مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جامعة الإسكندرية (147) عالميًا.. تصنيف “مُغاير للواقع” أم “وليد جهود حثيثة”؟

المبنى الرئيسي لجامعة الإسكندرية

تباينت آراء خبراء مصريين متخصِّـصين في التحليل السياسي والتنموي وشؤون الجامعات والبرلمان، حول المرتبة المتقدمة التي احتلّـتها جامعة الإسكندرية ضِـمن أفضل 200 جامعة على مستوى العالم لعام 2010، وِفقا لتصنيف مجلّـة التايمز البريطانية وصحيفة لوموند الفرنسية.

ففيما أثنى عليها نائب سابق لرئيس جامعة الإسكندرية وقيادي بالحزب الحاكم، معتبرا أنها “ثمرة جهود إدارة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة”، ورآها نائب برلماني وقيادي بجماعة الإخوان – كُـبرى جماعات المعارضة بمصر- “تصنيف خادِع ومُـغايِـر للواقع”، أوضح خبير أكاديمي “محايد”، أن “الأمر يتوقّـف على المعايير التي اعتمدتها التايمز أو لوموند لتقييم وترتيب أفضل الجامعات”، مؤكِّـدا أن “الإصلاح المطلوب في الجامعات، سياسِـي بالدرجة الأولى”.

واتفق الخبراء الأكاديميون الثلاثة في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch على أن “روشتة” وصفة إصلاح الجامعات المصرية، يجب أن لا تخلو من “زيادة الميزانية المخصَّـصة للجامعات والبحث العِـلمي إلى أضعاف وضعها الحالي”، و”الاهتمام بتحسين أحوال أعضاء هيئة التدريس ماديا ومعنويا وتدريبيا”، و”منح الطلاّب وأعضاء هيئة التدريس حقّ اختيار مجالس إدارات الاتحادات الطلابية ونوادي أعضاء هيئات التدريس بحرية كاملة، دون تدخل أو وصاية أو رقابة”، مع “المبادرة بتطوير المقرّرات والمناهج الدراسية، لتُـلائِـم حاجة المجتمع للتنمية واحتياجات سوق العمل”.

وفي محاولة منها لتفسير الأسباب التي رفعت جامعة الإسكندرية إلى هذه المرتبة المتقدّمة بين أفضل جامعات العالم، التقت swissinfo.ch كلاّ من: الدكتور محمد سعيد الدقاق، نائب رئيس جامعة الإسكندرية سابقا وأستاذ القانون الدولي العام وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان وأمين عام الحزب الوطني (الحاكم) بمحافظة الإسكندرية، والنائب الإخواني الدكتور حمدي حسن، النائب عن مدينة الإسكندرية في مجلس الشعب (الغرفة الثانية للبرلمان) وأمين الإعلام للكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان، والدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكية بالقاهرة، المؤلِّـف الرئيسى لتقرير التنمية الإنسانية فى الوطن العربي لعام 2009.

وليد “الجُـهد” وليس “الصدفة”!!

في البداية، أوضح الدكتور محمد سعيد الدقاق، نائب رئيس جامعة الإسكندرية السابق، أن “هذا الترتيب لم يأتِ بالصُّـدفة، وإنما نتيجة جهود حثيثة بذَلتها إدارة الجامعة وأعضاء هيئة التدريس بها. فالجامعة تسعى منذ فترة للحصول على مكانة متقدِّمة بين جامعات العالم، ولا يجب أن ننسى أن مكتبة الإسكندرية كانت أول جامعة في العالم كله”، معتبرا أن “الوصول لهذه المرتبة المتقدِّمة، شرف كبير، لكنها في الوقت ذاته، مسؤولية كبيرة أيضا، تقتضي بَـذل المزيد من الجُـهد للمحافظة عليها”.

وعن رؤيته للنهوض بالتعليم الجامعي، يرى الدقاق، أمين عام الحزب الوطني (الحاكم) بمحافظة الإسكندرية في تصريح خاص لـ swissinfo.ch أن “الجامعات عِـبارة عن مثلَّـث، أضلاعُـه هي: أعضاء هيئة التدريس والطلاب والمكان الذي تتِـمُّ فيه العملية التعليمية. والنهوض بمستوى الجامعات، يستلزم بداية، النهوض بمستوى أعضاء هيئة التدريس، ماديا ومعنويا وعلميا، مع التركيز على زيادة مساحة الإطِّـلاع وتشجيع البحث العلمي وربط تقييم عضو هيئة التدريس بما أنجزه على مستوى البحث العلمي من بحوث ودراسات، إضافة إلى ضرورة الاهتمام بطالب الجامعة وتحويله من مجرّد مُـتلقٍّ إلى مشارك ومتفاعِـل، ومن خلال منافسات جادة”.

وكشف الدقّـاق عن أن “الجامعة وضعت بعض الحوافِـز لتشجيع الباحثين وأعضاء هيئة التدريس، منها أن مَـن ينشُـر منهم بحثا أو دراسة في مجلة دولية محكمة، سيتقاضى مكافآت مادية وحوافز معنوية، وهو ما نتجت عنه حالة من التسابُـق بين الباحثين وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة، لحضور الندوات والمؤتمرات الدولية، فضلا عن نشْـر الأبحاث والدراسات بالمجلاّت الدولية المحكمة”، موضِّـحا أن “جامعة الإسكندرية لم تعُـد جامعة محلية، فقد أطلّـت على العالمية، فأضحت جامعة إقليمية ودولية بعد ما فتحت الجامعة فروعًا لها في لبنان والسودان وتشاد”.

وعن المشكلات التي تُـعاني منها الجامعات المصرية عموما وجامعة الإسكندرية على وجه الخصوص، قال الدقاق: “رواتب أعضاء هيئة التدريس مُـتدنِّـية جدًا، قياسا بنظرائهم في وزارات العدل والبترول والخارجية، إضافة إلى المشكلة الكبرى، وهي تدنِّـي الميزانيات المخصّـصة للبحث العِـلمي، مشيرا إلى أنها في بعض الدول المحترمة، تتجاوز ميزانية دول بكاملها!”.

وعن دور الحزب الوطني (الحاكم) في حلّ هذه المشكلات، قال الدقاق، أمين الحزب الوطني بمحافظة الإسكندرية: “رفعنا تقريرا بهذا الأمر إلى المجلس الأعلى للسياسات، وهناك اهتمام متزايد من جانب المسؤولين بالحزب، وعلى رأسهم السيد جمال مبارك، أمين السياسات، الذي خصّص لجنة للتعليم والبحث العِـلمي، ونتعشم أن تأخذ هذه المشكلات طريقها للحل”.

تصنيف “خادِع” ومُـغايِـر للواقع!

مختلفا مع الدقاق، ورغم تأكيده “أن هذا خبر سار لي ولأبناء مدينة الإسكندرية جميعا أن تحصل جامعة مصرية على هذا الترتيب، خاصة في ظل تراجُـع وتأخُّـر مستوى التعليم في مصر”، أوضح النائب الإخواني الدكتور حمدي حسن، النائب عن مدينة الإسكندرية في مجلس الشعب (الغرفة الثانية للبرلمان)، أن “مستوى التعليم في مرحلة ما قبل الجامعي – والذي هو مِـرآة التعليم الجامعي – سيِّـئ للغاية. فأكثر من 70% من طلاّب مرحلة ما قبل الجامعي، لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، بل أن أكثرهم لا يُـجيد كتابة اسمه!.

وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch، انتقد الدكتور حمدي حسن “اعتماد التعليم في هذه المرحلة على الحفظ والتلقين، دون الفهم، لدرجة أن غالب الطلاب الذين يحصدون أعلى المجاميع في الثانوية العامة، يفشلون في الجامعة”، معتبرا أن “إصلاح التعليم في مصر، يحتاج إلى ثورة متكاملة، تشمل تطوير المناهج والارتقاء بمستوى المعلم وتهيئة المنشآت، لتناسب الزيادة العددية الرّهيبة في عدد الطلاب، …. إلخ”.

وكشف حمدي عن أن “الحقيقة بخلاف ذلك تماما، فكيف تطالعنا التايمز ولوموند بهذه التقارير، التي تفيد بحصول جامعة الإسكندرية على هذا الترتيب المتقدّم بين جامعات العالم، بينما نحن في الواقع الأليم، متأخِّـرون جدًا من الناحية التعليمية؟!”، متسائلا “ماذا تنفق الدولة على العملية التعليمية وعلى البحث العلمي في الجامعات ومراكز البحوث؟!”، ويرد قائلا “إن إجمالي ما تنفقه على هذا المرفق الحيوي، يقل كثيرا جدا عمّـا تنفقه على أجهزتها الأمنية، التي تعنى بحماية مصالح الكبار!!”.

وحول “الروشتة” الوصفة التي يقدّمها النائب البرلماني عن مدينة الإسكندرية، قال الدكتور حمدي حسن: “لابد من تخصيص ميزانية محترمة للتعليم عموما وللبحث العلمي والجامعات على وجه الخصوص، مع الاهتمام بمرحلة التعليم ما قبل الجامعي وإصلاح مستوى وأحوال المعلم وتطوير المناهج التعليمية، بما يتلاءَم مع احتياجات ومتطلَّـبات التنمية في مصر، مع وجود إرادة حقيقية للنّـهوض بمستوى التعليم، الذي يبدو في مصرنا كالمريض بالسرطان”.

الإصلاح “السياسي” أساس “التعليمي”!

ومن منظور أكاديمي محايِـد، يشير الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكية بالقاهرة، إلى أن “الأمر يتوقّـف على المَـعايير التي اعتمدتها مجلة التايمز أو صحيفة لوموند لتقييم وترتيب أفضل الجامعات. فالمعروف أن هناك أكثر من تصنيف، وكل تصنيف له معاييره الخاصة به، التي يقيم الجامعات على أساسها. ففي الوقت الذي وضعت مجلة التايمز البريطانية وصحيفة لوموند الفرنسية جامعة الإسكندرية في الترتيب رقم (147) أو (147) مكرر على التوالي، خلت قائمة تصنيف شنغهاي من أي جامعة مصرية ضِـمن أفضل 500 جامعة على مستوى العالم”.

وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch، يعتقد الدكتور مصطفى كامل السيد، المؤلف الرئيسي لتقرير التنمية الإنسانية فى الوطن العربى 2009، أن “المشكلة تكمُـن في أحد أمريْـن: أولهما، أن الأبحاث التي تجرى داخل الجامعات المصرية، لا يتم الإبلاغ عنها دوليا، وآخرها أن عددا كبيرا من الأبحاث والدراسات التي تجرى بالجامعات المصرية، تكتب باللغة العربية، وهو ما يحرمها من فرصة المشاركة والدخول في منافسات مشروعة مع الأبحاث العالمية والتي يسارع أصحابها إلى كتابتها باللغة الإنجليزية ويسعون إلى نشرها على الموقع العالمي الخاص بذلك”.

وبيَّـن السيد، أن “الأوضاع في الجامعات المصرية تحتاج إلى الكثير من جهود الإصلاح، وأحد المشكلات الرئيسية، هي قدرة الجامعات على التَّـعامل مع الأعداد الكبيرة من الطلاب واتِّـجاه الكثير من الطلاب إلى الالتِـحاق بالكليات النظرية لسُـهولة الدراسة بها، بينما يتِـم تجاهُـل أو الابتعاد عن الكليات العملية، وفي مقدمتها كلية العلوم – التي تعدّ العلماء – التي لا تلاقي إقبالا من الطلاب، فضلا عن البعد المالي – الميزانيات – يُـضاف إلى ذلك، الحاجة إلى تطوير المقرّرات والاتقاء بمستوى أعضاء هيئة التدريس”.

وشدّد السيد على أنه “لا ينبغي لهذه المرتبة التي حصلت عليها جامعة الإسكندرية، أن تصرفنا عن المشكلات الحقيقية التي تعاني منها الجامعات المصرية والتي تهدّد مستقبلها”، معتبرا أن “الإصلاح المطلوب، ليس تعليميا فحسب، وإنما سياسيا بالمقام الأول، حيث تخضَـع تعيِـينات عُـمداء الكليات ورؤساء الجامعات، لرغبات كبار المسؤولين في الدولة، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية شخصيا، كما يجب أن لا ننسى أهمية الحاجة إلى إقرار حرية أعضاء هيئة التدريس بالجامعات في اختيار رؤساء أندِيتهم”.

ونبّـه السيد إلى “خطورة عدم الاهتمام بالتعليم بمصر، خاصة في مرحلة ما قبل الجامعي، وهو ما يتّـضح جلِـيًا عندما نُـحاول تدريب الطلاب على (التفكير المستقل)، حيث يتعثَّـرون تمامًا”، مشيرا إلى أننا “عندما نطرح مسألة تطوير التعليم الجامعي، نحتار من أيْـن نبدأ، خاصة وأن مرتَّـبات أعضاء هيئة التدريس بمصر، طاردة وليست جاذِبة، لكونها الأقلّ على مستوى العالم العربي، وهو ما يفسِّـر الهجرة الملحوظة للأكاديميين لدول الخليج ودول أوروبا وأمريكا!”.

احتلت جامعة الاسكندرية المرتبة رقم (147) في التصنيف السنوي لأفضل 200 جامعة على مستوى العالم لعام 2010/2011، الذي تصدره مجلة “تايمز هاير اديوكاشن” البريطانية المتخصصة في شؤون التعليم والذي يحظى بسمعة دولية كبيرة منذ بداية إصداره عام 2004 بالتعاون مع وكالة رويترز للأنباء مع مداخلات من أكثر من 50 شخصية قيادية في القطاع من 15 بلدا عبْـر كل القارات وخلال 10 أشهر من المشاورات واسعة النطاق.

أشار التقرير إلى أن جامعة الإسكندرية تضمّ 30 كلية ومعهدا، تشمل كافة التخصصات ويدرس بها قرابة 197 ألف طالب، يقوم بالتدريس لهم 18500 عضو هيئة تدريس، وأنها فتحت فروعا لها في لبنان والسودان وتشاد، لتصبح بذلك الجامعة الوحيدة في مصر، التي دخلت في التصنيف.

حصلت الجامعة على تقدير عام 51.6، فيما حصلت على 29.5 نقطة في التدريس و19.3 نقطة في الاندماج الدولي و36 نقطة في الدخل الصناعي و28 نقطة في البحث العلمي و99.8 نقطة في الأبحاث المنشورة والمقتبس منها.

احتلت جامعة هارفارد صدارة التصنيف بـ 96.1 نقطة، تلاها معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بـ 96 نقطة، فيما احتلت جامعتَـي اوكسفور وكامبريدج البريطانيتيْـن، المرتبة السادسة بـ 91.8 نقطة.

هي إحدى أكبر الجامعات المصرية وثالث جامعة أنشِـئت في مصر بعد جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية في القاهرة.

تضم جامعة الإسكندرية أكثر من 20 كلية تدرِّس مختلف أنواع العلوم الإجتماعية والطبية والهندسية والرياضية وغيرها. وللجامعة فروع أخرى في مصر خارج مدينة الإسكندرية في دمنهور ومطروح، ومن المقرر إنشاء فروع أخرى للجامعة خارج مصر في جوبا في جنوب السودان، وفي إنجامينا عاصمة جمهورية تشاد.

تخضع جامعة الإسكندرية، مثل معظم باقي الجامعات المصرية، لإشراف المجلس الأعلى للجامعات، وهو جهاز حكومي يقوم برسم السياسة العامة للتعليم بالجامعات المصرية.

يرجع تاريخ إنشاء الجامعة إلى عام 1938، وذلك في عهد الملك فاروق، وكانت الجامعة تضم وقت إنشائها كلية الآداب وكلية الحقوق، ثم تلا ذلك إنشاء كلية الهندسة عام 1941، تم تسمية الجامعة جامعة فاروق في عام 1942 وأعقب هذا إنشاء أربعة كليات جديدة، هي كلية الطب وكلية التجارة وكلية العلوم وكلية الزراعة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية