مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حرب “بـاردة” في منطقة الخليج أم “سحابة صيْـف” عابرة؟

3 مارس 2007: العاهل السعودي الملك عبد الله يستقبل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لدى وصوله إلى مطار الرياض. Keystone

هل ثمّـة علاقة ما بين اندلاع ما يمكن أن يكون "حرباً باردة" بين السعودية وإيران على ضفاف الخليج، وبين الربيع الديمقراطي في الشرق الأوسط؟

السؤال للوهلة الأولى، قد يبدو غريبا، وهذا أمر متوقع. فالصراع بين البلدين كان مستعراً أصلاً، منذ أن انتقلت إيران من كونها الحليف الأكبر للولايات المتحدة في منطقة الخليج إلى عدوها الأكبر بعد انتصار الثورة الإسلامية فيها عام 1979. ومنذ ذلك الحين، انغمست الرياض وطهران في حمأة مجابهات تراوَحت بين الحروب بالواسطة، كما حدث إبّـان الحرب العراقية – الإيرانية (سبتمبر 1980- أغسطس 1988)، التي دعمت فيها السعودية بقوة الرئيس صدّام حسين، وبين “المجابهات الودِية” في عهديْ الرئيسيْـن رفسنجاني ونجاد.

بيْـد أن العلاقات تدهْـورت مع وصول الرئيس أحمدي نجاد إلى السلطة، بعد أن ارتدَت السلطة الإيرانية حُـلّـة أيديولوجية دِينية كاملة، فردت عليها مملكة السعوديين بالمِـثل. وهكذا، تبلورت حرب باردة حقيقية بين الطرفيْـن على النمط الأمريكي – السوفييتي، تضمّـنت العدة الكاملة لمثل هذه الحرب: الجواسيس ضد الجواسيس وحملات التضليل الإعلامي والصِّـدامات بين القوى التابعة لهما (في لبنان والعراق وسوريا)، واتهامات سياسية متبادلة وحادة وتراقص على حافة صِـدامات لا يستبْـعِـد البعض أن تصل حتى إلى المستوى العسكري.

وعلى الصعيد الأيديولوجي، كانت الحرب الباردة لا تقِـل حدّة وعنفاً. فقد لاحقت المخابرات السعودية “المبشّـرين الشيعة” الإيرانيين في المغرب وأبلغت السلطات في الرباط عنهم، فأدّى هذا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية المغربية – الإيرانية. كما وصلت المجابهات إلى إندونيسيا، حيث يتسابق الطرفان السعودي والإيراني الآن على كسب قلوب وعقول المواطنين الإندونيسيين عبْـر ضخّ عشرات ملايين الدولارات في المجتمع المدني الإندونيسي، للترويج للصيغتين، السُـنيّة والشيعية للإسلام.

بيْـد أن نقطة الصِّـدام التي دفعت الحرب الباردة إلى السطح، كانت الانتفاضة الشعبية في البحرين، إذ كان الحِـراك الشعبي في تلك الجزيرة الصغيرة، بدأ مع غياب ملحوظ للشعارات الطائفية وتركيز على الإصلاحات الدستورية. لكن، حين أوحت السلطات البحرينية أنها على وشك الرضوخ للعديد من مطالب المُنتفضين، على غرار ما حدث في تونس ومصر، تدخّـلت قوات درع الجزيرة، فتحوّلت الانتفاضة الشعبية بين ليلة وضحاها إلى عِـراك إقليمي علَـني وعنيف بين الرياض وطهران.

وقبل البحرين، كانت السعودية ترى أصابع إيرانية واضحة في الثورة الشعبية اليمنية، خاصة في أوساط الحوثيين، فتحرّكت للإمساك بمفاصل الوضع هناك لمنع التمدّد الإيراني عبْـر توثيق العلاقات المالية مع العديد من القبائل اليمنية ولعب دور الوسيط بين الرئيس علي عبدالله صالح والمعارضة.

ثم هناك بالطبع لبنان، الذي ترتَـدي فيه المجابهة بين تياري 8 و14 آذار، طابع الصراع الصريح والمباشِـر بين السعودية وإيران، منذ أن نجح حزب الله في إطاحة حكومة سعد الحريري، الموالية للرياض قبل أزيد من شهرين.

ويبقى الانتظار لمعرفة كيفية تجلّـي هذا التنافس السعودي – الإيراني في سوريا، التي تشهد هي الأخرى اضطربات شعبية خطيرة والتي قد تتحوّل بدورها إلى نقطة صِـدام كبرى بين الطرفيْـن، بسبب الدور المِـحوري الذي تلعبه بلاد الشام في إستراتيجيات الشرق الأوسط.

لماذا الآن؟

كل هذه المعطيات توضِّـح أن السعودية وإيران كان لديهما منذ ثلاثة عقود كل الأسباب والمبرّرات كي تنغمِـسا حتى الثَّـمالة في الحرب الباردة. بيْـد أن السؤال هنا هو: لماذا قرّر الطرفان في هذه المرحلة بالذات تحويل الصِّـراع الخفي بينهما إلى صراع علَـني وأن يستخدِما كل أسلحة الحرب الباردة، الإعلامية والسياسية والاستخبارية دفعة واحدة؟ نترك الإجابة للكاتبيْـن الأميركيين بيل سبيندر ومارغريت كوكر (“وول ستريت جورنال” – 16 أبريل 2011).

قالا: “إذا ما كانت إيران والسعودية تريَـان نفسيهما تردّان على تهديدات خارجية، إلا أن العديد من المحلِّـلين والدبلوماسيين وأنصار الديمقراطية، يروْن مشهداً أكثر تعقيدا. فهُـم يقولون إن تصعيد التوتُّـرات الإقليمية له دافع آخر لدى الطرفيْـن: الخوف من الديمقراطية.

فقبل وقت طويل من اندلاع الاحتجاجات التي أطاحت برئيسيْـن في العالم العربي، خاض النظام الإيراني معارك شوارع طاحنة ضدّ المتظاهرين والمحتجّـين الإيرانيين، المطالبين بالحرية قبل نحو السنتيْـن. وعلى رغم أن السلطات الإيرانية إدّعت أن الثورات العربية هي نسخة عن ثورتها هي عام 1979، إلا أن أنصار الثورة الخضراء المعارضين نجحوا في الإلتحام مع الثورات العربية وقاموا بأكبر تظاهرات لهم منذ أكثر من سنة.

السعودية من جهتها، تحرّكت بسرعة لتجنّـب وصول مَـدّ الثورات المدنية إليها، فضخّـت أكثر من 30 بليون دولار للتنمية الداخلية وأبقت عينها ساهرة على المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، التي تتواجد فيها أقلية شيعية ولكن نشطة، وأتبعت ذلك بحملات إعلامية واسعة النطاق لتؤكِّـد أن النظام السعودي مُحصّـن ضد الثورات على النمطيْـن التونسي والمصري.

لكن، يبدو أن الخطوة الأهم التي اتّـخذها النظامان السعودي والإيراني معاً، هو تغيير النقاش من الحرية والثورات الديمقراطية، إلى الصِّـدامات الإقليمية والصراعات الطائفية السُـنّية – الشيعية.

لكن، هل ينجح هذا التكتيك  في تجنيب النظامين رياح التغيير العاتية في الشرق الأوسط؟

.. ولكن؟

ربما، في حال استمَـر تصعيد الحرب البادرة وتحولّت في بعض الأحيان إلى حروب صغيرة أو كبيرة ساخنة، لكن في ما عدا ذلك، فإن الصِّـراع الإقليمي لن يوقف التغيير، حتى ولو أخّـره بعض الوقت. فالقرار بتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط والإنتقال من مرحلة الاعتماد على استقرار الأنظمة السلطوية إلى الاعتماد على استقرار المجتمعات المدنية (عبر الديمقراطية وحكم القانون)، هو قرار دولي اتخذ على أعلى المستويات وتشارك فيه، ليس كل أو معظم الدول الكبرى وحسب، بل أيضاً قوى العولمة المتمثّلة في الشركات متعدِّدة الجنسيات التي تريد أن ترى سوقاً شرق أوسطياُ واحداً، له 750 مليون مستهلك، وهذا لا يكون إلا بإعادة تنظيم المنطقة على أسس ديمقراطية وليبرالية جديدة.

وتبعاً لذلك، الحرب الباردة بين السعودية وإيران قد تثبت في نهاية المطاف أنها ليست أكثر من سحابة صيْـف عابرة دخلت خطأً المجال الجوي لربيع شرق أوسطي عبِـق بالتحولات والتغيّـرات المتواصلة.

اكد وزراء الداخلية في دول مجلس التعاون الخليجي في ختام اجتماعهم التشاوري في ابو ظبي يوم الثلاثاء 3 مايو 2011 أن “الخليج عربي وسيظل كذلك” منددين “بشدة في التدخل” الايراني بالشؤون الداخلية للبحرين.

ونقل بيان عن الوزراء “استنكارهم” تصريحات رئيس اركان الجيش الايراني “الاستفزازية وغير المسؤولة (…) واكدوا ان الخليج عربي وسيظل كذلك”.

وكان الجنرال حسن فيروزبادي هاجم يوم السبت 30 أبريل الماضي “جبهة الدكتاتوريات العربية” في الخليج معتبرا ان هذه المنطقة “كانت دائما ملكا لايران” مشيرا الى ان “الانظمة العربية الدكتاتورية في الخليج الفارسي غير قادرة على منع الانتفاضات الشعبية”.

وشدد فيروزابادي على ان “الخليج الفارسي انتمى وينتمي وسينتمي دائما لايران”، كما ندد برفض دول الخليج العربية تسمية الخليج بـ “اسمه التاريخي”.

كما ادان وزراء داخلية مجلس التعاون الخليجي “بشدة التدخل الايراني” في الشؤون الداخلية للبحرين مؤكدين “مشروعية تواجد قوات درع الجزيرة” في المملكة الصغيرة.

وقد ندد الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني يوم الاثنين 2 مايو بهذه التصريحات “العداونية” موضحا ان طهران “لا تملك الا مياهها الاقليمية”.

وتدهورت العلاقات بين ايران وجيرانها العرب في الاسابيع الاخيرة. وتتهم دول الخليج العربية ايران بالسعي الى زعزعة استقرارها ودعم انتفاضات شعبية اندلعت في العديد من الدول العربية.

وانتقدت ايران بشدة التدخل السعودي في البحرين لقمع تظاهرات الشعب ذي الغالبية الشيعية. وطردت البحرين والكويت دبلوماسيين ايرانيين اتهموا بالتجسس.

وكانت ايران طالبت لفترة طويلة بالبحرين باعتبارها تابعة لها كما ان طهران في نزاع مع دولة الامارات بشان ملكية ثلاث جزر في مياه الخليج قرب مضيق هرمز.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 3 مايو 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية