعلان مصدر عسكري تولي الجيش حماية المدينة التي تعرضت لحصار الاسلاميين مرتين من قبل.

وياتي تامين الجيش المصري لمقر القنوات الفضائية قبل اربعة ايام من التظاهرات المعارضة للرئيس المصري الاسلامي محمد مرسي في الثلاثين من يونيو الجاري. وتطالب التظاهرات مرسي بالتنحي واجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

وقال مصدر عسكري لفرانس برس ان “قوات الجيش بدات تامين بعض المنشات العامة ومنها مدينة الانتاج الاعلامى حيث انتقلت قوات الى داخل المدينة لاستكشاف مواقع الدخول والخروج والتعرف على نقاط المراقبة بها”. ولم تظهر وحدات من القوات المسلحة في محيط المدينة حتى اللحظة، لكنه جرى البدء في اجراءات تأمين بوابات المدينة، بحسب شهود العيان.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 26 يونيو 2013)

إنجازات.. لكن دون المستوى!!

عبد العزيز ذكر أيضا أن حزب الرئيس يُروِّج إنجازات لبعض الوزارات الحكومية أو فيما يتعلّق بمساعي الرئيس لحلحلة الوضع الاقتصادي ونجاحه في وقف الحرب الإسرائيلية على غزة وغيرها، وهي أعمال لا يمكن إنكارها، ولكن “لا يُمكن في نفس الوقت القول أنها إنجازات نقلت أو ستنقُل مصر من واقع مضطرب، سياسياً واقتصادياً، إلى واقع أفضل”، معتبراً أن الرئيس مرسي يبذُل ما في وُسعه لتحقيق إدارة جيِّدة للبلاد، إلا أن ما حدث من انسِحابات واستقالات في مؤسسة الرئاسة، لا يعني سوى أنه يسعى إلى النجاح – بمساعدة حزبه – في إدارة البلاد، ولكنه ليس مؤهّلاً لقيادتها. فالقِيادة تتطلّب مُواصفات ومؤهِّلات أخرى، وتعكِس رُؤية وعملا جماعيا، شعبيا وسياسيا، للإنتقال من مستوى مُتدهْور إلى مستوى أعلى.

وإضافة إلى تعثُّر التحوّل الديمقراطي بفعل الحرب الفكرية والصِّراع السياسي بين الإسلاميين والعلمانيين، وِفقاً لعبد العزيز، فإن عوامِل الثبات، أقوى من عوامل التغيّر فيما يتعلّق بملفات التنمية الإقتصادية والعدالة الإجتماعية والسياسة الخارجية في فلسطين وسوريا وسائر المِنطقة العربية، وكان بإمكان الرئيس والجماعة وحزبها، طرح اجتهاداتهم للنِّقاش العام وتطويرها، ولكن يبدو أن النموذج القيادي الذي أفرز المعدن الرِّئاسي نفسه، غير مُهتَم بذلك، مفضِّلاً الدخول في معركة فِكرية، باسم الإسلام، يخسِر منها الوطن.. وقِيَم ومقاصِد الدِّين نفسه.

إخفاق واضح.. وهذه هي الأسباب

من جانبه، يرى الدكتور يحيى القزاز، أحد أعضاء مجموعة 9 مارس، أن “الرئيس لم يُحقّق أي تقدّم، ولكنه حقّق تراجُعا واضحا، بطريقة أسرع وأسوأ من طريقة مبارك، وما فعله مبارك في 30 سنة، صنع مرسى أسوأ منه في أقل من عام واحد”، على حد قوله.

وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch، قال القزاز، أحد مؤسسي حركة كفاية: “إن أهَم الأسباب التي أدّت إلى إخفاقه، هي انكِفاؤه على تمكين جماعة الإخوان من السيْطرة على مفاصِل الدولة، وتعامله مع الدولة باعتبارها قِطعة أرْض مُتنازَع عليها، ويجِب الإستيلاء عليها على طريقة الإنتصار للأقوى، في غياب الأمن والقانون، وتصرّفه كأنه مُحتل لدولة أجنبية ،وليس حاكما لدولته المصرية”.

وأضاف الدكتور يحيى القزاز: “ومن أسباب إخفاقِه أيضا، توزع الولاء بين وطن يئِن من عَناء الماضي ورغبة في الإستحواذ عليه. بالإضافة إلى شخصيته الضعيفة المتردِّدة، والحاجة إلى الإعتماد على قوة لحمايته وجماعته ولإنجاح مشروعه، فتارةً يُغازل القوات المسلحة، وأخرى يُغازل الأمريكيين وحلفائهم”.

وتابع القزاز قائلاً: “كُنت أتمنّى أن أجد لمرسي إنجازات باستثناء إنجاز مشكوك فيه تمّ فيه استبدال شباب الجنرالات (السيسي ومجدي صبحي..) بعجائِز الجنرالات (المشير طنطاوي وسامي عنان..) في رعاية السيد الأمريكي”، واختتم بقوله: “مرسي سيترك الحُكم، وأتمنى أن يكون باختياره، ويتعلّم الدرس من رجل حقيقي قدر خطورة الظرف، وضحّى بمنصب زائل، مثال الرجل المقدِّر للأمور المهندس عادل سعد الخياط (محافظ الأقصر المستقيل)”، معتبرا أن “أمام مرسي خيارين: إما الدّعوة لانتخابات رئاسية مبكّرة أو إزاحته بطريقة أسوأ من طريقة مبارك”.

وعود انتخابية.. وردية ولكن!!

من جهته، يوضِّح الدكتور أحمد تهامي، الخبير بالمركز القومي للبحوث الجنائية والإجتماعية، أنه “في ظلّ النظم الديمقراطية، يقدّم المرشحون برامجهم الإنتخابية التي يتنافسون عليها ويحرصون في فترات الدِّعاية الإنتخابية على الوعود الوردِية، لخلق الأمل وجلْب تأييد الكُتلة التصويتية”، مشيرا إلى أنه “في هذه الفترة، لا يكون لدى المرشّح صورة كاملة عن حقيقة الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، بسبب نقص المعلومات التي لا تكون مُتاحة في الغالب، إلا في بعض أجهزة الدولة التي يأتي المرشّح من خارجها”.

وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch، يقول تهامي، المتخصّص في نظُم الحُكم: “قد أسرف الدكتور مرسي، مثله مثل غيره من المرشحين، في رفع سقْف توقّعات المواطنين أثناء الحملة الإنتخابية، فيما يتعلّق بالملفّات الإقتصادية، وخصوصا حملة المائة يوم التي تركز على النظافة والأمن والمرور، كما ظهرت أزمات الوَقود بصورة أكثر حِدّة، وهي التي شهدت تعثراً كبيراً في أدائها، بسبب الطبيعية الهيكلية لهذه الأزمات وتداخل الأبعاد السياسية والقانونية والمالية في هذه الملفّات، إلى جانب ظهور مؤشِّرات على حصار مالي خليجي، بسبب التوتر بين النظام المصري ودول الخليج فيما عدا قطر”.

الخبير والمحلِّل السياسي، أشار أيضا إلى أن “عُـمق الأزمة الإقتصادية، كان من البداية يُؤذن بفشل أي رئيس قادِم لمصر ويكبِّله بقيود شديدة، لا يمكن فكّها، مما يتطلّب الرّضوخ للضغوط الخارجية، ولكن القيادة المصرية لم تستجِب لهذه الضغوط مقابِل تقديم المساعدات”.

إنجازات ملموسة في الملفات السياسية

على صعيد الملفّات السياسية، يرى تُهامي أن أبرز إنجازات الرئيس تمثلت في استِعادة كامل صلاحياته كرئيس لمصر والقضاء على ازدواج السّلطة من خلال الإطاحة بالمجلس العسكري، مما أدّى إلى تركيز الجيش على تطوير قُـدارته، بعيداً عن التورّط في الحياة السياسية.

ويضيف: “وقد جاء الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012، ليكشِف عن حقيقة الإنقِسام المتزايِد بين مؤيِّدي الرئيس وقوى المعارضة، التي تفضِّل عدم إجراء أي تغيير في مؤسسات الدولة، وتساندها بقوة في وجه أية محاولات تغييرية يلجأ لها النظام، وتُصنِّفها تحت شعار “الأخونة”. وعلى الرغم من التوتر والعنف، فقد نجحت الجمعية التأسيسية في إصدار الدستور وتمّ الإستفتاء عليه وتمكين مجلس الشورى من سلطة التشريع، ليُعوِّض غياب مجلس الشعب”.

ويتابع تهامي قائلاً: “ولا شكّ أن ذلك يُمثل نجاحا كبيرا في سياسة الرئيس، الهادِفة لاستكمال مؤسسات الدولة وإنهاء الفترة الإنتقالية، وهو الأمر الذي يتِم تقييمه سلبِياً من جهة المعارضة، التي تعتبرها مجرّد مزيد من التمكين للإخوان. فاستمرّت خسارة الرئاسة لعدد من حلفائه، خصوصاً حزب النور، مقابل حصوله على تأييد قَـوي من حزب الوسط والجماعة الإسلامية”.

أما على صعيد السياسة الخارجية – والحديث لا يزال لتهامي – فقد تمكّنت الرئاسة من إيقاف العُدوان الإسرائيلي على غزة، مما أجهض الأهداف الإسرائيلية منها، كما أبرزت السياسة الخارجية المصرية توجّهات خارجية أكثر توازناً، مثل التوجه شرقاً وتعميق العلاقة مع دول “البريكس” (البرازيل والهند والصين وروسيا وجنوب افريقيا) والإنفتاح على إيران، وذلك من أجل استعادة التوازُن في العلاقات الخارجية المصرية، التي كانت تابعة بصورة كُـلِية للغرب في عهد الرئيس السابق.

إفشال الرئيس من أولويات المعارضة!

في سياق متّصل، يقول الباحث والمحلّل السياسي علاء الفقي: “أدّى فوز المرشح الرئاسي الدكتور محمد مرسي، المنتمي لحزب الحرية والعدالة، الذي يمثل الذّراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، إلى حالة من الإستِقطاب السياسي، أصبح معها إفشال الرئيس المنتخَب، من أولويات المعارضة السياسية”.

وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch، أشار الفقي، المتخصّص في ملف المعارضة المصرية، إلى أن “حكومة رئيس الوزراء المصري الدكتور هشام قنديل عرضت خلال الإجتماع العشرين لمجلس الوزراء في يناير 2013، كشْف حساب عن أهَم الأنشطة والمشروعات التي قدّمتها خلال الستة أشهر الأولى من حُكم الرئيس محمد مرسي”.  

وتابع المحلل السياسي أن “التقرير الحكومي أكّـد أن تلك الفترة شهِدت تنفيذ عددٍ من المشروعات والخُطط والبرامج، من أجل ترجَمة أهداف ثورة 25 يناير 2011 إلى مشروعات حقيقية وملموسة، تحقِّق أهداف الثورة وتُـلبّي تطلُّعات شعب مصر في حياة أفضل، وبما يصُبّ في صالح تحسين جودة الحياة والارتقاء بالخَدَمات المُقدّمة للمواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية”، لكنه استدرك قائلاً: “إلا أنه على المستوى الواقعي، تفاقَمت أزمة الوَقود والمحروقات – السولار والبنزين – على مدار الأشهر الماضية، وعجزت الحكومة عن إنهاء هذه الأزمة المتجدِّدة كل شهر، وتمسّ صميم حياة المواطنين. كما أدّى تِكرار انقِطاع التيار الكهربائي، وخاصة مع دخول فصل الصيف وموسم الإمتحانات، إلى استياء المواطنين وزيادة الإحتِقان الشعبي”.

نجاح “خارجي” وفشل “داخلي”!!

على المستوى السياسي، يُلاحظ الفقي أن “السياسة الخارجية لمصر في عهْد الرئيس محمد مرسي، تحركت على عدّة محاوِر، منها: الزيارات الخارجية لبعض الدول، لتحسين العلاقات وجذب الإستثمارات، للنّهوض بالإقتصاد المُتدهْـور” لكنها جاءت في كثير منها “معتمدة على ردّ الفعل دون تخطيط، مثل الموقف من المُناوشات الإسرائيلية على الحدود الشمالية الشرقية لمصر، وقضية قتْل الجنود المصريين على تلك الحدود في رمضان الماضي”.

أما بالنسبة للسياسة الداخلية، وخاصة فيما يتعلق بالتواصُل مع القِوى النَّشِطة على الساحة، فقد حاول الرئيس – والحديث لا يزال للفقي – احتِواء كافّة القِوى والتيارات السياسية، من خلال الإعلان عن الحوار الوطني في أكثر من مناسبة، “إلا أن تلك الدَّعوات لم تلق قبولاً بالمستوى المطلوب، وهو ما أحدث تلك الحالة من الإستقطاب السياسي والإحتقان الذي قد يُولِّد العُنف في مظاهرات الثلاثين من يونيو الجاري”.

أخيرا، يرى علاء الفقي أن “الحالة الأمنية شهدت تطورا ملموسا، نظرا لِما تقوم به وزارة الداخلية من حمَلات تطهير للبُؤَر الإجرامية، وفرض الأمن في الشارع”، لكنه يُضيف أن “الملف الأمني لا يمكن إنجازه في بضعة أشهر، بل سيأخذ مزيدا من الوقت، ومع ذلك، لا يجب تجاهُـل أن هَـيْبة وزارة الداخلية قد انخفضت في الشارع في الفترة السابقة، منذ اندِلاع الثورة وحتى اليوم”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية