مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عودة الرئيس من العلاج.. تؤجج الصراع السياسي في موريتانيا

أصيب الرئيس الموريتاني محمّد ولد عبد العزيز بطلق ناري على "وجه الخطأ" يوم 13 أكتوبر 2012 بحسب ما تناقلته وكالة الأنباء الرسمية swissinfo.ch

رغم أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز سعى ومن ورائه مؤيدوه، إلى توجيه ضربة قاتلة لمعارضيه، حين اختار تغييب حقيقة وضعه الصحي إثر إصابته بعيار ناري في الثالث عشر من أكتوبر الماضي، لمدة أربعين يوما تناقلت فيها بعض وسائل الإعلام وجهات نظر معارضة أنباء عن عجزه البدني وإصابته بالشلل وأحيانا دخوله مرحلة الموت السريري، جراء إصابة.

الإصابة قالت الحكومة إنها وقعت من دورية عسكرية عن طريق الخطأ على مشارف العاصمة نواكشوط، وأظهرت على التلفزيون الرسمي ضابطا صغيرا قال إنه هو من أطلق النار على الرئيس دون أن يعرفه.

غاب الرئيس للعلاج أربعين يوما، وغابت أخباره، والصور القليلة التي ظهرت له، كانت محل تشكيك من معارضيه الذين اعتبروها مفبركة ومزيفة، ورفض هو ـ طيلة تلك الفترة ـ  الإدلاء بأي تصريحات، قبل أن يظهر فجأة في قصر الإليزيه إلى جانب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ثم يعود إلى البلاد حيث سارع مؤيدوه إلى حشد عشرات الآلاف لاستقباله في المطار، في رسالة لمعارضيه، أن الرجل مازال يتمتع بشعبية جارفة في أوساط المواطنين، وهي حشود قالت المعارضة إنها مؤلفة من موظفي الدولة الذين ساقهم رؤساؤهم قسرا إلى الاستقبال، وبعض سكان الأحياء الفقيرة الذين استغلت حاجتهم المادية فدعوا للمشاركة في استقبال الرئيس مقابل تعويضات مادية هزيلة.

ظهور الرئيس بعد فرضية العجز البدني

ترجل ولد عبد العزيز من الطائرة، واستقل سيارة مكشوفة لتحية مستقبليه، وأمضى أسبوعا في نواكشوط ترأس خلاله اجتماعين للحكومة، وأشرف على تدشين مشاريع تنموية بمناسبة العيد الوطني لموريتانيا، وعقد لقاء مع الصحافة دام ساعتين، كل ذلك سعيا إلى إفحام معارضيه، الذين أصروا على مواقفهم ووجهات نظرهم القائلة بعجزه البدني.

وفي مقابل ذلك اعتبر قادة منسقية المعارضة أن ولد عبد العزيز ظهر وقد فقد جزء كبيرا من وزنه، وكان شاحبا وضعيف البنية، ولم يستطع البقاء لفترة طويلة في البلاد، فعاد إلى فرنسا لاستئناف العلاج، وهو دليل واضح ـ يقول أحمد ولد سيدي باب رئيس منسقية المعارضة ـ  على أن الرجل مريض وعاجز ، ولم يعد باستطاعته أن يحكم البلاد، في حين يقول رئيس حزب تواصل الإسلامي المعارض محمد جميل ولد منصور إن ولد عبد العزيز كان أصلا عاجزا عن أداء مهامه بسبب عدم امتلاكه الكفاءة لذلك، واليوم زاد عجز الكفاءة لديه بالعجز البدني، فأصبح رحيله عن الحكم أمرا ضروريا لمصلحة البلد وبقاء كيانه ووحدته.

ويصر قادة منسقية المعارضة على أن ولد عبد العزيز لم يعد صالحا للحكم، وأن موريتانيا يجب أن تدخل مرحلة انتقالية تفضي إلى تنظيم انتخابات رئاسية، شريطة أن لا يكون ولد عبد العزيز طرفا في المشاورات المحضرة لتلك المرحلة الانتقالية، وهو أمر يقابله الحزب الحاكم وأنصاره بالسخرية قائلين إن ولد عبد العزيز عاد ليستأنف “مسيرة البناء والتقدم” وأن معارضيه الذين تمنوا له العجز البدني، خاب أملهم وباتوا يتشبثون بالأحلام.

 واعتبر محمد يحيى ولد حرمة نائب رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم أن الحشود التي استقبلت الرئيس إثر عودته من رحلة العلاج، كانت كافية لإخراس معارضيه، وتوجيه صفعة قوية لهم، ليتخلوا عن خطابهم الوهمي، ودعا ولد حرمة قادة المعارضة إلى الإذعان لما أسماه إرادة الشعب المتشبثة بحكم ولد عبد العزيز.

المعارضة.. من الرحيل إلى الفترة الانتقالية

منسقية المعارضة التي كانت قد رفعت قبل سنة ونيف سقف مطالبها إلى الدعوة لرحيل النظام، باعتباره بات ميئوسا من إصلاحه، وقالت إنها لن تدخل في أي حوار أو مفاوضات إلا إذا كانت تتعلق بترتيب مسألة رحيل ولد عبد العزيز عن السلطة، وجدت في إصابته فرصة لرفع السقف من جديد، نحو تجاوز مرحلة حكمه واعتبار الرصاصة التي أصابته كانت كافية لجل حكمه جزء من الماضي،  والدعوة للدخول في ترتيبات مرحلة ما بعد حكمه، وهو أمر زاد الهوة اتساعا بينها وبين مؤيدي الرئيس الذين يتمسكون به اليوم أكثر من أي وقت مضى، ويقولون إن الشعب الموريتاني أثبت تعلقه به خلال محنة إصابته وعلاجه في الخارج.

وقد تحدثت المنسقية عن مؤشرات لديها تؤكد أن المقربين من ولد عبد العزيز بدؤوا يستعدون لمرحلة ما بعد حكمه، وشرعوا في تهريب بعض الأموال إلى خارج البلاد لتأمينها، كما عبر قادة المنسقية عن مخاوفهم من معلومات تتحدث عن دور رئيسي لقائد الجيش الجنرال محمد ولد الغزواني، باعتباره بات الحاكم الفعلي للبلد، الأمر الذي تنفيه الحكومة، حيث يؤكد أعضاءها أن ولد عبد العزيز يدير شؤون البلاد من مكان استشفائه في باريس وبتنسيق مع رئيس الوزراء مولاي ولد محمد الأغظف.

وردا على تلك الحملة، قال ولد عبد العزيز إنه اليوم بات أقوى بدنيا من بعض قادة المعارضة الذين وصفهم بالعجزة، قائلا إنه مستعد للدخول معهم في رهان لإجراء فحوصات طبية لمعرفة أيهم أكثر عجزا، واضاف قائلا: “بالنسبة لمن يراهنون على عجزي وانهيار صحتي البدنية، فليبحثوا لهم عن فرس رهان آخر، فأنا بصحة جيدة، وقادر على مواصلة إدارة شؤون البلاد”.

وسخر ولد عبد العزيز من تشكيك المعارضة في رواية إصابته، والحديث عن احتمال تعرضه لمحاولة اغتيال أو قتل مدبرة، قائلا إنه لا أحد أدرى منه بما حصل له، وتحدث بالتفصيل عن قصة إصابته والجهات التي اتصل بها فور إطلاق النار عليه، واصفا المشهد الذي واجهه حينما صوب الضابط سلاحه إلى سيارته التي كان يقودها في رحلة استجمام خارج العاصمة.

مبادرة رئيس البرلمان..

وبين الرئيس وأنصاره المتمسكين بالسلطة، ومنسقية المعارضة الداعية إلى رحيل النظام وتجاوز مرحلته، يقف رئيس البرلمان مسعود ولد بلخير وهو يقود ما يعرف بجبهة المعارضة المحاورة، ليعلن عن مبادرة سياسية تتبادل كل الأطراف مسؤولية عرقلتها.

 وتقوم مبادرة رئيس البرلمان على الدخول في حوار سياسي يفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها المعارضة والأغلبية والمجتمع المدني، وتكون مهمتها الإشراف على انتخابات برلمانية وبلدية، على أن يسمح للرئيس ولد عبد العزيز بإكمال مأموريته التي تنتهي في العام 2014.

 وقد أكد الرئيس الموريتاني حين سأل عن موقفه من تلك المبادرة وإمكانية موافقته على المشاركة في حكومة وطنية قائلا، إن المبادرة قتلت على يد معارضيه حين أصروا على دعوات رحيل النظام ورفض الحوار، وأنه مازال يتمتع بأغلبية برلمانية مريحة تجعله غير مضطر للقبول بحكومة وحدة وطنية.

واضاف الرئيس أنه على المعارضة أن تبقى معارضة وتقوم بدورها، إلى أن تسمح لها صناديق الاقتراع بالوصول إلى السلطة، معلنا أنه سيتم تنظيم الانتخابات البرلمانية خلال أشهر قليلة، دون تحديد موعد دقيق لذلك.

المعارضة ترد بمبادرة تقصي ولد عبد العزيز

أما منسقية أحزاب المعارضة فقد عمدت إلى الرد على مبادرة رئيس البرلمان بطرح مبادرة جديدة، تقوم على تجاوز الرئيس ولد عبد العزيز والدخول في مفاوضات مع القوى المؤيدة له والأطراف السياسية لأخرى، لتمرير مرحلة انتقالية توافقية، وقال محمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد قوى التقدم اليساري المعارض، إنه لا يمكن الخروج بحل دستوري للأزمة الحالية، والحل الوحيد المتاح هو حل توافقي بين كافة الأطراف،  لأن نظام ولد عبد العزيز دمر المؤسسات الدستورية ـ حسب قوله ـ وجعل البلد يعيش خارج الأحكام القانونية.

وأضاف ولد مولود أن البرلمان انتهت مأموريته منذ سنة تقريبا، ولم يعد شرعيا، وبزوال شرعية البرلمان تزول شرعية الحكومة المنبثقة عنه. أما القضاء فلم يعد دستوريا بعد أن عزل رئيس الجمهورية رئيس المحكمة العليا، وعيّن آخر بدلا عنه في مخالفة صريحة للدستور، وبالتالي ـ يضيف ولد مولو ـ نحن أمام فراغ دستوري، ولا سبيل إلى الخروج من الأزمة إلا بحل توافقي يضمن استقرار البلد وأمنه، ويعيده إلى سكة الديمقراطية التي أخرجه منها ولد عبد العزيز.

وبين الموقفين المتنافرين، الرافضين ضمنيا للموقف الثالث المتمثل في مبادرة رئيس البرلمان،  يصر الأخير على التمسك بها، ويقول إنه غير مكترث للتصريحات التي أدلى بها ولد عبد العزيز وقادة المعارضة بشأن الموقف من المبادرة، ولا يعتبرها ردا نهائيا، وأنه مازال ينتظر ردهم بشكل رسمي على مبادرته.

وبين هذا التجاذب غير المسبوق والبون الشاسع في طرح الفرقاء السياسيين، يبقى الشارع الموريتاني حائرا، حيث يعتبر الكثيرون أن الساسة يشغلون البلد وينهكون قواه في صراعات سياسية لحسابات خاصة، دون أن يتركوا مسيرة التنمية تتقدم، في الوقت الذي يعاني فيه المواطن الموريتاني من ارتفاع نسبة الفقر والجهل، ويواجه على حدوده خطر سيطرة الجماعات الإسلامية المسلحة على شمال مالي، الذي 

يرتبط معه بحدود صحراوية تمتد آلاف الكيلومترات.

 عاد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز السبت 24 نوفمبر الى نواكشوط بعد غياب دام اربعين يوما امضاها في فرنسا للعلاج والنقاهة على اثر اصابته بطلق ناري على وجه “الخطأ” أطلقته جندي قرب نواكشوط.

وقال مراسل وكالة فرانس برس ان الطائرة الخاصة التي اقلت ولد عبد العزيز الى بلاده حطت عند الساعة 17,00 من السبت في مطار نواكشوط.

وحيا الرئيس الذي بدا في صحة جيدة، الشخصيات التي قدمت لاستقباله وبينهم كبار مسؤولي النظام واعضاء السلك الدبلوماسي.

وتجمع حشد هائل على طول الطريق الذي يمتد ثلاثة كيلومترات من المطار الى القصر الرئاسي. ورفع المشاركون اعلام موريتانيا وصورا مزينة للرئيس.

وحيا ولد عبد العزيز الذي كان على متن سيارة مكشوفة، الحشد بيده. ولم يدل باي تصريح عند وصوله.

وكان ولد عبد العزيز ادخل المستشفى في باريس في 14 تشرين الاول/اكتوبر غداة اصابته برصاصة “بالخطأ” في نواكشوط، بحسب الرواية الرسمية التي افادت ان جنديا من الجيش الموريتاني كان يقوم بدورية على بعد اربعين كيلومترا عن العاصمة، اطلق النار.

ونقل ولد عبد العزيز الى مستشفى بيرسي دو كلامار العسكري في ضاحية باريس. وغادر المستشفى بعد عشرة ايام لكنه بقي في فرنسا حتى اليوم.

وكان مسؤولون في المعارضة شككوا في صحة الرواية الرسمية لحادث اطلاق النار.

وفي نهاية تشرين الاول/اكتوبر، عرض جندي موريتاني على التلفزيون قدم على انه مرتكب الحادث العرضي، ليؤكد حسن نيته.

واكد ولد عبد العزيز بنفسه لشبكة التلفزيون فرانس-24 ان “ملابسات (الحادث) واضحة جدا ولا جدال في ذلك”. ووصف اي تفسير آخر بانه “محض خيال”.

من جهة اخرى، وفي مقابلة نشرتها صحيفة لوموند لعدد الاحد الاثنين، قال الرئيس الموريتاني انه لا يرى “اي مؤشر على ضعف النظام”، وذلك بينما تقول المعارضة ان “النظام يعيش آخر لحظات احتضاره”.

وقال عبد العزيز “انا مستمر في التصرف الكامل وادارة البلاد من على بعد آلاف الكيلومترات (..) ليست لدي اللياقة ذاتها التي كانت قبل الحادث لكني احتفظ بكافة امكاناتي البدنية والعقلية وانا من يقود” البلاد.

وكان آلاف الاشخاص تظاهروا الاربعاء في نواكشوط.

وقال الرئيس السابق اعل ولد محمد فال (2006-2007) اثناء اجتماع نظمته تنسيقية المعارضة الديموقراطية (عشرة احزاب) “النظام يعيش آخر لحظات احتضاره وسننظم بلا تاخير صلاة على جنازته”.

واضاف ولد عبد العزيز الجنرال السابق الذي وصل الى الحكم في انقلاب 2008 وتم انتخابه في 2009، “العسكريون لديهم اشياء اخرى يقومون بها، وهم واعون لدورهم حاليا. لم أشعر في اي لحظة بمخاوف رغم الشائعات”.

وتابع “سأستأنف عملي وسأترأس بالتاكيد اجتماعا لمجلس الوزراء، وبما اننا عشية يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر (تاريخ الاستقلال) فسيكون امامي العديد من التدشينات”.

من جهة اخرى، اعلن ولد عبد العزيز في المقابلة مع الصحيفة الفرنسية ان موريتانيا “ليست مستعدة” لخوض “حرب” في مالي مشككا في مباحثات محتملة مع جماعة انصار الدين احدى المجموعات الاسلامية التي تحتل شمال مالي.

وقال “لسنا مستعدين لخوض حرب” في مالي التي تتقاسم مع موريتانيا حدودا مشتركة يبلغ طولها 2400 كلم.

واضاف ان “الشعب لا يرغب فعليا” في تدخل عسكري في شمال مالي باشراف مجموعة دول غرب افريقيا التي لا تنتمي اليها موريتانيا.

وتابع عبد العزيز “لهذا السبب لا ننصح بان تكون هناك حرب مفتوحة قبل استنفاد كافة الوسائل الاخرى”.

واوضح ان الحرب “قد تجمع كل القوى في شمال مالي وحتى كل السكان ضد من يمكن اعتبارهم غزاة”.

واوصى الرئيس الموريتاني ب”توخي الحذر” حيال انصار الدين احدى الجماعات الاسلامية التي اعربت عن تأييدها “للحوار السياسي” مع باماكو. وقال “لا اوافق مجموعات لها روابط مع الارهابيين ولا يمكنني ان اثق بما يمكن ان يصدر عنها”.

وشمال مالي محتل منذ نيسان/ابريل من جماعة انصار الدين التي تضم اساسا طوارق ماليين وجهاديين اجانب من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وحركة الوحدة والجهاد في غرب افريقيا.

وفي منتصف تشرين الثاني/نوفمبر عدلت جماعة انصار الدين عن تطبيق الشريعة في كافة انحاء مالي على ان تطبق في معقلها كيدال (شمال شرق).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية