مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جنيف تراهن على السياح العرب حتى في شهر رمضان!

في كل عام، يتكثف إقبال السياح الخليجيين على المنتجعات والمناطق السياحية في شتى أنحاء سويسرا ولا تقتصر الظاهرة على فصل الصيف وحده. (الصورة: سيدات خليجيات في منتزه وسط مدينة إنترلاكن) pixsil

سجل قطاع السياحة في جنيف رقما قياسيا في حجوزات السياح الخليجيين في عام 2008، ويراهن العاملون فيه على إسهامهم في إنجاح موسم 2009 رغم الأزمة الاقتصادية والمالية.

وحول ما تردد من إمكانية تغيير موعد “أعياد جنيف” السنوية لتفادي تزامنها مع شهر رمضان، يؤكد مدير التسويق بالمكتب السياحي بجنيف اندرياس فريزوني في حديث لسويس إنفو أن “الأعياد ستقام خلال العامين القادمين في موعدها نظرا لأن جنيف تتميز عن باقي المناطق السياحية الأخرى بأن لها تقاليد في تقديم خدمات للسياح الخليجيين حتى في شهر رمضان”.

ومنذ أن علمت الأوساط السياحية في سويسرا عموما، وفي جنيف بالخصوص عن تزامن أعياد جنيف في العامين 2010 و 2011 مع شهر الصيام المبارك، لم يتوقف الحديث حول إمكانية تغيير موعد تنظيم الأعياد لتفادي خسارة كبرى بالنسبة للقطاع السياحي عموما ولفنادق الدرجة الراقية بالخصوص، التي تراهن بالدرجة الأولى على حرفائها من السياح الخليجيين. ويكفي إلقاء نظرة على حصيلة العام الماضي كي يُدرك المرء جيدا الدوافع الكامنة وراء هذا الجدل.

المرتبة الخامسة للسياح العرب و 60% منهم في جنيف

إذا كانت السياحة العربية والخليجية في جنيف تتميز بأنها كانت تندرج تقليديا في سياق قضاء العائلات الملكية لعطلاتها على ضفاف بحيرة ليمان، فإن القطاع السياحي في جنيف رغم انفتاحه على الطبقة المتوسطة والعليا من الرعايا الخليجيين، مازال يولي أهمية كبرى لهذه الفئة من الزوار.

ويوضح مدير التسويق بالمكتب السياحي في جنيف أنه “يجب أن نقول بأن السوق الشرق أوسطية بالنسبة للسياحة في جنيف هي سوق لها خصوصيتها المتمثلة في تركيز على فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر (أي يونيو ويوليو وأغسطس). ولا يمكن معرفة حقيقة حصاد الموسوم السياحي إلا عند نهاية شهر اغسطس لمقارنته بنتائج العام 2008. فقد كانت سنة 2008 سنة استثنائية وموسما ناجحا سجلنا فيه 175 الف ليلة حجز من منطقة الشرق الأوسط الأمر الذي يضع السياح من منطقة الشرق الأوسط في المرتبة الخامسة في جنيف”.

وهو ما يمثل أيضا 60% من مجموع حجوزات الشرق الأوسط في سويسرا، ويضع جنيف في مقدمة المناطق السويسرية المستقطبة للسياح العرب عموما.

وإذا كان المكتب السياحي لا يستطيع تقديم أرقام مفصلة عن حجم ما يدرّه هؤلاء الزوار العرب إجمالا، فإن بعض وسائل الإعلام السويسرية أوردت أن هذه الفئة من الزوار تدرّ سنويا حوالي 50 مليون على قطاع الفندقة وحوالي 100 مليون فرنك عموما ما بين فندقة ومطاعم ومشتريات. ولتقديم مثال عن حجز من حجوزات منطقة الشرق الأوسط، يقول السيد فريزوني: “توصلنا بحجز لعائلة ترغب في قضاء ثلاث ليال في جنيف، ويناهز سعر الغرف لوحدها حوالي 18 ألف فرنك”.

وهذه الفئة من السياح الخليجيين تتوزع على فنادق الأربعة والخمسة نجوم وعلى الشقق الفاخرة لأنها عادة ما تفضل الإقامة في الشقق. كما تشكل أثناء “أعياد جنيف” الفئة الأكثر حضورا في بعض الفنادق، ولكن حضور هذا الصنف من السياح يقتصر أساسا على ثلاثة أشهر وبالأخص يوليو وأغسطس.

وعما يفضله السياح الخليجيون بصفة عامة في جنيف يقول السيد فريزوني “إنهم يفضلون المصحات الخاصة والمحلات التجارية الراقية والرحلات الى المناطق السياحية والمطاعم الفخمة وهم بذلك من الزوار الذين ينفقون كثيرا”.

رمضان لن يؤثر على موعد “أعياد جنيف”

هذه السنة، يبدأ شهر الصيام في حدود 21 أغسطس، وهذا لا يعرض أعياد جنيف لأية تغييرات، أما في عام 2010 فسيحل شهر رمضان في حدود 11 أغسطس وفي عام 2011 في الفاتح من أغسطس أي إبان أعياد جنيف، وهو تزامن أثار منذ فترة زوبعة من النقاش في صفوف الساهرين على حظوظ قطاع السياحة في جنيف.

وإذا كان البعض قد اقترح تغيير موعد أعياد جنيف لتجنب خسارة التوافد السياحي من دول الخليج والشرق الأوسط، فإن البعض الآخر تمسك بأن الأعياد هي لأهل جنيف بالدرجة الأولى، وبالتالي يجب أن لا تأخذ في الحسبان الإعتبارات الخاصة بشهر رمضان.

لكن اندرياس فريزوني، مدير التسويق في مكتب السياحة في جنيف، الذي ذكّر بأنها ليست هذه هي المرة الأولى التي تصادف فيها أعياد جنيف شهر الصيام حيث سبق أن حدث ذلك قبل عشرين سنة، أكد في حديثه لـ swissinfo.ch أن “موعد أعياد جنيف في بداية شهر أغسطس سيتم الاحتفاظ به حتى في عامي 2010 و 2011”.

ويذكّر فريزوني أن السياح الوافدين من منطقة الشرق الأوسط لم ينقطعوا عن “أعياد جنيف” لما تزامن موعدها مع شهر الصيام قبل عشرين عاما، لذلك انتهز هذه الفرصة للإعلان عن استعداد جنيف لاستقبالهم: “كل ما يمكن ان نقوله لزبائننا في الشرق الأوسط هو أنه إذا كانوا يرغبون في قضاء عطلتهم أثناء شهر الصيام في جنيف فنحن مستعدون لاستقبالهم. إذ جهزت الفنادق نفسها لتقديم عدد من الخدمات التي تساعدهم على قضاء شهر الصيام كما لو كانوا يقضونه في بلدانهم”.

ويضيف مدير التسويق في مكتب السياحة في جنيف “لقد اتصلت بالفنادق في شهر أبريل وعرضت عليها فكرة تحضير قائمة بكل الخدمات التي يمكن للزبائن من منطقة الشرق الأوسط الحصول عليها في الفنادق أثناء شهر رمضان وهي الخدمات التي تمتد من توفير مستلزمات الصلاة مثل السجادة ووجهة القبلة وتوفير الوجبات الحلال وتمديد أوقات خدمات تقديم الوجبات في الغرف. بل حتى توفير غرف خاصة لوضعها تحت تصرف الزبائن أثناء هذا الشهر إما للصلاة أو للتجمع. وتوفير قنوات تلفزيونية عربية في الغرف. وقد أعددنا قائمة بأسماء الفنادق التي توفر جميع هذه الخدمات وهي في حدود ثلاثين فندقا”.

لا خوف من منافسة المناطق الأخرى

وقد اتخذ الحديث عن الخدمات المقدمة للسياح العرب والمسلمين والخليجيين لدى تزامن موسم الصيف مع شهر الصيام، هذا العام طابع المنافسة المفتوحة من أجل استقطاب هذا النوع من السياح إلى مناطق خارج جنيف لم يكونوا يترددون عليها.

في المقابل، ترى جنيف أنها بحاجة إلى تعريف الشركاء السياحيين بوجود تقاليد عريقة لديها لتقديم هذه الخدمات، ويقول السيد اندرياس فريزوني “عندما زرت العربية السعودية، لاحظت أن الوكالات التي تهتم بالحجز للزبائن السعوديين لم يزر أصحابها جنيف من قبل. وبالتالي فهم يجهلون التقاليد العريقة التي لجنيف في التعامل مع هذا النوع من الزبائن. فالعائلات المالكة تعودت على التردد على جنيف منذ سبعينات القرن الماضي، وبالتالي فإن أصحاب الفنادق في جنيف تعوّدوا على مطالب هذه الفئة من الزبائن”.

ولتعريف أصحاب وكالات السفر بجميع هذه الخدمات جهّز المكتب السياحي قائمة تشتمل على كافة الخدمات المتوفرة أثناء شهر الصيام، وقائمة بأسماء الفنادق التي تقدم تلك الخدمات للزبائن الوافدين من الشرق الأوسط، كوسيلة لتسهيل المهمة على وكالات السفر التي تسهر على القيام بالحجوزات في كل من السعودية والكويت ودبي وباقي دول الشرق الأوسط.

وإذا كانت جنيف في حاجة فقط الى التعريف بخدمات تقليدية تعودت على تقديمها لزبائنها الخليجيين أثناء شهر الصيام، فإن مناطق سياحية سويسرية عديدة أقدمت هذا العام على تنظيم تدريبات خاصة للعاملين فيها لتلقينهم مبادئ التعامل مع السائح الخليجي عموما وبالخصوص أثناء شهر رمضان. ومن بينها مدينة لوتسرن ومناطق جبال الألب البرناوية وكانتون زيورخ.

وعما إذا كانت هذه المحاولات تثير قلق واهتمام الساهرين على السياحة في جنيف، يقول السيد اندرياس فريزوني “إننا نتابع باهتمام ما تقوم به المناطق السياحية الأخرى ولو أن ذلك لا يعتبر مصدر قلق بالنسبة لنا”.

وردا على سؤال يتعلق بلجوء زيورخ إلى تلقين الساهرين على الإستقبال في فنادقها دروسا حول كيفية التعامل مع الزبون المسلم أثناء شهر الصيام، يرى المسؤول عن التسويق بمكتب السياحة في جنيف أن “جنيف لم تكن في حاجة لذلك لأن لها تقاليد في كيفية التعامل مع الزبون المسلم أثناء شهر رمضان، وأن أرباب الفنادق يعرفون جيدا كيفية تلبية احتياجات هذه الفئة من الزبائن”.

اهتمام متصاعد بالطبقة المتوسطة

إذا كانت جنيف قد اشتهرت بتوافد العائلات المالكة في دول الخليج وقضاءها فترات الصيف على ضفاف بحيرة ليمان (إما في قصورها التي شيدتها بمنطقة “كولوني” الراقية أو في فرنسا المجاورة)، فإن غياب شخصيتين خليجيتين مميزتين، هما الملك فهد من السعودية والشيخ زايد من الإمارات العربية المتحدة أدى إلى تغيير طبيعة التوافد الخليجي على جنيف.

ومع أن العائلات الملكية استمرت في التوافد على جنيف، إلا أنها لم تعد تقوم بذلك بالشكل المثير للانتباه الذي عرفته الثمانينات والتسعينات بل حتى بداية الألفية الثالثة. أما المثير للانتباه اليوم فهو توافد مواطنين خليجيين من الطبقة المتوسطة والعليا لقضاء جزء من عطلة الصيف والحرص على أن يتزامن ذلك قدر الإمكان مع الإحتفال بـ “أعياد جنيف”.

ويؤكد أندرياس فيزوني، مسؤول التسويق في مكتب السياحة بجنيف أن “الفئة من الزوار التي أصبحت تعرف تطورا كبيرا منذ حوالي أربع سنوات، هي فئة الزوار من الطبقة المتوسطة العليا التي ترونها على ضفاف البحيرة: الزوج والزوجة مع طفل أو طفلين، وهم زبائن من فئة الشباب الذين يقومون بحجوزاتهم عبر وكالات السفر”.

وكثيرا ما يتردد هؤلاء السياح العرب على جنيف مصحوبين بسياراتهم الفخمة التي تعج بها شوارع قلب المدينة أثناء فترة الصيف والتي تحمل لوحات أما سعودية أو قطرية أو إماراتية. ويعتقد فيزوني أن الظاهرة المهمة تتمثل في “رؤية جيل جديد من السياح الخليجيين يتردد على جنيف بعد أن كان الآباء من الزوار الأوفياء”.

ومن الأسئلة التي كثيرا ما يُواجه بها مسؤول التسويق في مكتب السياحة بجنيف في المعارض السياحية التي تقام في منطقة الخليج “كيف هي خدمات المصحات الخاصة المتخصصة في عمليات فقدان الوزن”، كما يقول السيد فريزوني.

أما عن مدى تأثير الأزمة المالية والاقتصادية في تراجع نسبة الإقبال الخليجي على التردد على جنيف، يقول أندرياس فيزوني “نحن في “جنيف توريزم” لم نغير نظرتنا لأننا نؤمن بأن الأمور ستتحسن خلال العام 2010 أو 2011. ولذلك لم نغير إستراتيجيتنا التسويقية. وكل ما قمنا به هو تعزيز نشاطاتنا في الشرق الأوسط وفي بعض أقسام أوروبا على حساب مناطق أخرى. كما أن أصحاب الفنادق بدأوا في مراعاة الأسعار وفقا لعدد الليالي المحجوزة. وما لاحظناه في موسم 2009 هو أن قسما كبيرا من الحجوزات يتم في آخر لحظة”.

ومن المنتظر أن يركز مكتب السياحة في جنيف “من هنا حتى العام 2011 على الخدمات التي يمكن تقديمها للزبائن من المنطقة أثناء شهر رمضان. بالإضافة إلى ذلك الأمور التقليدية مثل أعياد جنيف وإمكانيات التسوق بالإضافة الى التركيز على ما يمكن توفيره للعائلات المصحوبة بأطفالها”.

ويختتم مدير التسويق بالمكتب السياحي في جنيف حديثه بالقول “يجب أن نضع الأشياء في إطارها الاقتصادي لأننا نعيش مرحلة صعبة ونمر بأزمة تمس أيضا دول الشرق الأوسط والخليج وتحديدا السعودية ودبي والكويت. ولكنني متفائل من أننا سنجتاز موسما صيفيا جيدا وربما بأرقام أقل بقليل عما سجلناه في عام 2008″، على حد قوله.

محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف

من العناصر المعززة للتواجد العربي والخليجي في أعياد جنيف لعام 2009 كون سلطنة عمان هي ضيف الشرف على أعياد هذا العام ببرنامج سياحي وثقافي وموسيقي هام سيمتد على طول فترة الاعياد أي من 30 يوليو حتى 9 أغسطس.

عن أسباب اختيار سلطنة عمان ضيف شرف على أعياد هذا العام، تقول جويل سنيلا، المسؤولة الإعلامية لأعياد جنيف والمكتب السياحي في جنيف “لقد سبق لسلطة عمان ان عاينت بشكل متخفي أعياد جنيف في عام 1995، لكن هذا الحضور العُماني ترك انطباعا جيدا في جنيف وفي السلطنة. وبما ان أعياد جنيف تختار دوما ضيف شرف يعتبر وجهة مفضلة للسياح السويسريين، وقد تكون فيه فرص هامة بالنسبة للسياحة في جنيف، وقع الاختيار هذا العام على سلطنة عمان”.

اختيار سلطنة عمان تم ايضا لأنها تعتبر من الوجهات السياحية المفضلة عالميا حيث “أصبحت منذ مدة الوجهة المفضلة للعديد من السياح السويسريين، وأنها صنفت في ترتيب الوجهات السياحية العشرة المفضلة عالميا بل حتى أن مجلة “فوغ” Vogue المتخصصة اختارتها كأحسن وجهة سياحية للعام 2009″.

وإذا كانت الإتصالات قد تمت بين الساهرين على أعياد جنيف ووزارة السياحة العمانية، فإن قرار المشاركة، “كان من السلطان شخصيا”، حسب تأكيد جويل سنيلا.

وترغب سلطات السياحة في جنيف أن يحتفظ زوار جناح السلطنة بصورة “الانفتاح والتسامح والتنمية السياحية” عن هذا البلد الخليجي من خلال ما ستقدمه القرية العُمانية في أعياد جنيف من نماذج حرفية وفولكلورية وما سيؤديه الجوق السمفوني السلطاني الذي سيتحول إلى جنيف بأكثر من 50 عازفا وعازفة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية