مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جنوب السودان.. طموحات كبيرة وتحديات جسيمة

اقترن الإعلان عن نتيجة الاستفتاء في 11 يناير 2011 بآمال عريضة في المستقبل لدى سكان جنوب السودان Keystone

نظمت مؤسسة غير حكومية سويسرية مؤخرا في جامعة برن مؤتمرا تناول استعدادات جنوب السودان لإعلان استقلاله رسميا عن الشمال يوم 9 يوليو الجاري. وفيما لمس المشاركون في اللقاء التفاؤل الكبير الذي يرافق هذا الحدث، أدركوا أيضا حجم التحديات الجسيمة التي يطرحها.

وكانت قضايا الحدود والتجارة وتقسيم عائدات النفط والإفتقار للبنية التحتية، مُجرد غيض من فيض المشاكل التي أثارها ضمن هذا السياق الإجتماع الذي استضافته منظمة السلام السويسرية “سويس بيس” يوم الإثنين 4 يوليو الجاري.

وأوضح المبعوث السويسري الخاص إلى السودان، ميكائيل فينزاب، أن شمال السودان سيفقد 25% من ساكنته، و25% من أراضيه، و35% من موارده المالية عندما سيعلن جنوب السودان عن استقلاله، مضيفا أن “الخسارة السياسية والاقتصادية والنفسية يمكن أن تؤدي إلى إثارة السخط الشعبي”.

من جانبه، نوه جوك مادوت جوك، وكيل وزارة الثقافة والتراث في حكومة جنوب السودان، إلى أن عمليات تطوير البنية التحتية، مثل الطرق والكهرباء، تكلف لوحدها قرابة 2 مليار دولار أمريكي في السنة، مشيرا إلى أن “توقعات الشعب العالية تلامس عنان السماء بالنسبة للحكومة المُطالبة بتقديم الخدمات، وبالتالي هنالك مشكلة”.

الحدود والتجارة والنفط

وتُعتبر التجارة والحدود – التي لا تزال غُير مضبوطة عشية تاريخ 9 يوليو – من القضايا الحاسمة في السودان. وقالت مارتينا سانتشي، من منظمة “سويس بيس”، أمام المشاركين في المؤتمر إن التجارة عبر الحدود قد تباطأت إلى حد كبير خلال الأشهر الاخيرة، مما أدى إلى ارتفاع هام في أسعار السلع الأساسية، وإلى صدور اتهامات عن حكومة الجنوب مفادها أن الشمال يُـقـيـّـد التجارة انتقاما منه على التصويت لصالح الاستقلال.

لــكن مدير معهد أبحاث السلام في جامعة الخرطوم، محمد محجوب هارون نوه إلى إحراز تقدم كبير رغم استمــرار بعض نقاط الخلاف حول ترسيم الحدود. وقال في هذا الصدد: “ما نحتاج إليه أكثر هو تسهيل التجارة عبر الحدود لصالح الشعب في الدولتين”، مشددا على أن هذا النوع من التجارة له تاريخ طويل، وأنه لا يمكن لأيّ من الطرفين الاستغناء عنه.

وبالنسبة لكلا البلدين، يظل ضمان استمرار تدفق النفط من الاحتياطات الجنوبية عبر الأنابيب الشمالية أمرا أساسيا لتحقيق النجاح الاقتصادي. وشدد ميكائيل فينزاب على أن “النفط سيكون بل يجب أن يكون القضية الأكثر أهمية. وأنا مقتنع بأنهم سوف يجدون حلولا سلمية. هذا سيساهم في تنمية سلمية للمنطقة بأكملها”.

ومن ناحيته، أشار محمد محجوب هارون إلى أن الإستقرار السياسي سيكون ضروريا لتشجيع افستثمار الأجنبي وضمان عدم تكرار أخطاء الماضي.

“الدولة الجديدة القديمة”

ولفت المبعوث السويسري الخاص إلى السودان الإنتباه إلى “أننا ننسى في بعض الأحيان أن الشمال أيضا سيُصبح بلدا جديدا. ومن المهم بالنسبة لسويسرا عدم تفضيل بلد على الآخر”.

أما مدير معهد أبحاث السلام في جامعة الخرطوم فهو يفضل وصف شمال السودان المقبل بـ “الدولة الجديدة القديمة” بدلا من “البلد الجديد”. ويذكر بأنه رغم “امتلاك السودان لتجربة متقدمة إلى حد بعيد في (مساعي) التوفر على دستور ديمقراطي، فإن إشراك الشعب في وضع دستور جديد لشمال السودان سيكون أساسيا لمستقبله كــأمة سلمية”.

ميكائيل فينزاب قال بدوره “إن تأثير الربيع العربي والحركات الديمقراطية التي تشهدها بلدان مثل مصر المجاورة عوامل قد تساعد على ضمان استمرار المسار الديمقراطي الذي انطلق بالفعل في السودان”.

وذكــّر المبعوث الخاص أن سويسرا شرعت بالفعل في مساعدة جنوب السودان على إنشاء بنك مركزي جديد وعـــُملة خاصة به، فضلا عن دعمها لتطوير بنية تحتية ديمقراطية مُستدامة. وأضاف في هذا الصدد: “إن نظامنا الفدرالي يعمل بشكل جيد جدا. نحن لا نريد تصديره، ولكنه يمكن أن يكون مُلهما (لبلدان أخرى)”.

الوحدة والتنوع

وكيل وزارة الثقافة والتراث في حكومة جنوب السودان، جوك مادوت جوك، أكد من ناحيته أن إشراك الناس في إنشاء مؤسسات جديدة سيكون ضروريا لتعزيز الوحدة  والحس الوطني في الجنوب المُنفصل. وأشار إلى أن الجنوب يتكون من 67 مجموعة إثنية، وأن حركات التمرد اندلعت بعدُ في سبع من ولاياته العشر.

وأضاف أن النضال الطويل من أجل الإستقلال كان في الماضي يشكل دافعا لتوحيد القوى في جنوب السودان، ولكن التحديات التي يواجهها الجنوبيون الآن تهدد بإحداث تقسيم دائم في صفوفهم، على حد اعتقاده.

وتساءل جوك حول هذه النقطة قائلا: “كيف يمكنك أن تجعل الناس يشعرون بأنهم جزء من أمة وليس من مُجرد قبيلة؟ إذا ما رغبت في ذلك، فعليك أن تجـــد شمالا جديدا يقف (ككيان) مُضاد، وبالتالي ستخلق وحدة (في الجنوب)”.

من جانبه، أضاف محمد محجوب هارون أن تنوع المجموعات الإثنية يمكن أن يطرح أيضا مشاكل مماثلة في الشمال، قائلا: “إن فشل النخب الوطنية في الإستجابة لمتطلبات التنوع أدى إلى صراعات مسلحة متعددة في بلادنا. ولا يعني الإنفصال بأن هذه المسألة خضعت للمعالجة، لا في الشمال ولا في الجنوب. ويظل الشرط الأساسي (لضمان) مستقبل مستقر وسلمي في شمال السودان وجنوبه التعايش السلمي بين مختلف المجموعات متعددة الثقافات في كلا البلدين”.

وعندما سُئل جوك مادوت جوك إن كان التنوع الإثني يُشكل رصيدا إيجابيا أم حملا ثقيلا في جنوب السودان، أجاب: “إذا كان رصيدا فعلينا توضيح (معالمه) والإحتفاء به. علينا أن نقول للناس بأن ذلك التنوع في مصلحتهم جميعا”.

وفي الختام، قال وكيل وزارة الثقافة والتراث في حكومة جنوب السودان: “إذا فوّتنا هذه الفـــُرص في السنوات التكوينية، فإن جنوب السودان سيجيب بالنفي على السؤال القائل: “هل هو دولة قابلة للحياة؟”.

اعترفت سويسرا باستقلال السودان في عام 1956، وأقامت علاقات دبلوماسية مع أكبر بلد إفريقي من حيث المساحة في عام 1960.
 
في عام 1961 تم افتتاح أول سفارة سويسرية في الخرطوم.
 
شهدت العلاقات التجارية تطورا منذ منتصف خمسينات القرن الماضي باستيراد سويسرا للقطن، والمكسرات وتصدير المواد الكيماوية والآلات والساعات.
 
في عام 1974 وقع البلدان على اتفاقية لحماية الإستثمارات. 

 

في عام 2010، أنفقت سويسرا 50 مليون فرنك في السودان حيث تتعاون عدة مكاتب فدرالية وتسهم الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في التخفيف من معاناة النازحين بسبب الحرب وذلك في إطار برنامج للمساعدات الإنسانية (ماء، وغذاء، ومواد تنظيف، وعلاجات صحية).
 
يساعد قسم الأمن الإنساني (المكتب الرابع) التابع لوزارة الخارجية السويسرية السودان في بحثه عن السلام والإستقرار. وسبق أن لعب هذا القسم دورا حيويا في الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جبال النوبة تم التوقيع عليه في Bürgenstock في يناير سنة 2002.
 
 يعمل قسم الأمن الإنساني بوزارة الخارجية السويسرية من أجل إيجاد دولة فدرالية في جنوب السودان، تأخذ في الإعتبار خصوصيات المناطق المختلفة في ذلك الإقليم الشاسع، كما يرعى جهودا لصياغة تشريعات تضمن قيام حكومة محلية رشيدة عبر تشجيع تبادل الخبرات، وتنشيط الحوار بين الحكومة المركزية وبقية الإدارات الإقليمية.

توفّر وزارة الدفاع وحماية السكان والرياضة السويسرية خبرتها لسكان الجنوب، خاصة في مجال إعادة تأهيل قوات جنوب السودان، ورعاية تحوّلها من قوات حركة مسلحة متمردة إلى جيش نظامي في خدمة دولة ديمقراطية عبر تأسيس أكاديمية عسكرية في جوبا.

يناير 1956: إعلان استقلال السودان عن الاحتلال البريطاني، لكن أول حرب أهلية بين الشمال العربي المسلم، والجنوب ذي الغالبية الزنجية والمسيحية اندلعت في عام 1955.
 
 1972: انتهاء الحرب الأهلية الأولى التي أسفرت عن سقوط  500000 ضحية على الأقل، والتوقيع على اتفاق في أديس أبابا بين حكومة الخرطوم ومتمردي الجنوب أسفر عن قيام حكومة محلية في جنوب السودان.
  
1983: إثر حل الحكومة المحلية في الجنوب من طرف النظام القائم في الخرطوم، اندلاع حرب أهلية ثانية اتسمت خلالها المواجهات بشراسة أكبر، وتسببت في مقتل أكثر من مليونيْ سوداني، ونزوح حوالي 4 ملايين آخرين.
 
أبريل 2002: توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، والشروع في محادثات السلام.
 
يوليو 2005: التوصل إلى اتفاق شامل للسلام في أبوجا، وبداية عهد من التنمية والإستقرار.
 
 من 9 إلى 11 يناير 2011: تنظيم استفتاء حول تقرير المصير في جنوب السودان شارك فيه 3 سويسريين ضمن مراقبي الإقتراع وأسفر عن تأييد أغلبية ساحقة لانفصال الجنوب عن الشمال.

  
9 يوليو 2011: الموعد المقرر لانتهاء المرحلة الإنتقالية من اتفاق السلام الشامل، والإعلان عن قيام جمهورية جنوب السودان.

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية