مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حصيلة “سنوات جيمس بيكر”..

فشل جيمس بيكر (في الصورة: مع رئيس جبهة البوليزاريو) في إحداث اختراق حقيقي في ملف النزاع القائم بين المغرب والبوليزاريو حول الصحراء الغربية James Baker

استقبلت الرباط بارتياح إعلان جيمس بيكر عن استقالته من منصبه كموفد الامم المتحدة الى الصحراء الغربية، فيما عبرت جبهة البوليزاريو عن أسفها للقرار.

فما هي حصيلة السنوات السبع التي تحمل فيها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مهمة معالجة النزاع في الصحراء الغربية الذي لا زال مستعصيا على الحل؟

التصريحات التي أدلى بها المسؤولون المغاربة تعليقا على استقالة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر من مهمته كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بتسوية نزاع الصحراء الغربية، تَـشي بكثير من الارتياح.

وقال وزير الخارجية محمد بن عيسى إن استقالة بيكر كانت “نتيجة لصمود الدبلوماسية المغربية”، ووسائل الإعلام المغربية اعتبرت الاستقالة “تأكيدا على فشل كل المحاولات التي تسعى لتسوية النزاع الصحراوي خارج إطار الوحدة الترابية المغربية أو الرؤية الاستراتيجية المغربية للحل”.

قد يكون المسؤول المغربي محقا بارتياحه، إذ أن جيمس بيكر، ومنذ توليه مهمته شتاء 1997 كمسؤول عن متابعة النزاع الصحراوي، وهو يدفع باتجاه حل يتّـسم بالإجراءات التقليدية لتسوية النزاعات على التراب الإقليمي أو قضايا حق تقرير المصير، وهو الحل الذي كان المغرب يراه غير ذي موضوع وتجاوزته تطورات النزاع بعد أن نزع فتيل أية مواجهة عسكرية، ودخل سكان الصحراء الغربية في آليات الفعل السياسي المغربي من مشاركة في الانتخابات والاستفتاءات.

طموحات بيكر

وفي الجانب الآخر، عبرت جبهة البوليزاريو التي تسعى لفصل الصحراء عن المغرب وإقامة دولة مستقلة، عن أسفها لقرار بيكر بالاستقالة وأسبغت على المسؤول الأمريكي السابق الكثير من صفات الموضوعية والنزاهة.

لقد تعامل الطرفان، المغربي والصحراوي، مع استقالة بيكر وكأنها نتاج تطورات التسوية السلمية للنزاع القائم منذ ثلاثين عاما، وألمح المغرب إلى أن الاستقالة جاءت بعد أن وصلت التسوية، التي عمل بيكر على تطبيقها، إلى طريق مسدود، وكل طرف يُـحمّـل الطرف الآخر مسؤولية هذا الفشل.

في المقابل، جاءت استقالة بيكر في واقع الأمر نتيجة لرغبته في التفرغ للحملة الانتخابية للرئيس جورج بوش على أمل الفوز في ولايته الثانية على منصب أساسي في إدارته القادمة تتناسب مع خبرته وسمعته التي راكمها كوزير لخارجية جورج بوش الأب (1988 – 1992)، وبعد ذلك كمبعوث للأمم المتحدة مكلفا بنزاع الصحراء الغربية.

وطموح بيكر في تقلد منصب رفيع في إدارة بوش الابن الأولى لم يكن خافيا. فنشاطه المتميز وحماسه في إدارة الحملة الانتخابية لرئاسيات عام 2000، كان يعتقد أنه يؤهله للفوز إن لم يكن بمهمة مستشار الرئيس للأمن القومي، فعلى الأقل بوزارة الخارجية، لكن اليمين المحافظ الذي أحاط بالرئيس بوش حرم بيكر من الحصول على أي منصب يليق به في إدارة بوش الإبن.

وأمام المأزق المتفاقم الذي يعيشه أبرز رموز هذا اليمين بعد احتلال العراق، انتعشت طموحات بيكر من جديد، فقدم استقالته كمبعوث شخصي لكوفي أنان، من أجل أن يتفرغ لإدارة الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي الحالي في رئاسيات 2004.

تنازل مستحيل وحذر مهيمن

كان جيمس بيكر، حين تولى كوفي أنان مهمة الأمين العام للأمم المتحدة نهاية عام 1996 وإعادة انتخاب الرئيس بيل كلينتن لولاية ثانية وفشل الجمهوريين بالعودة إلى البيت الأبيض، يبحث عن دور عالمي يُـعيده إلى الأضواء التي خفتت حوله، إلا أنه وجد أن تسوية النزاعات الدولية المتفجرة إما أنها وضعت تحت رعاية شخصيات عالمية، مثلما هو الحال في البوسنة والهرسك وكوسوفو أو أن أطرافها متفقة على تسويتها بشكل ثنائي مثلما هو الحال في القضية الفلسطينية، فلم يكن أمامه غير نزاع الصحراء الغربية، (وإن كان غير متفجر لكن تسويته متعثرة)، فاقترح على أنان تكليفه بمتابعتها.

من جولته الأولى في منطقة المغرب العربي، أدرك جيمس بيكر أن المجد لن يتحقق له في تسوية النزاع لأن ما اتخذ بشأنه من قرارات وما وضع له من مخططات للتسوية، لم تكن تتسم بالكثير من الغموض فحسب، (وهو غموض يُـتـيح لكل طرف أن يلعب على الألفاظ ليحسن وضعه التفاوضي)، إلا أن الأهم أن القرارات المرجعية تضع كل طرف بوجه معادلة مستعصية: إما ربح كل شيء أو خسارة كل شيء، إما الانتصار الشامل أو الانكسار الكامل، وفي مثل هذه القرارات يكون التنازل شبه مستحيل، والحذر هو المهيمن.

وعلى غرار أطراف النزاع، بدأ جيمس بيكر يلعب على عامل الوقت، حتى وإن استمر اللعب في نفس الدائرة. فبعد أن سمع من أطراف النزاع الصحراوي الالتزام بقرارات الأمم المتحدة وبمخطط السلام الصحراوي، مع إدراكه أنهم يُـدركون مثله صعوبة تطبيقه، بدأ يطرح أفكارا لا تُـسوي ولا تَـحل المختلف عليه، لكنها تُـنعش عملية التسوية.

كانت المفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليزاريو، وتحت رعايته خطوته الأولى ونقل الطرفين معه بين لشبونة ولندن بل أوصلهم في سبتمبر 1997 إلى مقر مؤسسته في هيوستن لتوقيع اتفاقية التزام بتطبيق إجراءات مخطط السلام.

وفي ذلك الحين، كانت المسألة تتعلق بتحديد هوية الصحراويين الذين تحق لهم المشاركة بالاستفتاء الذي ينص عليه مخطط السلام ويقرر الصحراويون من خلاله مصيرهم في دولة مستقلة أو الاندماج مع المغرب.

ارتياح مغربي وقلق صحراوي

وبعد عام من اتفاقية هيوستن، وصل كوفي أنان إلى المنطقة محملا بلوائح الصحراويين الذين حُـدّدت هويتهم، وأعلن في مراكش عن الانطلاق نحو الإجراءات الأخرى، كإعادة اللاجئين الصحراويين من تندوف إلى موطنهم الأصلي في الصحراء، والتفاوض لتبادل الأسرى، لكن عاما آخر مضى والأمور على حالها، فبدأ كوفي أنان وجيمس بيكر معه يتحدثان عن صعوبة تطبيق مخطط السلام وضرورة البحث عن حل آخر مكمل أو بديل.

وكان الحل الآخر حُـكما ذاتيا للصحراويين تتمتّـع فيه مؤسساتهم المنتخبة أو المعينة بصلاحيات واسعة تحت السيادة المغربية، ولقي الحل الذي أطلق عليه الحل الثالث أو الحل السياسي أو المتفاوض عليه قبولا مبدئيا من المغرب وجبهة البوليزاريو، لكن الاختلاف كان أن المغرب يريده حلا دائما، في حين تريده جبهة البوليزاريو حلا مؤقتا لمدة محددة زمنيا يجري بعدها استفتاء تقرير المصير.

ما بين المؤقت والدائم، بدأ جيمس بيكر يطرح أفكارا يقدمها لأطراف النزاع ويسمع رد فعلهم ويبلغها للأمين العام للأمم المتحدة، الذي يقدمها في تقريره الدوري لمجلس الأمن.

وكان بيكر ينزع نظريا للحياد ويتعامل كغيره من خارج المنطقة مع النزاع نصوصا وقرارات وقوانين وأعراف، وهذا كله في النزاع الصحراوي غير قابل للصرف. فكان حياده يميل أحيانا إلى المغرب، لكن في أغلب الأحيان كان يميل لجبهة البوليزاريو ليُـتوّج ميله هذا بمشروع قرار رقم 1495 الذي أقره مجلس الأمن في يوليو 2003، أي بعد ثلاثة أشهر من احتلال العراق، وينص على إلزام الأطراف بتطبيق أفكاره بغض النظر عن موقفهم منها، وهو ما اعتبره المغرب موقفا معاديا، لكنه مخيفا كون الإدارة الأمريكية تبنّـت هذا القرار.

وإذا كان الموقف الفرنسي قد أنقذ المغرب من مواجهة سياسية حادة مع واشنطن ومجلس الأمن، فإن الرباط حسمت موقفها من جيمس بيكر واعتبرته وسيطا غير نزيه، لا يأخذ بأفكاره اعتبارات التاريخ والجغرافيا واستقرار المنطقة، لذا كان الارتياح واضحا في الرباط لأنباء استقالته، ولولا الخشية من إعادة انتخاب جورج بوش لولاية ثانية واحتلال جيمس بيكر لمنصب في إدارته الجديدة لكان الارتياح .. احتفالا.

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية