مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حسابات الخارج في الصراع الداخلي بين العسكر والإسلاميين

تشيع مهيب لجنازة ضابط برتبة رائد قتل يوم 15 يونيو 2007 في مواجهات مع مسلحين من حزب العمال الكردستاني في هكاري شرق تركيا Keystone

لماذا يهدد الجيش التركي بالتدخّـل العسكري في شمال العراق وفي هذه الآونة بالذات؟ وهل هناك علاقة ما بين الصراع السياسي القائم بين الحكومة ومتشددي التيارات العلمانية والتطورات الأخيرة؟

أسئلة كثيرة غير هذه تُـطرح بقوة في هذه الفترة، وقد لا تجد أجوبة حاسمة عليها.

يمكن للمراقب أن يتوقف مبدئيا عند ملامح رئيسية، تتمثل في أن تركيا خرجت عمليا من المعادلة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. فالجيش التركي منذ منتصف الثمانينات، كان يتعقّـب مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، بموافقة نظام صدّام حسين، واستمر التعقّـب بحرية بعد حرب الخليج الثانية، وصولا إلى احتلال العراق في مطلع 2003، اليوم، تجد تركيا نفسها عاجزة عن التأثير المباشر في المعادلة العراقية.

ثم إن هواجس تركيا في العراق حقيقية. فالنّـزعة الاستقلالية لأكراد العراق، بلغت ذروة غير مسبوقة، وضم مدينة كركوك، بما هي رمز للثقافة الكردية، ومقوّمات بقاء الدول اقتصاديا، جار على قدم وساق، والعراق يأخذ شكلا تقسيميا تحتفظ فيه “الدولة” الكردية بكل عناصر ورموز ومقوِّمات الاستقلال.

من جهة أخرى، بلغ الوضع الكردي داخل تركيا نفسها أيضا ذروات غير مسبوقة، ووحدة الدم الكردي من ديار بكر إلى كركوك، تجلت بأعلى صورها مع تصريحات قادة حزب المجتمع الديمقراطي (DTP) في تركيا، ومسعود البرزاني، كما أن حزب العمال الكردستاني لا يزال يحتفظ بقدرة عالية على التحرّك العسكري داخل تركيا، والعمليات العسكرية الأخيرة دليل على ذلك. ويبدو أن اعتقال عبدالله أوجلان لم يؤثر على فاعلية هذا الحزب وقُـدرته على الانبعاث، وهذا يجب أن يكون مبعثا على التساؤل داخل الأوساط التركية.

داخليا، يظل الموقف التركي غير موحّـد في كيفية مواجهة “الخطر” الكردي، ولعل أخطر ما تواجهه تركيا، هو هذا الانقسام الداخلي على الصعيد الرسمي وعلى الصعيد الشعبي. فمن الواضح أن هناك من لا يرى أي استعداد لفهم والاعتراف بالوقائع الجديدة في العراق، ولا يزال ينظر إلى قادة أكراد العراق، كما لو أنهم مجرّد زعماء عشائر أو إلى كركوك كما لو أنها “إقطاعية” تركية، في حين أن فريقا من الأتراك يحاول أن يكون أكثر واقعية في مقاربته للوضع في شمال العراق، لكنه لا يزال يقع تحت تأثير القِـوى المتشدّدة في الداخل، ولم يُـبلور بعدُ نظرية أو سياسة متكاملة لينتقل إلى تطبيقها.

تهديد تركي بالتدخل العسكري

عمليات حزب العمال الكردستاني هذا الربيع ليست جديدة، فهي تتكرّر مع بداية كل ربيع، لذا، فإن التهديد التركي بالتدخّـل العسكري غير مُـبرر من هذه الناحية، بل هو مرتبط بعوامل أخرى.

أولا، إن عام 2007 هو عام كركوك والاستفتاء على ضمِّـها أو لا لإقليم كردستان، إن هذه الخطوة، إن تمّـت، ستكون حدثا تاريخيا للدولة الكردية في شمال العراق وستشجع بقية أكراد المنطقة، ومنهم الذين في تركيا، على تصعيد نضالهم من أجل تطلّـعاتهم القومية، إن تهديد تركيا بالتدخل العسكري، يأتي في إطار الضغط لمنع ضم كركوك إلى كردستان العراق.

ثانيا، تتّـجه “الدولة” الكردية نحو مزيد من الاستقلالية، وآخرها تسليم الولايات المتحدة الأمن في شمال العراق إلى قوات البشمركة، وهذه لها دلالات مُـهمة جدّا على قُـدرة الكِـيان الجديد على حماية نفسه بنفسه في وجه أي تدخل عسكري تركي. إن تهديد تركيا بتدخل عسكري، هو رسالة فورية إلى أن أمن الأكراد لن يتحقق من دون موافقة تركيا.

إضافة إلى ذلك، فإن التهديد التركي بالتدخل العسكري يهدف إلى إبقاء سيف الخطر مسلّـطا على رؤوس الأكراد العراقيين في مرحلة البحث عن مخارج للمأزق الأمريكي في العراق، ورسم الملامح المستقبلية لهذا البلد، لكن أحدا لن يعزل تصعيد التوتير على الحدود مع العراق عن الوضع الداخلي في تركيا، إذ أن توقيت التهديد بالتدخل العسكري مُـهم جدا حيث يترافق مع انغماس الجيش بالوضع السياسي الداخلي منذ إنذار منتصف الليل يوم 27 مارس الماضي.

هجوم مضاد على حزب العدالة والتنمية

من الواضح أن الجيش والمتشدّدين من العلمانيين قد قرروا بدء الهجوم المُـضاد على سياسات حزب العدالة والتنمية، ويمكن القول أن تعزيز النّـزعة العسكرية في البلاد عبْـر افتعال مَـعارك في شمال العراق، يعزِّز التأييد الشعبي التركي لهذا الخيار، خصوصا أن حزب العدالة والتنمية يقِـف إلى جانب الحوار مع أكراد العراق.

من هنا فإن تصاعد عمليات حزب العمال الكردستاني وسفك الدِّماء التركية من دون “قرار سياسي” بالرد العسكري، سيتحمل مسؤوليته حزب العدالة والتنمية الذي سيُتّـهم حينها أمام الرأي العام بأنه مفرّط بالدّم التركي، فتتقلص نسبة التأييد الشعبي. إن التهديد العسكري التركي ليس سوى حلقة من حلقات الضغط على حزب العدالة والتنمية. فإذا ضعف الحزب وتراجع في الانتخابات، تراجع التهديد العسكري التركي في شمال العراق.

إن الجيش التركي ورئيس الأركان بالذات، الجنرال ياشار بويوك انيت، يُـدرك قبل غيره أن أي تدخل عسكري في العراق يعني حربا ضد الولايات المتحدة، حليفة تركيا في حِـلف شمال الأطلسي و”جارتها” الفِـعلية في العراق. فهل الجيش التركي في وارد الدخول في مثل هذه المواجهة مع أمريكا؟ الجواب هو ألف لا.

من الواضح أن سياسات المتشدّدين من العِـلمانيين والعسكر في أنقرة، تأخذ تركيا في الداخل إلى مواجهات سياسية واجتماعية خارج اللّـعبة الديمقراطية. وها هم اليوم، يجرّون تركيا إلى مغامرات في الخارج، لن تنجح أبدا في إيجاد حل للمشكلة الكردية، لا في العراق ولا في تركيا.

يضاف إلى ذلك، أن استخدام الورقة الكردية، أداة لتصفية حسابات سياسية داخلية عشية انتخابات 22 أغسطس، هو أمر معيب ولعب بالاستقرار الداخلي، وهو استمرار للسياسات الخاطئة لمراكز قوى “الدولة العميقة” تُـجاه المشكلة الكردية في تركيا، التي لن تعرف حلا جذريا عبر الهروب إلى الأمام.

لعبة الخارج

إنها لُـعبة الخارج في الحسابات الداخلية، والمؤسسة العسكرية تريد إحكام الطّـوق على حِـزب العدالة والتنمية، أولا، عبر إظهاره أنه متساهل في المعركة ضد الإرهاب، وهذا سيجيّر أصواتا إضافية إلى حزب الحركة القومية اليميني المتشدد، ما يتيح دخول المزيد من الأحزاب إلى البرلمان ولإضعاف حزب العدالة والتنمية، وثانيا، عبر رفض الرئيس أحمد نجدت سيزير التعديلات الدستورية بانتخاب الرئيس من الشعب (وحتى تحويل ذلك إلى استفتاء شعبي موضِـع شكوك، نظرا إلى احتمال رفض المحكمة الدستورية للتعديلات من أساسها)، وهكذا تعود اللّـعبة إلى البرلمان، حيث يستطيع الجيش الإمساك أسهل بمفاتيحه.

يبدو أن المهمة الأساسية للعسكر الآن تتلخص في منع حصول حزب العدالة والتنمية على أكثرية الثلثين، التي تمكِّـنه من انتخاب الرئيس الذي يريد، ومن أجل ذلك، إنها المرة الأولى التي تشهد فيها تركيا استخدام كل أنواع الأسلحة بصورة عَـلنية، من الإنذارات إلى القرارات القضائية إلى المغامرات العسكرية في شمال العراق، وقد لا تتوقّـف عند الضرورة عند انقلاب عسكري مباشر. فهل يكون مصير اردوغان مشابِـها لمصير نجم الدين أربكان، الذي أطاحت به قرارات 28 فبراير 1997؟

محمد نور الدين – بيروت

ديار بكر (تركيا) (رويترز) – بدأ ممثلو الادعاء في الحكومة التركية تحقيقا يوم الاثنين حول مسعود البرزاني رئيس المنطقة الكردية الخاضعة للحكم الذاتي في شمال العراق الذي تشتبه انقرة في انه يدعم المتمردين الاكراد الاتراك.

يتزامن التحقيق مع حشد للجنود الاتراك والدبابات في جنوب شرق تركيا الذي تسكنه اغلبية كردية وسط تكهنات بانهم قد يقومون بتوغل كبير في شمال العراق لضرب قواعد حزب العمال الكردستاني هناك.

وطلبت منظمة قومية تركية من ممثلي الادعاء في دياربكر اكبر المدن في جنوب شرق تركيا فتح التحقيق في الاتهامات بشأن حزب العمال الكردستاني ودعت الى تجميد اي أصول بما في ذلك الممتلكات العقارية والحسابات المصرفية التي قد يمتلكها البرزاني في تركيا.

وكان للبرزاني علاقات طيبة مع انقرة في وقت ما لكنها تدهورت بشدة في الشهور الاخيرة بعد ان استخدم لهجة حادة في انتقاد سياسة تركيا تجاه اكراد العراق وقال ان قواته لن تهاجم ابدا حزب العمال الكردستاني.

وتحرص تركيا على منع ظهور دولة كردية عراقية في شمال العراق خشية ان يؤدي هذا الى تأجيج مشاعر الانفصال بين سكانها الاكراد كثيري العدد في جنوب شرق تركيا وايضا الى زعزعة استقرار المنطقة الحدودية.

وتقول تركيا التي تواجه انتخابات عامة في الشهر القادم ان من حقها بموجب القانون الدولي ارسال قوات الى العراق لسحق حزب العمال الكردستاني اذا لم تقم الولايات المتحدة والعراق بعمل ضده.

وتنحو انقرة باللائمة على حزب العمال الكردستاني في مقتل اكثر من 30 الف شخص منذ شن الحزب حملته المسلحة من اجل اقامة وطن عرقي في جنوب شرق تركيا في عام 1984.

وقتل يوم الاثنين ثلاثة من أفراد حزب العمال الكردستاني في معركة بالاسلحة النارية مع القوات التركية في منطقة سيرت بجنوب شرق تركيا. وعلى صعيد منفصل أصيب ثلاثة جنود أتراك حينما انفجر لغم أرضي بمركبتهم في اقليم تونجلي المجاور.

وازدادت هجمات الحزب الكردي ضد المدنيين والاهداف الامنية في تركيا خلال الشهور القلائل الاخيرة مما زاد من الضغوط على رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان لاتخاذ موقف اشد ضد المتمردين.

وقالت وسائل الاعلام التركية يوم الاثنين ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي سيزور انقرة في الشهر الحالي بطلب من اردوغان لمناقشة الوضع الامني في شمال العراق.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 يونيو 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية