مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حتى الاحتجاج يختلف من مشرق العالم العربي الى مغربه

متظاهرون يحرقون مجسما للعلم الاسرائيلي خلال مظاهرة في تونس العاصمة يوم الفاتح من ابريل نيسان الجاري Keystone

لم تكن المظاهرات الاحتجاجية في دول المغرب العربي كمثيلاتها في المشرق. وبالرغم من التجمع الحاشد الذي قاده الزعيم الليبي معمر القذافي والتحرك الشعبي الواسع في المملكة المغربية، كانت ميزة مُساندة الشعب الفلسطيني في دول المغرب إجمالا أنها تمت "تحت سيطرة السلطات" أو كأن هناك اتجاها لا يُريد سماع موقف الرأي العام تجاه القضية الفلسطينية.

تكررت مشاهد منع قوات الأمن للطلاب المُتظاهرين في الجامعات الجزائرية، تماما كما حدث في الجامعات المصرية أو الأردنية.

وشوهد آلاف الطلبة في معهد الحقوق، بحي بن عكنون أعالي العاصمة وهم يحنقون غضبا على ما يجري للشعب الفلسطيني، ومُحاصرة قوات الأمن لهم. وتبين أن شعاراتهم بالذات هي التي تُزعج السلطات الجزائرية ضمن مُزعجات كثيرات، تُدخلها السلطات ضمن المُقنعات لفرض حالة الطوارئ. وبالتالي منع الجزائريين من التظاهر ولو لنصرة القضية الفلسطينية.

يقول هذا الطالب المُتظاهر الذي ينتمي إلى حركة مُجتمع السلم التي يتزعمها الشيخ محفوظ النحناح: “أقول للذين ينتهجون الحل السلمي، أرض فلسطين مُغتصبة ويُدنسها الطواغيت ، ونحن لا نُطالب بالسلم. نحن نُطالب بالجهاد في سبيل الله، ونحن نطلب من أبناء العرب كلهم أن يذهبوا إلى الحرب وإلى الجهاد. ونحن من على هذا المنبر، نطلب من حكوماتنا أن تفتح لنا الحدود وأن نذهب إلى فلسطين ونحررها إن شاء الله”.

والواقع أن السلطات الجزائرية ستجد صعوبة كبيرة للتحكم في غضب شعبي لا يسير وفق استراتيجياتها على المستوى الدولي. فمثلا تعتزم زعيمة حزب العمال السيدة لويزة حنون، رفقة ممثلين لتيارات سياسية وطنية وإسلامية أخرى، تنظيم مُظاهرة احتجاجية وِجهتُها السفارة الأمريكية، مما قد يُثير صداعا حقيقيا لأصحاب القرار، خاصة وأنها قالت في تجمعها الذي منعته السلطات: “نحن نقولها اليوم: منع المُظاهرات في الجزائر أو في مصر والأردن، هو تدعيم لشارون على حساب الشعب الفلسطيني”.

وعلى الرغم من اختلاف سياسة الحكومتين التونسية والجزائرية في التعامل مع الغضب الشعبي تجاه ما يجري في فلسطين، إلا أن نتيجة السياستين واحدة وهي توجيه الغضب بما لا يتنافى قيد أُنملة مع التوجه الرسمي.

فعندما تمنع السلطات الجزائرية التظاهر على نفسها وعلى مواطنيها، يُنظم الحزب الحاكم في تونس، التجمع الدستوري الديموقراطي، مُظاهرة وسط العاصمة تونس، لتُمنع مُظاهرات التيارات السياسية الأخرى، ولو تعلق الأمر بغضب طلابي طبيعي.

وقد تأكدت أنباء واردة من تونس، تُفيد بأن عددا هائلا من رجال الشرطة التونسية كانوا حاضرين، وسط المُظاهرة بزي مدني، لتكثير السواد على ما يبدو…

التظاهر العفوي يبقى ممنوعا في معظم دول المغرب العربي

أما في المغرب الأقصى، فليس هناك حالة طوارئ، تمنع من التظاهر. وكان موقف نقابات المُحامين والأطباء شبيها إلى حد بعيد بنقابتي الأطباء والمُحامين في مصر والأردن، لدرجة أن نقيب المُحامين المغاربة قال بالحرف الواحد: “نعلنها للجميع، كلنا مشروع إرهابي بالمفهوم الأمريكي”.

ومع ذلك ساد شعور قوي بأن التحكم في الغضب الشعبي كان أفضل مما تم التعامل به في تونس أو الجزائر، والنتيجة الطبيعية لهذه السياسة هي ثبات الموقف الرسمي على حاله خاصة وأن التظاهر، كان في مدن دون أخرى، والتحكم في الغضب تم بأسلوب، يصفه البعض بـ “العلمي”…

بيد أن الوضع في موريتانيا، كشف عن حالة من الانفصام بين السلطات وعدد كبير من التيارات القومية والإسلامية التي تُعارض بشدة العلاقات الرسمية التي تُقيمها موريتانيا مع إسرائيل.

ومن غير الواضح هل أن عزلة موريتانيا الإعلامية هذه الأيام تتم بقصد أو من دون قصد؟ في المقابل، تسربت أخبار عن نشاط غير معهود لرجال الاستعلامات الموريتانيين في تتبع غضب الشارع تُجاه الوضع في الأراضي الفلسطينية. كما أن التظاهر العفوي ضد ما يجري ممنوع تماما كما هو الحال في المغرب أو الجزائر أو تونس.

الحالة الليبية تظل متميزة

يبقى أن الحالة الليبية مُتميزة بكل المقاييس. فالزعيم الليبي مُعمر القذافي نظم تجمعا حاشدا، وسط العاصمة طرابلس شتم فيه جيوش الأنظمة العربية وطالبها بتحويل دباباتها وطائراتها إلى قدور ومقالي.

كلام يُشبه ما يُقال في المُظاهرات الشعبية الغاضبة، لكن هل يُمكن التظاهر في ليبيا خارج أُطر اللجان الشعبية؟ سُؤال الإجابة عليه هي بالنفي. كما أن مواقف الزعيم الليبي الداعية إلى مواجهة الإسرائيليين بالسلاح قد يُمكن التأكد منها، إذا فُتحت الحدود المصرية أو الأردنية يوما ما.

ربما يقول البعض، إن هذه الأوضاع سترسخ فكرة الانشقاق الحاصل بين دول المغرب والمشرق العربي، لأن ردود الفعل ليست واحدة. ويُعارض البعض الآخر، بالتأكيد على أن صفة الانشقاق غير صحيحة، فهناك وحدة كاريكاتورية للمُتغيبين عن أعمالهم وهم يُتابعون الوضع في رام الله أو بيت لحم، عبر قناة الجزيرة، سواء في دول المغرب أو المشرق، ثم من قال: “إن الغضب الذي شهدته مدن مثل القاهرة أو عمان يعكس بشكل حقيقي الغضب الهائل لدى المواطنين”.

قد يتعلق الأمر في هذه الحالة بأقلية من المواطنين العرب الذين سُمح لهم بالتعبير عن رأيهم قليلا، في دول المشرق، وبشكل أقل بكثير في دول المغرب.

هيثم رباني – الجزائر

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية